ملف عن الادمان

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : dr_heba | المصدر : sayadla.com


تفاقمت في وطننا مؤخرا مشكلة الإدمان بشكل لم نتوقعه منذ ربع قرن تحديدا فلابد ان نعترف ان الدراسات الانتشارية ( الوبائية ) التي تحدد إحصاءاتها حجم المشكلة لا يمكن الاعتماد علي نتائجها لظروف منهجية لا داعي لتفصيلها فمثلا ظهر في التقرير المبدئي لبحث يجري في وزارة الصحة أن نسبة المتعاطين من عينة ممثلة لا تزيد عن 6 في الألف منهم ما يقرب من النصف تعاطوا المواد مرة واحدة وحوالي السدس لا يتعاطوها ألا في المناسبات هكذا تكاد تصل نسبة المتعاطين المنتظمين ( المدمنين ) إلي اثنين في الألف في اغلب المحافظات فكيف نوفق بين هذه الأرقام ( العلمية / الرسمية ) وما نشاهده حولنا من تزايد مضطرد للمشكلة حقيقية وفعلا من واقع العيادات والمستشفيات

    • من هو المدمن ؟

      هناك تعريف طبي أكاديمي للإدمان،تكرر حتى فتر ، يعرف المدمن بأنه من أعتاد حتى اعتمد علي مؤثر كيميائي طبيعي أو صناعي من خارج جسده حتى أصبحت خلايه لا تستغني عنه.
      الا أننا لكي نتعرف علي ظاهرة سلبية مثل إدمان المواد النفسية، علينا ان نذهب إلي جذورها الإنسانية ثم ننظر في تجلياتها السلبية والايجابية علي حد سواء، لذلك أفضل ان أشرح ابتداء فكرة الإدمان كسلوك أشبه بالعادة المتأصلة فالإنسان قد يضطر أن يمارس سلوكا ما ، وان يعيده قهرا ، حتى لو لم يقرر ذلك كل مرة وهو أمر يبدأ من العادة البسيطة ثم يتفاقم حتى يصبح أقرب إلي الوسواس . فإذا كانت هذه العادة "سيئة" واستعملت فيها "المواد" الدخيلة علي الجسم ، وترتب عليها تغير مقحم علي الوعي ، ومن ثم إعاقة فانحراف سمي ذلك باسم الإدمان الشائع (كمشكلة مرضية آو اجتماعية ... الخ )
    • متي يصح ان نصف إنسانا ما بالإدمان

      ذكرت ذلك حالا وأعيده قائلا أن المدن هو كل من:-
      • تعود تناول مادة ما، لها أثر علي الجهاز العصبي، ويعجز عن التوقف عن تناولها
      • ثم ترتب عي ذلك تغير في حالة الوعي وعادة ما يكون هذا التغيير من نوع التعتيم وأحيانا التهييج أو الإبدال ( إبدال مستوي وعي بمستوي وعي آخر)
      • ثم يترتب علي هذا التغير والتعتيم إعاقة عن ممارسة واجبات الحياة العادية، وخاصة عن الإنجاز في العمل كما يترتب عليه أفساد العلاقات الاجتماعية
      • إضافة إلي حدوث مضاعفات تؤثر علي الصحة الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية
    • هل يقتصر الإدمان علي المخدرات الكحوليات المكيفات بأنواعها أم يعتد إلي التدخين والطعام والشراب وغيرها من بعض السلوكيات المعتادة والشائعة ؟

      إذا آخذنا المفهوم الأصلي العام لفكرة الإدمان فإنه يمتد إلي أنواع كثيرة من السلوك بل ان الإنسان قد يدمن الأفكار والمعتقدات وبعض طرق البحث (العلمي) إذا يكررها بلا جدوى رغم رغبته في التخلص منها إلي ما هو أحسن كذلك قد يدمن البعض وسائل ترفيه معينة أو خذ عندك إدمان العادات الاستهلاكية فانا لا أستطيع ان أفضل الدعاية التي تهاجمنا ليل نهار لتروج لما يسمي مجتمع الرفاهية أو تسوق ما تسميه بعض شركات الأدوية حبوب الطمأنينة والبهجة السحرية ، لا أستطيع ان أفضل هذا أو ذاك عن المصيبة التي نعشها واسمها الإدمان فكل منها يروج لنوع من سبل الاستهلاك يضر أكثر مما ينفع وهو يقوم بشل الإدارة وتخدير الوعي بشكل أو بأخر وان اختلفت اللغة وتعاظم التبرير.
    • إلي أي مدي تصدي الأعلام المصري- والعربي – لظاهرة الإدمان بالتوصيف والشرح والتحليل ووسائل الوقاية والعلاج وغيرها هل كان منصفا أم مبالغا أم صادقا أم مزيفا للحقائق؟

      إلي المدى المضحك المزعج المضلل معا. أحيانا أشاهد في التليفزيون مقابلات مع مدمنين وأطباء هي اقرب إلي المسرح الفكاهي السخيف فأتساءل علي من نضحك بهذه البرامج المسطحة التي تكاد لا تقنع طفلا ؟ وأحيانا استمع للنصائح التي تقال في هذه البرامج وكأنها توجيهات عبثية توجه إلي مجموعة من ضعاف العقول بل ان كثرة الترهيب والتهديد قد تأتي بعكس النتيجة .
      لقد كدت اشك إننا نضر القضية بفرط النشر حولها بهذه الطريقة ولولا أنني اعلم ان غيري سوف يفتي بلا تردد بما اعتبر نفسي مسئولا عن سطحيته وضرره لامتنعت عن الاستجابة لتساؤلات الإعلام بما في ذلك الرد علي هذا الحديث.
    • ما هو تأثير المخدرات – تحديد – علي مخ الإنسان علي أجزائه ومكوناته وعمله ونشاطه ووظائفه، علي الخلايا العصبية والأوردة الدموية والعقل الباطن والواعي، والذاكرة، والتفكير، وغيرها من مكونات وأجزاء المخ، وعمله ووظيفته؟!

      هو تأثير سيء جدا جدا، علي كل هذا.
      ولكن ماذا يفيد أن نعدد ونشرح مثل هذا التأثير السيىء فغير المدمن لا يهمه هذا وأهل المدمن يعرفون الشر والآذي والضرر أكثر من أي طبيب والمدمن (جدا ) ليس هنا من أصله فلمن نكرر مثل هذا الترهيب والتخويف ليل نهار ؟؟ ان الشطارة ليست في تعداد الآثار السيئة وكأننا نسمع ما يعرفه كل الناس ولكن الواجب ان نصل إلي داخل المتورط أو من هو علي وشك التورط فنخاطبه بما يصل إليه ويبقي معه والترهيب وحده لا يفيد بل أحيانا يغري أكثر بالتحدي والتجربة.
    • ما الذي يحدث – بالتحدي إذا شم إنسان شمة معينة من المخدرات – منذ استنشاقه أو شمة لهذا المخدر أو ذاك من خلال انفه.. ما هو الطريق الذي يسلكه المخدر – من فتحة الأنف – حتى يحدث تأثيره علي المخ والجسم؟!

      ان إشاعة ان شمة واحدة تكفي للوقوع في هاوية الإدمان، هي حديث أشبه بالدعاية إلي قوة المخدرات التي لا تقاوم، وهي توريط لمن يخطيء مرة واحدة بالصدفة وهو نوع من التهويل الذي يجعل الشاب أو المبتدى عامة يستسلم قبل أن يدخل المعركة بزمان
      إنني اعتبرأن الترويج لمقولة أن المخ كيان كيميائي فحسب، تفسده كيمياء فاسدة وتصلحه كيمياء مصلحة، وإذا لم تنفع كيمياء الأطباء (الأدوية) فإن الناس تلجأ إلي الحلول الذاتية بالكيمياء الخاصة فكان لسان حال الناس يقول للأطباء وشركات الدواء التي تفرح بهذه المقولة يقول لهم "ما دام الأمر كيمياء في كيمياء، وطمأنة وتخدير وتهدئة ودغدغة، وما دمنا قد جربنا بضاعتكم فعرفنا أنها بضاعة نصف نصف فنحن قد عثرنا علي كيميائنا الخاصة ( بالجهود الذاتية ) وهات يا مواد وهات يا سموم وهات يا إدمان.
      أما مسألة الطريق الذي تسلكه "الشمة " من الهواء إلي الدم إلي المخ فدعني أذكرك ان هذا لا يعني المدمن في شيء ، فان شيئت ان نسخر فلنقل انه الطريق إلي الهاوية و ان شيئت ان تتقمص المدمن فهو الطريق الي " الرحلة الغامضة الواعدة "
    • بالمناسبة : هل تختلف تأثير المخدرات الطبيعية – الحشيش والأفيون وغيرهما عن الاخري التخليقية والمركبة فيما تحدثه من اثار؟!

      طبعا تختلف ولكن الإفراط في بيان هذه الاختلافات قد يفيد فائدة محدودة وفي تصوري ان المهم هو ان نفرق بين تعتعة الوعي وهو أمر ضروري للحركة العقلية وخاصة الحركة التي تمارس التفكير الحر والإقدام علي اختراق المسكنات العقلية التي تكبل وجودنا وبين تعتيم الوعي وهو ما ينتهي إليه الإفراط في تعاطي أي مخدر أو منبه ثم يأتي بعد ذلك تشويش الوعي .
      ونحن قد مسحنا وشجبنا وحرمنا كل نشاط جماعي او فكري يساعد علي حركة التفكير حرمنا تلك القلقلة الكريمة التي تدفع بالمخ البشري نحو الاكتشاف والإبداع فاضطر الناس إلي تحريك وعيهم ( تعتعة ) بالمخدرات والمنبهات الطبيعية ( كالحشيش ) أو الصناعية ( كالعقاقير).
      ثم رحنا نلومهم ونعالجهم ( لاحظ ان المسالة تختلف في المجتمعات التي تعاني من فرط الحرية لا من فرط الكبت ).
      ثم قل لي بالله عليك ما دام الرقص الجماعي مرفوض والذكر دجل وشعوذة والزار تخلف والتليفزيون ننام حولة بعد الساعة الواحدة صباحا فماذا يتبقى بما يسمح لحركة العقل ان تكتشف الحياة وتعمقها وتعيد تخليقها؟ أفلا يؤدي كل هذا الحظر إلي ان يلجأ الشباب فيما يشبه الاحتجاج - إلي تحريك عقولهم بما يؤكد لهم حقهم في الاختلاف حتى الموت خدرا ؟؟؟!!
    • طيب هل يختلف التأثير بين المخدرات – طبيعية كانت أم تخليقية عن الكحوليات التي يجري تناولها عن طريق الفم وهل تؤثر الكحوليات في المعدة والأمعاء والكبد أكثر أم في المخ والخلايا العصبية أكثر ؟!

      طبعا يختلف وكله أكثر من كله !!!! وأعني بهذه السخرية ان المسألة ليست مسألة تنافس في الأضرار صحيح ان علي الطبيب ان يعرف مضعفات هذا ومصائب ذاك كما أن عليه أن يحذق تحديد موضوع الضرر بشكل خاص ولكن الأمر بالنسبة للشخص العادي ( وأكثر بالنسبة للشخص المعرض للإدمان ) هو أمر مختلف حتما ، لان الشخص العادي لا يختار العقار الذي سيصيب كبده دون مخه أو سيضر معدته دون صدره لكل ذلك ينبغي مدخلنا إلي هذه المسائل مختلف من مخاطب إلي مخاطب فالمعلومة الطبية الأكاديمية قد لا تعني شيئا عند المدمن ولا عند الشخص العادي في حين ان المعلومة التطبيقية التي تسد حاجة السائل وتهديه إلي أهدافه من طرق متعددة يمكن ان يختار من بينها هي المعلومة التي يجدر بنا ان نقدمها للناس .
      وأغلب المواد المخدرة لها استعمالاتها الطبية المناسبة وبالتالي لها فوائدها بجوار أضرارها , وحتى تغيير الوعي الذي هو هدف أساسي في عملية الإدمان قد يكون مطلبا في وقت من الأوقات لكن الوسيلة الصحيحة لتغيير وتطوير الوعي تتم في التربية والعلاج بوسائل نفسية مباشرة دون استعمال عقاقير في العادة حتى التجارب العلاجية التي استعملوا فيها عقاقير الهلوسة ، توقف استعمالها بعد أن ثبت أن ضررها أكثر من نفعها ، ذلك أن أي مغير كيميائي للوعي له وظيفة ذات حدين ففي حين أن التعتعة التي تسمح بالحركة قد تكون مطلبا محدودا في وقت ما فأن التعتيم ثم المحو هو ضرر مطلق في نهاية الأمر.
      وتأتي المصائب حين لا نستطيع أن نفرق بين التعتعة والتعتيم وحتى الطبيب وهو يستعمل عقاقيره الطبية أحيانا ما يتجاوز الحد بين التهدئة والتميز وبين التخدير والتهذيل ( من الذهول ) كذلك هو أحيانا ما يتخطى مرحلة التعتعة دون أن يتبين إلي أين هو ذاهب بهذا التحريك غير المحسوب للوعي .
      وكل هذا ينبغي أن يتناول بأكبر قدر من الشجاعة والمسئولية والعلم والأخلاق والالتزام بدلا من الهرب وتوزيع قشور المعلومات ونشر النصائح الزائفة والمعلومات الناقصة.
    • بعد كم جرعة أو شمة أو قطعة أفيون أو حشيش أو كأس خمر، يصبح الإنسان مدمنا؟ وهل هذا أمر يختلف من فرد لفرد .

      طبعا هو أمر يختلف من شخص إلي شخص، والمسألة ليست في الكمية فحسب ولكنها في كمية بذاتها لشخص بذاته عنده صفات خاصة ،فونستون تشرشل – مثلا – كان يشرب برميلا من الخمر وهو رئيس وزراء، وأديب، وفنان، وأنسان ولا يعتبر مدمنا وسيد درويش كان مخزن مخدرات متنقل وقد ترك لنا في سنوات معدودة ما لا يمكن تصور أن جوقة من المبدعين يمكن ان ينجزوه طول العمل وأسمهان كانت تتعاطى كل ما يتعاطاه، وما يتعاطاه ثلة بأكملها من المدمنين ومع ذلك ظلت تعبث حتى ماتت.
      وأنا لا أدافع عن هؤلاء أو أتصورهم مثلا يطمئن إلي زيادة الكمية دون ضرر ، ولا أزعم ان المخدرات حافز للإبداع لان هذه أولا وأخيرا حالات فردية لا يقاس عليها لكن القصد من ذكرها هو التنبيه أن التعميم لا قيمه له وأن المسألة لها أكثر من جهة وأكثر من حساب وان الفروق الفردية تختلف وظروف التعاطي تختلف ولا بد من حساب كل حالة علي حدي ولا داعي للترويج لحكاية شمة واحدة تكفي لإحداث الإدمان لأننا نيئس الناس بذلك .
    • لو كان إنسان ما مدمنا.. كيف يقلع؟ ! ولو لم يكن يتجنب الإدمان؟!

      أولا: أحب أن أؤكد عكس الشائع من اليأس والتعجيز بشأن علاج الإدمان فأقول ان للإدمان علاجا فقط لا بد من تحمل احتمال النكسة ثم الاستمرار لمدة كافية.
      ثانيا: أحب أن أنبه أن مجرد الانقطاع عن المخدر ليس هو العلاج ولكنه البداية .
      ثالثا : أحب أن أؤكد ان المدمن لا يحتاج إلي من يقول له هذا مضر وكفي وإنما يحتاج ألي بديل يحقق له ما كان يتصوره سيتحقق بالمخدر ، يحققه بدون مخدر.
      نعم : لابد أن نفهم أن المدمن يحتاج إلي صحبة ظريفة شريفة ، بدلا من الصحبة الذاهلة الغائبة، , ( هكذا دور العلاج الجمعي والتأهيل ثم المجتمع الأوسع قبل وبعد ذلك ) وأنه يحتاج إلي تحريك وعيه ( تعتعة ) وأنه يحتاج إلي الإبداع الذي هو وعي فائق ، أخيرا وليس أخرا هو يحتاج لان يحترم وجوده حني يخفيه سرا وراء غيامة الخدر .
    • لعلكم شاهدتم – مثلنا – صورة مدمن ، أو مدمنة من احد الأفلام السينمائية المصرية أو في إحدى المسلسلات التليفزيونية ... هل ما يبدو عليه المدمن في الصور والأعمال الفنية صحيحة ... هل هو كذلك ؟! كيف يبدو ... وكيف يكون ؟

      مسألة الأفلام ( فيما عدا فيلم العار في رأي ) مسألة تحتاج إلي مراجعة حقيقية فقد شاهدت أفلاما ترسم صورة المدمن شابا ذكيا خفيف الظل حاضر البديهة وخاصة إذا ما قورن بأخيه العالم الملتزم ( اظنه فيلم الكيف ) الذي يبدو في الفيلم للآسف" قفلا" ثقيل الظل متجهم الوجه فتصور ماذا يمكن ان يصل لشاب يشاهد هذا الفيلم هل يتمني ان يكون بحذق وخفة ظل المدمن أم بتقفيل وسخف الأخ العالم الملتزم هذه مسائل خطيرة تدل علي سطحية خطابية قبيحة وليست لها علاقة لا بالفن الهادف ولا بالفن أصلا.
      ثم خذ عندك فيلماً آخر ( لعله فيلم الوحل ) رأيته وهو ينشر المعلومة الخاطئة التي اشرنا إليها في أول الحديث تلك المعلومة التي تقول : إن شمة واحدة من الهيروين تؤدي فورا إلي إدمان لا علاج له إلا في الخارج ، يا صلاة النبي !!! ماذا يريد ان يقول هذا الفيلم هل يريد ان يشيع اليأس بين المدمنين من أصله اللهم إلا إذا اتيحت لهم فرصة العلاج بالخارج مثل الفرصة التي اتاحها الفيلم في نهايته حين جاءت البشارة للمدمنة زوجة ضابط مباحث المخدرات أن الحكومة وافقت علي علاجها بالخارج يا فرحتي ن قل لي بربك ماذا يمكن ان يعمل المدمن ليحظى بهذا الشرف المنقذ، هل عليه ان يتزوج الحكومة حتى تعالجه بالخارج ؟
      سبحان الله !!!!

من لغة المدمنين الخاصة


المعجم الخاص واللغة التي "( ليست هي !!)
ماذا يقولون ، وكيف نفهم؟


من قبيل التقدمة:

في كتاب للزميل الأستاذ الدكتور محمد غانم أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس ، نشر معجما طريفا عن اللغة الخاصة التي يستعملها المدمنون ، وفي ممارستنا الخاصة لاحظنا نفس الظاهرة وسوف نحاول في عدد أن نورد بعض هذه اللغة لا لنعلمها لمن لا يعلمها ولكن سوف نفعل ذلك بهدفين
الأول : أن يعرف الناس هذه اللغة الخاصة فلا تعود مجرد "سيم " لجماعة الإدمان دون غيرهم يتبادلون الحديث بها أمام الآخرين وهم "يقرطسونهم".
والثاني : أن يعرف المدمن أننا نحترمه ، ونحاول أن نفهمه حتى وهو يخترع لغة تبعده عنا بشكل أو بأخر . ونحن ندعو أصدقاءنا المدمنين والباحثين ألي الإسهام في هذا الباب إما بإضافة ، أو بنقد ، أو بتصحيح ، أو حتى باعتراض .
يعمل دماغ: يطلق هذا التعبير علي تأثير مادة بذاتها مادة نوعيا علي الوعي ، الأمر الذي يظهر في الرأس خاصة .والمدمن لا يعني بهذا اللفظ لذة محدودة قد تصل إلي غياب الوعي بشكل أو بأخر.
يفصل: ويقصد به أن يتعاطى مادة تعمل علي تغيير الوعي لدرجة ينفصل فيها الوعي القديم ( السائد – العادي – أو المغترب ) عن الوعي البازغ تحت تأثير المادة المتعاطاه وبعضهم يقصد معني أقل ظهورا وهو ان ينفصل بما يتعاطاه عن الواقع اللحوح أو عما يشغله ويريد ان يهرب منه وإن كان هذا المعني الأخير هو استنتاجات المعالجين أكثر منه تفسيرات المدمنين.
الشعوذة : ويطلق هذا اللفظ علي الاشتياق الملح واللهفة التي لا تقاوم للتعاطي ، أو للعودة للتعاطي ، ولا نعرف أصلها أو تفسيرا لها ألا أننا نرجع إنها كلمة وردت اعتباطا لتخفي إظهار اللهفة علانية علي من لا يعرف مدي قوتها وإلحاحها ثم سرت بينهم دون قصد وهناك ألفاظ أكثر وضوحا تصف نفس اللهفة مثل " الاشتياق " والخرمة" ، وهذين اللفظين يستعملان في السعودية خاصة ، والاشتياق لفظ سهل إما الخرمة ففيها إشارة إلي ما يصاحب اللهفة من بدايات أعراض السحب وبالتالي إلي التهديد بغشاوة الوعي ، ويقال علي المتعاطي الذي يضيع هذه الإعراض "فك الخرمة " .

نعم من حقك أن تجرب , ولكن تجرب ماذا , وكيف ؟


ليست بالضرورة نصيحة ، وإنما أملا في إنارة

نعـــــــــــم ...... ولكــــــــــــــــــــــ ــن

من قبيل التقدمة:

لغة النصح والإرشاد قد تكون مفيدة للسليم تماما وكذلك لمن يسعي إليها وأيضا لمن يثق في قائل النصيحة، وكذلك حين تكون مناسبة في سياق مفيد أما هذا الفيض من النصائح الخطابية المكررة التي تأتي من سلطة فوقية تقف علي مسافة من المنصوح فأنها قد تأتي بعكس ما يراد منها لذلك سوف نحاول في هذا الباب ان نقدم الإرشادات في شكل حوارات نأمل ان نتكون مضيئة مساعدة بقدر الامكان لذلك عمدنا إلي تقديم الرأي الذي نري أنه صواب في صورة شبه حوارية وهي ما يعرف بلعبة "نعم ولكن".
شاب في الرابعة عشرة من عمره جرب السجائر ولم تعجبه وهو علي وشك ان يبدأ تجربة أخري لوح بها زميل اكبر قليلا ( في السادسة عشرة ) ماذا نقول له؟.
    • نعم

      ان التجربة مغرية وهي أمر وارد من حيث المبدأ

       
    • ولكن
      الإنسان الفرد يستحيل عليه ان يجرب كل شيء حتى يتعرف عليه ، أو حتى يدرك حقيقتها لا كان علي الإنسان ان يكرر كل ما سبقه إليه غيره حتى لو كانت النتائج حاسمة ومؤكدة ، فمثلا نحن نستعمل الكهرباء بعد أن اكتشفت وثبتت فائدتها ولا نجربها من أول وجديد كلما ركبنا لمبة في مصباح وأيضا نحن نتجنب شرب الماء الملوث ، ولا نجرب مدي ضرره كل مرة فقد ثبت بتجارب غيرنا انه ملوث وهكذا
      إذن التجربة الذاتية جميلة ولكنها ليست ضرورية ولا هي دائما سليمة ولا بد من الاستفادة من تجارب الآخرين
    •  
    • نعم

      ان من يذوق طعم التجربة بنفسه هو اقدر علي الحكم عليها وعلي ضررها

       
    • ولكن
      هناك حقائق أكيدة لا بد ان نضعها في اعتبار مثلا (1) أن تتذوق في البداية غير أن تكرر التذوق , ثم (ب) ان المفعول الذي سوف يصلك من التجربة الأولي ( مهما كان لذيذا ) ليس هو الذي سوف يستمر معك في التجارب اللاحقة ثم بعد التعود (ج) ثم هل آنت جربت كل شيء أخر ولم يبق إمامك إلا هذا السم تجربة وأنت تعرف عنه كل ما سمعت من إضرار ومخاطر مثلا هل جربت صعود جبل سيناء في رحلة كشفية مع المدرسة هل جربت المشي بين المزارع (مجانا ) قبل طلوع الفجر هل جربت صلاة الفجر حاضرا ولو مرة كل أسبوع في المسجد هل جربت رحلة علي الأقدام مع ثلة بسيطة لمسافة لا تقل عن عشرين كيلومترا ؟ وغير ذلك كثير مما قد يفتح آفاقا لا نتصورها دون التعرض للخطر وأخيرا (د) إذا أنت جربت وفشلت أي لم تحصل علي اللذة التي سمعت عنها أو حصلت علي فكرتها فمن الذي يضمن لك النجاح ان تجرب الخروج من التجربة الأولي ؟ يا بني التجربة لا تكون تجربة إلا إذا واصلت المحاولة ذهابا وإيابا لكن المعروف عن التجربة هذه المواد ان كثيرا منها يحدث في" اتجاه واحد" يعني "دخول الحمام ليس مثل الخروج منه" .
    •  
    • نعم

      ان غيرك جرب وخرج سليما وأنت تعرف عددا من الأصدقاء فعلوها فلماذا نحرمك من ان تفعل مثلهم ؟

       
      ولكن
      نحن لا نملك القدرة ان نحرم أحدا من ان يري بنفسه مدي الخطر الذي يحيط به او ان يلحق بنفسه أضرارا لا يعلم إلا الله مداه والأغلب انك لم تسأل هؤلاء الذين جربوا وتوقفوا لماذا توقفوا وخروجهم بسلامة من التجربة الأولي ليس ضمانا لك ان تخرج بالسلامة فالناس ليسوا مثل بعضهم البعض ولو ان المسألة هي لذة ليس كمثلها لذة كما يدعي البعض اذن لما كف عنها هؤلاء الذين دخلوها وخرجوا منها سريعا بالسلامة ولا يوجد علي ظهر الدنيا احد يستطيع ان يضمن سلامة أخر لا يعرف عنه ما يكفي من صفات وتاريخ وسمات شخصية والعاقل من اتعظ بنفسه والحكيم من اتعظ بتجارب غيره.
       
      وبعد

      نحن لا نضمن ان تصل كل هذه المعلومات بالصورة التي أملنا فيها فهل نطمع ان يكتب لنا القراء من هذه السن أو أهل هؤلاء الذين في هذه السن برأيهم أو اعتراضهم ؟

    • هل من الضروري أن يوافق المدمن علي علاجه ؟


      للتذكرة والتصحيح

      العرف و القانون. ومدي ضرورة موافقة المدمن علي العلاج

      يقال :

       
      إن من يرغم علي علاج الإدمان لا يشفي بنفس الدرجة التي يشفي بها من يتطوع للعلاج
      ونقول :

      ان الإقبال علي العلاج واختياره هو أمر مطلوب وجيد ومحبب .
      ولكن ليس كل إقبال هو إقبال .
      وكذلك فان المبالغة في قيمة هذه الموافقة الصريحة والكاملة، والحرص عليها وتفضيلها عن وسائل الضغط الاخري من الأهل أو القانون أو العلاقة الطبية قد يترتب عليه تأخير فرصة العلاج يترتب عليه بدوره أزمان الحال أو ضياع الفرصة .
      ويحاول القانون أخيرا ان يخير المدمن ( المتعاطي ) – بشكل أو بأخر – إما ان يعالج وإما ان يعاقب خصوصا إذا كان الإدمان راجعا المرة تلو المرة، أو كان في الأمر مخالفة صريحة للقانون، ويكون وقف تنفيذ العقاب مشروط أو بالعلاج وتحديد نتائجه .
      وفي السعودية – مثلا – إذا دخل احد المواطنين للعلاج ( مستشفيات الأمل ثلاث مرات ) فإنه لا يدخل المرة الرابعة إذا ضبط متعاطيا، أو اعترف بذلك أو طلب العلاج لا يدخل المستشفي بل السجن مباشرة دون إعطاءه فرصة رابعة ونحن لا نناقش هذا الأمر ومدي جدواه ومعناه هنا ولكننا ننبه إلي ان مسالة اختيار العلاج ليست دائما هي الأصل حتى من وجهة نظر القانون .
      وفي بعض البلاد الأوربية يكون الاختيار الثالث (غير السجن، والعلاج القهري) هو ان يمضي خدمة إجبارية إضافية في الجيش ، يتم فيها التأهيل ضمنا.
      ثم ان هناك جانبا آخر لهذه القضية لا يقتصر علي المدمن بل يمتد إلي المرضي النفسين أو العقليين بدرجات مختلفة وهو أنه في الوقت الذي يرفض فيه المدمن ( أو المريض ) العلاج ظاهرا، يوجد كيان آخر داخلة طيب ومقهور وجاهز للعلاج، وهذا الكيان الداخلي لا يستطيع أن يعبر عن نفسه مباشرة، رغم أن الطبيب قد يسمعه يستغيث في صمت، لكن في حالة الإدمان، فإن هذا الكيان الداخلي للمدمن، وهو المستغيث في صمت، إنما يزداد قهره ومنعه عن إعلان الاستغاثة انه مشلول الإرادة ممنوع من الظهور نتيجة لقهره بالإرادة المخدرة.
      وفي هذه الحالة، ومن خلال العلاقة العلاجية الصعبة والمعقدة، يجدر علي الطبيب – والأهل – ان يخاطب هذا الكيان الداخلي، وأن يعقد معه صفة العلاج بشكل أو بأخر.
      بمعني ان يتواصل المعالج مع حقيقة الخير والطيبة وحب السلامة ورفض الضرر الموجودة جميعها في كيان المدمن بشكل أو بأخر وسوف يفاجأ الطبيب – والأهل أنه بمجرد ما يزال القهر الذي قهر به المريض نفسه باستعمال المخدر فأن هذا الكيان الذي وافق سرا علي العلاج في البداية يظهر إلي السطح ويعترف بالجميل ويواصل العلاج .
      وغاية القول هو إلا نستسلم لهذه الشائعة القائلة: انه لا بد من الموافقة الصريحة علي العلاج من قبل المدمن شخصيا وفي نفس الوقت نحرص علي عدم تجاوز الحدود القانونية ولنتذكر في هذا الصدد ما يميز مجتمعنا الطيب علي الوجه التالي:-
        •  
        • ان العرف في مجتمعنا قد يكون اقوي وانفع من القانون .
        •  
        •  
        • ان المدمن هو أكثر الناس حاجة إلي والد يفرض عليه – في البداية علي الأقل مصلحته بشكل أو بأخر .
        •  
        •  
        • انه في كثير من حالات التسمم الحاد بالمواد المدمنة نتيجة لزيادة الجرعة أو ظروف صحية أخري تكون الحالة حالة طواريء حادة ترتبط بإنقاذ حياة إنسان أساسا وليس بوقفة عن التعاطي وفي هذه الحالة يعامل المدمن مثلما يعامل المصاب في حادثة أو المصاب بنزيف حاد أي ان الهدف يكون إنقاذ حياته فورا دون التلكؤ للحصول علي موافقته.
        •  
        •  
        • إننا في مجتمع شرقي متدين تقوم فيه الأسرة بدور ايجابي اكبر من دور الدولة والمؤسسات العامة فلا ينبغي ان نستورد قيم حقوق الإنسان المكتوبة علي الورق وننسي العقود الاجتماعية والدينية التي تلزم الأب نحو ابنه وتلزم الابن نحو أبيه بل تلزم الجار نحو جاره ، بمد يد العون ، وأحيانا بفرض الإنقاذ علي من يضر نفسه .
        •  
        •  
        • إن المبدأ الديني القائل " لا ضرر ولا ضرار" لا يقتصر علي الإسلام وحده ودرء المفاسد مقدم علي جلب المنافع.
        •  
        •  
        • ان من يرغم علي العلاج من المدمنين قد يكون – في نهاية النهاية – أكثر اعترافا بالجميل وتعاونا في الاستمرار ذلك ان للتعاقد العلاجي مراحل ومستويات ولا بد من إعادة التعاقد بمجرد التخلص من تأثير المادة وعمل علاقة طيبة مع المدمن .
        •  
        •  
        • ليس معني كل ذلك ان من يقبل العلاج أو يقبل عليه قد يفعل ذلك لظروف هروبية أو مؤقتة أو مناورة أو تكتيكية كل الحكاية ان فرصته ليست اكبر كثيرا ممن يرغم في البداية.
        •  
      المهم ألا نحرم أحدا من العلاج استجابة لإشاعة " ضرورة الاختيار والموافقة " وأن نحسن الأنصاب للصوت الداخلي وان نحسن فهم الموافقة الضمنية

      العلاج الجمعي والألعاب العلاجية

      من قبيل التقدمة:

