يقع التكرار فى القرآن الكريم على وجوه : 1- مرة يكون المكرر أداة تؤدى وظيفة فى الجملة بعد أن تستوفى ركنيها الأساسيين . 2- وأخرى تتكرر كلمة مع أختها لداع ، بحيث تفيد معنى لا يمكن الحصول عليه بدونها . 3- فاصلة تكرر فى سورة واحدة على نمط واحد . 4- قصة تتكرر فى مواضع متعددة مع اختلاف فى طرق الصياغة وعرض الفكرة . 5- بعض الأوامر والنواهى والإرشادات والنصح مما يقرر حكماً شرعيًّا أو يحث على فضيلة أو ينهى عن رذيلة أو يرغب فى خير أو ينفر من شر . وتكرار القرآن فى جميع المواضع التى ذكرناها ، والتى لم نذكرها مما يلحظ عليها سمة التكرار . فى هذا كله يباين التكرار القرآنى ما يقع فى غيره من الأساليب لأن التكرار وهو فن قولى معروف . قد لا يسلم الأسلوب معه من القلق والاضطراب فيكون هدفاً للنقد والطعن . لأن التكرار رخصة فى الأسلوب - إذا صح هذا التعبير - والرخص يجب أن تؤتى فى حذر ويقظة .
* * * وظيفة التكرار فى القرآن : مع هذه المزالق كلها جاء التكرار فى القرآن الكريم محكماً . وقد ورد فيه كثيراً - فليس فيه موضع قد أخذ عليه - دَعْ دعاوى المغالين فإن بينهم وبين القرآن تارات ؛ فهم له أعداء - وإذا أحسنا الفهم لكتاب الله فإن التكرار فيه - مع سلامته من المآخذ والعيوب - يؤدى وظيفتين : أولاهما : من الناحية الدينية. ثانيهما : من الناحية الأدبية . فالناحية الدينية - باعتبار أن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتشريع - لا يخلو منها فن من فنونه ، وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية الدينية هو تقرير المكرر وتوكيده وإظهار العناية به ليكون فى السلوك أمثل وللاعتقاد أبين . أما الناحية الأدبية فإن دور التكرار فيها متعدد وإن كان الهدف منه فى جميع مواضعه يؤدى إلى تأكيد المعانى وإبرازها فى معرض الوضوح والبيان . وليكن حديثنا عنه على حسب المنهج الذى أثبتناه فى صدر هذا البحث . * * * تكرار الأداة : ومن أمثلتها قوله تعالى : ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحِيِم )(1). ( ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) (2) . والظاهر من النظر فى الآيتين تكرار " إنَّ " فيهما . وهذا الظاهر يقتضى الاكتفاء بـ " إنَّ " الأولى . ولم يطلب إلا خبرها . وهو فى الموضعين - أعنى الخبر - " لغفور رحيم " لكن هذا الظاهر خولف وأعيدت " إنَّ " مرة أخرى . ولهذه المخالفة سبب . وهذا السبب هو طول الفصل بين " إنَّ " الأولى وخبرها . وهذا أمر يُشعِر بتنافيه مع الغرض المسوقة من أجله " إنَّ " وهو التوكيد . لهذا اقتضت البلاغة إعادتها لتلحظ النسبة بين الركنين على ما حقها أن تكون عليه من التوكيد . على أن هناك وظيفة أخرى هى : لو أن قارئاً تلا هاتين الآيتين دون أن يكرر فيهما " إنَّ " ثم تلاهما بتكرارها مرة أخرى لظهر له الفرق بين الحالتين : قلق وضعف فى الأولى ، وتناسق وقوة فى الثانية . ومن أجل هذا الطول كررت فى قول الشاعر(3) : وإن امرأً طَالَتْ مَوَاثِيقُ عَهْدِهِ * * * عَلَى مِثْلِ هَذاَ إنَّهُ لَكَرِيمُ يقول ابن الأثير رائياً هذا الرأى : " . . فإذا وردت " إنَّ " وكان بين اسمها وخبرها فسحة طويلة من الكلام . فإعادة " إنَّ " أحسن فى حكم البلاغة والفصاحة كالذى تقدّم من الآيات " (4) . * * *
