من الحروف خلقت النور،
والألم،
والسعادة .
بنيت صرحاً شامخاً للفن،
أعطيت للحرية لوناً لا يبحث عن لون،
شتّت الظلام،
لأنك تعرف معنى النور،
يا محمد!
تألمت إنساناً،
فعرفت كيف يعبر عن الألم،
تغربت،
فأدركت معنى الانتماء.
أوهمونا أننا شجر بلا جذور.
فكشفت- فناناً- عن الحروف- الجذور!
وأبدعت - ملهماً- من الموات المضمون والشكل،
الصورة والإنسان .
كل رسومك يا محمد، تعابير وقراءات،
للعيون المبصرة، والأرواح الطاهرة.
لأنك إنسان أدرك مدى فداحة الجذب.
الذي خلفته قرون الانغلاق.
أبدعت من فننا فنا،
ومن ماضينا حلما،
وللأجيال الحاضرة والمقبلة طريقاً،
زواج بين الأصالة والحداثة،
بين النحن والآخر،
جعلت لكل ظلام نهاية من نور.
لأنك فنان،
إنسان،
يحب الإنسان،
يؤمن بالإنسان.
وفقدناك!
فقدنا كلماتك الطيبة،
نضالك المستميت،
بسماتك الحبيبة،
حضورك القويّ الرائع،
في كل الملمات.
فقدنا بفقدك عوالم،
من الفن،
وهي خسارة لا تقدر،
بدموع ولا بألم !
وأناديك،
ونحن نستقبل ذكرك،
بكلمات صامتات،
هي الدموع وهي الألم،
وأتذكر ..
أحلاماً ترسمها ريشة،
وأخرى يخطها قلم،
ونتحدث، ونتحدث، بلا أصوات،
ونبحث، ونبحث...
كل منا في أبعاد كيانه المتصل بالكون.
والسؤال يبقى قائماً، رهيباً،
كالأبد!:
إيّ موجة جاءت بهذا السواد، إلى ضفافنا الضاحكة.؟
أيّ مد دفعه؟
هل المدن البيضاء محكوم عليها بالسواد؟
هل الأحلام الخضراء محكوم عليها بالحصاد؟
هل الوجوه السمراء هي وجوه حداد؟
لا تحيا إلا تحت استعباد أو استبداد؟
أو تحت رايات جهاد؟
وأتذكر...
أحاديث تبادلناها،
بلا كلمات:
لماذا شبابنا والفتيات،
تغتال على شفاههم البسمات؟
ينزع من نظراتهم حلم الحياة،
وتقدم لهم جنات محنطات؟
والسؤال يبقى منتصباً،
كأن لم يوجد نوفمبر،
ولا وجد أكتوبر!
لماذا عصافير الحرية تهجر أوكارها؟
لماذا الليل الطويل يلد الأفجار الكاذبة؟
لماذا مناجل الفلاحين تنصب أهلة على القبور؟
لماذا إذن نوفمبر؟
لماذا إذن أكتوبر؟
لماذا ...
لماذا صار للعدم معنى أكبر من معنى الوجود؟
لماذا الفناء خير من الوجود؟
أيّ لعنة ورثناها؟
أيّ جريمة ارتكبناها؟
إننا لم نختر المجيء
فبأيّ مبرر نختار الذهاب؟
ولدنا،
لم نجد أمامنا سوى المستقبل.
ماضينا عاشه غيرنا،
لماذا نحيا حياة ليست لنا؟
لماذا نترك أحلامنا تتحول إلى كوابيس؟
أنت يامحمد.
وجدت الطريق،
بالحروف القديمة أبدعت المستقبل الجديد!
بالفن عبرت عن سعادة الإنسان،
وبالألم، عبرت عن سعادة الفنان!
جمعت بين الثلاثة : الألم، السعادة ،والفن،
جمعت بين اللازمين: الماضي والمستقبل،
لأن كل حاضر بدونهما لا يكون،
كم أنت حاضر، يامحمد!
في قلوب من عرفوك.
في عيون من قرؤوك!
كم أتألم وأنا أتذكر أحاديثك الطيبة البسيطة،
أحاديث الإنسان الفنان،
حتى عندما تغضب،
كنت تنفعل بالبسمات،
لكنك، كم كنت صلباً عنيداً،
في قضايا الحرية،
ماالحرية بدون فن ونور؟
وتقبل ذكرى رحيلك الأولى،
ونقف خاشعين،
متألمين، متحسرين،
كم هي خسارة فادحة،
أن نفقدك،
أيها الحاضر الغائب،
أيها الأخ الطيب،
أيها الصديق الرفيق!