(( الإنسان روح لا جسد )) اقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان بيت من الشعر ينطوي على حكمة عظيمة تمثل المقولة الذهبية الرائعة الجمال الذائعة الصيت ( الإنسان روح لا جسد) فحقاً أن إنسانية الإنسان تتمثل في روحه ونفسه وليس في بدنه وجسده ، فإنه متى ما استقامت النفس ، وتطهر القلب ، وصفت الروح وتعلقت بخالقها ، وتقيدت بأحكامه القيمة ، وتشريعاته الراشدة وسارالإنسان على المنهج القرآني العظيم والهدى النبوي الكريم أصبح إنساناً كاملاً حتى وإن كان فاقداً لبعض الأمور المادية الفانية كالمال والجاه والمنصب والشهرة … أو كان مصاباً ببعض العاهات الجسدية كالصمم والعمى والعرج … فكل هذه الأمور لا تؤثر على إنسانية الإنسان ولا تخدش كماله إذا كانت النفس صافية والروح نقية والقلب طاهر ، وكانت الأخلاق الفاضلة والآداب الكريمة ، والمثل العليا ، والقيم السامية ، والمبادئ العظيمة هي دستور ذلك الإنسان وشعاره في الحياة . أما إذا انحرفت النفس عن الجادة السوية والصراط المستقيم ، وتشوهت الروح بالأوساخ والأدران والقاذورات المعنوية ، واسود القلب بالذنوب والمعاصي والآثام ، وانساق الإنسان وراء شهواته وغرائزه ، وسقط في مهاوي الفجور ومهالك الرذائل ، فإنه يخرج بذلك من إنسانيته ويصبح كالبهيمة المربوطة همها علفها ، أو المرسلة شغلها تقممها وقيمتها أقل مما يخرج من بطنها ، حتى وإن أعطي ذلك الإنسان بهاء محمد وجمال يوسف وملك سليمان . من هنا أكد الإسلام على ضرورة الإهتمام بالنفس والحرص على تربيتها وتهذيبها وتدريبها على الخير والبر والتقوى ، وتعويدها على الفضيلة والطهر والعفاف ، وبذل الجهد من أجل إيصالها إلى أعلا مدارج الكمال الإنساني حتى يستطيع الإنسان – على أثر ذلك – أن يتسامى عن الرذائل ، ويترفع عن النواقص ، ويتطهر من المآثم ويصبح إنساناً ملائكياً متحليا بكل حسن وجميل ، متنزهاً عن كل عيب وقبيح . وهنا نقطه جديرة بالاهتمام ولفت الانتباه إليها وهي: أن أكثر الناس يهتمون بأبدانهم أكثر مما يهتمون بأرواحهم مع أن الاهتمام بالنفس وتطهيرها أولى من الاهتمام بالبدن والمحافظة عليه من الأوساخ والأمراض . فمثلاً : ترى الإنسان يكثر من الاستحمام ويحرص على تنظيف جسده من الأدران ، كما أنه إذا أراد الطعام يأكل في أوانٍ نظيفة ويبحث عن الطعام الجيد الذي يحوي أكبر كمية من الفيتامينات المغذية والمفيدة للجسم ، وبمجرد أن يشعر بألم أو مرض تراه يبادر بالذهاب إلى الطبيب ويعرض نفسه عليه ويحدثه عن علته ، ثم يستمع إلى الطبيب ونصحه ويتبع تعليماته وإرشاداته بكل دقة ، ويحرص على استخدام الدواء في مواعيده بانتظام ، كل ذلك خوفاً على نفسه وحرصاً على سلامته وصحته البدنية ، كما أنه إذا أراد الخروج من بيته تراه يهتم بترتيب نفسه ، و تعديل هندامه ، فيلبس أجمل الثياب ، ويتطيب بأطيب الطيب ، ثم يخرج على الناس وهوفي أبهى صوره وأحسن هيأة ، كأنه الطاووس في حسنه وجماله . وكل هذه الأمور جميلة ومحببة في الإسلام ،وهي مما يحث ويؤكد عليه الشارع المقدس ، فقد اعتبر الإسلام النظافة من الإيمان ، كما أنه حرم الاعتداء على النفس وإيذاء البدن ، وحث على المحافظة على الصحة والسلامة ، وأباح أكل الطيبات من الرزق ، ورغّب في التزين والتجمل واعتبر ذلك من أبواب التحديث بنعم الله على عباده ، وهاهو الدستور الخالد يهتف في نوادينا ليل نهار بقول الحق سبحانه وتعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } . ولكن الإسلام كما يدعو الإنسان إلى الاهتمام بالأمور المادية كذلك يدعوه إلى الاهتمام بالأمور المعنوية ، ويطلب منه أن يهتم بنفسه ويوليها نفس الرعاية والعناية التي يوليها لجسده ، لكي يعيش حالة التوازن بين الروح والبدن . فكما أن للبدن حقاً يجب على صاحبه أن يؤديه إليه كاملاً ، كذلك للروح حق على صاحبها يجب عليه أن يؤديه كاملاً ، وإذا لزم الأمر قدم حق الروح على حق البدن وذلك من باب تقديم الأهم على المهم ، وعلاج الروح وتخليصها من أمراضها أهم من علاج البدن وتخليصه من علله وأمراضه ، فإن مرض البدن لا يؤذي ولا يؤلم إلا صاحبه ، وإن وصل الأمر إلى الموت فإن المجتمع لا يخسر إلا فرداً واحداً ، أما مرض الروح فإنه يشكل خطراً كبيراً على الفرد والمجتمع معاً ، ذلك أن صاحب الروح المريضة يتحول إلى مجرم خطير لا يخشى الله تعالى ، ولا يعترف بالقيم والمبادئ ، ولا يرعى حرمة للدين والإنسانية ، فيعيث في الأرض فساداً ، ويهلك الحرث والنسل ، ويهتك الحرمات والأعراض ، ويروع الآمنين ، ولا يرقب في أحد إلا ولا ذمة ، ولا يهمه إلا تحقيق أهوائه ورغباته عن أي طريق كان . ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل أن صاحب الروح المريضة قد يؤثر على الآخرين ويجرهم إلى طريقه المنحرف ، ويدربهم على سلوكه الإجرامي ، وعندها تتفشى الأمراض الأخلاقية والاجتماعية ، ويظهر الفساد في البر والبحر ، ويتحول المجتمع إلى غابة مخيفة مليئة بالوحوش المفترسة التي تنهش في بعضها البعض ، وتبحث عن فريستها وضحيتها في كل مكان . لذا قلنا وأكدنا أن حق الروح مقدم على حق البد ن، وأن تهذيب النفس وتربيتها وتعويدها على التحلي بالفضيلة والابتعاد عن الرذيلة من أوجب المقدسات وأقدس الواجبات علينا .