إنتظار

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : سحر سليمان | المصدر : www.awu-dam.org

 

 

-أعطت لجسدها حرية استلقائه على العشب.‏

 

شبكت يديها الاثنتين كوسادة طرية تحت رأسها. تحدق إلى السماء التي كانت مشغولة برسم اللوحات الغيمية... تداخل الشمس كان رائعاً بين هاتين الغيمتين.. تنافر الألوان وقتامهما، وهذا القوس الذي يتوسطهما، تلك الألوان القزحية تكاد تلمسها أو تدخل عينيها اترى القوس يقترب منها أم الغيم؟!‏

 

هو من يدور حول نفسه أم أرضها تمتزج بالألوان. دفعت عينيها كعادتها. حين تدقق النظر إلى الأشياء.. اعتدلت في استلقائها واتكأت يدها وقد لفت انتباهها درب طويل رسمه النمل الأسود الصغير.. ذكرها بتلاميذها، وهم يدخلون الصف. تابعت طريق النمل الذي يمر من تحت يدها ليصل حتى فتات الخبز اليابس، هناك في الطرف الآخر فيتساعد بعضهم بسحبه منصرفين ليتابع من بعدهم سحب ما تبقى من الخبز. حاولت أن تمد لهم أصابعها لتتناول معهم قسماً من الخبز، لكنها تنبهت إلى أن هذا الجزء من جسدها لا تملك حرية التصرف به.. فأصابعها ملك له وحده فكثيراً ما كان يلومها إن أطالت أظافرها أو صبغتها. ودائماً كان يؤنبها كطفلة إن نسيت ووضعت أظفرها في فمها وهي تتابع حديثه. تركت للنمل متابعة عمله، وبدأت تسلي نفسها بعدّ أعقاب السجائر ... وتنظف المكان المحيط بها من الكؤوس البلاستيكية الفارغة، وأوراق الصندويشات، وعلب دخان فارغة ممزقة... ترى من كان يجلس هنا؟‏

 

وجدت علبة حبوب فارغة تناولتها، وبدأت تقرأ اسمها. إنها حبوب مهدئة لآلام الصداع. تناولت صحيفة كانت قد طويت بعصبية بأكثر من طريقة، نظرت تحت عينيها وجدت أعشاباً قد نتفت، ونثرت حول بقعة قريبة منها، يبدو أن الذي كان يجلس، هو من نتف هذه الحشائش الصغيرة كان يلف البقعة الكثير من الياسمين الذابل، إلا أن رائحته ما زالت تعبق منه وتذكرت ياسميناً كثيراً كانت تقطفه، وتبقيه بيديها، تنتظر حبيبها، وحين لا يأتي كعادته، كانت تهديه لجيوبها، أو تدسه في صدرها حتى تنساه هناك فيذبل ويموت. رفعت يدها حين شعرت بالخدر يتسلل إلى أناملها.. فاعتدلت في جلستها محاولة اشغال نفسها بأشعال لفافة تبغ، تقتل فيها رائحة الذكريات، والوقت. استدارت تتفحص المكان. هناك بالقرب منها محارم ورقية كثيرة، لا زالت نظيفة لكن آخر دمع، وكحل لا زال عالقاً فيها. ذكرها لونه الأسود بكحلها الذي كانت تحب صنعه بيديها... ورجعت تعد الأيام الماضية القريبة، والبعيدة منذ متى لم تكتحل عيناها... الآن ترى أن الكحل كالماء، لا لون له، شفاف، لا بريق فيه حين تضعه على عينيها، ولا ترى الحبيب، ومن ذلك الوقت قررت هجر الكحل. حين دقت الساعة في يدها، لقد اقترب موعد العودة إلى منزلها الخاوي ووحدتها.‏

 

حملت حقيبتها، تلفتت إلى المكان كله تودعه بجسدها، إنها تعرفه جيداً، وكأنها قد دخلت إليه.. جلست هنا.. انتظرت.. نتفت الحشائش اهدت الأرض ياسمين يدها. وقد دخنت فيه كثيراً. أكلت.. شربت هدأت صداع رأسها وبكت كثيراً.‏

 

نظرت أسفل قدميها، هذا العشب الذي تدوسه الآن كانت قد نتفتهُ أصابعها ونثرته. إنه المكان بعينه.. تعرفه جيداً.‏

 

جلست فيه طويلاً، وانتظرته كثيراً، وكعادتها ذبل الياسمين بيديها.‏

 

رفعت رأسها نحو السماء.. ما زال الغيم حزيناً.. يركض بعيداً عن قوس قزح، والسماء تحاول جاهدة أن تدخل فيه.. انزلت رأسها حين شعرت بدمع كثير يتجمع.. أتراها هي من كانت هنا قبل ساعة، أم البارحة، أم قبل شهر..؟ عاودها تأكيد ساعتها أنها تجاوزت النصف.‏

 

وضعت حقيبتها على كتفها، واتجهت إلى الباب الذي خرجت منه قبل هذا الوقت، واقسمت أنها لن تعود إلى هذا المكان ثانية...‏