أولاً: ليس في الآية تعرض لبرج بابل، ولا لِمَن بناه، ولا لمن أمر به، ولا لمكان بنائه، ولا لزمان بنائه. أما ما ورد في الآية هو حكاية من الله عز وجل لقول فرعون للملأ من قومه ما علمت لكم من إله غيري، وأمر من فرعون لوزيره هامان ببناء صرح له حتى يطلع إلى إله موسى، وإن كان يظن أنه من الكاذبين، جاءت في سياق استكبار فرعون وجنوده عن الإيمان بالله عز وجل واستخفاف بعقول قومه وملئه. ثانيًا:لم تُخْبر الآية عن هذا البرج أصلاً فضلاً عن إخبارها بكونه في مصر أو في سورية، وليس في الآية الكريمة ما يدل على البناء أو على عدم البناء، وإنما في الآية فقط طلب فرعون من هامان، وهذا الطلب لا دلالة فيه على البناء ولا على عدمه(1). ثالثاً: أما ما ذكره المدعي من أن هامان الفارسي لم يكن وزير فرعون، فيقول الإمام الطاهر في رد هذه الفرية: «وأحسب أن هامان ليس باسم علم، ولكنه لقب منصب؛ مثل: فرعون وكسرى وقيصر ونجاشي، فالظاهر أن هامان لقب وزير الملك في مصر في ذلك العصر، وجاء في كتاب استير من كتب اليهود الملحفة بالتوراة تسمية وزير أحشوريوش ملك الفرس هامان، فظنوه علما، فزعموا أنه لم يكن لفرعون وزير اسمه هامان، واتخذوا هذا الظن مطعنا في هذه الآية، وهذا اشتباه منهم، فإن الأعلام لا تنحصر، وكذلك ألقاب الولايات قد تشترك بين أمم، وخاصة الأمم المتجاورة، فيجوز أن يكون هامان علما من الأعلام ، فإن الأعلام تتكرر في الأمم والعصور، ويجوز أن يكون لقب خطة في مصر فنقل اليهود هذا اللقب إلى بلاد الفرس في مدة أسرهم"(2). وهذا يعني أن يكون «هامان» لقب دال على المنصب لا اسما لشخص بعينه، وهذا ما أيده كثير من الباحثين(3). ولا يبعد أن يكونا شخصين تسميا باسم واحد. يقول الأستاذ/ عبد الرحمن بدوى: «فلقد علمنا من تاريخ مصر أن الكاهن الأعظم لآمون تقلد بدءا من الأسرة التاسعة عشر سلطة كبيرة من الفرعون، انتهت بأنه سيطر على النيل الأعلى وأصبح قائد الجيوش ونائب ملك (كوش) والخازن الأعظم للإمبراطورية والمسئول الأعلى عن أبنية الآلهة. في الواقع أصبح وزير فرعون في كل الأعمال العامة والأموال ... إذن فالكاهن الأعظم لآمون كان يشغل منصف وزير فرعون». ويتضح هذا من اشتقاق اسم هامان، «فاسم هامان في القرآن موافق اسم آمون، والتقارب بين الاسمين سهل جدًّا؛ لأن آمون ينطق (آمانا) انظر الموسوعة البريطانية ج 1 ص 321 ط 1932 ويقصد به اختصارًا الكاهن الأعظم، كما يعنى لقب فرعون ملك مصر، فإن لقب هامان يعنى في المصادر الشفوية وزير فرعون»(4).
الهوامش: ---------------------- (1) حقائق الإسلام ص 519 (2) التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور 20 / 72 (3) انظر دفاع عن القرآن ضد منتقديه ، لعبد الرحمن بدوي 195 وما بعدها ، والعلم الأعجمي في القرآن الكريم، لرءوف أبو سعده 2 / 58 0 (4) دفاع عن القرآن الكريم ضد منتقديه 196 و انظر: العلم الأعجمي في القرآن الكريم 2 / 58 وما بعدها بتصرف.