إذا كان التاجر يبدأ نهاره بالقول: "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم"، فإلي أي مدى يحق لحفار القبور أو الطبيب أو صاحب المستشفى أو مدير المخفر أن يبتهل إلى الله داعياً إلى طلب الرزق. فالذين يعيشون على مصائب الآخرين وكوارثهم وفواجعهم، لاشك أنهم يقدمون خدمة لمن تحل بهم المصائب والكوارث والفواجع، فحفار القبور قد يكون رقيق القلب، مرهف الحس، لا يحب الأذى للآخرين، لكنه- في الوقت نفسه- لا يرغب في قلة الشغل، لأن لديه متطلبات وحاجات تدعوه للعمل والإنتاج من أجل تغطيتها، وإذا لم يمت أحد لعدة أيام، فانه لن يحفر قبرا لحي، وهذا معناه أن الدنيا ستضيق في وجهه، مما قد يدفعه إلى القول في الصباح: "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم"! ولنا أن نقيس ذلك على الذين يتعاملون مع الموتى والمرضى والجرحى وغيرهم ممن نزلت بهم النوازل والنوائب. ونحن نعتقد في العادة، أن هؤلاء الناس، من أصحاب بعض المهن، وحدهم الذين يعيشون على الصواعق التي تنزل على رؤوس الآخرين، لكن الكاتب التركي، عزيز نيسين، الذي أشار أحد التعليقات الصحفية إلى أنه مات مؤخراً، يؤكد أن الشاعر والشرطي والصحفي والصيدلي والجلاد والمحامي وغيرهم لا يعملون ولا ينتجون، ولا تتسهل شؤون حياتهم إلا بالصاعقات الماحقات النازلات على هامات عباد الله، ويبرهن على ذلك، بأسلوبه الساخر المعروف، من خلال حواريات قصيرة بين أصحاب بعض الأعمال والمهن وزوجاتهم.. ولنأخذ على سبيل المثال، حوارية الصحفي وزوجته، فبعد أن تعرب عن استيائها من العيش معه، بدليل عدم امتلاكها لفستان لائق، يحاول استرضاءها بقوله: ما أزال محرراً بسيطاً، وكي أحقق النجاح، وأترقى، وأصبح على رأس الجريدة، لابد أن تجري أحداث استثنائية: كارثة جوية فخمة، زلزال هائل، حريق فظيع، جريمة غامضة، أو أي شيء ما من هذا القبيل، حينذاك سوف أستطيع إثبات وجودي، وأتفوق على جميع الصحفيين من الجرائد الأخرى، فلا أحد يجاريني في مهارة توزيع المادة، وفي ابتكار العنوان الجذاب، لكن ما العمل إذا كنت غير محظوظ، لكأن الحياة قد تسمرت في مكانها، فأنا لا أستطيع قتل الناس بهدف الإثارة الصحفية، لكنني واثق من أن الحظ سيبتسم لي في يوم من الأيام! هل يخامرك شك في إنني لا أريد إظهار نفسي، وأحصل على ترقية، وأفوز بلقب أفضل صحفي لهذا العام؟ وهل يعقل أنني لا أريد كسب المال الكثير كي لا تعرف أسرتي العوز والحاجة؟ ربما ترتكب جريمة غداً. أو بعد غد، وعندئذ سأدبج تلك الريبورتاجات، التي ستجعل الجميع ينكبون على قراءتها! لا تبكي، اشفقي على قلبي الذي يتمزق.. الأفضل أن تصلي كي يوفق الله زوجك، لتغرق باخرة، فليحصل طوفان، لا تبكي، لا تبكي، فأنا لا أستطيع تحمل ذلك، انظري.. لقد دمعت عيناي! لو كان بمقدور ميت مثل عزيز نيسين أن يقرأ ما كتبته صحف تركيا في رثائه، وما كتبته صحف العالم، وما قد يكتب في صحافتنا، فإنني أخمن أنه سيكتب مقالة عن الذين كتبوا عنه وعن موته، يسخر فيها من كل ما قيل، مؤكداً إننا نزاول مهنة الصحافة، ونطل على الناس بمقالاتنا التي نأكل خبزاً من ورائها، بناء على أن روحه قد فاضت، فكانت نازلة موته، باباً من أبواب الرزق للصحفيين والكتاب! ويا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم!