      لا شك أن الإدمان علي ما فيه من سلبية هو ظاهرة جماعية بشكل أو بأخر وفي ثقافة المجتمع المصري نجد ان ثمة مواد لا تؤخذ إلا في جماعة مثل تدخين الحشيش في الحوزة مثلا لكن مواد أخري تؤخذ في وحدة وأحيانا في السر مثل شم الهيروين أو حقنة لكن سواء أخذت المادة والمدمن منفرد أم في جماعة فان السلوك الادماني يجذب أفراد هذه الفئة بعضهم إلي بعض سواء رجع ذلك إلي تماثل في الصفات قبل التورط أم أرجع إلي طريقة الحصول علي المواد وأماكن التعاطي والمشاركة في التجربة أو في المصيبة أو فرص التجمع في مراكز العلاج كل ذلك يخلق منهم جماعة خاصة بالضرورة .
      من هذا المنطلق فان معظم برامج العلاج والتأهيل تتم في جماعة ويقع العلاج الجمعي من بين أهم الوسائل التقليدية لعلاج المدمنين .
      لذلك وجدنا ان من أهم ما يمكن ان نقدمه في هذه النشرة هو توضيح بعض مفاهيم العلاج الجمعي الذي يمكن ان يستفيد منه المدمن بشكل أو بأخر .
      وبداية لا بد ان نشير الي ان العلاج الجمعي ( أو الجماعي ) له دور خاص بين كل هذه النشاطات الجماعية ولا يمكن الحديث عن كل المميزات التي تميز كل أنواع العلاج الجماعي كافة لأنه مثل سائر العلاج النفسي يختلف باختلاف المدرسة كما يختلف باختلاف خبرة المعالج ( المعالجين ) لكن هناك عوامل مشتركة في هذه العلاجات نوجزها فيما يلي:-
        •  
        • انه علاج وليس مجرد جلسة سمر
        •  
        •  
        • بأنه يبدأ باتفاق محدد عن الهدف النهائي ( مثلا: التوقف، وعدم العودة ) واتفاقات مرحلية متجددة تحددها أهداف متوسطة ( مثلا : الحضور بانتظام ، التقليل من التدخين .. الخ )
        •  
        •  
        • ان المعالج فيه مسئول ولكنه ليس هو الشافي فالشفاء هو نتاج عملية مشتركه بينه وبين المشاركين
        •  
        •  
        • ان العلاج يتبع مبدأ" هنا والآن" بدرجة عالية ومع ان أنواع العلاج الجماعي تختلف في مدي الالتزام بهذا المبدأ إلا إنها جميعا حتى التي تسترشد بمبدأ التحليل النفسي تتبع هذا المبدأ "هنا والآن" .
        •  
        •  
        • ان الحوار يتم بين أفراد المجموعة عن طريق المواجهة أنا ---وأنت وليس عن طريق الكلام بضمير الغائب هو هي هم ولاعن طريق التعميم ( باستعمال ألفاظ الجنس أو الجمع ) فلا تستخدم مثلا صيغ : الناس بتعتقد ... بتقول الواحد لازم يعمل كذا كذا اصل الإنسان بيحس .. الخ
        •  
        •  
        • إن ما يحدث إثناء العلاج الجمعي من كشف ورؤية وممارسة وخبرات لا يتمادى المعالج في تفسيره أو تأويله بنظريات وكلام ولكن المريض يستوعبه عادة بأقل قدر من التأويل اللفظي الذي يشترك فيه أفراد المجموعة مع المعالج بدرجات مختلفة .
        •  
        •  
        • انه توجد أساليب مختلفة من تقنيات العلاج ، مثل التمثيل النفسي ( السيكودراما ) واللعاب العلاجية وهذه الأخيرة هي خليط من السيكودراما المصغرة وتأليف النص والتدريب علي تلقائية الطلاقة ، والكشف العشوائي لبعض المتناقضات الممكن تحملها .
        •  
       
      ونكتفي بهذا القدر من التقديم لنعرض مبدأ لعبة بسيطة جرت في مجموعة علاجية من المدمنين وسوف نعرض الآن الفكرة والهدف والبداية ثم نرجع إلي التفاصيل والتأويل في عدد قادم ان شاء الله
      اللعبة :

      بدأت الفكرة حين كان احد أفراد المجموعة يتفاعل ويختبر مدي اهتمامه بسائر أفراد المجموعة أو بواحد منهم ( بالا صالة عن نفسه وربما بالنيابة عن كافة أفراد المجموعة ) فنبه المعالج إلي ضرورة إعادة النظر في حكاية الاهتمام هذه ، وكأنها واجب أخلاقي لازم طول الوقت كما بين انه لو أنها كذلك فانه يكون اهتماما زائفا أو مؤقتا وبالتالي قد لا يصل إلي الأخر بما يفيد كذلك قال المعالج ان المجموعة تمثل ثلة من الناس (شلة) جمعتهم ظروف متشابهة ( الاشتراك في الإدمان ) وهي ظروف سيئة وان المسالة تبدو وكأننا نريد ان نحافظ علي ان تظل الشلة شلة ولكن يجمع أفرادها ظروف حسنة ومفيدة وهي ظرف العلاج وقال المعالج ان الأمر قد لا يكون كذلك تماما فنحن لا نريد ان نحل شلة محل شلة ولا نريد ان نظل نحتمي ببعضنا طول الوقت وان علينا نتدرب ان نمر برحلة يرجع فيها كل واحد إلي نفسه ، يختبر حقيقة اختياره ومدي احتياجه للأخر ومدي قدرته عل الاستغناء عنه حتى إذا عاد ليكون الشلة الجديدة كونها بنوعية مختلفة وليس بتداخل مع بعضها البعض تضيع فيه معالم الشخص ويصبح أكثر احتياجا واضعف وجدانا وأرخي أراده واقترح المعالج ان يلعب كل واحد ( مع فرد أو أكثر لعبة تسمح له بتأكيد اختياره في الاهتمام بالأخر أو عدم الاهتمام بحسب ما تأتي إليه الألفاظ حتى يكتشف نفسه ثم يري .
      وكانت اللعبة هي ان يقول كل واحد لمن يشاء وبالاسم جملتين الواحدة تلو الأخرى ثم يكمل ما يأتيه من ألفاظ (دون تفكير ،مهما كانت ، حتى لو كانت بلا معني ، أو ليس لها علاقة بالموضوع الذي أثير) .
      وكانت الجملتان هما
      أنا حاهتم ببك حتى لو.... ( ثم يقول أي كلام )
      أنا من حقي ما هتمش بيك حتى لو..... ( ثم يقول أي كلام )
      وقد لعبها الجميع وكالعادة قاوم البعض واحتج آخرون وأصروا أنهم لا يفهمون كلما قاوم احدهم تحايل المعالج أنها لعبة وأنها أي كلام وانه ليس مهما ان نخرج منها بشيء محدد وهكذا .
      وسوف نعرض للنص والتعليق التفصيلي في عدد قادم كما وعدنا لكننا نكتفي هنا بالإشارة إلي عموميات مفيدة تدور حول فكرة ضرورة التأكيد علي درجة من الاختيار في العلاقات وكذلك ضرورة فهم أن أي علاقة أو احتياج هما عرضة للقطع أو الحرمان، وان تعاون البشر مع بعضهم البعض لا يعني اختفاء ذواتهم وأننا نجحنا ان نلتقي ونفترق ان نهتم بمحض أرادتنا علي الرغم من معرفتنا بقصور أو عزوف من نهتم بهم وأن نستغني لذا لزم الأمر علي الرغم من ان الآخر قد يكون في اشد الحاجة إلينا أو نكون نحن في اشد الحاجة إليه إذا تدربنا علي هذا وذاك قد ننجح أن نمارس علاقات أكثر حرية وأطول عمرا ونحن نبني أنفسنا وسط آخرين يحاولون نفس المحاولة، بنفس الشروط.
      صحيح أن بدت أكثر برودة في العواطف وأقل خطابة وشهامة...
      لكن الأصح ان اغلب أفراد المجموعة انتبهوا إلي الفرق بين "المفروض " وبين ذلك الذي ينبع من وعي صادق مسئول ، وكذلك الفرق بين الانتقال من ثلة سيئة ألي ثلة حسنة وبين تنمية القدرة علي اختيار الأحسن و الأبقى .
      ( والي حديث آخر أكثر تفصيلا في عدد قادم ، نقترح علي القارئ أن يلعب اللعبة ولو في السر مع أحد الأصدقاء أو المقربين) .

      أبحاث علميــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــة

      قراءة – وتعليق – ( و أمل في تطبيق)

      من قبيل التقدمة

       
      كثرت الأبحاث في مجال الإدمان بشكل لافت النظر وهذا أمر متوقع بلا أدني شك ، ولسنا هنا نبحث عن الدافع لاجراءها ولا نتساءل عن مصدر تمويلها أو مبررات انتشارها فالإجابات بديهية والظاهرة خطيرة والمهتمون كثيرون ونحن نبارك ونتأمل ونحاول ان نساهم من موقعنا المتواضع بأي جهد حقيقي ونبدأ نمسك ببعض ما يصلنا من أبحاث نحاول أن نتمعن قراءتها حتى ننتقل بالبحث من ان يكون هدفه النشر إلي ان يكون هدفه الانتشار : انتشار نتائجه بما يفيد ولن يتم ذلك إلا بقراءات نقدية واقتراحات لترجمات عملية .

      ونأمل ان يتسع صدر كل من نتناول بحثه بالقراءة والنقد ليحاورنا ويهدينا إلي ما غاب عنا وأن نشجع القارىء غير المتخصص ليسهم معنا في النقد والاقتراحات
      البحث الأول :

       
      فكرتنا وهدفنا من عرضه : عرض دقة الأبحاث في الخارج ومساحة الحرية وأثر الوراثة واختلاف العادات – خاصة عادات النساء – بيننا وبينهم.
      اسم البحث:

       
      استعمال الحشيش( الكانابس = القنب ) وسوء استعماله ، والاعتماد عليه في عينة من التوائم الإناث *

      ( المجلة الأمريكية للطب النفسي المجلد 155 العدد 8 أغسطس 1998 ص 1016 – 1022 )
      الموجز

       
      أجري هذا البحث علي عدد من توائم الإناث في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك عن الطريق السؤال التليفوني لـ 485 من التوائم المتماثلة، وكذلك 335 من التوائم غير المتماثلة، وكان التصنيف علي أساس (1) يستعمل (2) يستعمل بإفراط (3) يسيء استعمال (4) يعتمد علي المادة (حسب التقسيم الأمريكي الرابع ) .

      وقد أظهرت النتائج ان حوالي ( مع التقريب إلي واحد صحيح ) :
        •  
        • 48% استعملن الحشيش ولو مرة في العمر .
        •  
        •  
        • 7% استعلمنه باعتدال .
        •  
        •  
        • 7% استعملنه بإفراط
        •  
        •  
        • 2% معتمدات عليه .
        •  
      وبتحليل الناتج أكثر ظهر ما يلي :
        •  
        • إن عامل الوراثة له تأثير متوسط بالنسبة لمن لم يستعمل الحشيش إطلاقا.
        •  
        •  
        • إن عامل الوراثة له تأثير قوي بالنسبة للفئات (2) ، (3) ، (4) أي بالنسبة لكل من استعمل الحشيش باعتدال ، أو بإفراط ، أو اعتمد عليه .
        •  
        •  
        • إن عوامل البيئة المحيطة لها اثر علي من لم يستعمل الحشيش إطلاقا، ولكن تأثيرها أقل بالنسبة للاستعمال، وسوء الاستعمال والاعتماد علي الحشيش .
        •  
      القراءة

      (1) عن الطريقة
        •  
        • نلاحظ هنا كيف يمكن عمل أبحاث في هذه المجتمعات المتقدمة بالتليفون ، نظرا للثقة المتاحة والسرية المضمونة وسهولة الاتصال ، الأمر الذي لا يمكن تطبيقه في مصر مثلا ( حتى بالمقابلة الشخصية ) .
        •  
        •  
        • نلاحظ أيضا كيف أن اختيار العينة كان من الإناث التوائم بناء علي سجلات موثوق بها .
        •  
        •  
        • نلاحظ أخيرا كيف أن الاهتمام وصل إلي بحث فئات لا تخطر علي باحث عندنا ، وأن التفرقة بين العامل الوراثي، والتأثير البيئي هي من أصعب ما يمكن . وتحتاج لمقارنات غاية في الدقة.
        •  
      (ب) التعليق ( والتطبيق )
        •  
        • ان المرأة في هذه المجتمعات تحاول تجرب كل شيء وعندها الشجاعة لقول ذلك .
        •  
        •  
        • إن المحاولة في هذه المجتمعات تتوقف وحدها غالبا ( قارن 70% بـ 7% ، 7% ، 2% ) .
        •  
        •  
        • إن التوقف عندهم يرجع إلي درجة الحرية التي تمارس لديهم دخولا إلي التجربة وخروجا منها ، وهذا لا يطمئن عندنا ، ولا يصح القياس عليه .
        •  
        •  
        • إن تناول المرأة الحشيش عندهم ليس عيبا أخلاقيا كما يبدو في حين أن تناول المرأة الحشيش في مصر ( والبلاد المشابهة ) يضع المرأة – أخلاقيا – في مكان مختلف عن وضع الرجل الشرقي الذي يتناول الحشيش .
        •  
        •  
        • لم تخطر لنا تطبيقات معينة يمكن الاستفادة منها باستعمال نتائج هذا البحث اللهم إلا ان نتعلم أن الحرية لا تتجزأ ، وأنه لا يصح أن نتصور أن الحرية التي سمحت بالتوقف عندهم هي التي تسمح عندنا ، لأنه لا بد أن نأخذ النتائج في حدود اختلاف الثقافات .
        •  
      (2) البحث الثاني :

       
      فكرتنا وهدفنا من عرضه: أهمية حرص الأطباء إذ يصفون العقاقير التي يمكن ان تحدث إدمانا مثل الدايزبينات ( ومنها الفاليوم، والأتيفان ، و الـ En الخ) .
      اسم البحث:

       
      دراسة علي مستخدمي البنزوديازبينات بين السودانيين الراشدين ( معدل وصف العقار والاعتمادية)

      ( المجلة المصرية للطب النفسي المجلد 21 العدد 1 يناير 1998 ص 57 – 63 )

      الموجز:

