النساء ناقصات عقل ودين

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

الشبهة
 
 
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
    المصدر الحقيقي لهذه الشبهة هو العادات والتقاليد الموروثة ، والتي تنظر إلى المرأة نظرة دونية . . وهى عادات وتقاليد جاهلية ، حرر الإسلام المرأة منها . . لكنها عادت إلى الحياة الاجتماعية ، فى عصور التراجع الحضارى مستندة - كذلك - إلى رصيد التمييز ضد المرأة الذى كانت عليه مجتمعات غير إسلامية ، دخلت فى إطار الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية ، دون أن تتخلص تماماً من هذه المواريث . . فسرعة الفتوحات الإسلامية - التى اقتضتها معالجة القوى العظمى المناوئة للإسلام - قوى الفرس والروم - وما تبعها من سرعة امتداد الدولة الإسلامية ، قد أدخلت فى الحياة الإسلامية شعوباً وعادات وتقاليد لم تتح هذه السرعة للتربية الإسلامية وقيمها أن تتخلص تلك الشعوب من تلك العادات والتقاليد ، والتى تكون - عادة - أشد رسوخاً وحاكمية من القيم الجديدة . . حتى لتغالب فيه هذه العادات الموروثة العقائد والأنساق الفكرية والمثل السامية للأديان والدعوات الجديدة والوليدة ، محاولة التغلب عليها  ! .
    ولقد حاولت هذه العادات والتقاليد - بعد أن ترسخت وطال عليها الأمد ، فى ظل عسكرة الدولة الإسلامية - فى العهدين المملوكى والعثمانى - أن تجد لنظرتها الدونية للمرأة " غطاء شرعيًّا " فى التفسيرات المغلوطة لبعض الأحاديث النبوية وذلك بعد عزل هذه الأحاديث عن سياقها ، وتجريدها من ملابسات ورودها ، وفصلها عن المنطق الإسلامى - منطق تحرير المرأة كجزء من تحريره للإنسان ، ذكراً كان أو أنثى هذا الإنسان - فلقد جاء الإسلام ليضع عن الناس إصرهم والأغلال التى كانت عليهم ، وليحيى ملكات وطاقات الإنسان - مطلق جنس ونوع الإنسان - وليشرك الإناث والذكور جميعاً فى حمل الأمانة التى حملها الإنسان ، وليكون بعضهم أولياء بعض فى النهوض بالفرائض الاجتماعية ، الشاملة لكل ألوان العمل الاجتماعى والعام . .
    لكن العادات والتقاليد الجاهلية - فى احتقار المرأة ، والانتقاص من أهليتها ، وعزلها عن العمل العام ، وتعطيل ملكاتها وطاقاتها الفطرية - قد دخلت فى حرب ضروس ضد القيم الإسلامية لتحرير المرأة . . وسعت إلى التفسيرات الشاذة والمغلوطة لبعض الأحاديث النبوية والمأثورات الإسلامية كى تكون " غطاءً شرعيًا " لهذه العادات والتقاليد . .
فبعد أن بلغ التحرير الإسلامى للمرأة إلى حيث أصبحت به وفيه :
* طليعة الإيمان بالإسلام . . والطاقة الخلاقة الداعمة للدين ورسوله صلى الله عليه وسلم كما كان حال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد [ 68 - 3ق هـ / 556 - 620 م ] رضى الله عنها . . حتى لقد كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول الإسلام ودعوة الإسلام . .
* وطليعة شهداء الإسلام . . كما جسدتها شهادة سمية بنت خياط [ 7ق هـ -  615 م ] ، أم عمار بن ياسر [ 57 ق هـ -   37 هـ  / 567 - 657 م ] . .
* وطليعة المشاركة فى العمل العام - السياسى منه ، والشورى ، والفقهى ، والدعوى ، والأدبى ، والاجتماعى. بل والقتالى - كما تجسدت فى كوكبة النخبة والصفوة النسائية التى تربت فى مدرسة النبوة . .
