إن " الولاية " - بكسر الواو وفتحها - هى " النُّصْرَة " . . وكل من ولى أمر الآخر فهو وليه (1) ( الله ولىُّ الذين آمنوا ) (2) ( إن وَلِيِّىَ الله ) (3) ( والله ولىُّ المؤمنين ) (4) ( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لِلَّهِ من دون الناس فتمنوا الموت ) (5) ( ما لكم من وَلايتهم من شىء ) (6) وإذا كانت " النصرة " هى معنى " الولاية " ، فلا مجال للخلاف على أن للمرأة نصرة وسلطاناً ، أى ولاية ، فى كثير من ميادين الحياة . . فالمسلمون مجمعون على أن الإسلام قد سبق كل الشرائع الوضعية والحضارات الإنسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية خاصة ، وولاية وسلطانا على أموالها ، ملكا وتنمية واستثمارا وإنفاقاً ، مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء . . والولاية المالية والاقتصادية من أفضل الولايات والسلطات فى المجتمعات الإنسانية ، على مر تاريخ تلك المجتمعات . . وفى استثمار الأموال ولاية وسلطان يتجاوز الإطار الخاص إلى النطاق العام . . والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها ، تؤسس لها حرية وسلطانا فى شئون زواجها ، عندما يتقدم إليها الراغبون فى الاقتران بها ، وسلطانها فى هذا يعلو سلطان وليها الخاص والولى العام لأمر أمة الإسلام . . والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطاناً فى بيت زوجها ، وفى تربية أبنائها . . وهى ولاية نص على تميزها بها وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى فصّل أنواع وميادين الولايات : [ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذى على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] (7) لكن قطاعا من الفقهاء قد وقف بالولايات المباحة والمفتوحة ميادينها أمام المرأة عند " الولايات الخاصة " ، واختاروا حجب المرأة عن " الولايات العامة "، التى تلى فيها أمر غيرها من الناس ، خارج الأسرة وشئونها . . ونحن نعتقد أن ما سبق وقدمناه - فى القسم الأول من هذه الدراسة - من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة لمشاركات النساء فى العمل العام - بدءاً من الشورى فى الأمور العامة . . والمشاركة فى تأسيس الدولة الإسلامية الأولى . وحتى ولاية الحسبة والأسواق والتجارات ، التى ولاّها عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - " للشِّفاء بنت عبد الله بن عبد شمس [ 20 هـ /641م ] . . وانتهاء بالقتال فى ميادين الوغى . . وأيضً ما أوردناه من الآيات القرآنية الدالة على أن الموالاة والتناصر بين الرجال والنساء فى العمل العام - سائر ميادين العمل العام وهى التى تناولها القرآن الكريم تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (8) . نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية - قضية ولاية المرأة ومشاركتها مع الرجل فى ولايات العمل العام كاف وواف فى الرد على الذين يمارون فى ولاية المرأة للعمل العام . أما الإضافة التى نقدمها فى هذا القسم من هذه الدراسة - قسم إزالة الشبهات - فهى خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث النبوى الشريف : [ ما أفلح قوم يلى أمرهم امرأة ] . . إذ هو الحديث الذى يستظل بظله كل الذين يحرّمون مشاركة المرأة فى الولايات العامة والعمل العام . . ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة ، منها : [ لن يفلح قوم تملكهم امرأة ] . . [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] . . [ ولن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ] - رواها : البخارى والترمذى والنسائى والإمام أحمد - . . وإذا كانت صحة الحديث - من حيث " الرواية " - هى حقيقة لا شبهة فيها . . فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل " الدراية " بمعناه الحقيقى مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة للعمل العام . . ذلك أن ملابسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، لهذا الحديث تقول : إن نفراً قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : - " من يلى أمر فارس " ؟ - " قال - [ أحدهم ] : امرأة . - فقال صلى الله عليه وسلم " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " . فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات أكثر منه تشريعاً عاما يحرم ولاية المرأة للعمل السياسى العام . . ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى هذا الحديث خاصاً " بالولاية العامة " أى رئاسة الدولة وقيادة الأمة . . فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية الفارسية ، التى كانت تمثل إحدى القوتين العظيمتين فى النظام العالمى لذلك التاريخ . . ولا خلاف بين جمهور الفقهاء - باستثناء طائفة من الخوارج - على اشتراط " الذكورة " فيمن يلى " الإمامة العظمى " والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام . . أما ماعدا هذا المنصب - بما فى ذلك ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية - فإنها لا تدخل فى ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته . . لأنها ولايات خاصة وجزئية ، يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق . . فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الولايات - الجزئية والخاصة - بالإمامة العظمى والولاية العامة لدار الإسلام وأمته - وهى الولاية التى اشترط جمهور الفقهاء " الذكورة " فيمن يليها - . . ولا حديث للفقه المعاصر عن ولاية المرأة لهذه الإمامة العظمى ، لأن هذه الولاية قد غابت عن متناول الرجال ، فضلاً عن النساء ، منذ سقوط الخلافة العثمانية [ 1342 هـ - 1924م ] وحتى الآن ! . . وأمر آخر لابد من الإشارة إليه ، ونحن نزيل هذه الشبهة عن ولاية المرأة للعمل العام ، وهو تغير مفهوم الولاية العامة فى عصرنا الحديث ، وذلك بانتقاله من : " سلطان الفرد " إلى " سلطان المؤسسة " ، والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان والاختصاص . . لقد تحوّل " القضاء " من قضاء القاضى الفرد إلى قضاء مؤسسى ، يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة . . فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة للقضاء ، بالمعنى الذى كان وارداً فى فقه القدماء ، لأن الولاية هنا - الآن - لمؤسسة وجمع ، وليست لفرد من الأفراد ، رجلاً كان أو امرأة . . بل لقد أصبحت مؤسسة التشريع والتقنين مشاركة فى ولاية القضاء ، بتشريعها القوانين التى ينفذها القضاة . . فلم يعد قاضى اليوم ذلك الذى يجتهد فى استنباط الحكم واستخلاص القانون ، وإنما أصبح " المنفذ " للقانون الذى صاغته وقننته مؤسسة ، تمثل الاجتهاد الجماعى والمؤسسى - لا الفردى - فى صياغة القانون . . وكذلك الحال مع تحول التشريع والتقنين من اجتهاد الفرد إلى اجتهاد مؤسسات الصياغة والتشريع والتقنين . . فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لسلطة التشريع بالمعنى التاريخى والقديم لولاية التشريع . . وتحولت سلطات صنع " القرارات التنفيذية " - فى النظم الشورية والديمقراطية - عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات المشاركة فى الإعداد لصناعة القرار . . فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لهذه السلطات والولايات ، بالمعنى الذى كان فى ذهن الفقهاء الذين عرضوا لهذه القضية فى ظل " فردية " الولايات ، وقبل تعقد النظم الحديثة والمعاصرة ، وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات . . لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ - وهى امرأة - فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة ، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية - لا بالولاية الفردية - ( قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ) (9) . . وذم القرآن الكريم فرعون مصر - وهو رجل - لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار( قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) (10) . . فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة فى الولاية العامة - حتى الولاية العامة - وإنما كانت العبرة بكون هذه الولاية " مؤسسة شورية " ؟ أم " سلطانا فردياً مطلقاً " ؟
