يحكى أن فتى من أمراء العرب كان شقياً، يعاقر الخمر، ولا يتورع عن ارتكاب المحرمات، كثير اللهو والمجون، وكان ذات يوم منطلقاً في الصحراء على ظهر فرسه، يقصد الصيد، فإذا هو بين جبلين، أمام رجل عجوز، ذي لحية بيضاء، ينتقل بخطوة واحدة من هذا الجبل إلى ذاك، ثم ينحني على الأرض، فيقتلع نبتة صغيرة، ثم ينتقل إلى الجبل الآخر، ليضع هذه النبتة، إلى جانب نبتة أخرى هناك، وكان ما ينفك ينتقل بين الجبلين، فدهش الفتى لمرآه، ولما اقترب منه، سلم عليه وسأله عن عمله، فأجابه الشيخ العجوز: "أزوج بنت المشرق لابن المغرب، وابن المشرق لبنت المغرب، وأركّب حظّ هذا على حظّ هذه، وحظّ هذه على حظ ذاك". فقال له الفتى: "أريد أن تنظر لي حظي أين يكون؟ "، فقال له الشيخ العجوز: "حظك في مضارب الشرق، وضعتها أمها هذه الساعة، وهي بنت فلان، وأمها فلانة، فشكر له الفتى الجواب، وأسرع إلى تلك المضارب، وفي نيته فعل شيء ما، فقد قرر من قبل ألاّ يتزوج ألبتة. ولما بلغ المضارب، وجد القوم في فرح وابتهاج، بمناسبة المولودة، فنزل فيهم، فرحبوا به، وأكرموا وفادته، ولما كان الليل، تسلل إلى خيمة البنت، فدخلها، حتى بلغها، فانتفى سكينة، وطعن بها صدر الطفلة، وشقّه، وخرج، ثم مضى بعيداً عن مضارب القوم، مرتاحاً إلى خلاصه من حظه المقسوم. ولما كان الصباح، أفاق القوم، فرأوا الطفلة في رامة من دمها، فلجؤوا إلى امرأة عجوز، تمارس الطب عندهم، فعملت على خياطة الجرح، ودهنته بما تصنعه بنفسها من مراهم، وما هي إلا أشهر وأيام، حتى شفي الجرح، وكتبت للبنت السلامة والنجاة. ومضى ذلك الفتى يسدر في فجره وفسوقه، حتى كان يوم توفي فيه أبوه، وهو أمير، فحزن لموته أشد الحزن، وأحس بحقيقة الحياة، ورأى نفسه أمام المصير، فاستغفر ربّه وتاب، وأقلع عن الغيّ والفساد، وقد أسندت إليه الإمارة من بعد والده. ومرت الأيام، وهو مشغول بالإمارة، وبالضيوف، وبالقبائل التي تفد عليه، ولكنه أحس ذات يوم بحاجة إلى زوجة، يطمئن إليها ويرتاح، ويحس في قربها بالسعادة والرضا والأمان، فأخذ يبحث عن زوجة صالحة، ومضى يفكر بمن يعرف من الأهل والأقارب، ولكنه لم يهتد إلى بغيته. وذات يوم خرج إلى الصيد، وابتعد عن مضارب قبيلته، وتاه في الصحراء، فرأى من بعيد خيمة وحيدة، فلجأ إليها، فاستقبله صاحب الخيمة وزوجته، وكانا عجوزين، خير استقبال، وشاركتهما في الاستقبال فتاة صبية، هي ابنتهما. وأضافه القوم، على الرغم من فقرهم، وأكرموا وفادته، وكان قد أعجب بالفتاة الإعجاب كله، فقرر خطبتها، وحدث والدها في الأمر، فوافق، فنقلهم جميعاً إلى مضارب قبيلته، وفي بضعة أيام تمت الاستعدادات للزواج. وليلة الزفاف، دخل الفتى على عروسه، ولما خلال بها، رأى أثر جرح غائر في صدرها، فسألها عنه، فروت له ماكان يرويه لها أهلها عن فتى غريب، نزل في ضيافتهم يوم ولادتها، ثم غدر بها، فعرف فيها على الفور حظه المقسوم، الذي كان الشيخ العجوز قد أخبره به. واستغفر الفتى لذنبه، وعاش مع زوجته، في هناءة وسرور، وأنجبا البنين والبنات. تعليق: تؤكد الحكاية قوة القدر الذي لايمكن أن يردّ، وهي تقدم لذلك مثلاً فيه قدر غير قليل من المبالغة، ولكنها مبالغة فنية جميلة. والحكاية تهدف إلى الوعظ، وتسعى إلى النصح بالتسليم للقدر، والقبول بما هو مقسوم، كما تلمح إلى أنه لا مفر للمرء ولا ملجأ له إلاّ إلى بارئه، ليجد الراحة والاطمئنان. وهي تدل على مجتمع لا دور فيه للمرأة ولا خيار، ولا فعل، فالدور كل الدور للرجل وحده. ولعل أجمل مافي الحكاية هو الشيخ العجوز الذي يزاوج بين نبتة في هذا الجبل وأخرى في ذاك، وهي صورة مبتكرة، ترمز بالشيخ إلى القدر، كما ترمز بالنبتتين إلى الزوجين
يحكى أن فتى من أمراء العرب كان شقياً، يعاقر الخمر، ولا يتورع عن ارتكاب المحرمات، كثير اللهو والمجون، وكان ذات يوم منطلقاً في الصحراء على ظهر فرسه، يقصد الصيد، فإذا هو بين جبلين، أمام رجل عجوز، ذي لحية بيضاء، ينتقل بخطوة واحدة من هذا الجبل إلى ذاك، ثم ينحني على الأرض، فيقتلع نبتة صغيرة، ثم ينتقل إلى الجبل الآخر، ليضع هذه النبتة، إلى جانب نبتة أخرى هناك، وكان ما ينفك ينتقل بين الجبلين، فدهش الفتى لمرآه، ولما اقترب منه، سلم عليه وسأله عن عمله، فأجابه الشيخ العجوز: "أزوج بنت المشرق لابن المغرب، وابن المشرق لبنت المغرب، وأركّب حظّ هذا على حظّ هذه، وحظّ هذه على حظ ذاك". فقال له الفتى: "أريد أن تنظر لي حظي أين يكون؟ "، فقال له الشيخ العجوز: "حظك في مضارب الشرق، وضعتها أمها هذه الساعة، وهي بنت فلان، وأمها فلانة، فشكر له الفتى الجواب، وأسرع إلى تلك المضارب، وفي نيته فعل شيء ما، فقد قرر من قبل ألاّ يتزوج ألبتة.