إذا كان التاجر يبدأ نهاره بالقول: "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم"، فإلي أي مدى يحق لحفار القبور أو الطبيب أو صاحب المستشفى أو مدير المخفر أن يبتهل إلى الله داعياً إلى طلب الرزق.
فالذين يعيشون على مصائب الآخرين وكوارثهم وفواجعهم، لاشك أنهم يقدمون خدمة لمن تحل بهم المصائب والكوارث والفواجع، فحفار القبور قد يكون رقيق القلب، مرهف الحس، لا يحب الأذى للآخرين، لكنه- في الوقت نفسه- لا يرغب في قلة الشغل، لأن لديه متطلبات وحاجات تدعوه للعمل والإنتاج من أجل تغطيتها، وإذا لم يمت أحد لعدة أيام، فانه لن يحفر قبرا لحي، وهذا معناه أن الدنيا ستضيق في وجهه، مما قد يدفعه إلى القول في الصباح: "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم"! ولنا أن نقيس ذلك على الذين يتعاملون مع الموتى والمرضى والجرحى وغيرهم ممن نزلت بهم النوازل والنوائب.
ونحن نعتقد في العادة، أن هؤلاء الناس، من أصحاب بعض المهن، وحدهم الذين يعيشون على الصواعق التي تنزل على رؤوس الآخرين، لكن الكاتب التركي، عزيز نيسين، الذي أشار أحد التعليقات الصحفية إلى أنه مات مؤخراً، يؤكد أن الشاعر والشرطي والصحفي والصيدلي والجلاد والمحامي وغيرهم لا يعملون ولا ينتجون، ولا تتسهل شؤون حياتهم إلا بالصاعقات الماحقات النازلات على هامات عباد الله، ويبرهن على ذلك، بأسلوبه الساخر المعروف، من خلال حواريات قصيرة بين أصحاب بعض الأعمال والمهن وزوجاتهم..
ولنأخذ على سبيل المثال، حوارية الصحفي وزوجته، فبعد أن تعرب عن استيائها من العيش معه، بدليل عدم امتلاكها لفستان لائق، يحاول استرضاءها بقوله: ما أزال محرراً بسيطاً، وكي أحقق النجاح، وأترقى، وأصبح على رأس الجريدة، لابد أن تجري أحداث استثنائية: كارثة جوية فخمة، زلزال هائل، حريق فظيع، جريمة غامضة، أو أي شيء ما من هذا القبيل، حينذاك سوف أستطيع إثبات وجودي، وأتفوق على جميع الصحفيين من الجرائد الأخرى، فلا أحد يجاريني في مهارة توزيع المادة، وفي ابتكار العنوان الجذاب، لكن ما العمل إذا كنت غير محظوظ، لكأن الحياة قد تسمرت في مكانها، فأنا لا أستطيع قتل الناس بهدف الإثارة الصحفية، لكنني واثق من أن الحظ سيبتسم لي في يوم من الأيام! هل يخامرك شك في إنني لا أريد إظهار نفسي، وأحصل على ترقية، وأفوز بلقب أفضل صحفي لهذا العام؟ وهل يعقل أنني لا أريد كسب المال الكثير كي لا تعرف أسرتي العوز والحاجة؟ ربما ترتكب جريمة غداً. أو بعد غد، وعندئذ سأدبج تلك الريبورتاجات، التي ستجعل الجميع ينكبون على قراءتها! لا تبكي، اشفقي على قلبي الذي يتمزق.. الأفضل أن تصلي كي يوفق الله زوجك، لتغرق باخرة، فليحصل طوفان، لا تبكي، لا تبكي، فأنا لا أستطيع تحمل ذلك، انظري.. لقد دمعت عيناي!
لو كان بمقدور ميت مثل عزيز نيسين أن يقرأ ما كتبته صحف تركيا في رثائه، وما كتبته صحف العالم، وما قد يكتب في صحافتنا، فإنني أخمن أنه سيكتب مقالة عن الذين كتبوا عنه وعن موته، يسخر فيها من كل ما قيل، مؤكداً إننا نزاول مهنة الصحافة، ونطل على الناس بمقالاتنا التي نأكل خبزاً من ورائها، بناء على أن روحه قد فاضت، فكانت نازلة موته، باباً من أبواب الرزق للصحفيين والكتاب!
ويا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم!