لم ترني للوهلة الأولى لكنها عندما احتوتني حدقتاها دُهشت، ومطّت شفتيها القرمزيتين.. الألق القادم من عينيها المتوهجتين بألوان الفجر وأسراره الغامضة.. ابتسامتها التي تنثر الفرح رحيقاً مثملاً تصنع عيداً للقلب، وتوقظ في النفس شهية للتأمل.. كانت تقطع التذاكر من كوّة صغيرة، وترد على أسئلة المسافرين بالإيماءة.. الكلّ يحبها، ويجلّها، ويقولون عنها بأنها لوحة فاتنة لايملّ المرء من رؤيتها والاستمتاع بما فيها من ألوان وأفكار.. لم أستطع أن أشقّ طريقي بين جموع المسافرين المتهافتين على كوّتها تهافت الفراش على دائرة الضوء، فوقفت غير بعيد أطلّ عليها، وأتنسم أريجها، وأغوص في شعرها الفاحم الذي يهطل على كتفيها كشلال من الذكريات، وكانت هي الأخرى تراقبني بحذر، وترشقني من آونة لأخرى بسهام عينيها الزرقاوين الواسعتين، وفمها الشهي يصنع دائرة للرغبة لاينفذ منها إلاّ من شفّه الوجد. يهتف كل حين بنداء ساخن يبعث الحرقة في شرايين القلب.. يالهذا الوجه الملائكي.. إنه يعقد عرساً في قلبي، وكل نبضة من شراييني تهتف له هتاف الشوق واللهفة.. فتاة مخلوقة من لهيب الانتظار، قادرة على إطلاق الشرارات التي تضيء الذاكرة والوجدان.. وردة من حدائق الدهشة تثمل بندى الفجر، وتصحو على همس السحر.. كلّ شيء فيها جميل فاتن حتى كرسيها الذي تجلس عليه أراه متميزاً، وكأن أمهر الصناع صاغه خصيصاً لها. سافرت مراراً ليس حبا بالسفر وإنما من أجل أن أراها، وأستمد الأمل من السحر الهاجع تحت جفونها، وكلما التقت عيوننا يهطل الفرح الغامر على فضاء روحي.. قالت لي مرة: ألا تملّ من السفر؟ قلت: من أجل من أهوى أسافر إلى أقصى الدنيا.. قالت: وهل التي تحبها تبادلك الحب؟ قلت: أنا متأكد من ذلك. قالت: وان كان هناك مايمنع!. لم أدعها وقتذاك تكمل عبارتها عندما توضعت أناملي على شفتيها المكتنزتين، وقلت بعصبية: سأتحدى كلّ العوائق والموانع. ابتسمت حينذاك قائلة: أنت بدوي لاتعرف الزيف لكن أخشى عليك من وهج الحقيقة. قلت: لايهم طالما الأماني عامرة، وقلبي طافح بالحب، وحبيبة عمري مولودة من عبير الياسمين.. اقتربت من الكوّة عندما لم يبق مسافر.. أعطيتها هويتي. قالت: حفظتها عن ظهر قلب. ناولتني التذكرة، فاحتضنت يدها بلهفة، وسرت دفقة من رحيق اللذة في جسمي حتى ارتعشت أطراف أصابعي نشوة. تسمرت عيناها في عينيّ، فرأيت قوس قزح يرتسم جليا على ناظريها.. تاهت عيناي في بحر عينيها الرائعتين، وفجأة انتزعت يدها من يدي، ولملمت أوراقها على عجل عندما فتح الباب وتمخض عن رجل غليظ الملامح والجسم. اقترب الرجل منها بهدوء، وهمس في أذنيها كلمات، فأحسست كأنه يحمل مهمازا يوخز به صدري.. أمسك الكرسي الذي تجلس عليه بكلتا يديه، ورفعه إلي الأعلى قليلا، فصرّ صريراً مزعجاً ثم استدار، فبانت عجلات الكرسي.. اعتصرت رأسي بقوة، وشعرت بالدوار يلفني في كلّ اتجاه.. نوارس العمر تهرب من فضاء الذاكرة وبحور الأمل.. الأشباح تتهامس بالنشيج خلف كواليس المعاناة.. كلّ الجدر انهارت، وغدت ركاماً وتلالاً وراسيات.. قالت لي الأنثى التي حلّت محلّها: مسكينة أعانها الله.. نصف جسدها ميت، ولاترحم النصف الآخر من العمل. حدّقت في وجهها المليء بالأصباغ، فارتجفت، وتمتمت: هل تريد شيئا ياأستاذ؟ قلت: يارب هل يورق الحب حقائق أم يقطر أحلاماً وكوابيس؟! قالت: ماذا قلت؟ قلت: أرجو أن تلغي لي حجزي الليلة.. لن أسافر
لم ترني للوهلة الأولى لكنها عندما احتوتني حدقتاها دُهشت، ومطّت شفتيها القرمزيتين.. الألق القادم من عينيها المتوهجتين بألوان الفجر وأسراره الغامضة.. ابتسامتها التي تنثر الفرح رحيقاً مثملاً تصنع عيداً للقلب، وتوقظ في النفس شهية للتأمل..