ولما بلغ المضارب، وجد القوم في فرح وابتهاج، بمناسبة المولودة، فنزل فيهم، فرحبوا به، وأكرموا وفادته، ولما كان الليل، تسلل إلى خيمة البنت، فدخلها، حتى بلغها، فانتفى سكينة، وطعن بها صدر الطفلة، وشقّه، وخرج، ثم مضى بعيداً عن مضارب القوم، مرتاحاً إلى خلاصه من حظه المقسوم.
ولما كان الصباح، أفاق القوم، فرأوا الطفلة في رامة من دمها، فلجؤوا إلى امرأة عجوز، تمارس الطب عندهم، فعملت على خياطة الجرح، ودهنته بما تصنعه بنفسها من مراهم، وما هي إلا أشهر وأيام، حتى شفي الجرح، وكتبت للبنت السلامة والنجاة.
ومضى ذلك الفتى يسدر في فجره وفسوقه، حتى كان يوم توفي فيه أبوه، وهو أمير، فحزن لموته أشد الحزن، وأحس بحقيقة الحياة، ورأى نفسه أمام المصير، فاستغفر ربّه وتاب، وأقلع عن الغيّ والفساد، وقد أسندت إليه الإمارة من بعد والده.
ومرت الأيام، وهو مشغول بالإمارة، وبالضيوف، وبالقبائل التي تفد عليه، ولكنه أحس ذات يوم بحاجة إلى زوجة، يطمئن إليها ويرتاح، ويحس في قربها بالسعادة والرضا والأمان، فأخذ يبحث عن زوجة صالحة، ومضى يفكر بمن يعرف من الأهل والأقارب، ولكنه لم يهتد إلى بغيته.
وذات يوم خرج إلى الصيد، وابتعد عن مضارب قبيلته، وتاه في الصحراء، فرأى من بعيد خيمة وحيدة، فلجأ إليها، فاستقبله صاحب الخيمة وزوجته، وكانا عجوزين، خير استقبال، وشاركتهما في الاستقبال فتاة صبية، هي ابنتهما.
وأضافه القوم، على الرغم من فقرهم، وأكرموا وفادته، وكان قد أعجب بالفتاة الإعجاب كله، فقرر خطبتها، وحدث والدها في الأمر، فوافق، فنقلهم جميعاً إلى مضارب قبيلته، وفي بضعة أيام تمت الاستعدادات للزواج.
وليلة الزفاف، دخل الفتى على عروسه، ولما خلال بها، رأى أثر جرح غائر في صدرها، فسألها عنه، فروت له ماكان يرويه لها أهلها عن فتى غريب، نزل في ضيافتهم يوم ولادتها، ثم غدر بها، فعرف فيها على الفور حظه المقسوم، الذي كان الشيخ العجوز قد أخبره به.
واستغفر الفتى لذنبه، وعاش مع زوجته، في هناءة وسرور، وأنجبا البنين والبنات.
تعليق:
تؤكد الحكاية قوة القدر الذي لايمكن أن يردّ، وهي تقدم لذلك مثلاً فيه قدر غير قليل من المبالغة، ولكنها مبالغة فنية جميلة.
والحكاية تهدف إلى الوعظ، وتسعى إلى النصح بالتسليم للقدر، والقبول بما هو مقسوم، كما تلمح إلى أنه لا مفر للمرء ولا ملجأ له إلاّ إلى بارئه، ليجد الراحة والاطمئنان.
وهي تدل على مجتمع لا دور فيه للمرأة ولا خيار، ولا فعل، فالدور كل الدور للرجل وحده.
ولعل أجمل مافي الحكاية هو الشيخ العجوز الذي يزاوج بين نبتة في هذا الجبل وأخرى في ذاك، وهي صورة مبتكرة، ترمز بالشيخ إلى القدر، كما ترمز بالنبتتين إلى الزوجين