    بعد أن بلغ التحرير الإسلامى للمرأة هذه الآفاق . . أعادت العادات والتقاليد المرأة - أو حاولت إعادتها - إلى أسر وأغلال منظومة من القيم الغربية عن الروح الإسلامية . . حتى أصبحت المفاخرة والمباهاة بأعراف ترى :
* أن المرأة الكريمة لا يليق بها أن تخرج من مخدعها إلا مرتان : أولاهما : إلى مخدع الزوجية . . وثانيتهما : إلى القبر الذى تُدفن فيه ! . .
* فهى عورة ، لا يسترها إلا  " القبر " ! .
     ولم أر نعمة شملت كريماً  * * *  كنعمة عورة سُترت بقبر !
وإذا كان الإسلام قد حفظ حياتها من الوأد المادى - القتل - فإن المجد والمكرمات - فى تلك العادات - هى فى موتها !
     ومن غاية المجد والمكرمات  * * * بقاء البنين وموت البنات !
     تهوى حياتى وأهوى موتها شفقا  * * *  والموت أكرم نزّال على الحرم !
* وشوراها شؤم يجب اجتنابها . . وإذا حدثت فلمخالفتها ، وللحذر من الأخذ بها  ! .
والأكثر خطورة من هذه الأعراف والعادات والتقاليد ، التى سادت أوساطا ملحوظة ومؤثرة فى حياتنا الاجتماعية ، إبان مرحلة التراجع الحضارى ، هى التفسيرات المغلوطة لبعض المرويات الإسلامية بحثاً عن مرجعية إسلامية وغطاء شرعى لقيم التخلف والانحطاط التى سادت عالم المرأة فى ذلك التاريخ . . لقد كان الحظ الأوفر فى هذا المقام للتفسير الخاطىء الذى ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارى ومسلم عن نقص النساء فى العقل والدين . . وهو حديث رواه الصحابى الجليل أبو سعيد الخدرى - رضى الله عنه - فقال : "  خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أضحى أو فِطْر -  إلى المصلى فمرّ على النساء ، فقال :
- " يا معشر النساء ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن " .
- قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ .
- قال : " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل "  ؟ .
- قلن : بلى .
- قال : " فذلك من نقصان عقلها . أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم ؟  " .
- قلن : بلى .
- قال : " فذلك من نقصان دينها  " .
ذلكم هو الحديث الذى اتّخذَ تفسيره الملغوط - ولا يزال -  " غطاء شرعيًّا " للعادات والتقاليد التى تنتقص من أهلية المرأة . . والذى ينطلق منه نفر من غلاة الإسلاميين فى " جهادهم " ضد إنصاف المرأة وتحريرها من أغلال التقاليد الراكدة . . وينطلق منه المتغربون وغلاة العلمانيين فى دعوتهم إلى إسقاط الإسلام من حسابات تحرير المرأة ، وطلب هذا التحرير فى النماذج الغربية الوافدة . .
الأمر الذى يستوجب إنقاذ المرأة من هذه التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث . . بل إنقاذ هذا الحديث الشريف من هذه التفسيرات ! . .
وذلك من خلال نظرات فى " متن " الحديث و " مضمونه " نكثفها فى عدد من النقاط :
أولاها : أن الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح بعض علامات الاستفهام . . ففى رواية الحديث شك - من الرواة - حول مناسبة قوله . . هل كان ذلك فى عيد الأضحى ؟ أم فى عيد الفطر؟ . . وهو شك لا يمكن إغفاله عند وزن المرويات والمأثورات .
وثانيتها : أن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء ، ولا يشرّع شريعة دائمة ولا عامة فى مطلق النساء . . فهو يتحدث عن "واقع " والحديث عن " الواقع " - القابل للتغير والتطور - شىء ، والتشريع " للثوابت " - عبادات وقيمًا ومعاملات - شىء آخر . .
فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنا أمة أُمية ، لا نكتب ولا نحسب " . رواه البخارى ومسلم والنسائى وأبو داود والإمام أحمد - فهو يصف " واقعاً " ، ولا يشرع لتأييد الجهل بالكتابة والحساب ، لأن القرآن الكريم قد بدأ بفريضة  " القراءة "  لكتاب الكون ولكتابات الأقلام ( اقرأ باسم ربك الذى خلق  * خلق الإنسان من علق  *  اقرأ وربك الأكرم  *  الذى علم بالقلم  *  علم الإنسان ما لم يعلم ) (1) ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذى وصف " واقع " الأمية الكتابية والحسابية ، وهو الذى غير هذا الواقع ، بتحويل البدو الجهلاء الأميين إلى قراء وعلماء وفقهاء ، وذلك امتثالاً لأمر ربه ، فى القرآن الكريم ، الذى علمنا أن من وظائف جعل الله - سبحانه وتعالى - القمر منازل أن نتعلم عدد السنين والحساب ( هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نوراًوقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ) (2) . فوصف " الواقع "  كما نقول الآن مثلاً : " نحن مجتمعات متخلفة " لا يعنى شرعنة هذا " الواقع " ولا تأييده ، فضلاً عن تأبيده ، بأى حال من الأحوال .
وثالثتها : أن فى بعض روايات هذا الحديث - وخاصة رواية ابن عباس - رضى الله عنهما - ما يقطع بأن المقصود به إنما هى حالات خاصة لنساء لهن صفات خاصة ، هى التى جعلت منهن أكثر أهل النار ، لا لأنهن نساء ، وإنما لأنهن - كما تنص وتعلل هذه الرواية - " يكفرن العشير " ، ولو أحسن هذا العشير إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منه هِنَةً أو شيئاً لا يعجبها ، كفرت - كفر نعمة - بكل النعم التى أنعم عليها بها ، وقالت - بسبب النزق أو الحمق أو غلبة العاطفة التى تنسيها ما قدمه لها هذا العشير من إحسان - : " ما رأيت منك خيراً قط " ! - رواه البخارى ومسلم والنسائى ومالك - فى الموطأ - . .
    فهذا الحديث - إذن - وصف لحالة بعينها ، وخاص بهذه الحالة . . وليس تشريعاً عامًّا ودائماً لجنس النساء . .
ورابعتها : أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم . . فالذين يعرفون خُلق من صنعه الله على عينه ، حتى جعله صاحب الخُلق العظيم( وإنك لعلى خلق عظيم ) (3) . .
والذين يعرفون كيف جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من " العيد " - الذى قال فيه هذا الحديث - " فرحة " أشرك فى الاستمتاع بها - مع الرجال - كل النساء ، حتى الصغيرات ، بل وحتى الحُيَّض والنفساء ! . . الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم ، ويعرفون رفقه بالقوارير ، ووصاياه بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه الدنيا . . لا يمكن أن يتصوروه صلى الله عليه وسلم ذلك الذى يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية ، لنقصانهن فى العقل والدين ! . .
    وإذا كانت المناسبة - يوم العيد والزينة والفرحة - لا ترشح أن يكون الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود . . فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح ، الذى يستخدم وصف " الواقع " الذى تشترك فى التحلى بصفاته غالبية النساء . . إن لم يكن كل النساء . .
    فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة ، وهى عاطفة ورقة صارت " سلاحاً " تغلب به هذه المرأة أشد الرجال حزماً وشدة وعقلاً . . وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها على الحسابات العقلية المجردة والجامدة ، فإننا نكون أمام عملة ذات وجهين ، تمثلها المرأة . . فعند المرأة تغلب العاطفة على العقلانية ، وذلك على عكس الرجل ، الذى تغلب عقلانيته وحساباته العقلانية عواطفه . . وفى هذا التمايز فقرة إلهية ، وحكمة بالغة ، ليكون عطاء المرأة فى ميادين العاطفة بلا حدود وبلا حسابات . . وليكون عطاء الرجل فى مجالات العقلانية المجردة والجامدة مكملاً لما نقص عند " الشق اللطيف والرقيق ! " . .
    فنقص العقل - الذى أشارت إليه كلمات الحديث النبوى الشريف - هو وصف لواقع تتزين به المرأة السوية وتفخر به ، لأنه يعنى غلبة عاطفتها على عقلانيتها المجردة . . ولذلك ، كانت " مداعبة " صاحب الخُلق العظيم الذى آتاه ربه جوامع الكلم للنساء ، فى يوم الفرحة والزينة ، عندما قال : لهن :  " إنهن يغلبن بسلاح العاطفة وسلطان الاستضعاف أهل الحزم والألباب من عقلاء الرجال ، ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون ! :
- " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن "
    فهو مدح للعاطفة الرقيقة التى تذهب بحزم ذوى العقول والألباب . . ويا بؤس وشقاء المرأة التى حرمت من شرف امتلاك هذا السلاح الذى فطر الله النساء على تقلده والتزين به فى هذه الحياة ! بل - وأيضاً - يا بؤس أهل الحزم والعقلانية - من الرجال - الذين حرموا - فى هذه الحياة - من الهزيمة أمام هذا السلاح . . سلاح العاطفة والاستضعاف ! . .
    وإذا كان هذا هو المعنى المناسب واللائق بالقائل وبالمخاطب وبالمناسبة - وأيضاً المحبب لكل النساء والرجال معاً - الذى قصدت إليه ألفاظ " نقص العقل " فى الحديث النبوى الشريف . . فإن المراد " بنقص الدين " - هو الآخر - وصف الواقع غير المذموم ، بل إنه الواقع المحمود والممدوح ! . .
    فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقصود من نقصهن فى الدين ، تحدث عن اختصاصهن " برخص " فى العبادات تزيد على " الرخص " التى يشاركن فيها الرجال . . فالنساء يشاركن الرجال فى كل " الرخص " التى رخّص فيها الشارع . . من إفطار الصائم فى المرض والسفر . . إلى قصر الصلاة وجمعها فى السفر . . إلى إباحة المحرمات عند الضرورات . . إلخ . . إلخ . . ثم يزدن عن الرجال فى " رخص" خاصة بالإناث ، من مثل سقوط فرائض الصلاة وصيام رمضان عن الحيَّض والنفساء . . و كذلك إفطار المرضع ، عند الحاجة ، فى شهر رمضان . . إلخ . . إلخ . .
    وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - يحب أن تُؤتَى رخصه كما يحب أن تُؤتَى عزائمه ، فإن التزام النساء بهذه " الرخص " لشرعية هو الواجب المطلوب والمحمود ، وفيه لهن الأجر والثواب . . ولا يمكن أن يكون بالأمر المرذول والمذموم . . ووصف واقعه - فى هذا الحديث النبوى - مثله كمثل وصف الحديث لغلبة العاطفة الرقيقة الفياضة على العقلانية الجامدة ، عند النساء ، هو وصف لواقع محمود . . ولا يمكن أن يكون ذمًّا للنساء ، ينتقص من أهلية المرأة ومساواتها للرجال ، بأى حال من الأحوال .
    إن العقل ملكة من الملكات التى أنعم الله بها على الإنسان ، وليس هناك إنسان - رجلاً كان أو امرأة - يتساوى مع الآخر مساواة كلية ودقيقة فى ملكة العقل ونعمته . . ففى ذلك يتفاوت الناس ويختلفون . . بل إن عقل الإنسان الواحد وضبطه - ذكراً كان أو أنثى - يتفاوت زيادة ونقصاً - بمرور الزمن ، وبما يكتسب من المعارف والعلوم والخبرات . . وليست هناك جبلة ولا طبيعة تفرق بين الرجال والنساء فى هذا الموضوع . .