       
      تم إجراء هذا البحث علي 11184 من المرضي السودانيين المترددين علي العيادات الطبية والطبية والنفسية الخارجية خلال فترة تسعة شهور لدراسة كل حالات استخدام عقار البنزوديازيبن ، وأظهرت النتائج ان معدلات وصف العقار كانت 4.64% وتتشابه هذه الأرقام مع معدلات المنشورة في الدول الصناعية المتقدمة .
      وقد تبين أن معدلات وصف هذا العقار اعلي في المرضي الباطنيين عنه في المرضي النفسيين ويبدو أن درجة الاعتمادية علي هذا العقار تقدر بحوالي 54% وارتبطت فترة استخدام العقار مع شدة الاعتمادية عليه .
      وقد تبين أن فترة استخدام العقار ( بغض النظر عن نوع البنزوديازبين المستخدم ) تعتبر عاملا أساسيا في الاعتمادية كذلك درجة إمكانية الحصول علي العقار بطريقة سهلة وتساهل الأطباء في وصفه كما تبين أن اغلب المستخدمين يتعاطون العقار بجرعات يومية بمعدلات مرتفعة نسبيا ، وأخيرا وجد أن من يتعاطى هذه العقاقير يغيب أكثر عن العمل ويكون عرضة للصدام مع القانون وكذا لإطلاق عدوانيته .
      القراءة

      (1) عن الطريقة

       
      لا شك أن هذا العدد الضخم شيء طيب جدا في الأبحاث التي تجري في منطقتنا بإمكانياتنا المتواضعة إلا إننا نحتاج أن نتذكر دائما ألا نستسلم ببساطة للأوراق التي بين أيدينا فما زالت طرق الرصد غير دقيقة بصفة عامة ونحن لا نشكك في هذا البحث ، خاصة وأن الدراسة الأعمق أخذت علي حالات لها محكات منضبطة .
      (ب) التعليق ( والتطبيق )
        •  
        • لا بد أن يوضع في الاعتبار مدي إسهام الأطباء في نشر المواد التي يمكن ان يدمن عليها المريض ( سواء المريض النفسي أو غير النفسي ) .
        •  
        •  
        • إن وصف الأطباء غير النفسيين لهذه العقاقير كثيرا ما يكون مفرطاً وبلا رابط .
        •  
        •  
        • إن التحكم في تداول هذه العقاقير في بلدنا ضعيف للغاية ففي مصر مثلا كل المطلوب لتناول هذه العقاقير هو ان يكون علي ورقة الوصفة ( الروشته ) دمغة نقابة المهن الطبية ( عشرة قروش ) دون أن يسلم الروشته للصيدلي ودون أي محاسبة مخز نية للصيدلي علما بأن هذه الدمغة لا تعطي الروشته أي صفة رسمية أو مخز نية .
        •  
        •  
        • انه لا ينبغي – بناء علي ذلك أن نشيع الخوف بين المرضي حتى لا يتصورون أن كل العقاقير النفسية تحدث أدمانا فيتوقفون عنها دون إذن الطبيب فتحدث المضاعفات فاغلب العقاقير وخاصة المهدئات الجسيمة ومضادات الاكتئاب لا تحدث إدمانا .
        •  
        •  
        • انه في البلاد المتقدمة لو أن طبيبا وصف هذه العقاقير لأحد مرضاه أكثر من ستة أسابيع وإدمان عليها فانه يعتبر مسئولا – قانونا – عن إدمانه وقد يلزم بالتعويض .
        •  
      (3) البحث الثالث:

       
      فكرتنا وهدفنا من عرضه: إظهار كيف ان الإدمان لا يؤثر فقط علي المدمن نفسه بل علي أبنائه وبناته ، مما نأمل معه ان تزيد مسئوليته فيكسب حافزا جديدا للعلاج .
      اسم البحث :

       
      الاضطرابات النفسية لدي الأطفال الذكور لإباء يسيئون استخدام العقاقير*
      ( مجلة الطب النفسي المعاصر المجلد الخامس العدد الثاني يوليو 1998 ص 125 – 132 )
      الموجز :

       
      تم أجراء هذا البحث علي عدد من ( المتعاطين ) المدمنين يبلغ عددهم مائة ابن تتراوح أعمارهم بين 9 ، 12 سنة كما تمت مقارنتهم بمائه طفل آخرين من أباء غير مدمنين وكلا العينتين من المترددين علي مستشفيات جامعة الأزهر من فبراير إلي أغسطس 1997.
      وقد أظهرت النتائج أن 22% من أبناء ( المتعاطين ) المدمنين مصابون بالقلق و15% منهم مصابون باضطرابات في النوم ومثلهم بالتبول اللآ إرادي و11 % بإضطرابات في الآكل 10% باضطرابات في الكلام 6% باضطرابات نفسيه جسمية .
      وبالنسبة لاضطرابات السلوك تبين ان 37% مصابون بهذا النوع الذي توزع كالتالي: ] المعارضة المتحدية 15% - النشاط الزائد 12% والجنوح الاجتماعي 10% ] .
      القراءة

      (1) عن الطريقة
        •  
        • لم يظهر البحث علي وجه الدقة مدي التماثل بين الإباء المتعاطين وغير المتعاطين وبالتالي أصبحت المقارنة صعبة نسبيا وان كانت النسب الواردة عالية الدلالة لأنها كبيرة حتى بالنسبة للدراسات الانتشارية العادية وأيضا كانت الفروق ضخمة جدا بين أبناء المتعاطين وغير المتعاطين لدرجة تجعلنا نثق في النتائج .
        •  
        •  
        • لم تحدد درجة التعاطي بشكل مميز ، مثلا هل هؤلاء الإباء" يستعملون" أم” يسيئون استعمال” ،” أم يتعاطون بالإفراط” أم هم” مدمنون مزمنون “ .
        •  
        •  
        • ولو كانوا قد صنفوا إلي هذه الدرجة لامكن تقسيم العينة إلي فئات اصغر لنبحثهل درجة التعاطي تتناسب مع تواتر الأمراض عند الأبناء أم لا.
        •  
        •  
        • كذلك لم تذكر المواد التي يتعاطاها هؤلاء الإباء ونأمل ان تجري أبحاث أخري لنري الفرق بين أبناء من يتعاطون الحشيش ( مثلا ) وأبناء من يتعاطون الهيروين .
        •  
        •  
        • وأخيرا لم يذكر إذا كان تعاطي الإباء مصحوب بسلوك آخر يؤذي الأبناء ( كالعدوان او التقصير في الإنفاق علي متطلباتهم الضرورية الخ وبالتالي يمكن ان نعزو ما أصاب الأبناء إلي التعاطي نفسه أو إلي مصاحباته. ) .
        •  
       
      وعلي الرغم من كل هذه الملاحظات فان البيانات التي وردت في النتائج دالة ومفيدة .
      (ب) التعليق ( والتطبيق ):
        •  
        • نرجح أن نشر هذه النتائج يمكن أن يقدم للمتعاطي حافزا جديدا كما ذكرنا حتى لا يقول ابناهم يوما " هذا جناه أبي علي ".
        •  
        •  
        • ومع ذلك فنحن لا نريد تخويف المتعاطين أكثر من اللازم لان من تورط في مثل هذه الورطة لا ينقصه أن يعرف كيف يضر أبناءه إلا نأمل أن يصله من نشر هذه المعلومات العلمية أن يتذكر أنه بإقباله علي العلاج لا ينقذ نفسه فحسب بل سوف يرحم ويقي أسرته كذلك.
        •