قصة- نصّ

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : وهيب سراي الدين | المصدر : www.awu-dam.org

 

في حضرة سيدة الأرض‏

أنتِ ياسيدتي، التي عوّدتني السير، على إهابك المزغّب، بأنامل الرمل. وقلدّتني وشاحك الراهج، بالذراري والألوان.‏

وملأت الفضاء، بعينيّ ألقاً ونوراً.

أنتِ، ياسيدتتي، التي زوّدتني، بهبّةٍ من فجاج الشرق المغسول، بالشعاع، وحقول الضياء.‏

ثم جلدتني، بسياط عرائك. وقلت لي: هذات نخل وحداء!‏

ورحتُ، في زمني البدوي، أغزل خيوطي، من صهيل الشمس، وزوابع الغبار، وأتشظّى، تحت، فرقعة اللهيب، ذرات وأمداء. ثم يدوّي صوتك الصارم، في أذني هديلاً، ورفيفً جناح:‏

اسرج نهارك. وتابع، أيها المهاجر، في فلواتي. لابدّ أنك قابض على الجمر. جسدي المديد، جمره كاوٍ فاصمد واصبر....‏

الصبر جميل!..... جميل!‏

ولكن سطوع عظمتك. وقسوة مطلقك، جعلتا وجهي ملفوحاً، ومسفوعاً، ياسيدتي. شعري الذي بقل في لها ذمي. قد وخطه اللون الأبيض.....‏

وتجلجل روحكِ، في أذني ثانية:‏

إذن، صرتَ رجلاً!‏

ثم أخذتِ تبسمين لدعستي الشمّاء. وأنا أمخر عباب يمّك الساجي. وقد تدلّت قطوف القناديل. وبلح النجوم، من حولي.‏

أجل. تابعتُ. وجبتُ أنحاء جلدك المنثور، على اتساع الليل، وبرقَ، بعينّي النور ظلاماً. والظلام نوراً.‏

وأنا أجوس هنا، وهناك.‏

لقد تهتُ، في كرة بحرك مرات ومرات. مثل طائر بطريق، قد ضل جزره. أو نورس ضاع فيي بهرته الزرقاء.‏

غير أني لم أخرج، عن أسدافك. بل بقيتُ أخوّض في أسنافك المنهالة بألفة، تحت قدمي. حتى لايصيبني الوضم.‏

وهاهي ذي قبلة شفاهك الوضّاءة ترشف، بعذوبة، جبين الفضاء. وتضرم فيه الحرائق، وأقنية الخضاب.‏

أواه....! كم تجهدين نفسك، ياسيدتي، في جمع فتات هذا الكون، حولك؟ وكم تتوهّجين حبّاً وعطاءً.‏

وأنت تدثّرينه، بفلقة شقراء مقصوصة، من ثياب القمر الوليد، المتعمشق، نحو العلاء. حيث قبّتك السدرة!‏

لذا. دعيني، ياصاحبة الجلالة، أتلُ بعضاً، من صلواتي، في أعتاب فجرك المشفّق بالأصباغ والآفاق. لقد اضاءت الدنيا أمامي، ورأيتُ ... ورأيتُ....‏

هيْيْهْ....! ياسيدتي. كم فرحت لي، عندما، شاهدت قامتي طويلة ممشوقة؟ قد شفّها سير الطريق.‏

لقد ابتسمت لنحافة جسمي. كأنك لاتريدين، إلا أن أكون رشيقاً، مسافراً، متأبطاً قوسي ونبلي.‏

أبحث في ذرا النخيل، عن قبّرةٍ غريرة، تزقزق في الصباح. وأفتّش في أغوار القيعان عن ماء.....‏

هكذا. تريدين، أن تظلّ روحي مبعثرة، في أرجائك البعيدة. أناديك، وأنا ألملم أطراف عباءتك الصفراء بلون الذهب:‏

ياغزالة البراري، يامهرة القفار. قفي قبالتي. لقد تعبتُ من الركض. وأنهكني الظمأ.‏

لاتردّين. بل تزفرين:‏

لابدّ لك، من الطرائد. ومن مجاهل الأسفار.‏

ثم تشدّين على خاصرتيك الرحال. وترشقينني بطرطشة أظلافك، وسطوع كثبانك. وهأنذا أراك تلوّحين من أعماقك:‏

ادخل محرابي. وتطهّر بعجاجي....‏

والتحم في ملح دمك ذرة متوهّجة من الزمن، من العالم، من التاريخ....‏

***‏

إيْيْهْ....! يازمن! ياعالم! ياتاريخ!‏

ماذا بدا؟‏

أين أنا الآن؟‏

وأقف في حضرة السيدة.‏

تقطع مناجاتي. وتصوم وصلي....‏

هل نسيتَ أبجدية الريح، والشمس، والأرض، و....؟‏

هل نسيتَ ذاكرة الرمل. وأصبحت رهلاً. وكهلاً. ثم شخت؟‏

ماذا طرأ، ياترى؟‏

هل احترق الغيم. وهطلت السماء دخاناً ورماداً؟‏

نعم... نعم. غابت هالتك، ياسيدتي، عن عينّيّ.‏

لم أعد ابصرك خلف المسافات، والأبعاد. عجزتْ همّتي. وثقل جرمُ جثّتي. وصرت ثقيلاً، ثقيلاً.‏

وعريضاً عريضاً. مثل برميل!!! صاررت الحياة نفخاً في الكِرْش, ورنيناً في الأمعاء. وذهاباً إلى المبولة.....‏

لشدّ ما ندمت، ياسيدتي، حينما، أغدقتِ، عليّ جوفك.‏

قلت، آنذاك:‏

هذا الابن، عَرَكَ حراشف جلدي الأخرش.: فليغصْ في سيول بطني.‏

وغصت، في بركه، ذات لون كحلي. سحرني اللون، وازدهيت! فغامت صورتك العجيبة عني. بل تحوّلت إلى خوابٍ ودنان....‏

وهكذا صار جسدي معملاً للفرز. و....‏

أجل. تراكمتُ، وتراكمتُ. وكبرتْ جثّتي الثقيلة.‏

وأصبحت تلةً من الفضـ...‏