    وإذا كان العقل - فى الإسلام - هو مناط التكليف ، فإن المساواة بين النساء والرجال فى التكليف والحساب والجزاء شاهدة على أن التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث النبوى الشريف ، هى تفسيرات ناقصة لمنطق الإسلام فى المساواة بين النساء والرجال فى التكليف . . ولو كان لهذه التفسيرات المغلوطة نصيب من الصحة لنقصت تكاليف الإسلام للنساء عن تكليفاته للرجال ، ولكانت تكاليفهن فى الصلاة والصيام والحج والعمرة والزكاة وغيرها على النصف من تكاليف الرجال ! .
    ولكنها " الرخصة "، التى يُؤجر عليها الملتزمون بها والملتزمات ، كما يُؤجرون جميعاً عندما ينهضون بعزائم التكاليف . . إن النقص المذموم - فى أى أمر من الأمور - هو الذى يمكن إزالته وجبره وتغييره ، وإذا تغير وانجبر كان محموداً . . ولو كانت " الرخص " التى شرعت للنساء - بسقوط الصلاة والصيام للحائض والنفساء - مثلاً نقصًا مذمومًا ، لكان صيامهن وصلاتهن وهن حُيّض ونفساء أمرًا مقبولاً ومحمودًا ومأجورًا . . لكن الحال ليس كذلك ، بل إنه على العكس من ذلك .
    وأخيرًا ، فهل يعقل عاقل . . وهل يجوز فى أى منطق ، أن يعهد الإسلام ، وتعهد الفطرة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية - صناعة الإنسان ، ورعاية الأسرة ، وصياغة مستقبل الأمة - إلى ناقصات العقل والدين ، بهذا المعنى السلبى ، الذى ظلم به غلاة الإسلاميين وغلاة العلمانيين الإسلام ، ورسولَه الكريمَ ، الذى حرر المرأة تحريره للرجل ، عندما بعثه الله بالحياة والإحياء لمطلق الإنسان ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) (4) فوضع بهذا الإحياء ، عن الناس  - كل الناس - ما كانوا قد حُمِّلوا من الآصار والأغلال ( الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم . . ) (5)
    إنها تفسيرات مغلوطة ، وساقطة ، حاول بها أسرى العادات والتقاليد إضفاء الشرعية الدينية على هذه العادات والتقاليد التى لا علاقة لها بالإسلام . . والتى يبرأ منها هذا الحديث النبوى الشريف . .
    وإذا كان لنا - فى ختام إزالة هذه الشبهة - أن نزكى المنطق الإسلامى الذى صوبنا به معنى الحديث النبوى الشريف ، وخاصة بالنسبة للذين لا يطمئنون إلى المنطق إلا إذا دعمته وزكته " النصوص " ، فإننا نذكر بكلمات إمام السلفية ابن القيم ، التى تقول : " إن المرأة العدل كالرجل فى الصدق والأمانة والديانة " (6)
وبكلمات الإمام محمد عبده ، التى تقول :
" إن حقوق الرجل والمرأة متبادلة ، وإنهما أكفاء . . وهما متماثلان فى الحقوق والأعمال ، كما أنهما متماثلان فى الذات والإحساس والشعور والعقل ، أى أن كلا منهما بشر تام له عقل يتفكر فى مصالحه ، وقلب يحب ما يلائمه ويُسَرُّ به ، ويكره ما لا يلائمه وينفر منه . . (7) " .
