توعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتلي حمزة خاصَّة الذين قد مثّلوا به فبقروا بطنه وجدعوا أنفه، وأذنه وانتزعوا كبده، فحزن عليه حزنًا شديدًا حتى بكى وشهق في البكاء، بل قال فيما نقل عنه: "لن أصاب بمثلك أبدًا". ([1]) بين الغضب وآثاره: ينبغي أن يفرق الإنسان بين الغضب الجبلِّي الذي لا يخلو عنه إنسان وإن كان نبيًّا، والغضب المقيت الذي هو خروج عن الخلق القويم، أما الغضب الجبلي فهذا أمر طبعي لا يخلو منه إنسان كائنًا مَنْ كان حتى سادات الخلق من الأنبياء، فالإنسان أي إنسان له طبائع وغرائز وانفعالات جبله الله عليها ، وجعل الله تهذيبها مناطًا للتكليف ومحكًّا للثواب والعقاب ، وإنما الغضب المقيت أن يتمادى الإنسان في غضبه فينفذ إلى سلوك يخرج عن الخلق السليم، وهذا الموقف من نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم موقف طبعي لا يحطّ من قدره، ولا ينقص من صبره. وليس معنى عصمة الأنبياء -أبدا- أنهم لا يعتريهم العوارض البشرية، كيف وقد جعلهم الله لنا أعلام هداية نقتدي بهم فيما ينزل بنا من أحوالنا البشرية، وإنما المعنى أن النبي إذا اعتراه شيء من العوارض البشرية لم يجره ذلك إلى فعل سوء. فإذا تقرر هذا صلح للمرء أن يقتدي -مثلا- برسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما إذا استبدَّ بالواحد منا شيء وقت حزن أو غضب بأن لا يتمادى في غضبه وأن لا ينفذ ما عزم عليه وقت الحزن إذا رأى أنه قد يترتب عليه ضرر. التوجيه الإلهي: بمجرد أن نزلت الآية تبين للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتص بالمثل ولا يزيد قال: نصبر ولا نعاقب، نعم لقد بلغ الحزن فيه مبلغه لما رأى من مصارع القوم والتمثيل بهم، وعلي رأسهم عمه فنزلت الآيات تجعل العقوبة على مستوى الذنب: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل 126]. ثم تُرَقِّيه في درجات التعامل إلى مستوى عالٍ، فقال: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} ففي الآية تخيير بين القصاص والصبر، ثم انتقل إلي الأمر بالصبر لكن هذه النقلة شديدة ومساحة النفس البشرية تحتاج إلي عون إلهي، فقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل 127].
الهوامش: -------------------------------- ([1]) انظر المستدرك على الصحيحين للحاكم 11/211.