يحكى أن امرأة عجوزاً كانت تعيش وحدها، فقيرة بائسة، فقد توفي عنها زوجها، ولم يخلف لها شيئاً، ولم يكن لهما أولاد، فكانت تتسقط لقيمات الطعام من هنا وهناك، وتأوي إلى دار حقيرة، وكانت تمضي شهور الشتاء حبيسة الدار، لا تغادرها مكتفية بما ادخرته من طعام في الصيف، حتى إذا حل الربيع خرجت تقصد الناس، سائلة العطاء. وفي يوم من أيام الربيع، رجعت إلى دارها عصراً، وقعدت في فناء الدار، تتدفأ بأشعة الشمس، وأخذت تسرح شعرها، وكانت لا تغسله، بل لا تسرحه، إلا مرة في العام، حين يحل الربيع. وبعد أن انتهت من تسريح شعرها، على قلّته، جمعت ماتساقط منه، ورأت أن تحرقه، بدلاً من أن ترميه في الأقذار، فأشعلت النار، وألقته فيها. وشم الجيران رائحة شعر يحترق، وكان عندهم عنزة، ضاعت منذ أيام، فأسرعوا إلى الجارة يتهمونها بسرقة العنزة، وهم يدعون أنها أحرقت جلد العنزة وعظامها، حتى لا يبقى لها على أثر، وذهبوا بالعجوز إلى الملك، يشكونها إليه، وأقسمت العجوز الإيمان مؤكدة براءتها، وأنها لم تحرق سوى شعرات تساقطت من رأسها، الذي لا تسرحه إلا مرة في السنة، فصدّق الملك كلامها، ولكنه حذرها من إحراق ما يتساقط من شعرها مرة أخرى. ورجعت العجوز إلى دارها، يائسة، تندب حظها، وشقاءها. ومرت الأيام، ومضى على العجوز عام آخر، لم تسرح فيه شعرها، وقد اتسخ اتساخاً شديداً، وعشش فيه القمل، ولما حل الربيع، قعدت في فناء الدار، تدفئ جسمها بنور الشمس، وتسرح شعرها، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته إلى خارج الدار، وألقته، بعيداً، ورجعت إلى دارها مطمئنة. ولكن الريح حملت شعرها العجوز بما فيه من قمل، وحطت به في بيدر قمح، لأحد كبار الأغنياء، فعرف على الفور شعر العجوز، وأسرع به إلى الملك، يشكوها، وهو يدعي أن القمل الذي في الشعر أضرّ بقمحه، وأرسل الملك وراء العجوز، فأحضرها الجند، فاعترفت بما فعلت، ولكنها أكدت أنها لم تكن تريد إيذاء أحد، فعفا الملك عنها، وحذرها من أي تلقي شعرها مرة أخرى في الفلاة، وعوّض للغني خسارته في قمحه. ورجعت العجوز إلى دارها حزينة، بائسة، تندب حظها، ولا تجد ما تفعل. ومرت الأيام، وحال الحول، وإذا سنة مرت، وشعرها من غير غسل ولا تسريح، وقد تشعث واغبرّ، فاضطرت حين حل الربيع، إلى تسريحه، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته، ومضت إلى نهر قريب، ورمت به في النهر، ورجعت إلى دارها آمنة مطمئنة. ولكن النهر حمل شعر العجوز، وسار به إلى بستان كان ابن الملك قد خرج إليه للنزهة، وترك حصانه يسرح في الحقول، ودنا الحصان، وشرب من النهر، وإذا شعر العجوز يدخل إلى حلقه، ويعلق فيه، وأسرع ابن الملك إلى الحصان، وساعد، الجند على إنقاذه، وأخرجوا الشعر من حلقه، وذهبوا به إلى الملك، فعرفه على الفور، فأرسل وراء العجوز. ودخلت العجوز على الملك، يائسة، حائرة، لا تعرف ما تقول، ولما عاتبها على تسريح شعرها، وإلقاء ما تساقط منه في النهر، تمنت عليه أن يقطع رأسها، وأن يريحها من شعره، فضحك الملك، وعفا عنها، ثم أمر الخدم أن يعنوا بها، وأن يفردوا لها غرفة في القصر، تعيش فيها بقية عمرها، عزيزة مكرمة. تعليق: حكاية نقدية ساخرة تدل على إحساس العامة بسيطرة السلطان على الأمور كلها وسدّه الآفاق، كما تدل على شعورهم بالنكد والقهر من خلال تصوير تلك العجوز البائسة التي لا تؤذي أحداً ولا تأتي بفعل يمسّ الآخرين، ولكن نكد الحظ يقودها دائماً إلى مواجهة السلطان لأنه امتلك كل شيء. والحكاية تلجأ إلى شخصية العجوز لما فيها من ضعف وعفوية وبساطة، فتضعها أمام ابن السلطان، كي تحدث المفارقة الكبيرة بينهما، كما تلجأ الحكاية إلى عنصر الشعر لما فيه من ضعة وانعدام قيمة ولا سيما شعر العجوز، ومع ذلك فقد جرّ على العجوز مشكلات كثيرة. والسخرية في الحكاية واضحة، وهي سخرية مرّة مؤلمة، تدل على إحساس العامة بضعفهم وعجزهم وشعورهم بالنقمة
يحكى أن امرأة عجوزاً كانت تعيش وحدها، فقيرة بائسة، فقد توفي عنها زوجها، ولم يخلف لها شيئاً، ولم يكن لهما أولاد، فكانت تتسقط لقيمات الطعام من هنا وهناك، وتأوي إلى دار حقيرة، وكانت تمضي شهور الشتاء حبيسة الدار، لا تغادرها مكتفية بما ادخرته من طعام في الصيف، حتى إذا حل الربيع خرجت تقصد الناس، سائلة العطاء.