كانت تقطع التذاكر من كوّة صغيرة، وترد على أسئلة المسافرين بالإيماءة..
الكلّ يحبها، ويجلّها، ويقولون عنها بأنها لوحة فاتنة لايملّ المرء من رؤيتها والاستمتاع بما فيها من ألوان وأفكار..
لم أستطع أن أشقّ طريقي بين جموع المسافرين المتهافتين على كوّتها تهافت الفراش على دائرة الضوء، فوقفت غير بعيد أطلّ عليها، وأتنسم أريجها، وأغوص في شعرها الفاحم الذي يهطل على كتفيها كشلال من الذكريات، وكانت هي الأخرى تراقبني بحذر، وترشقني من آونة لأخرى بسهام عينيها الزرقاوين الواسعتين، وفمها الشهي يصنع دائرة للرغبة لاينفذ منها إلاّ من شفّه الوجد. يهتف كل حين بنداء ساخن يبعث الحرقة في شرايين القلب..
يالهذا الوجه الملائكي.. إنه يعقد عرساً في قلبي، وكل نبضة من شراييني تهتف له هتاف الشوق واللهفة.. فتاة مخلوقة من لهيب الانتظار، قادرة على إطلاق الشرارات التي تضيء الذاكرة والوجدان.. وردة من حدائق الدهشة تثمل بندى الفجر، وتصحو على همس السحر.. كلّ شيء فيها جميل فاتن حتى كرسيها الذي تجلس عليه أراه متميزاً، وكأن أمهر الصناع صاغه خصيصاً لها.
سافرت مراراً ليس حبا بالسفر وإنما من أجل أن أراها، وأستمد الأمل من السحر الهاجع تحت جفونها، وكلما التقت عيوننا يهطل الفرح الغامر على فضاء روحي..
قالت لي مرة: ألا تملّ من السفر؟
قلت: من أجل من أهوى أسافر إلى أقصى الدنيا..
قالت: وهل التي تحبها تبادلك الحب؟
قلت: أنا متأكد من ذلك.
قالت: وان كان هناك مايمنع!.
لم أدعها وقتذاك تكمل عبارتها عندما توضعت أناملي على شفتيها المكتنزتين، وقلت بعصبية: سأتحدى كلّ العوائق والموانع.
ابتسمت حينذاك قائلة: أنت بدوي لاتعرف الزيف لكن أخشى عليك من وهج الحقيقة.
قلت: لايهم طالما الأماني عامرة، وقلبي طافح بالحب، وحبيبة عمري مولودة من عبير الياسمين..
اقتربت من الكوّة عندما لم يبق مسافر.. أعطيتها هويتي. قالت: حفظتها عن ظهر قلب.
ناولتني التذكرة، فاحتضنت يدها بلهفة، وسرت دفقة من رحيق اللذة في جسمي حتى ارتعشت أطراف أصابعي نشوة. تسمرت عيناها في عينيّ، فرأيت قوس قزح يرتسم جليا على ناظريها.. تاهت عيناي في بحر عينيها الرائعتين، وفجأة انتزعت يدها من يدي، ولملمت أوراقها على عجل عندما فتح الباب وتمخض عن رجل غليظ الملامح والجسم.
اقترب الرجل منها بهدوء، وهمس في أذنيها كلمات، فأحسست كأنه يحمل مهمازا يوخز به صدري..
أمسك الكرسي الذي تجلس عليه بكلتا يديه، ورفعه إلي الأعلى قليلا، فصرّ صريراً مزعجاً ثم استدار، فبانت عجلات الكرسي..
اعتصرت رأسي بقوة، وشعرت بالدوار يلفني في كلّ اتجاه..
نوارس العمر تهرب من فضاء الذاكرة وبحور الأمل.. الأشباح تتهامس بالنشيج خلف كواليس المعاناة.. كلّ الجدر انهارت، وغدت ركاماً وتلالاً وراسيات..
قالت لي الأنثى التي حلّت محلّها: مسكينة أعانها الله.. نصف جسدها ميت، ولاترحم النصف الآخر من العمل.
حدّقت في وجهها المليء بالأصباغ، فارتجفت، وتمتمت: هل تريد شيئا ياأستاذ؟
قلت: يارب هل يورق الحب حقائق أم يقطر أحلاماً وكوابيس؟!
قالت: ماذا قلت؟
قلت: أرجو أن تلغي لي حجزي الليلة.. لن أسافر