صالحة

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : أحمد زياد محبّك | المصدر : www.awu-dam.org

كان في قديم الزمان أخت اسمها صالحة، تعيش مع أخيها بعد وفاة والديهما، وكانت حياتهما هادئة هانئة، لا ينغصها شيء. وكانت الأخت صالحة تلح على أخيها كي يتزوج، وكان يخشى إذا تزوج ألا تعيش زوجته في وفاق مع أخته. ولكن الأخت ألحت عليه، ثم سعت بنفسها إلى زواجه، فخطبت له فتاة تعرفها.‏

وحين تم الزواج فرحت فرحاً كبيراً.‏

وكانت الأخت تتودّد إلى زوجة أخيها، وتساعدها في شؤون البيت، بل كانت تسعى في خدمتها، وتقوم بكثير من الأعباء بدلاً منها، كرمى لأخيها، وحرصاً منها على جو السعادة والوفاق.‏

وحملت زوجة الأخ، وأنجبت ولداً، فرح به الجميع، وزادت سعادتهم به. ولعل الأخت كانت أكثر فرحاً به، إذ وجدت فيه ما يملأ حياتها، ويزيد من الرابطة بينها وبين زوجة أخيها، فأخذت تخدم الولد وترعاه وتحمل عن زوجة أخيها كل أعباء البيت.‏

ولكن زوجة الأخ بدأت تغار من الأخت صالحة، وأخذت تحسّ نحوها بكراهية، وجعلت تفكر بالتخلّص منها بأي طريقة، وما كان منها إلا عمدت في إحدى الليالي إلى ولدها، فذبحته، ثم غطته، وأسرعت إلى زوجها، تطلب منه أن يحضر الولد لترضعه، ومضى الزوج ليحضر الولد، فذعر مما رأى، وصاح ينادي زوجته، فأسرعت إليه، لتؤكد له أن أخته هي التي فعلت ذلك.‏

وثار الغضب في نفس الأخ، فاستل خنجره، وأسرع إلى أخته، فوجدها نائمة، ومن غير أن يوقظها أو يكلمها، قطع يديها الاثنتين، ولفّها في ملاءة وحملها، ومضى بها إلى بستان بعيد، ورمى بها هناك.‏

وفي الصباح خرج البستاني من كوخه ليتفقد الزرع وينظر في الزهور فرأى فتاة صبية كالقمر، ولكنها مقطوعة اليدين، فسألها عمن فعل بها ذلك؟ ومن رماها في بستانه؟ فأخبرته بما كان من أمرها، فأشفق عليها، ودعاها لتعيش في البستان فشكرت له ذلك، وطلبت منه أن يبني لها كوخاً صغيراً، بعيداً عن العيون، وألا يخبر بها أحداً.‏

وكان هذا البستان للملك، وكان يقصده بين الحين والحين ليرتاح من أمور المملكة وشؤونها وذات يوم دخل الملك البستان مع جنده وخدمه، وأخذ يطوف في أرجائه يتملى جماله ويمتع نفسه بما فيه من زهور.‏

وكان جنده يشاركونه في تملّي جمال البستان يطوفون في أرجائه، للتسلية والاستمتاع، وشاهد أحد جنده الكوخ الجديد، فاتجه إليه، ولما رأته صالحة مقبلاً نحوها، لجأت إلى داخل كوخها، فلحق بها، وهمّ بها، لكنها صاحت تطلب الغوث، وتنبّه الملك، فأسرع إلى الكوخ، فوجد جنديه وصالحة تفرّ من بين يديه مستغيثة، ولما عاتبه الملك على ذلك، ادّعى أن الفتاة هي التي بادرت إلى دعوته إلى كوخها، وأكد أنها هي التي جذبته بكلتا يديها ليدخل الكوخ وطلب الملك على الفور إحضار الفتاة، ولما رآها مقطوعة اليدين، عرف الكذب في كلام جنديه، فأمر بسجنه، ثم أنهى زيارته للبستان، ورجع إلى قصره. وكان جمال صالحة قد استولى على لبّ الملك، فأخذ يفكّر فيها ليله ونهاره، صورة محياها لا تغادره، وذات يوم مضى إلى البستان، وطلب من صالحة أن تكون زوجة له، ولكن صالحة اعتذرت، وبينّت للملك أنها مقطوعة اليدين وأنها لا تليق زوجة به، ولكن الملك أصرّ، وتدخل البستاني وأقنعها بالزواج من الملك فقبلت. وشاع الخبر في أرجاء البلاد؛ الملك يتزوج من فتاة مقطوعة اليدين تدعى صالحة، وأقيمت الأفراح، والولائم، ووصل الخبر إلى زوجة الأخ، فازدادت غيظاً وقهراً.‏

