هذه الآيات تحكي لنا قصة سيدنا يوسف عليه السلام بعد أن نَجَّاه الله من السِّجن ومكَّن له في الأرض، وتحكي لنا أيضا قصة مجيء إخوته إلى مصر، وتذكر أن سبب قدومهم إلى مصر أنه لما مضَّت سنين الخصب، ثم تلتها سنينُ الجدب، وعمّ القحط بلاد مصر بأكملها، ووصل إلى بلاد كنعان، وهي التي فيها نبي الله يعقوب -عليه السلام- وأولاده، بعث سيدنا يعقوب -عليه السلام- أولاده إلى مصر لشراء الطعام منها، فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم لم يعرفوه، ثم سألهم عن حالهم، وعن عدد أسرتهم، فأجابوه بأن لهم أخ صغير، فقال: ائتوني به. أما ما ذَكَره السائل من أن سيدنا يوسف عليه السلام اتَّهم إخوته بأنهم جواسيس، فالقرآن لم يذكر هذه التفاصيل، وعدم ذكرها في القرآن أمر لا يقدح فيه؛ لأن القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتاب قصص، ولا يذكر القرآن من القصص إلا ما فيه العبرة والعظة، ولا يتعرض إلى تفاصيل القصص إلا إذا كانت هذه التفاصيل مؤثِّرة في إظهار العبرة. وما نقله السائل من الكتاب المقدس ولم نجد في القرآن ما يؤيده فإنا نتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه، ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم ))(1) والمراد بهذا الحديث أن أقوال أهل الكتاب على ثلاثة أقسام: قسم نصدقه وهو ما جاء في شرعنا ما يصدقه، وقسم نكذبه وهو ما جاء تكذيبه في شرعنا ، وقسم نتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه وهو ما لم يرد في شرعنا ما يكذبه ولا يصدقه. والكلام الذي ذكره السائل في قصة سيدنا يوسف عليه السلام هو من هذا القسم الثالث الذي لم يرد في شرعنا تصديقه ولا تكذيبه فلذا نتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه.
الهوامش: --------------------------- (1) فتح الباري - ابن حجر - (ج 8 / ص 170)