وبكلمات الشيخ محمود شلتوت ، التى تقول :
" لقد قرر الإسلام الفطرة التى خلقت عليها المرأة . . فطرة الإنسانية ذات العقل والإدراك والفهم . . فهى ذات مسئولية مستقلة عن مسئولية الرجل ، مسئولة عن نفسها ، وعن عبادتها ، وعن بيتها ، وعن جماعتها . . وهى لا تقل فى مطلق المسئولية عن مسئولية أخيها الرجل ، وإن منزلتها فى المثوبة والعقوبة عند الله معقودة بما يكون منها من طاعة أو مخالفة ، وطاعة الرجل لا تنفعها وهى طالحة منحرفة ، ومعصيته لا تضرها ، وهى صالحة مستقيمة( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرا ) (8) - ( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) (9)
    وليقف المتأمل عند هذا التعبير الإلهى " بعضكم من بعض " ، ليعرف كيف سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضاً من الرجل ، وكيف حدَّ من طغيان الرجل فجعله بعضاً من المرأة. وليس فى الإمكان ما يُؤدَّى به معنى المساواة أوضح ولا أسهل من هذه الكلمة التى تفيض بها طبيعة الرجل والمرأة ، والتى تتجلى فى حياتهما المشتركة ، دون تفاضل وسلطان ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) (10).
    وإذا كانت المرأة مسئولة مسئولية خاصة فيما يختص بعبادتها ونفسها ، فهى فى نظر الإسلام أيضاً مسئولة مسئولية عامة فيما يختص بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والإرشاد إلى الفضائل ، والتحذير من الرذائل. وقد صرح القرآن بمسئوليتها فى ذلك الجانب ، وقرن بينها وبين أخيها الرجل فى تلك المسئولية ، كما قرن بينها وبينه فى مسئولية الانحراف عن واجب الإيمان والإخلاص لله وللمسلمين ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (11) ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) (12) .
    فليس من الإسلام أن تلقى المرأة حظها من تلك المسئولية - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - وهى أكبر مسئولية فى نظر الإسلام - على الرجل وحده ، بحجة أنه أقدر منها عليها ، أو أنها ذات طابع لا يسمح لها أن تقوم بهذا الواجب ، فللرجل دائرته ، وللمرأة دائرتها ، والحياة لا تستقيم إلا بتكاتف النوعين فيما ينهض بأمتهما ، فإن تخاذلا أو تخاذل أحدهما انحرفت الحياة الجادة عن سبيلها المستقيم . .
     والإسلام - فوق ذلك - لم يقف بالمرأة عند حد اشتراكها مع أخيها الرجل فى المسئوليات - جميعها خاصها وعامها - بل رفع من شأنها ، وكرر تلقاء تحملها هذه المسئوليات احترام رأيها فيما تبدو وجاهته ، شأنه فى رأى الرجل تماماً سواءً بسواء . وإذا كان الإسلام جاء باختيار آراء بعض الرجال ، فقد جاء أيضاً باختيار رأى بعض النساء .
    وفى سورة المجادلة احترم الإسلام رأى المرأة ، وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول ، وجمعها وإياه فى خطاب واحد( والله يسمع تحاوركما) (13) وقرر رأيها ، وجعله تشريعاً عامًّا خالداً . . فكانت سورة المجادلة أثراً من آثار الفكر النسائى ، وصفحة إلهية خالدة نلمح فيها - على مر الدهور - صورة احترام الإسلام لرأى المرأة ، فالإسلام لا يرى المرأة مجرد زهرة ، ينعم الرجل بشم رائحتها ، وإنما هى مخلوق عاقل مفكر ، له رأى ، وللرأى قيمته ووزنه .
    وليس هناك فارق دينى بين المرأة والرجل فى التكليف والأهلية ، سوى أن التكليف يلحقها قبل أن يلحق الرجل ، وذلك لوصولها - بطبيعتها - إلى مناط التكليف ، وهو البلوغ ، قبل أن يصل إليه الرجل (14) .
    هكذا تضافرت الحجج المنطقية مع نصوص الاجتهاد الإسلامى على إزالة شبهة الانتقاص من أهلية المرأة ، بدعوى أن النساء ناقصات عقل ودين . .
