إن فى القرآن تناقض فى نهاية فرعون . ففى سورة يونس : ( فاليوم ننجيك ببدنك ) (1) وهذا يدل على نجاته من الغرق ، وفى سورة القصص : ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم ) (2) وهذا يدل على غرقه.
إن المعترض لم يفسر ( فاليوم ننجيك ببدنك ) على المعنى الظاهرى . وهو إبعاد الجثة عن الهبوط فى اليم ، وتركها على الشاطئ حتى يضعها المحنطون فى المقبرة فيراها كل المصريين فيعتبروا ويتعظوا . وفسر على المعنى المجازى كناية عن إفلاته من الغرق . ووجّه الشبهة على المعنى المجازى وليس على المعنى الحقيقى . والمعنى المجازى الذى به وجّه الشبهة ؛ موجود فى التوراة عن فرعون . ففيها أنه لم يغرق ، وموجود فيها ما يدل على غرقه . وهذا هو التناقض الذى نسبه إلى القرآن . وسوف نبين ما فى التوراة من التناقض عن غرق فرعون . ونسأله هو أن يوفق بين المعنيين المتناقضين . وما يجيب به فى التوفيق ؛ يكون إجابة لنا . ففى الإصحاح الرابع عشر من سفر الخروج : " فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذى دخل وراءهم فى البحر . لم يبق منهم ولا واحد " وفى الإصحاح الخامس عشر من نفس السفر : " تغطيهم اللجج . قد هبطوا فى الأعماق كحجر " وفى تفسير التوراة ما نصه : " ولا سبيل لنا هنا إلى الحكم بغرق فرعون ، إذ لا دلالة عليه فى هذا النبأ ، ولا من قول المرنِّم [ مز 78 : 53 و 106 : 11] وساق المفسرون أربع حجج على عدم غرقه . ومعنى قولهم : إن قول المرنِّم لا يدل على غرقه هو : أن داود ـ عليه السلام ـ فى المزمور 78 والمزمور 106 قال كلاماً عن فرعون لا يدل صراحة على غرقه . ونص 78 : 3 هو " أما أعداؤهم فغمرهم البحر " ونص 106 : 11 هو " وغطّت المياه مضايقيهم . واحد منهم لم يبق ". هذا عن عدم غرق فرعون .وأما عن غرقه ففى المزمور 136 : 15 " ودفع فرعون وقوته فى بحر يوسف ؛ لأنه إلى الأبد رحمته " وفى ترجمة أخرى : " أغرق فرعون وجيشه فى البحر الأحمر إلى الأبد رحمته (3) " ومفسرو الزبور ـ وهم أنفسهم الذين صرحوا بعدم غرق فرعون ـ كتبوا عن فرعون : " فإن هذا الأخير قد حاول جهد المستطاع أن يرجع الإسرائيليين إلى عبوديتهم ؛ فما تم له ما أراد ، بل اندحر شر اندحار " ا هـ . ومن هذا الذى قدمته يكون من الواجب على المعترض حل التناقض الموجود عنده فى أمر فرعون ، قبل أن يوجه كلامه إلى القرآن .
الهوامش: ------------------ (1) يونس : 92 . (2) القصص : 40 . (3) جمعية الكتاب المقدس فى لبنان سنة 1993م .