السعادة والنجاة في الصلة بالله

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : maes811 | المصدر : sayadla.com

السعادة والنجاة في الصلة بالله ، حقيقة لا بد من اليقين بها ، و لا مخرج إلا بامتثالها وتطبيقها ، كم في الصدور من ضيق ومن حرج .. كم في القلوب من هموم وغموم .. كم في الحياة من مشكلات ومعضلات ..كم في العلاقات من سوء وانقطاع .. كم في الأبناء من عقوق وتمرد .. كم في الحياة من صور مختلفة من الابتلاءات .. يفضي المرء بها إلى شقاء عظيم ، وإلى بلاء كبير وتلك في أصل خلقتها سنة الله - جل وعلا - في الحياة .. { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ، إنها حياة ابتلاء من لم يكن له بالله صلة صار له ابتلاء وشقاء .

وإن المرء ليتأمل فيجد في حياة الناس في الجملة أسبابا كثيرة من أسباب النكد والهم والغم ، فذاك حزين كاسف البال ؛ لأنه لم يجد ما يريد وما يطمع فيه من المال .. وذاك حزين متألم لما وجد من خصومة زوجته وعقوق أبنائه .. وهذا متذمر من سوء جيرانه وأذاهم .. والأخير متألم مكوي بنار في قلبه من ظلم الطغاة والجبابرة وقهرهم له وأخذهم لحقه ، فأي شيء يسرّي عن تلك النفوس وما فيها من الأحزان والآلام ، وأي شيء يسكب في تلك القلوب الحزينة الكسيفة الطمأنينة والسكينة ، وكيف تخلص السعادة واللذة إلى النفوس والأرواح رغم كل هذه البلايا والرزايا .. إن الدنيا كلها وما فيها من متع وشهوات لا يمكن أن تحل هذه المشكلات ، ولا أن تزيل تلك الهموم ، وإن أسباب القوة المادية من جاه وسلطان لا يمكن كذلك أن يكون لها أدنى أثر ولا أقل فائدة ، إنه لا بد لنا أن نعرف أصل خلقتنا ، قبضة طين ونفخة روح : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } .

إنها الأرواح أثر من نفخة روح الله - عز وجل - إنها القلوب والنفوس لا يطعمها ولا يغذيها ولا يشبعها ولا يرويها غذاء وشراب وطعام من أثر هذه الحياة الدنيا ، وإنما غذائها روحي وإنما ريها رباني وإن تطلعها لما في الملأ الأعلى ، لا بد أن ندرك هذه الحقيقة وإن لم يكن الأمر كذلك ؛ فإنه الشقاء المحتوم ، والبلاء الدائم ، والهمُّ العظيم ، والغمُّ المتوالي .. ذلك ما نشكو منه .. ذلك مانحس به ؛ لأن القلوب لم يخلص إليها روح من الله - عز وجل - من أثر التعلق به وحسن الصلة به ، وذلك مادلّت عليه الآيات ، وما استنبطه العلماء ، وما بينته وقائع سيرة المصطفى - - فلنقف هذه الوقفات التي نحن في أمسّ الحاجة إليها مع صعوبة وشدة وشقاء عناء هذه الحياة ، قال ابن القيم - رحمه الله - في إطلالة قرآنية ، واستنباطات روحانية ، ودلالات علمية ، تكشف حقيقة الحياة البشرية ، وتدل على سبل النجاة الحقيقية ، قال رحمه الله تعالى : " قوله جل وعلا : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كل شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيده ، وأن طلبه من غيره ممن ليس عنده ولا يقدر عليه ، أمر غير محمود ولا معقول ، وقوله جل وعلا : { وأن إلى ربك المنتهى } متضمن لكنز عظيم ، وهو أن كل مراد لم يرد لأجله ، ويتصل به فهو مضمحل منقطع ؛ فإنه ليس إليه المنتهى ، ليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت له الأمور كلها ، فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه فهو غاية كل مطلوب وكل محبوب لا يحب لأجله فمحبته عناء وعذاب ، وكل عمل لا يراد لأجله فهو ضائع وباطل ، وكل قلب لا يصل إليه فهو شقي محجوب عن سعادته وفلاحه ، فاجتمع ما يراد منه كله في قوله : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } ، واجتمع كل ما يراد له في قوله : { وأن إلى ربك المنتهى } ، فليس ورائه سبحانه غاية تطلب .. وليس دونه غاية إليها المنتهى ، وتحت هذا سر عظيم من أسرار التوحيد وهو أن القلب لا يستقر ولا يطمئن ولا يسكن إلا بالوصول إليه " ، إنها حقائق القرآن .. إنها الوقائع الحقيقية في حياة البشرية ، أفلا ترون غير المسلمين عموما والمسلمين الشاردين عن طاعة الله خصوصا .. كيف تأثرت لهم أسباب الدنيا ، وكيف كسروا حواجز الحرام ، فهربوا من شهواتها وملذاتها ، وكيف تيسرت لهم كثير من الأسباب التي يتمناها غيرهم من الناس ، فهل خلصت السعادة إلى نفوسهم ؟ وهل سكنت الطمأنينة قلوبهم ؟ كلا ! والله إنك لترى الشقاء مرسوماً على جباههم ، وبادياً في وجوههم ، وظاهراً في حزنهم ، ومتجلياً في كسف بالهم .. إنك تراهم وقد ملكوا الدنيا وأسبابها وهم ما يزالون في نكد وبلاء وضيق ؛ لأن شقاء الدنيا كله قد جمعته وأوجزته حقيقة ربانية في شطر آية قرآنية : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } .

ضنك في كل شيء .. ضنك في أسباب الحياة المادية والمعنوية .. ضنك في أسباب الحياة الفردية والجماعية .. ضنك في أسباب الحياة الداخلية والظاهرية .. ضنك لا يكاد ينفك عنه أحد إلا إذا أقبل على الله وعلّق قلبه بالله ، وأفضى بعوالج ولواعج قلبه ونفسه إلى خالقه ومولاه ، لا يمكن أن يتخلص من همه وغمه إلا بتلك المناجاة و التضرع إلى الله ، والإقبال على الله ؛ فإنه لا يسد فاقة القلب ولا يلمّ شعثه إلا الإقبال على الله ، ولا يمكن لأحد أن يطلب تلك السعادة والراحة إلا من هذا الطريق ، وإلا فإنه محجوب مردود على عقبه ، غير بالغ مقصده ولا نائل أربه ، وتلك الحقيقة تنطق بها الآيات وتشهد بها الوقائع في حياة الناس ، وهذه كلمات أخرى تدل على ذلك وتؤكده في كل صور الحياة النفسية والقلبية التي يحتاجها كل إنسان على سبيل العموم .. وكل مؤمن مسلم على سبيل الخصوص .