خرج زكريا العبد الله من البيت مرغماً بعد أن شتمته زوجته ثلاث مرات... الأولى: عندما أيقظته من النوم بشراسة ودون لطف. والثانية: عندما طلب منها طعاماً والثالثة: حين اكتشفت أنه مازال يدخن.. دفعته إلى الخارج وصرخت وولوت وأقسمت بأنها لن تسمح له بالدخول إلى البيت مادام مفلساً ودون عمل. لم يأبه زكريا أبداً للشتائم والصرخات واللكز والدفع فقد انطفأت ردود الأفعال عنده منذ طرد آخر مرة من عمله لأنه غفا قليلاً أمام باب المدير ولم يلحظ تسلّل ذبابة وقحة إلى غرفة السيد المدير كانت سبباً في إفساد عقد دسم.. ولم يكلّف عقلَه بعدَها عناء التفكير فلا شيء يستحقّ في الدنيا هذا العناء.. إنّ قضية الجوع -مثلاً- التي دوّخت العلماء والباحثين لاتعني له شيئاً يكفيه أن يعثر على بقايا سندويشة مرمية هنا أو هناك أو قطعة فاكهة لفظها فم متخم أو سبقه إليها الدود حتى تحلّ المشكلة.... فجأة وجد نفسه في سوق العمال المياومين فشتم عقله الباطن الذي تواطأ مع زوجته فساق رجليه بدهاء إلى هذا المكان كانت الساحة فارغة فقد انتصف النهار ولم يبق فيها سوى نفايات العمال بعد أن سَعِد أصحاب الأجساد القوية بعمل يوم أو يومين. هبط زكريا بمقعدته على الرصيف صامتاً بين أعرج ومبتور الذراع.. جلسوا صامتين.. الشمس ترتفع زاحفة على بطن السماء والجوع واليأس يزحفان على البطون والأرواح.. وحين اعتلت الغزالة هامة السماء.. انقطع الرجاء.. أخرج الأبتر بيده السليمة علبة دخان هزّها ثم قدم سيجارتين لزكريا والأعرج ووضع الثالثة في فمه ثم عصر العْلبة الفارغة وقذفها في الطريق دون مراعاة لقواعد النظافة.. وبعد أن عبّ الثلاثة بنهم سجائرهم نظروا فجأة إلى السماء فرأوا الغزالة قد قفزت نحو الكتف الغربية فنهضوا يودعون بعضهم قال زكريا: - تصبحون على رغيف قال الأعرج - تصبحون على عمل قال الأبتر - تصبحون على دماغ تحرك زكريا نحو السوق وكان يتوقف -وهو المفلس- بوقاحة أمام الواجهات اللامعة ويقرأ أيضاً دون حياء أسعار الأحذية والعطورات والثياب النسائية الجوانية والبرانية والذهب والتحف والأدوات الكهربائية.. ويستعرض دون خجل أبداً زبائن المطعم الفرنسي والإسباني والصيني والياباني والإيطالي والأمريكي.. القناعة البليدة كانت تغلّف روحه وتريحه من الشكوى والحسد... حطّت قدماه المتعبتان أخيراً أمام مخزن ألعاب يعرض صاحبه في الواجهة الزجاجية قرداً ينام بسعادة في سرير وثير.. أطال زكريا تأمل القرد وتمنى لو ينام الآن مكانه.. فجأة.. هوت صفعة هائلة على وجهه.. رفع زكريا بدهشة عينيه فاصطدمتا برجل أنيق الملابس تتدلّى من قميصه النظيف ربطة زهرية ويلمع وجهه بعافية الدسم.. نظر إليه زكريا بتوسل وسأله: - عفواً.. لماذا ضربتني؟ تمعّن الرجل ذو الوجه الدسم والربطة الزهرية وجه زكريا التقطه من ذقنه وأدار رأسه إلى كل الجهات ثم تركه باشمئزاز وخيبة.. - ظننتك فادي - عفواً ياسيدي.. ومن هو فادي؟! - شاب وقح يعاكس زوجتي بالهاتف عندما تكون في الحمّام - هل يشبهني؟! - نعم.. ولكنك أكبر منه بعشرين عاماً تحسس زكريا مكان الصفعة وأرسل نظرة توسّل ذكية نافذة إلى قلب الرجل ذي الوجه الدسم والربطة الزهرية فامتدّت يده الكريمة البيضاء إلى محفظته المتخمة ونسل منها قطعة من ذات الخمسمئة ومدّها نحو زكريا فاختطفتها يد زكريا المصفوع قبل أن يبدي عقله الباطن أنفة كاذبة - أعتقد أن المبلغ كافٍ ثمناً للصفعة - طبعاً كافٍ وانصرف صاحب الوجه الدّسم نحو سيارته ثم غادر مودّعاً بابتسامة امتنان وعرفان من زكريا.. خرج بائع الألعاب مسرعاً من مخزنه وسأل زكريا بفضول عما حصل فأخبره زكريا مزهواً وأراه بحذر خمس المئة التي نالها ثمن الصفعة فبان الحسد واضحاً في وجه البائع.. أسرعت قدما زكريا بخفة مطرب محبوب نحو البيت واضطر إلى رواية قصته في الطريق لأربعة أشخاص كانت من بينهم امرأة ثرثارة. وصل زكريا إلى الباب وقرع الجرس بمرح ملوّحاً بذات خمس المئة وسرعان مافتح الباب على مصراعيه مع زغاريد الزوجة التي احتضنت زكريا واختطفت قبلة من النقود ثم أفرجت له بسخاء عن الطعام والسجاير وجسدها. وبعد أن قصّ عليها زكريا ماجرى قالت مشجّعة وهي تقبّل مكان الصفعة - كلّه شغل.. في اليوم التالي حلق زكريا ذقنه وعطرها وبودرها استعداداً لأي طارئ ثم غادر البيت مع دعاء الزوجة بوفرة الصفعات. راح زكريا يتجول على مهل في الشوارع والأسواق يدير وجهه بإغراء يميناً ويساراً كمروحةٍ كسولة ولم يخب ظنّه فقد تلقى قبيل الظهر صفعتين شديدتين من كفّ غليظة ذات أصابع قصيرة وما أشد سرور زكريا حين تبين أنه المقصود حقّاً فصاحب اليد الغليظة لم يعتذر أبداً بل نقد زكريا على الفور ورقتين من ذاتي خمس المئة وبعد أن دسّ زكريا الورقتين في جيبه سأله باحترام وأدب: - هل أتشرف بمعرفة السبب؟ - صفَعتُكَ لأنني لم أفز بانتخاب مجلس الإدارة هذه المرة - ومن فاز بها - زوج هناء خانم هزّ زكريا اليد الغليظة ذات الأصابع القصيرة مواسياً - خذي فداء لكلّ مَنْ تثور أعصابه تابع زكريا تجواله ملّوحاً بخدّيه ولم يعد إلى البيت فما زال النهار في أوله والرزق في بطن الغيب وخدّاه المتورّدان يغريان بالصفع كلّ غاضب.. لم يخب ظنّه ففي الواحدة إلا دقيقتين وبينما كان يقف أمام إحدى الوزارات تلقى صفعة فجائية على قفاه كادت أن تكبّه فوق بالوعة مكشوفة.. التفت معتذراً فوجد رجلاً أشعث زائغ العينين والعقل يتأبط مصنفاً يتقيّأ بأوراق وطوابع وأختام وتواقيع وبعد أن شتم الرجل إلى الأعلى والأسفل واليمين واليسار تمالك أعصابه قليلاً - ألست زكريا الذي يصفع؟! - بلى.. - لقد صفعتك لأن موظفي هذه الدائرة مع مديرهم أحرقوا أعصابي - رقبتي مطفأة لغضبك - لولاك لرميت بنفسي تحت مدحلة مسرعة ثم نقده صاحب المصنف المحشو ورقة من ذات خمس المئة لكنّ زكريا اعتذر بلطف مطالباً برفع المبلغ لأنّ صفع القفا أغلى فهو يطفئ الغضب أكثر.. ولم يحتجّ صاحب المصنف لأنّ غضبه قد سكن تماماً. في الساعة الثانية صمم زكريا على العودة غانماً إلى البيت لكنّ صفعة لطيفة من يد ناعمة جعلته يتريث قليلاً.. ووجد أمامه سيدة جميلة تتراقص في عينيها العسليتين نار الغضب.. - صفعتك لأنّ يد رئيسي قد امتدت دون قصد كما ادعى إلى صدري.. - وهل هدأ غضبك سيدتي؟ - تقريباً.. لولاك لكنت سأرمي بنفسي حتماً من الطابق الأخير نقدته السيدة الجميلة ورقة نقدية من محفظتها الأنيقة.. تشمّمها زكريا بنشوة وشيّع السيدة بقوله: - خدّي بلسم كلّ يد لطيفة غاضبة انتشر خبر زكريا الذي يُصفع في المدينة كلّها واكتسب شهرة واسعة جعلت الذين ثارت أعصابهم لأسباب شتّى ينتظرونه بلهفة وشوق وما إن يلمحوه من بعيد حتى يتزاحموا على صفعه وأصبح زكريا خبيراً بالطواف في الأماكن التي تثير الأعصاب واكتشف أنها موجودة في كل مكان ثم تطوّر عمله فسمح بالصفع على ظهره ومؤخرته والرفس والشتم والبصاق كما أصبح يلبّي الطلبات العاجلة بالهاتف والفاكس.. ولكنه بدأ يلقى منافسة شديدة من العاطلين عن العمل وأصحاب الدخل المفقود الذين قرّروا مجاراته بعد تردّد طويل وسرت حمى الصفع في أنحاء المدينة كلّها وتنافست وسائل الإعلام العالميّة في تصوير مشاهد الصفع والانصفاع وتسجيل أصوات الصفعات برنّاتها المختلفة.. وفي أحد الأيام عاد زكريا إلى البيت صامتاً واجماً.. أسرعت الزوجة تفتش جيوب زوجها برعب فوجدتها خالية تماماً تفحّصت بدقة خدود زكريا ورقبته وظهره ومؤخرته فوجدتها مشبعة باللطم والصفع.. صرخت: - أين النقود؟ - لم يعطني أحد شيئاً هذا اليوم - لماذا؟ - لأن جميع أهل المدينة صاروا يصفعون بعضهم بعضاً ولكن دون أجر..!!
خرج زكريا العبد الله من البيت مرغماً بعد أن شتمته زوجته ثلاث مرات... الأولى: عندما أيقظته من النوم بشراسة ودون لطف. والثانية: عندما طلب منها طعاماً والثالثة: حين اكتشفت أنه مازال يدخن..
دفعته إلى الخارج وصرخت وولوت وأقسمت بأنها لن تسمح له بالدخول إلى البيت مادام مفلساً ودون عمل. لم يأبه زكريا أبداً للشتائم والصرخات واللكز والدفع فقد انطفأت ردود الأفعال عنده منذ طرد آخر مرة من عمله لأنه غفا قليلاً أمام باب المدير ولم يلحظ تسلّل ذبابة وقحة إلى غرفة السيد المدير كانت سبباً في إفساد عقد دسم.. ولم يكلّف عقلَه بعدَها عناء التفكير فلا شيء يستحقّ في الدنيا هذا العناء.. إنّ قضية الجوع -مثلاً- التي دوّخت العلماء والباحثين لاتعني له شيئاً يكفيه أن يعثر على بقايا سندويشة مرمية هنا أو هناك أو قطعة فاكهة لفظها فم متخم أو سبقه إليها الدود حتى تحلّ المشكلة.... فجأة وجد نفسه في سوق العمال المياومين فشتم عقله الباطن الذي تواطأ مع زوجته فساق رجليه بدهاء إلى هذا المكان كانت الساحة فارغة فقد انتصف النهار ولم يبق فيها سوى نفايات العمال بعد أن سَعِد أصحاب الأجساد القوية بعمل يوم أو يومين. هبط زكريا بمقعدته على الرصيف صامتاً بين أعرج ومبتور الذراع.. جلسوا صامتين.. الشمس ترتفع زاحفة على بطن السماء والجوع واليأس يزحفان على البطون والأرواح.. وحين اعتلت الغزالة هامة السماء.. انقطع الرجاء.. أخرج الأبتر بيده السليمة علبة دخان هزّها ثم قدم سيجارتين لزكريا والأعرج ووضع الثالثة في فمه ثم عصر العْلبة الفارغة وقذفها في الطريق دون مراعاة لقواعد النظافة.. وبعد أن عبّ الثلاثة بنهم سجائرهم نظروا فجأة إلى السماء فرأوا الغزالة قد قفزت نحو الكتف الغربية فنهضوا يودعون بعضهم قال زكريا:
- تصبحون على رغيف
قال الأعرج
- تصبحون على عمل
قال الأبتر
- تصبحون على دماغ
تحرك زكريا نحو السوق وكان يتوقف -وهو المفلس- بوقاحة أمام الواجهات اللامعة ويقرأ أيضاً دون حياء أسعار الأحذية والعطورات والثياب النسائية الجوانية والبرانية والذهب والتحف والأدوات الكهربائية.. ويستعرض دون خجل أبداً زبائن المطعم الفرنسي والإسباني والصيني والياباني والإيطالي والأمريكي.. القناعة البليدة كانت تغلّف روحه وتريحه من الشكوى والحسد... حطّت قدماه المتعبتان أخيراً أمام مخزن ألعاب يعرض صاحبه في الواجهة الزجاجية قرداً ينام بسعادة في سرير وثير.. أطال زكريا تأمل القرد وتمنى لو ينام الآن مكانه.. فجأة.. هوت صفعة هائلة على وجهه.. رفع زكريا بدهشة عينيه فاصطدمتا برجل أنيق الملابس تتدلّى من قميصه النظيف ربطة زهرية ويلمع وجهه بعافية الدسم.. نظر إليه زكريا بتوسل وسأله:
- عفواً.. لماذا ضربتني؟
تمعّن الرجل ذو الوجه الدسم والربطة الزهرية وجه زكريا التقطه من ذقنه وأدار رأسه إلى كل الجهات ثم تركه باشمئزاز وخيبة..
- ظننتك فادي
- عفواً ياسيدي.. ومن هو فادي؟!
- شاب وقح يعاكس زوجتي بالهاتف عندما تكون في الحمّام
- هل يشبهني؟!
- نعم.. ولكنك أكبر منه بعشرين عاماً
تحسس زكريا مكان الصفعة وأرسل نظرة توسّل ذكية نافذة إلى قلب الرجل ذي الوجه الدسم والربطة الزهرية فامتدّت يده الكريمة البيضاء إلى محفظته المتخمة ونسل منها قطعة من ذات الخمسمئة ومدّها نحو زكريا فاختطفتها يد زكريا المصفوع قبل أن يبدي عقله الباطن أنفة كاذبة
- أعتقد أن المبلغ كافٍ ثمناً للصفعة
- طبعاً كافٍ
وانصرف صاحب الوجه الدّسم نحو سيارته ثم غادر مودّعاً بابتسامة امتنان وعرفان من زكريا.. خرج بائع الألعاب مسرعاً من مخزنه وسأل زكريا بفضول عما حصل فأخبره زكريا مزهواً وأراه بحذر خمس المئة التي نالها ثمن الصفعة فبان الحسد واضحاً في وجه البائع..
أسرعت قدما زكريا بخفة مطرب محبوب نحو البيت واضطر إلى رواية قصته في الطريق لأربعة أشخاص كانت من بينهم امرأة ثرثارة. وصل زكريا إلى الباب وقرع الجرس بمرح ملوّحاً بذات خمس المئة وسرعان مافتح الباب على مصراعيه مع زغاريد الزوجة التي احتضنت زكريا واختطفت قبلة من النقود ثم أفرجت له بسخاء عن الطعام والسجاير وجسدها. وبعد أن قصّ عليها زكريا ماجرى قالت مشجّعة وهي تقبّل مكان الصفعة
- كلّه شغل..
في اليوم التالي حلق زكريا ذقنه وعطرها وبودرها استعداداً لأي طارئ ثم غادر البيت مع دعاء الزوجة بوفرة الصفعات.
راح زكريا يتجول على مهل في الشوارع والأسواق يدير وجهه بإغراء يميناً ويساراً كمروحةٍ كسولة ولم يخب ظنّه فقد تلقى قبيل الظهر صفعتين شديدتين من كفّ غليظة ذات أصابع قصيرة وما أشد سرور زكريا حين تبين أنه المقصود حقّاً فصاحب اليد الغليظة لم يعتذر أبداً بل نقد زكريا على الفور ورقتين من ذاتي خمس المئة وبعد أن دسّ زكريا الورقتين في جيبه سأله باحترام وأدب:
- هل أتشرف بمعرفة السبب؟
- صفَعتُكَ لأنني لم أفز بانتخاب مجلس الإدارة هذه المرة
- ومن فاز بها
- زوج هناء خانم
هزّ زكريا اليد الغليظة ذات الأصابع القصيرة مواسياً
- خذي فداء لكلّ مَنْ تثور أعصابه
تابع زكريا تجواله ملّوحاً بخدّيه ولم يعد إلى البيت فما زال النهار في أوله والرزق في بطن الغيب وخدّاه المتورّدان يغريان بالصفع كلّ غاضب.. لم يخب ظنّه ففي الواحدة إلا دقيقتين وبينما كان يقف أمام إحدى الوزارات تلقى صفعة فجائية على قفاه كادت أن تكبّه فوق بالوعة مكشوفة.. التفت معتذراً فوجد رجلاً أشعث زائغ العينين والعقل يتأبط مصنفاً يتقيّأ بأوراق وطوابع وأختام وتواقيع وبعد أن شتم الرجل إلى الأعلى والأسفل واليمين واليسار تمالك أعصابه قليلاً
- ألست زكريا الذي يصفع؟!
- بلى..
- لقد صفعتك لأن موظفي هذه الدائرة مع مديرهم أحرقوا أعصابي
- رقبتي مطفأة لغضبك
- لولاك لرميت بنفسي تحت مدحلة مسرعة
ثم نقده صاحب المصنف المحشو ورقة من ذات خمس المئة لكنّ زكريا اعتذر بلطف مطالباً برفع المبلغ لأنّ صفع القفا أغلى فهو يطفئ الغضب أكثر.. ولم يحتجّ صاحب المصنف لأنّ غضبه قد سكن تماماً.
في الساعة الثانية صمم زكريا على العودة غانماً إلى البيت لكنّ صفعة لطيفة من يد ناعمة جعلته يتريث قليلاً.. ووجد أمامه سيدة جميلة تتراقص في عينيها العسليتين نار الغضب..
- صفعتك لأنّ يد رئيسي قد امتدت دون قصد كما ادعى إلى صدري..
- وهل هدأ غضبك سيدتي؟
- تقريباً.. لولاك لكنت سأرمي بنفسي حتماً من الطابق الأخير
نقدته السيدة الجميلة ورقة نقدية من محفظتها الأنيقة.. تشمّمها زكريا بنشوة وشيّع السيدة بقوله:
- خدّي بلسم كلّ يد لطيفة غاضبة
انتشر خبر زكريا الذي يُصفع في المدينة كلّها واكتسب شهرة واسعة جعلت الذين ثارت أعصابهم لأسباب شتّى ينتظرونه بلهفة وشوق وما إن يلمحوه من بعيد حتى يتزاحموا على صفعه وأصبح زكريا خبيراً بالطواف في الأماكن التي تثير الأعصاب واكتشف أنها موجودة في كل مكان ثم تطوّر عمله فسمح بالصفع على ظهره ومؤخرته والرفس والشتم والبصاق كما أصبح يلبّي الطلبات العاجلة بالهاتف والفاكس..
ولكنه بدأ يلقى منافسة شديدة من العاطلين عن العمل وأصحاب الدخل المفقود الذين قرّروا مجاراته بعد تردّد طويل وسرت حمى الصفع في أنحاء المدينة كلّها وتنافست وسائل الإعلام العالميّة في تصوير مشاهد الصفع والانصفاع وتسجيل أصوات الصفعات برنّاتها المختلفة..
وفي أحد الأيام عاد زكريا إلى البيت صامتاً واجماً.. أسرعت الزوجة تفتش جيوب زوجها برعب فوجدتها خالية تماماً تفحّصت بدقة خدود زكريا ورقبته وظهره ومؤخرته فوجدتها مشبعة باللطم والصفع.. صرخت:
- أين النقود؟
- لم يعطني أحد شيئاً هذا اليوم
- لماذا؟
- لأن جميع أهل المدينة صاروا يصفعون بعضهم بعضاً ولكن دون أجر..!!