النبي وتحريم الحلال

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

الشبهة
جاء في القرآن قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [التحريم1 :3] وجاء في بعض المراجع الإسلامية أن نبي الإسلام [صلى الله عليه وآله وسلم] كان يومًا في بيت حفصة بنت عمر، وهي إحدى أزواجه فاستأذنت منه في زيارة أبيها، فأذن لها، فجاءت مارية إلى بيت حفصة فواقعها، فرجعت حفصة، وأبصرت مارية معه في بيتها، فلم تدخل حتى خرجت مارية، ثم دخلت، وقالت له: إني رأيت من كانت معك في البيت، وغَضِبَتْ وبَكَت، وقالت له: قد جئتَ إِلَيَّ بشيء ما جئتَ به إلى أحدٍ من نسائك، في يومي وفي بيتي وعلى فراشي! فقال لها: اسكتي، أما ترضين أن أُحَرِّمها على نفسي ولا أقربها أبداً؟ قالت: نعم، وحلف ألا يقربها، ولكن لما عاودته الرغبة في مارية حنَث بالقسَم، وقفل باب اعتراض حفصة على رجوعه في قَسَمِه، بقوله: إن الله أوحى إليه هذه الآيات. ونحن نسأل: لماذا حرَّم نبي الإسلام شيئًا أحلَّه الله له؟ وكيف يُعَامِلُ أزواجه هكذا؟
 
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية

    أولاً: هذه القصة السابقة ضعيفة لا تصح سببًا لنزول الآية، والصحيح في سبب نزول هذه الآية ما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الْحَلْواء والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، يمكث عند زينب بنت جحش، فيشرب عندها عسلاً، فتواطأتُ أنا وحفصة أنَّ أيّتنا دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فلتقل له: إِنِّي أجد منك ريح مَغَافير، أكلتَ مغافير؟ فقال: لا، بل شربتُ عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود إليه، وقد حلفتُ، لا تخبري بذلك أحداً".(1)
    وهذا هو السبب الصحيح لنزول الآيات كما رجَّح ذلك جَمْعٌ من المفسرين منهم أبو بكر بن العربي(2) والقرطبي(3) وابن كثير(4)والطاهر بن عاشور(5)وغيرهم.
    وقال ابن العربي:"لم يدون –يعني قصة مارية المذكورة في السؤال- في صحيح، ولا عدل ناقله".(6)

    ثانيا: ولعله قد اتضح أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لم يعدو أن يكون قد امتنع عن أمر كان مباحًا له، وهو شُرْبُ العسل، بمعنى أن له أن يعمله وأن يمتنع عنه كشأن سائر المباحات، والفِعْل "حرَّم" يُسْتَعْمل في معنى الامتناع عن الشيء، كما قال تعالى عن موسى : {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص :12]. وقال: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} [التوبة:37] وبهذا لا يخفى أن الآية ليس من معناها أن النبي حوَّل الحلال حرامًا -كما ذكر في السؤال- حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم(7) بل هي توجيه من الله أن رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأزواجه جعلته يمتنع عما أباحه الله له تَطْيِيبًا لخواطرهن، وأن مسلك الرحمة ربما لا يتناسب -أحيانًا- مع من جعله الله قدوة يَحْتَذِي بها الخلائق، والله لا يريد من كل الناس الامتناع عن المباح، فوجَّهته الآيات أن يسلك السبيل الآخر وأن يُكَفِّر عن يمينه حتى لا يتحرَّج الإنسان إذا أراد أن يتمسَّك بحقه ولا يتنازل عنه.


الهوامش:
-----------------------
(1) صحيح البخارى (23/99) ، وصحيح مسلم (9/242).
(2) أحكام القرآن لابن العربي (7/409)
(3) تفسير القرطبي (18/177).
(4) انظر تفسير ابن كثير (4/495).
(5) انظر التحرير والتنوير (18/345).
(6) أحكام القرآن لابن العربي (7/409).
(7) انظر التحرير والتنوير (18/345).