(( الإنسان روح لا جسد ))

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد البغدادي | المصدر : sayadla.com


(( الإنسان روح لا جسد ))


اقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان


بيت من الشعر ينطوي على حكمة عظيمة تمثل المقولة الذهبية الرائعة الجمال الذائعة الصيت ( الإنسان روح لا جسد) فحقاً أن إنسانية الإنسان تتمثل في روحه ونفسه وليس في بدنه وجسده ، فإنه متى ما استقامت النفس ، وتطهر القلب ، وصفت الروح وتعلقت بخالقها ، وتقيدت بأحكامه القيمة ، وتشريعاته الراشدة وسارالإنسان على المنهج القرآني العظيم والهدى النبوي الكريم أصبح إنساناً كاملاً حتى وإن كان فاقداً لبعض الأمور المادية الفانية كالمال والجاه والمنصب والشهرة … أو كان مصاباً ببعض العاهات الجسدية كالصمم والعمى والعرج … فكل هذه الأمور لا تؤثر على إنسانية الإنسان ولا تخدش كماله إذا كانت النفس صافية والروح نقية والقلب طاهر ، وكانت الأخلاق الفاضلة والآداب الكريمة ، والمثل العليا ، والقيم السامية ، والمبادئ العظيمة هي دستور ذلك الإنسان وشعاره في الحياة .
أما إذا انحرفت النفس عن الجادة السوية والصراط المستقيم ، وتشوهت الروح بالأوساخ والأدران والقاذورات المعنوية ، واسود القلب بالذنوب والمعاصي والآثام ، وانساق الإنسان وراء شهواته وغرائزه ، وسقط في مهاوي الفجور ومهالك الرذائل ، فإنه يخرج بذلك من إنسانيته ويصبح كالبهيمة المربوطة همها علفها ، أو المرسلة شغلها تقممها وقيمتها أقل مما يخرج من بطنها ، حتى وإن أعطي ذلك الإنسان بهاء محمد وجمال يوسف وملك سليمان .
من هنا أكد الإسلام على ضرورة الإهتمام بالنفس والحرص على تربيتها وتهذيبها وتدريبها على الخير والبر والتقوى ، وتعويدها على الفضيلة والطهر والعفاف ، وبذل الجهد من أجل إيصالها إلى أعلا مدارج الكمال الإنساني حتى يستطيع الإنسان – على أثر ذلك – أن يتسامى عن الرذائل ، ويترفع عن النواقص ، ويتطهر من المآثم ويصبح إنساناً ملائكياً متحليا بكل حسن وجميل ، متنزهاً عن كل عيب وقبيح .
وهنا نقطه جديرة بالاهتمام ولفت الانتباه إليها وهي: أن أكثر الناس يهتمون بأبدانهم أكثر مما يهتمون بأرواحهم مع أن الاهتمام بالنفس وتطهيرها أولى من الاهتمام بالبدن والمحافظة عليه من الأوساخ والأمراض .
فمثلاً : ترى الإنسان يكثر من الاستحمام ويحرص على تنظيف جسده من الأدران ، كما أنه إذا أراد الطعام يأكل في أوانٍ نظيفة ويبحث عن الطعام الجيد الذي يحوي أكبر كمية من الفيتامينات المغذية والمفيدة للجسم ، وبمجرد أن يشعر بألم أو مرض تراه يبادر بالذهاب إلى الطبيب ويعرض نفسه عليه ويحدثه عن علته ، ثم يستمع إلى الطبيب ونصحه ويتبع تعليماته وإرشاداته بكل دقة ، ويحرص على استخدام الدواء في مواعيده بانتظام ، كل ذلك خوفاً على نفسه وحرصاً على سلامته وصحته البدنية ، كما أنه إذا أراد الخروج من بيته تراه يهتم بترتيب نفسه ، و تعديل هندامه ، فيلبس أجمل الثياب ، ويتطيب بأطيب الطيب ، ثم يخرج على الناس وهوفي أبهى صوره وأحسن هيأة ، كأنه الطاووس في حسنه وجماله .
وكل هذه الأمور جميلة ومحببة في الإسلام ،وهي مما يحث ويؤكد عليه الشارع المقدس ، فقد اعتبر الإسلام النظافة من الإيمان ، كما أنه حرم الاعتداء على النفس وإيذاء البدن ، وحث على المحافظة على الصحة والسلامة ، وأباح أكل الطيبات من الرزق ، ورغّب في التزين والتجمل واعتبر ذلك من أبواب التحديث بنعم الله على عباده ، وهاهو الدستور الخالد يهتف في نوادينا ليل نهار بقول الحق سبحانه وتعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } .
ولكن الإسلام كما يدعو الإنسان إلى الاهتمام بالأمور المادية كذلك يدعوه إلى الاهتمام بالأمور المعنوية ، ويطلب منه أن يهتم بنفسه ويوليها نفس الرعاية والعناية التي يوليها لجسده ، لكي يعيش حالة التوازن بين الروح والبدن .
فكما أن للبدن حقاً يجب على صاحبه أن يؤديه إليه كاملاً ، كذلك للروح حق على صاحبها يجب عليه أن يؤديه كاملاً ، وإذا لزم الأمر قدم حق الروح على حق البدن وذلك من باب تقديم الأهم على المهم ، وعلاج الروح وتخليصها من أمراضها أهم من علاج البدن وتخليصه من علله وأمراضه ، فإن مرض البدن لا يؤذي ولا يؤلم إلا صاحبه ، وإن وصل الأمر إلى الموت فإن المجتمع لا يخسر إلا فرداً واحداً ، أما مرض الروح فإنه يشكل خطراً كبيراً على الفرد والمجتمع معاً ، ذلك أن صاحب الروح المريضة يتحول إلى مجرم خطير لا يخشى الله تعالى ، ولا يعترف بالقيم والمبادئ ، ولا يرعى حرمة للدين والإنسانية ، فيعيث في الأرض فساداً ، ويهلك الحرث والنسل ، ويهتك الحرمات والأعراض ، ويروع الآمنين ، ولا يرقب في أحد إلا ولا ذمة ، ولا يهمه إلا تحقيق أهوائه ورغباته عن أي طريق كان .
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل أن صاحب الروح المريضة قد يؤثر على الآخرين ويجرهم إلى طريقه المنحرف ، ويدربهم على سلوكه الإجرامي ، وعندها تتفشى الأمراض الأخلاقية والاجتماعية ، ويظهر الفساد في البر والبحر ، ويتحول المجتمع إلى غابة مخيفة مليئة بالوحوش المفترسة التي تنهش في بعضها البعض ، وتبحث عن فريستها وضحيتها في كل مكان .
لذا قلنا وأكدنا أن حق الروح مقدم على حق البد ن، وأن تهذيب النفس وتربيتها وتعويدها على التحلي بالفضيلة والابتعاد عن الرذيلة من أوجب المقدسات وأقدس الواجبات علينا .