التكرار فى القصة : أما تكرار القصة فى القرآن فذلك سمته الغالبة على معظم قصصه . إذ لم يأت فيه غير مكرر إلا القليل مثل قصة يوسف عليه السلام . وللعلماء توجيه فى سردها مرة واحدة دون تكرار ، أهم ما فى هذا التوجيه أن حرص الإسلام على صيانة الأعراض كان سبباً فى ذلك ، لأن فى قصة يوسف محاولة إغراء على جريمة خلقية . لذلك فرغ القرآن من سوقها للعظة والاعتبار مرة واحدة . والقصص القرآنى فى جملته مسوق لغرضين أساسيين : أولاً : تسلية الرسول عليه السلام وتثبيت فؤاده . وأنه لم يكن بدعاً من الرسل خولفوا مثل مخالفته . وحق على المخالفين العذاب . ونصر الله رسله وجنده . ثانياً : تهديد وزجر المخالفين . وبيان لمصير أمثالهم . علهم يرتدعون ويقلعون عن غيهم . ودواعى هذين الغرضين متكررة مرات ومرات . فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكف عن الدعوة إلى الإسلام . والكفار لم يكفوا عن الإعراض والمخالفة . فإذا اعتبرنا أن مجموع هذين الأمرين هما الحال المقتضية لإيراد القصة فى القرآن - فإن تكرارهما يستدعى تكرار مقتضى الحال - وهو تكرار القصص مقدراً فى كل قصة على عدة مناسبات دقيقة لمقام الحديث . فتكرار القصة القرآنية فى أكثر من موضع ظاهرة فنية ودعامة تربوية . كان لابد أن تكون . . ومع هذا المقتضى فإن تكرار القصة فى القرآن لم يكن على نمط واحد . أعنى أن هناك فروقاً بين مواضع تكرارها . ولم تكرر فيه قصة واحدة على وجه واحد فى الصياغة أو الفكرة ـ أو فيهما معاً . فهناك اختلاف فى الصياغة ، وهناك اختلاف فى الطول والقصر . واختلاف فى الأحداث التى تتناولها . وطريقة عرض تلك الأحداث . وهى - بهذا - جديدة متجددة دائماً لا مدعاة للسآمة والملل - كما يزعم المغرضون - بل فيها روح وطرافة . كذلك فإن المعانى التى تتحدث عنها القصة القرانية لم تكن لمجرد التهديد أو التسلية . ولكنها حقائق يراد إثباتها لتؤدى دورها فى كل عصر ، متى توافرت دواعيها . والتكرار كما يقول جوستاف لوبون : " يحول المكرر إلى معتقد " (1). ولذلك كان التكرار وسيلة من أهم وسائل التربية والتثقيف .