كلّهم يقولون: ماشي الحال. ويشتكون وأنا بدوري أقول: ماشي الحال. وأحاول الشكوى فيسبقونني.
لكأنه كُتب عليّ أن أستمع حتى الضّجر، مع إيماءات رأس موافقة رتيبة، وابتسامات أو تكشيرات بلهاء، أمس تلكّأ أحدهم فسبقته.
لم أنتبه للتعبير الغامض في عينيه
ورغم ضجره وتثاؤبه، قلت كل ما يخطر وما لا يخطر على البال دفعة واحدة.
أزحتُ شيئاً من الثقل عن صدري.
لكنّه لم يشفِ غليلي، حيث انصرف دون أن يقول شيئاً، أو يعقّب ولو بكلمة أو إشارة.
- ألم تلاحظ أنه غير طبيعي؟!
- أما زلت تحكي بالطبيعي يا محترم؟!
- أنا لا أمزح. أمس أخذوه إلى الطبيب النفسي.
قال: غيِّروا ظروفه.
أهله لم يفهموا كيف سيغيّرون ظروفه، ففلتوه، ليتغيّر هو وعلى هواه.
اليوم جاء كعادته، كان يتكلم مع نفسه بصوت مسموع. ويداه تساعدانه في التعبير عن أشياء وأشياء، وبحدّة متفاوتة. عادة، عندما نضبط بعضنا في حالة مشابهة، نخجل، نسارع لابتلاع بقية أقوالنا أو أفكارنا أو هواجسنا المسموعة، ونختبئ خلف أصواتنا المرتبكة وهي تردّد: يا أهلاً ومرحباً... كيف الحال.؟
- ماشي الحال.
لكن صاحبي لم يعر أحداً اهتمامه، استمرّ في فضح معاركه السريّة الخاصة، إلى أن أوشك على الإصطدام بي، وعيناه الزائغتان تفتّشان عن شيء ما.
رحّبتُ به، وسألته السؤال المكرور: كيف الحال؟
لم يقل شيئاً، حتى ولا ماشي الحال.
جلس على ذات الكرسي التي تعوّد أن يجلس عليها.
تناول علبة سجائري، أشعل واحدة، عبّ منها بنهم ، ثم فتّش جيوبه بعصبيّة إلى أن عثر على ورقة تالفة. خربش عليها خطوطاً مبهمة، ورماها في وجهي.
- ماهذه؟ قلتها وأنا أتحفّز بحذر للدفاع عن نفسي، أو للهرب إن لزم الأمر.
- هذه قسيمة اشتراك.
لم أجرؤ على التساؤل، ولا على الإعتراض. فقط بقيت أتأمّله بهدوء واحتراس.
- قل لهم: هذه من "أبو" العز
- ماشي الحال.. سأقول يا صاحبي.
- لا سيدي.. مو ماشي الحال.. أنا أعرَفْ وأفْهَم منك، وإذا احتجتني.. القسيمة معك... ستلاقيني ولو في آخر الدنيا