أصحاب القرية

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

أصحاب القرية
الشبهة
جاء في القرآن الكريم: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ...} إلى قوله {... وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس 13: 29]
وورد في بعض كتب التفسير أن القرية هي أنطاكية، وقوله: { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}، هم رسل عيسى عليه السلام، وقوله: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ}؛ هما يحيى ويونس، وقيل: غيرهما. وقوله: {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} هو شمعون. وقوله: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} هو حبيب النجار، وكان ينحت أصنامهم، وهو ممن آمن بمحمد وبينهما ستمائة سنة. وقيل: كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه.
فكيف يقول القرآن إن لأهل أنطاكية ملكًا، ومعلوم أنها كانت تحت حكم الرومان؟ وكيف يؤمن حبيب النجار وهو نحات الأصنام بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكان قد جاء بعده بستمائة سنة، فهل يُعْقل هذا؟! وحبيب النجار ليس من تلاميذ شمعون ولا يونس كما ذُكر؛ لأن شمعون هو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ويونس أو يونان هو أحد أنبياء التوراة الذي ابتلعه الحوت.
 
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
    إن مقصود هذه الآيات هو إثبات رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فجاءت هذه القصة تمثيلا لأهل مكة، بإرسال رسول مثل رسولهم صلى الله عليه وسلم إلى قوم، وقد كذَّب هؤلاء القوم فأصابهم عذاب الله, والسبب في ذكر هذه القصة كونها مانعة لهم من التمادي في غيهم ودافعًا لهم أن يعتبروا ويؤمنوا برسالة سيِّد الخلق حتى ينجوا من مثل هذا العذاب.
    ولم يذكر القرآن أن لأهل هذه القرية مَلِكًا، ولا أن اسم القرية أنطاكية، ولا أن اسم الرجل الذي جاء من أقصى المدينة هو حبيب النجار، وما ذكره بعض المفسرين وفيه ذكر ذلك، فهو اجتهاد شخصي، لا يقال إن القرآن قد قال هذا؛ فيجب أولاً أن نفرق بين كلام الله عز وجل وبين كلام غيره؛ فما قاله بعض المفسرين في تفسير هذه الآيات ما هو إلا محاولة لفَهْم مراد الله بقدر الطاقة البشرية، فهم يحاولون أن يُظْهِروا سائر ملابسات القصة وأشخاصها ومكانها وزمانها إلى غير ذلك عن طريق المرويات التاريخية المتعلقة بالقصة وفيها ما يصح وما لا يصح، وبعض المفسرين يعتمد طريقة جَمْع كل ما قيل حول الآية دون النظر إلى تمييز الصحيح من الضعيف رغبة في حصر المرويَّات، ولا يستطيع تمييز مقبولها من مردودها إلا أهل العلم المتخصصين، فما يصحُّ منها قبلوه وما لم يصح منها ردُّوه.
    أما القول بأن أنطاكية في هذا العصر كانت تحت حكم الرُّومان، أمرٌ فيه نظر؛ لأنه يحتاج إلى إثبات تاريخي، فلا يعترض على ما ذكر بمجرد أمر محتمل .
    وأما القول بأن حبيب النجار لم يكن من تلاميذ شمعون ولا يونس، وأنه كان يعمل في نحت الأصنام، فنقول: لم يقل القرآن أن الرجل كان حبيب النجار، ولم يقل إنه كان من تلاميذ شمعون ولا يونس.
    وأما القول بأن حبيب النجار آمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة عام -فعلى فرض صدق ما قالوه- نقول: قد يكون هذا من باب أنه قرأ عن البشارة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كتب أهل الكتاب فعَرَف أنه نبي من عند الله فآمن به ولم يره، وهذا أمر مقبول عقلا. أو يكون اسم حبيب النجار هذا من باب الأسماء المتشابهة التي تُطْلَق على أكثر من شخص.