     وهكذا وضحت المعانى والمقاصد الحقة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى اتخذت منه التفسيرات المغلوطة  " غطاءً شرعيًّا " للعادات والتقاليد الراكدة ، تلك التى حملها البعض - من غلاة الإسلاميين - على الإسلام ، زوراً وبهتانًا . . والتى حسبها غلاة العلمانيين ديناً إلهيًّا ، فدعوا - لذلك - إلى تحرير المرأة من هذا الإسلام ! .
    لقد صدق الله العظيم إذ يقول : ( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد ) (15)
    إننا نلح منذ سنوات طوال - وقبلنا ومعنا الكثيرون من علماء الإسلام ومفكريه - على أن هذا الدين الحنيف إنما يمثل ثورة كبرى لتحرير المرأة ، لكن الخلاف بيننا وبين الغرب والمتغربين هو حول " نموذج "هذا التحرير . .  فهم يريدون المرأة ندًّا مساوياً للرجل . . ونحن - مع الإسلام - نريد لها " مساواة الشقين المتكاملين ، لا الندين المتماثلين " . . وذلك ، لتتحرر المرأة ، مع بقائها أنثى ، ومع بقاء الرجل رجلاً ، كى يثمر هذا التمايز الفطرى بقاء ، ويجدد القبول والرغبة والجاذبية والسعادة بينهما سعادة النوع الإنسانى .
    ونلح على أن هذا " التشابه . . والتمايز " بين النساء والرجال ، هو الذى أشار إليه القرآن الكريم عندما قرن المساواة بالتمايز ، فقالت آياته المحكمات : ( ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) (16) ( وليس الذكر كالأنثى ) (17) .
    نلح على ذلك المنهاج فى التحرير الإسلامى للمرأة . . ولقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يشهد شاهد من أهلها على صدق هذا المنهاج الإسلامى ، فتنشر صحيفة [ الأهرام ] تقريراً علمياً عن نتائج دراسة علمية استغرقت أبحاثها عشرين عاماً ، وقام بها فريق من علماء النفس فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وإذا بها تكشف عن مصداقية حقائق هذا المنهاج القرآنى - فى تشابه الرجال والنساء فى اثنتين وثلاثين صفة . . وتميّز المرأة عن الرجل فى اثنتين وثلاثين صفة . . وتميز الرجل عن المرأة - كذلك - فى اثنتين وثلاثين صفة فهناك التشابه : ( ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف ) ، ( خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ) (18) ( بعضكم من بعض ) (19) . وهناك التمايز الفطرى ( وليس الذكر كالأنثى ) . . فهما يتشابهان فى نصف الصفات ، ويتمايزان فى نصفها الآخر . .
    فالنموذج الأمثل لتحررهما معاً هو " مساواة الشقين المتكاملين ، لا الندين المتماثلين " . . ولذلك ، آثرت أن أقدم للقارئ خلاصة هذه الدراسة العلمية ، كما نشرتها [ الأهرام ] – تحت عنوان [ اختلاف صفات الرجل عن المرأة لمصلحة كليهما ] - ونصها :
" فى دراسة قام بها علماء النفس فى الولايات المتحدة الأمريكية ، على مدى عشرين عاماً ، تم حصر عدد الصفات الموجودة فى كل من الرجل والمرأة ، ووجد أن هناك 32 صفة مشتركة فى كل منهما ، وأن 32 صفة أخرى موجودة فى الرجل ، و32 صفة أخرى موجودة عند المرأة ، بدرجات مختلفة فى الشدة ، ومن هنا جاءت الفروق بين صفات الرجولة والأنوثة .
    وتوصل العلماء من خلال هذه التجارب إلى أن وجود نصف عدد الصفات مشتركة فى كل من الرجل والمرأة يعمل على وجود الأسس المشتركة بينهما ، لتسهيل التفاهم والتعامل مع بعضهما البعض . .