* * * أما ولاية المرأة للقضاء . . والتى يثيرها البعض كشبهة على اكتمال أهلية المرأة فى الرؤية الإسلامية . . فإن إزالة هذه الشبهة يمكن أن تتحقق بالتنبيه على عدد من النقاط : أولها : أن ما لدينا فى تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو " فكر إسلامى " و " اجتهادات فقهية " أثمرت " أحكاماً فقهية " . . وليس "دينا " وضعه الله - سبحانه وتعالى - وأوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن الكريم لم يعرض لهذه القضية ، كما لم تعرض لها السنة النبوية ، لأن القضية لم تكن مطروحة على الحياة الاجتماعية والواقع العملى لمجتمع صدر الإسلام ، فليس لدينا فيها نصوص دينية أصلاً ، ومن ثم فإنها من مواطن ومسائل الاجتهاد . . ثم إن هذه القضية هى من " مسائل المعاملات " وليست من " شعائر العبادات " . . وإذا كانت " العبادات توقيفية " تُلْتَمس من النص وتقف عند الوارد فيه ، فإن " المعاملات " تحكمها المقاصد الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة . . والموازنة بين المصالح والمفاسد فيها . . ويكفى فى " المعاملات " أن لا تخالف ما ورد فى النص ، لا أن يكون قد ورد فيها نص . . ومعلوم أن " الأحكام الفقهية " التى هى اجتهادات الفقهاء ، مثلها كمثل الفتاوى ، تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح الشرعية المعتبرة . . فتولى المرأة للقضاء قضية فقهية ، لم ولن يُغْلَق فيها باب الاجتهاد الفقهى الإسلامى . . وثانيها : أن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولى المرأة لمنصب القضاء هى اجتهادات متعددة ومختلفة باختلاف وتعدد مذاهبهم واجتهاداتهم فى هذه المسألة ، ولقد امتد زمن اختلافهم فيها جيلاً بعد جيل . . ومن ثم فليس هناك " إجماع فقهى " فى هذه المسألة حتى يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف ، وذلك فضلاً عن أن إلزام الخلف بإجماع السلف هو أمر ليس محل إجماع . . ناهيكم عن أن قضية إمكانية تحقق الإجماع - أى اجتماع سائر فقهاء عصر ما على مسألة من مسائل فقه الفروع - كهذه المسألة - هو مما لا يُتَصَوَّر حدوثه - حتى لقد أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث الإجماع فى مثل هذه الفروع أصلاً . ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل [ 164 - 241 هـ 780 - 855 م ] الذى قال : " من ادعى الإجماع فقد كذب ! " . فباب الاجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلى فى هذه المسألة - وغيرها من فقه الفروع - مفتوح . . لأنها ليست من المعلوم من الدين بالضرورة أى المسائل التى لم ولن تختلف فيها مذاهب الأمة ولا الفِطر السليمة لعلماء وعقلاء الإسلام . . وثالثها : أن جريان " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، على عدم ولاية المرأة لمنصب القضاء لا يعنى " تحريم " الدين لولايتها هذا المنصب ، فدعوة المرأة للقتال ، وانخراطها فى معاركه هو مما لم تجربه " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، ولم يعن ذلك " تحريم " اشتراك المرأة فى الحرب والجهاد القتالى عند الحاجة والاستطاعة وتعيُّن فريضة الجهاد القتالى على كل مسلم ومسلمة . . فهى قد مارست هذا القتال وشاركت فى معاركه على عصر النبوة والخلافة الراشدة . . من غزوة أُحد [ 3 هـ - 625م ] إلى موقعة اليمامة [ 12 هـ - 633 م ] ضد ردة مسيلمة الكذاب [ 12 هـ - 633 م ] . . وفى " العادة " مرتبطة " بالحاجات " المتغيرة بتغير المصالح والظروف والملابسات ، وليست هى مصدر الحلال والحرام . . رابعها : أن علة اختلاف الفقهاء حول جواز تولى المرأة لمنصب القضاء ، فى غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التى تتناول هذه القضية ، كانت اختلاف هؤلاء الفقهاء فى الحكم الذى " قاسوا " عليه توليها للقضاء . فالذين " قاسوا " القضاء على : " الإمامة العظمى " - التى هى الخلافة العامة على أمة الإسلام ودار الإسلام - مثل فقهاء المذهب الشافعى قد منعوا توليها للقضاء ، لاتفاق جمهور الفقهاء - باستثناء بعض الخوارج - على جعل " الذكورة " شرطا من شروط الخليفة والإمام ، فاشترطوا هذا الشرط - " الذكورة " – فى القاضى ، قياساً على الخلافة والإمامة العظمى . ويظل هذا " القياس " قياساً على " حكم فقهى " ليس عليه إجماع وليس " قياساً " على نص قطعى الدلالة والثبوت . . والذين أجازوا توليها القضاء ، فيما عدا قضاء " القصاص والحدود " مثل أبى حنيفة " [ 80 - 150 هـ / 699 - 767 م ] وفقهاء مذهبه - قالوا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الشهادة " ، فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه ، أى فيما عدا " القصاص والحدود " . فالقياس هنا - أيضاً - على " حكم فقهى " وليس على نص قطعى الدلالة والثبوت . . وهذا الحكم الفقهى المقيس عليه وهو شهادة المرأة فى القصاص والحدود . . أى فى الدماء ليس موضع إجماع . . فلقد سبق وذكرنا - فى رد شبهة أن شهادة المرأة هى على النصف من شهادة الرجل- إجازة بعض الفقهاء لشهادتها فى الدماء ، وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هى مصدر البينة الحافظة لحدود الله وحقوق الأولياء . . أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة فى كل القضايا - مثل الإمام محمد بن جرير الطبرى [ 224 - 310 هـ / 839 - 923 م ] - فقد حكموا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الفتيا " . . فالمسلمون قد أجمعوا على جواز تولى المرأة منصب الإفتاء الدينى - أى التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو من أخطر المناصب الدينية - وفى توليها للإفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على عهد النبوة - من أمهات المؤمنين وغيرهن - فقاس هؤلاء الفقهاء قضاء المرأة على فتياها ، وحكموا بجواز توليها كل أنواع القضاء ، لممارستها الإفتاء فى مختلف الأحكام . وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهرى والثابت فى شروط القاضى إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء ، وهو : ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين . . وبعبارة أبى الوليد بن رشد الحفيد [ 520 - 595 هـ / 1126 - 1198 م ] : فإن " من رأى حكم المرأة نافذا فى كل شىء قال : إن الأصل هو أن كل من يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز ، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى " (11) . وخامسها : أن " الذكورة " لم تكن الشرط الوحيد الذى اختلف حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء . . فهم مثلا اختلفوا فى شرط " الاجتهاد " فأوجب الشافعى [ 150 - 204 هـ / 767 - 820 م ] وبعض المالكية أن يكون القاضى مجتهداً . . على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط ، بل وأجاز قضاء " العامى " أى الأمى فى القراءة والكتابة - وهو غير الجاهل- ووافقه بعض الفقهاء المالكية قياسا على أمية النبى صلى الله عليه وسلم (12) . واختلفوا - كذلك - فى شرط كون القاضى " عاملا " وليس مجرد " عالم " بأصول الشرع الأربعة : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس . . فاشترطه الشافعى ، وتجاوز عنه غيره من الفقهاء (13) كما اشترط أبو حنيفة ، دون سواه أن يكون القاضى عربيا من قريش (14) . فشرط " الذكورة " فى القاضى ، هو واحد من الشروط التى اختلف فيها الفقهاء ، حيث اشترطه البعض فى بعض القضايا دون البعض الآخر ، وليس فيه إجماع . . كما أنه ليس فيه نصوص دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين . . وسادسها : أن منصب القضاء وولايته قد أصابها هى الأخرى ما أصاب الولايات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل بها من " الولاية الفردية " إلى ولاية " المؤسسة " فلم تعد " ولاية رجل " أو " ولاية امرأة " ، وإنما أصبح " الرجل " جزءاً من المؤسسة والمجموع ، وأصبحت " المرأة " جزءاً من المؤسسة والمجموع . . ومن ثم أصبحت القضية فى " كيف جديد " يحتاج إلى " تكييف جديد " يقدمه الاجتهاد الجديد لهذا الطور المؤسسى الجديد الذى انتقلت إليه كل هذه الولايات . . ومنها ولاية المرأة للقضاء . .
الهوامش: --------------------------------- (1) الراغب الأصفهانى ، أبو القاسم الحسين بن محمد [ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ، القاهرة 1991م . (2) البقرة : 257. (3) الأعراف : 196. (4) آل عمران : 68. (5) الجمعة 6. (6) الأنفال : 72. (7) رواه البخارى ومسلم والإمام أحمد . . (8) التوبة : 71 . (9) النمل : 32 . (10) غافر : 29 . (11) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] جـ 2 ص 494 . طبعة القاهرة سنة 1974 . والماوردى [ أدب القاضى ] جـ 1 ص 625 - 628 طبعة بغداد سنة 1971 م . والأحكام السلطانية ص 65 طبعة القاهرة سنة 1973 . (12) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] جـ 2 ص 493 ، 494 . (13) [ أدب القاضى ] جـ ص 643 . (14) محمد محمد سعيد [ كتاب دليل السالك لمذهب الإمام مالك ] ص 190 طبعة القاهرة سنة 1923 .