هل طلب اليهود رؤية الله عز وجل؟
الناقل :
heba
| المصدر :
www.dar-alifta.org
هل طلب اليهود رؤية الله عز وجل؟
الشبهة
جاء في القرآن: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 55، 56] وجاء أيضا: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} [النساء: 153] وهذا تناقض بين القرآن وبين ما جاء في الكتاب المقدس، فالكتاب المقدس يقول: إن بني إسرائيل خافوا من الله ولم يطلبوا رؤيته، وإنما قالوا لموسى: "تكلم أنت معنا، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت". [خروج 20 : 19] ولعل الدافع لذكر هذا في القرآن هو تخويف العرب الذين سألوا محمدًا أن يُنَزِّل لهم كتابًا من السماء.
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
ذكرت هذه الآيات بعض مُقْتَرحات اليهود التي تَدُلُّ على كُفْرِهم وعِنَادِهم، فبعد أن مَنَّ الله عليهم بإهلاك فرعون، ونَجَّاهم من عذابه، فَجَّر لهم العيون، وأنزل عليهم الطيِّبَات، وساق لهم الغمام ليُظِلَّهم في الصحراء، فلم يشكروا الله على تلك النِّعَمْ، بل جحدوا ربهم، وقالوا لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} [الأعراف:138]، فأجابهم موسى: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
*
إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:138، 139] ولما ذهب موسى لميقات ربه، اتخذوا من حُلِيِّهم عجلاً جسدًا له خوار يعبدونه من دون الله، ولم يكتفوا بذلك، بل طلبوا رؤية الله جَهْرَة، كي يؤمنوا بما جاءهم به، فعلَّقوا إيمانهم على أن يروا الله عزَّ وجل، فأرسل الله عليهم صاعقة من السماء؛ تأديبًا لهم، ثم بعثهم بعد هذه الصاعقة لعلهم يشكرون.
ويُعدُّ طلب رؤية الله عز وجل وسؤالها أمرًا فظيعًا قبيحًا مُوجِبًا لنزول الصاعقة والعذاب؛ لأن الرؤية لا تنفكُّ عن الجهة والجسمية وغيرهما من النقائص، والله عزَّ وجلَّ مُنَزَّه عن ذلك، قال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} [الأنعام:103]
وبعدما عادوا إلى الحياة بدعاء موسى عليه السلام طلبوا منه أن يسأل الرُّؤْيَة لنفسه لا لهم، حتّى تحلَّ رؤيته للَّه مكان رؤيتهم كما حلّ سماعه للوحي، محلَّ سماعهم لكلامه تعالى حتّى يؤمنوا به، لذلك لم يكن لموسى عليه السلام محيص إلاَّ الإقدام على السؤال، فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}، فَأُجِيب بقوله: {لَنْ تَرَانِي}.
وأما قولهم: إن بني إسرائيل خافوا من الله ولم يطلبوا رؤيته، وقالوا لموسى: "تكلم أنت معنا، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت". فنقول: قولهم هذا كان بعد طلبهم لرؤية الله عز وجل ونزول الصاعقة بهم، ثم عودتهم للحياة بعد دعاء سيدنا موسى عليه السلام، والْمُنْسَجِم مع العقل أن طلب ترك الرؤية لا يكون إلا بعد حُدُوث أمر جَلَل عند طلب الرؤية، وهو ما تحدَّث عنه القرآن.
وقولهم: إن كان الكتاب المقدس لم يذكر هذا، فنقول: لم يذكر الكتاب المقدس كل شيء، حتى نقول إنه لم يذكر هذه القصة أيضا، فهناك من الأمور الكثيرة الثابتة التي لم يذكرها الكتاب المقدس.
وقولهم لموسى: "تكلَّم أنت معنا، ولا يتكلَّم معنا الله لئلا نموت" فيه ما يَدُلُّ على ما حدث لهم سابقًا حينما طلبوا الرؤية، وإلاَّ لما أخبروا بالموت، فكيف استنتجوا أنهم إن طلبوا رؤية الله يكون عقابهم الموت، إلا إذا كانت لهم سابق خبرة بنتيجة هذا الطلب؟ وهل يُعْقَل أن هؤلاء يرفضون رؤية الله عزَّ وجل، وهم المعروفون بصفاتهم المتعنـتة مع رسلهم، وطلبهم الأمور المستغربة منهم؟
وأما قولهم: لعل الدافع لذكر هذا في القرآن هو تخويف العرب الذين سألوا محمدًا أن يُنَزِّل لهم كتابًا من السماء. فنقول: العرب لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُنَزِّل عليهم كتابًا حتى يُخَوِّفهم، وإنما الذين سألوا هُم أهل الكتاب -بِنَصِّ الآية- والآية تُبَيِّن للرسول صلى الله عليه وسلم أن الاستجابة لمطالب هؤلاء لن تحل المشكلة فهم لن يؤمنوا، ولذلك ذكر له شأن من سَبَقَهم من اليهود قد سألوا ما هو أكبر مما سأل العرب، فقد سألوا رؤية الله عز وجل.