    أما وجود عدد آخر من الصفات متساوياً بينهما ومختلفاً عند كل منهما فى الدرجة والشهرة فمعناه تحقيق التكامل بينهما . كما توصلوا إلى أنه كى يعيش كل من الرجل والمرأة فى انسجام وتناغم تام ، لابد أن يكون لدى كل منهما الصفات السيكولوجية المختلفة ، فمثلاً الرجل العصبى الحاد المزاج لا يمكنه أن يتعايش مع امرأة عصبية حادة المزاج ، والرجل البخيل عليه ألا يتزوج امرأة بخيلة ، والرجل المنطوى ، الذى لا يحب الناس ، لا يجوز أن يتزوج من امرأة منطوية ولا تحب الناس . وهكذا .
    وكان من نتائج هذه الدراسات الوصول إلى نتيجة مهمة ، ألا وهى أن كل إنسان يحب ألا يعيش مع إنسان متماثل معه فى الصفات وكل شىء ، أى صورة طبق الأصل من صفاته الشخصية ، ومن هنا جاءت الصفات المميزة للرجولة متمثلة فى : قوة العضلات وخشونتها والشهامة ، والقوة فى الحق ، والشجاعة فى موضع الشجاعة ، والنخوة ، والاهتمام بمساندة المرأة وحمايتها والدفاع عنها وجلب السعادة لها . كما تتضمن أيضاً صفات الحب ، والعطاء ، والحنان ، والكرم ، والصدق فى المشاعر وفى القول وحسن التصرف . . إلخ .
    أما عن صفات الأنوثة ، فهى تتميز بالدفء ، والنعومة ، والحساسية ، والحنان ، والتضحية ، والعطاء ، وحب الخير ، والتفانى فى خدمة أولادها ، والحكمة ، والحرص على تماسك الأسرة وترابطها ، وحب المديح ، والذكاء ، وحسن التصرف ، وغير ذلك من الصفات . .
    ولذلك ، فمن المهم أن يكون لدى كل من الرجل والمرأة دراية كافية بطبيعة الرجل وطبيعة المرأة ، وبذلك يسهل على كل منهما التعامل مع الطرف الآخر فى ضوء خصائص كل منهما . . فعندما يعرف الرجل أن المرأة مخلوق مشحون بالمشاعر والأحاسيس والعواطف ، فإنه يستطيع أن يتعامل معها على هذا الأساس . وبالمثل ، إذا عرفت المرأة طبيعة الرجل ، فإن هذا سيساعدها أيضاً على التعامل معه . . (20) .
    تلك هى شهادة الدراسة العلمية ، التى قام بها فريق من علماء النفس - فى الولايات المتحدة الأمريكية - والتى استغرق البحث فيها عشرون عاماً . . والتى تصدق على صدق المنهاج القرآنى فى علاقة النساء بالرجال : الاشتراك والتماثل فى العديد من الصفات . . والتمايز فى العديد من الصفات ، لتكون بينهما " المساواة " و " التمايز " فى ذات الوقت . .
    ومرة أخرى - لا أخيرة - صدق الله العظيم إذ يقول: ( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد) (21) .
 
* * *
 
 
 
 
 
الهوامش:
-------------------------
(1) العلق : 1-5.
(2) سورة يونس : الآية 5.
(3) القلم : 4.
(4) الأنفال : 24.
(5) الأعراف : 157.
(6) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 236.
(7) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج4 ص 606 . دراسة وتحقيق د . محمد عمارة . طبعة القاهرة 1993 .
(8) النساء : 124 .
(9) آل عمران : 195 .
(10) النساء : 32 .
(11) التوبة : 71 .
(12) التوبة : 67 - 68 .
(13) المجادلة : 1 .
(14) [ الإسلام عقيدة وشريعة ] ص 223 - 228 . طبعة القاهرة سنة 1400 هـ - 1980 م .
(15) فصلت : 53 .
(16) سورة البقرة : 228 .
(17) سورة آل عمران : 36 .
(18) سورة الأعراف : 189 .
(19) سورة آل عمران : 195 .
(20) [ الأهرام ] فى 29 - 4 - 2001 - ص2 .
(21) فصلت : 53 .