ومرت الأيام وحملت صالحة من الملك، فازداد حبه لها، وتعلقه بها، ولكن حدث أن اضطر الملك إلى السفر إلى بعض البلاد، وظلت صالحة وحدها، وفي غيابه وضعت ولداً جميلاً، فسعد به كل من في القصر وأقيمت الأفراح، وتمّ إرسال رسول إلى الملك يحمل نبأ المولود.‏

وما كان من زوجة الأخ إلا أن اعترضت طريق الرسول، وهو ماض إلى الملك ليخبره بالمولود، ودعته إلى بيت قريب، وقدمت له شراباً. فيه منوّم، فاستسلم لنوم عميق، فاستلّت منه الرسالة التي يحملها إلى الملك، فمزقّتها، ودست رسالة أخرى بدلاً منها، ولما استيقظ، شكرها لحسن ضيافتها ثم مضى، وهو لا يعلم مما حصل شيئاً. ولما وصل الرسول إلى الملك، قدّم إليه الرسالة، فقرأها فإذا فيها: "وضعت زوجتك ولداً أسود اللون، قبيح الشكل، من المؤكد أنه ليس ولدك، ومما يؤكد أيضاً خيانة صالحة".‏

وحزن الملك لدى قراءته الرسالة حزناً شديداً، ثم كتب إلى أهله جواباً يطلب فيه إكرام صالحة والعناية بالمولود، وعدم التصرف بشيء إلى حين عودته.‏

وفي طريق العودة تصدّت زوجة الأخ للرسول أيضاً، ودعته لاستراحة قصيرة، وفعلت مثلما فعلت في المرة الأولى، إذ بدّلت الرسالة التي يحملها برسالة أخرى.‏

وقرأ أهل الملك الرسالة التي كان يحملها الرسول، فإذا فيها: "تخلصوا من صالحة ومن ولدها بأي شكل كان"، ودهش أهل الملك والوزراء لجواب الملك، ولكنهم اضطروا إلى التنفيذ، وعهدوا بالأمر إلى أحد الوزراء.‏

وما كان من هذا الوزير إلى أن حمل صالحة وولدها في صندوق، وتركها عند شاطئ البحر.‏

ومرّ صياد فقير، ففتح الصندوق، فوجد صالحة مع ولدها، فأشفق عليها، ودعاها إلى العيش مع زوجته وأولاده.‏

ورجع الملك إلى قصره بعد مدة، فلم يجد زوجته، ولا ولده، فسأل عنهما، فأخبروه بما كان من أمره هو في رسالة منه بالتخلص من صالحة وولدها، فأنكر ذلك، ثم طلب من الوزير أن يخبره بحقيقة ما فعله بصالحة.‏

ثم أسرع الملك بنفسه مع الوزير إلى شاطئ البحر، حيث كان الوزير قد ترك صالحة مع ولدها، وسأل عن الصيادين، فدلوه على كوخ الصياد الذي كان قد آواها.‏

والتقى الملك بزوجته وولدها، وعرف أن ثمة تزييفاً في الرسائل قد حصل، فاستدعى إليه الرسول، ولما سأله عن أمر الرسائل أخبر بالمرأة التي استضافته عندها في الذهاب والعودة.‏

وأمر الملك بإحضار تلك المرأة، فإذا هي زوجة أخي صالحة، فسأل الملك زوجته عن العقاب الذي تريد أن يوقعه الملك بزوجة أخيها، فقالت له: "العفو".‏

وهكذا عفا الملك عن زوجة الأخ، فعادت إلى بيتها آسفة نادمة، وعاش الملك مع زوجته صالحة وولدهما، في هناءة وسرور.‏

التعليق:‏

تؤكد الحكاية أن الحب هو الخلاص، وبه وحده يستطيع أن يعيش الناس حياتهم العيش الحق.‏

إن كراهية زوجة الأخ قادت إلى الأذى، على حين أن حب الملك لأخت الزوج صالحة، هو الذي أدى إلى الهناءة والسعادة.‏

كما تؤكد أنه لابد من المعاناة والمرور بمصاعب كبيرة، مما يقتضي الصبر والتضحية، قبل أن يتحقق النصر للحق والخير والعدل.‏