جاء في القرآن قول الله تعالى : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [ يس : 38 ] ، وهذه الآية تخالف المقررات العلمية من أن الشمس ثابتة تدور حول نفسها ولا تنتقل من مكانها ، والأرض هي التى تدور حولها ، فكيف يقول القرآن إن الشمس تجرى ، وإن لها مستقراً تسير فيه ؟ كما أن هناك قراءة قرآنية فيها : { الشمس تجرى ولا مستقر لها } ، فهذا يدل على اختلاف قراءات القرآن اختلافًا يغير المعنى ، مما يطعن فى سلامة القرآن وصحته .
عدم تعارض النص القرآني مع الحقائق العلمية : هذا الاعتراض إن دل فإنما يدل على عدم المعرفة بأحوال الشمس وأطوارها؛ فالثابت علميًّا أن الشمس لها حركات متعددة ؛ منها دورانها حول نفسها, وهذا الدوران يصح أن يسمى جرياً . وقد ثبت علميًّا أن الشمس لها حركة حقيقية؛ حيث تنطلق بسرعة مخصوصة قدرت بنحو اثني عشر ميلا في الثانية في اتجاه نجم يسمى بالنجم "فيجا" في الإفرنجية أو "النسر الواقع" فى العربية . أو أن يقال إن جريان الشمس يعني في رأي العين من مشرقها إلى مغربها، فالنظر إلى الشمس من الناحية الظاهرية يوحي بحركتها في حين أن المتحرك هو الأرض . فالآية حملت إعجازًا بلاغيًا حيث راعت مقتضى حال المتلقي؛ حتى يهتدي بها الناس جميعًا ، من عرف منهم سر هذه الحركة النسبية ومن لم يعرف ، فمن عرف هذا السر اهتدى به وبالمعجزة العلمية التى حوتها الآية ، ومن لم يعرف اهتدى بموافقة الآية للحركة الظاهرة التي يراها ، فالقرآن الكريم لا يخالف أي سقف وصلت إليه المعارف البشرية ، وهو سر إعجازه ، فأي معلومة علمية قطعية انتهت إليها المعارف البشرية لا يوجد ما يخالفها من القرآن الذي جاءت عباراته للتتوافق مع المعارف القطعية للبشر على مدار العصور . يقول د / عبد القادر الحسيني : " إن القرآن الكريم كنص إلهي قد احتوى على حقائق فكر القرون المتطاولة حتى آخر الزمان فضلاً عن القرون السابقة لنزوله مع مسايرته في خطاب العرب لأحوالهم وأساليب حياتهم وما اعتادوا عليه ، ولما كان القرآن الكريم إنما أنزل لهداية البشر فقد اقتضت الحكمة الإلهية أن ينزل بأسلوب لا يصدم البدهي المسلم به عند الناس فيكذبوه ولا ينافي حقائق الأشياء فيكون ذلك داعياً إلى تكذيبه إذا يسر الله سبيل الكشف عنها لأولي العلم في مستقبل العصور، وهذا من أعجب عجائب القرآن الكريم التي لا تنقضي؛ فإن التعبير عن حقائق الأشياء بأسلوب يطابقها تماماً ثم لا يصدم الناس فيما يعتقدون أمر يعجز عنه البشر ولا يقدر عليه إلا الله الذى أنزل القرآن بالحق هدى للناس والشاهد الواضح لهذه الظاهرة قوله تعالى : { والشمس تجرى } فإن حركات الشمس قضية تنطبق على المشاهد البادي من حركتها في السماء من المشرق إلى المغرب غير أن العلم الحديث يثبت صدق حرفية الآية الكريمة باكتشاف حركة ذاتية للشمس تتجه بها إلى فيجا بسرعة أثنى عشر ميلا في الثانية . فالقرآن الكريم قد نزل في بيئة معينة وزمان معين وتلقاه عند نزوله الأول أناس معينون لهم أفق معرفي محدد فخاطبهم وفهموا مراد الله منهم كل حسب طاقته وفي الوقت ذاته خاطب القرآن الكريم العصور الاحقة دون أن يجرح أفهامهم في الوقت الذى أشار إلى حقائق الكون والحياة بعبارات مرنة مستوعبة وهذا لا يكون لبشر أبداً . نعم قد يوفق إنسان في عبارة أو عبارتين تخترق عباب القرون ولكن هذا نادر والنادر لا حكم له فالإنسان المخلوق ولو كان أعظم الأدباء وأقدرهم على التفنن في أعواد اللغوية لا يستطيع أن يخترق بيئته وأفقه المعرفي ليحدث بيئة أخرى تختلف وتتباين عن بيئته إن سعة معاني القرآن وتجددها نابعة من ذات القرآن وليست إضافات يضيفها كل ناظر فيه أو قارئ هذا مع التأكيد على أن قابلية النص القرآني لا عدد الأفهام ليست في جميع النصوص بل هي في بعضها دون بعض وهذه الأفهام منضبطة بقواعد اللغة وأحكام الدين المستقرة التي تمثل هوية الإسلام " . اهـ (1) بيان عدم صحة الاستدلال بالقراءة المذكورة : أما ما يتعلق بالقراءة المذكورة في الشبهة والتي استدل بها على اختلاف القراءات اختلافًا مفسداً للمعنى ، فالرد على ذلك بأن هذه القراءة ليست قراءة صحيحة متواترة حتى يحتج بها السأل ، ولذلك لم يتعرض لها معظم المفسرين في تفسير الآية الكريمة, وإنما هي قراءة شاذة ، ودليل ذلك عدم ورودوها في القراءات العشر المعتمدة .
الهوامش: --------------------- (1) رسالة دكتوراه بعنوان معايير القبول والرد لتفسير النص القرآني مقدمة من الباحث السوري عبد القادر محمد الحسيني تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد نبيل غنايم كلية دار العلوم جامعة القاهرة ص 16 وما بعدها.