ذكرى صديق

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : عبد الحميد بن هدوقة | المصدر : www.awu-dam.org

 

من الحروف خلقت النور،‏

والألم،‏

والسعادة .‏

بنيت صرحاً شامخاً للفن،‏

أعطيت للحرية لوناً لا يبحث عن لون،‏

شتّت الظلام،‏

لأنك تعرف معنى النور،‏

يا محمد!‏

تألمت إنساناً،‏

فعرفت كيف يعبر عن الألم،‏

تغربت،‏

فأدركت معنى الانتماء.‏

أوهمونا أننا شجر بلا جذور.‏

فكشفت- فناناً- عن الحروف- الجذور!‏

وأبدعت - ملهماً- من الموات المضمون والشكل،‏

الصورة والإنسان .‏

كل رسومك يا محمد، تعابير وقراءات،‏

للعيون المبصرة، والأرواح الطاهرة.‏

لأنك إنسان أدرك مدى فداحة الجذب.‏

الذي خلفته قرون الانغلاق.‏

أبدعت من فننا فنا،‏

ومن ماضينا حلما،‏

وللأجيال الحاضرة والمقبلة طريقاً،‏

زواج بين الأصالة والحداثة،‏

بين النحن والآخر،‏

يا محمد!‏

جعلت لكل ظلام نهاية من نور.‏

لأنك فنان،‏

إنسان،‏

يحب الإنسان،‏

يؤمن بالإنسان.‏

وفقدناك!‏

يا محمد!‏

فقدنا كلماتك الطيبة،‏

نضالك المستميت،‏

بسماتك الحبيبة،‏

حضورك القويّ الرائع،‏

في كل الملمات.‏

فقدنا بفقدك عوالم،‏

من الفن،‏

وهي خسارة لا تقدر،‏

بدموع ولا بألم !‏

وأناديك،‏

ونحن نستقبل ذكرك،‏

بكلمات صامتات،‏

هي الدموع وهي الألم،‏

وأتذكر ..‏

أحلاماً ترسمها ريشة،‏

وأخرى يخطها قلم،‏

ونتحدث، ونتحدث، بلا أصوات،‏

ونبحث، ونبحث...‏

كل منا في أبعاد كيانه المتصل بالكون.‏

والسؤال يبقى قائماً، رهيباً،‏

كالأبد!:‏

إيّ موجة جاءت بهذا السواد، إلى ضفافنا الضاحكة.؟‏

أيّ مد دفعه؟‏

هل المدن البيضاء محكوم عليها بالسواد؟‏

هل الأحلام الخضراء محكوم عليها بالحصاد؟‏

هل الوجوه السمراء هي وجوه حداد؟‏

لا تحيا إلا تحت استعباد أو استبداد؟‏

أو تحت رايات جهاد؟‏

وأتذكر...‏

أحاديث تبادلناها،‏

بلا كلمات:‏

لماذا شبابنا والفتيات،‏

تغتال على شفاههم البسمات؟‏

ينزع من نظراتهم حلم الحياة،‏

وتقدم لهم جنات محنطات؟‏

والسؤال يبقى منتصباً،‏

كأن لم يوجد نوفمبر،‏

ولا وجد أكتوبر!‏

لماذا عصافير الحرية تهجر أوكارها؟‏

لماذا الليل الطويل يلد الأفجار الكاذبة؟‏

لماذا مناجل الفلاحين تنصب أهلة على القبور؟‏

لماذا إذن نوفمبر؟‏

لماذا إذن أكتوبر؟‏

لماذا ...‏

لماذا صار للعدم معنى أكبر من معنى الوجود؟‏

لماذا الفناء خير من الوجود؟‏

أيّ لعنة ورثناها؟‏

أيّ جريمة ارتكبناها؟‏

إننا لم نختر المجيء‏

فبأيّ مبرر نختار الذهاب؟‏

ولدنا،‏

لم نجد أمامنا سوى المستقبل.‏

ماضينا عاشه غيرنا،‏

لماذا نحيا حياة ليست لنا؟‏

لماذا نترك أحلامنا تتحول إلى كوابيس؟‏

أنت يامحمد.‏

وجدت الطريق،‏

بالحروف القديمة أبدعت المستقبل الجديد!‏

بالفن عبرت عن سعادة الإنسان،‏

وبالألم، عبرت عن سعادة الفنان!‏

جمعت بين الثلاثة : الألم، السعادة ،والفن،‏

جمعت بين اللازمين: الماضي والمستقبل،‏

لأن كل حاضر بدونهما لا يكون،‏

كم أنت حاضر، يامحمد!‏

في قلوب من عرفوك.‏

في عيون من قرؤوك!‏

كم أتألم وأنا أتذكر أحاديثك الطيبة البسيطة،‏

أحاديث الإنسان الفنان،‏

حتى عندما تغضب،‏

كنت تنفعل بالبسمات،‏

لكنك، كم كنت صلباً عنيداً،‏

في قضايا الحرية،‏

لأنك فنان،‏

ماالحرية بدون فن ونور؟‏

وتقبل ذكرى رحيلك الأولى،‏

ونقف خاشعين،‏

متألمين، متحسرين،‏

كم هي خسارة فادحة،‏

أن نفقدك،‏

أيها الحاضر الغائب،‏

أيها الأخ الطيب،‏

أيها الصديق الرفيق!‏