وفي يوم من أيام الربيع، رجعت إلى دارها عصراً، وقعدت في فناء الدار، تتدفأ بأشعة الشمس، وأخذت تسرح شعرها، وكانت لا تغسله، بل لا تسرحه، إلا مرة في العام، حين يحل الربيع.
وبعد أن انتهت من تسريح شعرها، على قلّته، جمعت ماتساقط منه، ورأت أن تحرقه، بدلاً من أن ترميه في الأقذار، فأشعلت النار، وألقته فيها.
وشم الجيران رائحة شعر يحترق، وكان عندهم عنزة، ضاعت منذ أيام، فأسرعوا إلى الجارة يتهمونها بسرقة العنزة، وهم يدعون أنها أحرقت جلد العنزة وعظامها، حتى لا يبقى لها على أثر، وذهبوا بالعجوز إلى الملك، يشكونها إليه، وأقسمت العجوز الإيمان مؤكدة براءتها، وأنها لم تحرق سوى شعرات تساقطت من رأسها، الذي لا تسرحه إلا مرة في السنة، فصدّق الملك كلامها، ولكنه حذرها من إحراق ما يتساقط من شعرها مرة أخرى.
ورجعت العجوز إلى دارها، يائسة، تندب حظها، وشقاءها.
ومرت الأيام، ومضى على العجوز عام آخر، لم تسرح فيه شعرها، وقد اتسخ اتساخاً شديداً، وعشش فيه القمل، ولما حل الربيع، قعدت في فناء الدار، تدفئ جسمها بنور الشمس، وتسرح شعرها، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته إلى خارج الدار، وألقته، بعيداً، ورجعت إلى دارها مطمئنة.
ولكن الريح حملت شعرها العجوز بما فيه من قمل، وحطت به في بيدر قمح، لأحد كبار الأغنياء، فعرف على الفور شعر العجوز، وأسرع به إلى الملك، يشكوها، وهو يدعي أن القمل الذي في الشعر أضرّ بقمحه، وأرسل الملك وراء العجوز، فأحضرها الجند، فاعترفت بما فعلت، ولكنها أكدت أنها لم تكن تريد إيذاء أحد، فعفا الملك عنها، وحذرها من أي تلقي شعرها مرة أخرى في الفلاة، وعوّض للغني خسارته في قمحه.
ورجعت العجوز إلى دارها حزينة، بائسة، تندب حظها، ولا تجد ما تفعل.
ومرت الأيام، وحال الحول، وإذا سنة مرت، وشعرها من غير غسل ولا تسريح، وقد تشعث واغبرّ، فاضطرت حين حل الربيع، إلى تسريحه، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته، ومضت إلى نهر قريب، ورمت به في النهر، ورجعت إلى دارها آمنة مطمئنة.
ولكن النهر حمل شعر العجوز، وسار به إلى بستان كان ابن الملك قد خرج إليه للنزهة، وترك حصانه يسرح في الحقول، ودنا الحصان، وشرب من النهر، وإذا شعر العجوز يدخل إلى حلقه، ويعلق فيه، وأسرع ابن الملك إلى الحصان، وساعد، الجند على إنقاذه، وأخرجوا الشعر من حلقه، وذهبوا به إلى الملك، فعرفه على الفور، فأرسل وراء العجوز.
ودخلت العجوز على الملك، يائسة، حائرة، لا تعرف ما تقول، ولما عاتبها على تسريح شعرها، وإلقاء ما تساقط منه في النهر، تمنت عليه أن يقطع رأسها، وأن يريحها من شعره، فضحك الملك، وعفا عنها، ثم أمر الخدم أن يعنوا بها، وأن يفردوا لها غرفة في القصر، تعيش فيها بقية عمرها، عزيزة مكرمة.
تعليق:
حكاية نقدية ساخرة تدل على إحساس العامة بسيطرة السلطان على الأمور كلها وسدّه الآفاق، كما تدل على شعورهم بالنكد والقهر من خلال تصوير تلك العجوز البائسة التي لا تؤذي أحداً ولا تأتي بفعل يمسّ الآخرين، ولكن نكد الحظ يقودها دائماً إلى مواجهة السلطان لأنه امتلك كل شيء.
والحكاية تلجأ إلى شخصية العجوز لما فيها من ضعف وعفوية وبساطة، فتضعها أمام ابن السلطان، كي تحدث المفارقة الكبيرة بينهما، كما تلجأ الحكاية إلى عنصر الشعر لما فيه من ضعة وانعدام قيمة ولا سيما شعر العجوز، ومع ذلك فقد جرّ على العجوز مشكلات كثيرة.
والسخرية في الحكاية واضحة، وهي سخرية مرّة مؤلمة، تدل على إحساس العامة بضعفهم وعجزهم وشعورهم بالنقمة