أحلام للبيع

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : ظافــــر الـنجــــــار | المصدر : www.awu-dam.org

 يانصيب..‏

صوت تفوح منه رائحة الجائزة الكبرى.‏

- ملايين.. ملايين.‏

من يقاوم إغراء الملايين؟! تعال يا ولد.‏

ويأتي الولد.‏

"أنت؟! يا بابا حلّ عنّي الله يرضى عليك.. تريد؟ أعرف.. أعرف أنك دائماً تريد.. وأمّك تريد.. وأختك، و.. كلكم تريدون.. أنا وحدي لا أريد.. اللهم إلا وجعَ الرأس."‏

- يانصيب.. بكره السحب.‏

نصيبي وأعرفه. وُلدتُ منحوساً، والطفل الذي مات فيّ لم يُكمل موته. حتى زوجتي تكرهه. تلعن الساعة التي تزوّجتني بها. تريد رجلاً يأكل الدنيا قبل أن تأكله.‏

"..- عيب يا امرأة.. نحن بشر.‏

- مثالياتُك الفارغة لا تطعم خبزاً. و.. و.." ونتشاجر.‏

" -أنتِ طالق.. ما فائدة أن أعيش رقماً خسيساً؟!‏

على كل حال لا فائدة من الحوار مع قيم السوق التي شوّهتك.. مع السلامة."‏

".. أنت طالق؟!‏

أطلّقها وأحمل الأولاد على ظهري؟!‏

ثمّ من ستتزوّجني بمهر قدره أطنان من العملة الأخلاقية والثقافية الباطلة؟!‏

- أنا.. أنا يا روحي..‏

- أنتِ؟ ربما.. قد تكونين أنت الأخرى طيبّة وغبيّة مثلي، كما يقولون. لكن... عندما تقرصك الحاجة ستضطرين لشتم أجدادي وأجداد من عرّفك عليّ.‏

- أبداً.. بل سنتعاون يا روحي.‏

- لا أمانع إن كنتِ جادّة.. فالتعاون ضروري.. وسيجعل منكِ نداً لي.. يحررّك من بقايا عقلي الذكوري. لكن.. والله لن تكون بعيدة تلك اللحظة التي تتّهمينني فيها بأنني لست رجلاً، وبالمعنى الذكوري ذاته...‏

- كل رفيقاتي ستّات.. مرفّهات.. و....‏

- من أين لي يا امرأة؟!‏

- لا أعرف.. أنت رجل ومسؤول.. وإلاّ والله سأشرشحك.‏

- مع السلامة عمّو.. سأرجع إلى زوجتي القديمة.. على الأقل أعرف قاموس شتائمها..."‏

- يا نصيب.. قرّب على الملايين.‏

.. لا أعرف كم رقم بائع اليانصيب هذا. مرّ الكثيرون. وكلّهم يدسّون أوراقهم بأنفي، لأتحسس الرائحة نفسها، التي تخدّرني كلما حدث شجار منزليّ.‏

".. - أترين هذه الأكداس المكدّسة؟‏

- من لا يراها ياحبيبي؟! لكنك أكبر منها والله.‏

- أخيراً؟!‏

- أولاً وأخيراً.. أم أنّك تحملّني مسؤولية الظروف التي قد تجعل البشر كالجرذان التي يطيب لها أن تهشم بعضها في المختبر؟‏

- ما شي الحال.. عموماً.. غيمة ومرّت. صحيح أنها أكلت ثلاثة أرباع عمرنا.. لكن الربع الأخير سيكون ربيعاً كاملاً.. أليس كذلك؟‏

- طبعاً كذلك يا عمري.. و...."‏

- يانصيب... يا نصيب.‏

مائة ليرة تنخسني.. أشعر بثقلها، برائحة ملايينها، ويدي تضغط عليها وتتعرّق، تحثّها على ألاّ تخذلني. لن أفرط بها لأيّ سبب كان، إذ لا يُعقل أن أهدر ثروة كرمى لعيون مئة ليرة مهترئة.‏

"..- ثم ما الذي تستطيعه مئة ليرة يا امرأة؟!‏

- ياربيّ.. إلى متى هذا الهوس بالناصيب؟!‏

- هوس؟! يعني مجنون؟! يا فهيمة.. كل العالم يراهنون على النصيب.‏

تسبّني، وتسبّ العالم.‏

أحملق بها وأصرخ: يا ابنة الـ.. ما الذي تبقّى لي غير هذا الرهان؟!‏

تقول دون أن يرفّ لها جفن: لأنك نذل.‏

يطير عقلي، وأقتلها.‏

يرعبني منظر الدم. فأطرد الكابوس، وألعن الشيطان."‏

ماذا أفعل يا رب؟ الأبواب تنغلق واحداً بعد الآخر. باعة اليانصيب وحدهم يفتحون لي باب الأحلام المؤقتّة، فأغرف، أغرف حتى التعب.‏

كل يوم نلعب هذه اللعبة. وسويّة نشتكي من الحظ. نتأمّل أرقام الأرباح. ونطقّ من الحسد.‏

وعندما يدرك الباعة أنني لا أملك ثمن التورّط في اللعبة، يمضون وهم يهزّون أكتافهم، لكأنهم يحملّونني مسؤولية ضياع فرصة العمر المحقّقة هذه المرّة تحديداً. فيأكلني الندم.‏

أستحضر وجه زوجتي، أجرّها من شعرها وأنا أصرخ:‏

لولاك لفعلتها وأصبحت مليونيراً.‏

فتضحك، تضحك وتنسحب دون أن تجفّف دموعها، ودون أن نكمل شجارنا.‏

.. لماذا تنفتح عليّ أبواب الشّجار حتى عندما أخلو بنفسي؟!‏

... عموماً، اليوم لن نتشاجر. حتى باعة اليانصيب يعرفون أنني لا أملك مئة ليرة، وإلاّ لناديت أحدهم ليضع الملايين في جيبي.‏

وحتى لو ملكتها، لن أجرؤ بعد على التفريط بها.‏

حيث أن كرباج الحياة اليومية، لم بعد يترك لي مجالاً ولو لبيع أو شراء الأحلام الرخيصة.‏