* تكرار الكلمة مع أختها : ومن أمثلتها قوله تعالى : ( أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم فى الآخرة هم الأخسرون ) (5). فقد تكررت " هم " مرتين ، الأولى مبتدأ خبرها : " الأخسرون " . والثانية ضمير فصل جىء به لتأكيد النسبة بين الطرفين وهى : هُمْ الأولى بالأخسرية . وكذلك قوله تعالى : ( أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال فِى أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) (6) . تكررت - هنا - " أولئك " ثلاث مرات . ولم تجد لهذه الكلمة المكررة مع ما جاورها إلا حسناً وروعة . فالأولى والثانية : تسجلان حكماً عامًّا على منكرى البعث : كفرهم بربهم وكون الأغلال فى أعناقهم . والثالثة : بيان لمصيرهم المهين . ودخولهم النار . ومصاحبتهم لها على وجه الخلود الذى لا يعقبه خروج منها . ولو أسقطت (أ َولئك ) من الموضعين الثانى والثالث لرك المعنى واضطرب . فتصبح الواو الداخلة على : ( الأغلال فى أعناقهم ) واو حال . وتصبح الواو الداخلة على : ( أَصحاب النار هم فيها خالدون ) عاطفة عطفاً يرك معه المعنى . لذلك حسن موضع التكرار فى الآية لما فيه من صحة المعنى وتقويته . وتأكيد النسبة فى المواضع الثلاثة للتسجيل عليهم بسوء المصير . * * *
* تكرار الفاصلة : سبق أن ذكرنا فى مبحث الفواصل بسوء المصير من تكرار الفاصلة مرتين بدءاً وثلاث مرات نهاية . وقد وجهنا أسلوب التكرار فى تلك الصور . ولكنَّا - هنا - أمام فاصلة لم تقف فى تكرارها عند حد المرات الثلاث . بل تعدت ذلك بكثير . لذلك آثرنا أن نبحثها هنا إذ هى بهذا الموضع أنسب (7). ونعتمد فى دراستنا لتكرار الفاصلة على ثلاث سور هى : " الرحمن - القمر - المرسلات " . وهى السور التى برزت فيها هذه الظاهرة الأسلوبية . بشكل لم يرد فى غيرها ، كما ورد فيها . فقد تكررت : ( فبِأى آلاء ربكما تكذبان ) (8) فى " الرحمن " . وتكررت ( فكيف كان عذابى ونذر ) (9) فى " القمر " . وتكررت : ( ويل يومئذ للمكذبين ) (10)فى " المرسلات " .
* تكرار الفاصلة فى " القمر " : ولهذا التكرار فى المواضع الثلاثة أسباب ومقتضيات . ففى سورة القمر " نجد العبارة المكررة وهى : ( فكيف كان عذابى ونذر ) قد صاحبت فى كل موضع من مواضع تكرارها قصة عجيبة الشأن ، وكان أول موضع ذُكِرت فيه عقب قصة قوم نوح . وبعد أن صوَّر القرآن مظاهر الصراع بينهم وبين نوح - عليه السلام - ثم انتصار الله لنوح عليهم . حيث سلَّط عليهم الطوفان . فأغرقهم إلا مَن آمن وعصمه الله . ونجد أن الله نجَّى نوحاً وتابعيه . ولكن تبقى هذه القصة موضع عظة وادكار ، ولتلفت إليها الأنظار وللتهويل من شأنها جاء قوله تعالى عقبها : ( فكيف كان عذابى ونذر ) مُصدَّراً باسم الاستفهام " كيف " للتعجيب مما كان ، ولقد مهَّد لهذا التعجيب بالآية السابقة عليه . وهى قوله تعالى : ( ولقد تركناها آية فهل من مدكِر ) (11) . والموضع الثانى لذكرها حين قص علينا القرآن قصة عاد وعتوها عن أمر الله وفى " عاد " هذه نجد العبارة اكتنفت القصة بدءاً ونهاية . قال تعالى : ( كذبت عادٌ فكيف كان عذابى ونذر *ِ إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً فى يومِ نحْسٍ مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابى ونذر ) (12). وتكرار العبارة - هكذا - فى البداية والنهاية إخراج لها مخرج الاهتمام . مع ملاحظة أن أحداث القصة - هنا - صُورت فى عبارات قصيرة ولكنها محكمة وافية . . ولم يسلك هذا المسلك فى قصة نوح - أعنى قصر العبارات - والسبب - فيما يبدو لى - أن إهلاك قوم نوح كان بالإغراق فى الماء . وهى وسيلة كثيراً ما تكون سبب هلاك . فقد كانت سبب هلاك فرعون وملئه . . أما أن يكون الإهلاك بالريح فذلك أمر يدعو إلى التأمل والتفكر . ولعل مما يقوى رأينا هذا . أن هذه القصة - قصة عاد - وردت فى موضع آخر من القرآن يتفق مع هذا الموضوع من حيث الفكرة ، ويختلف معه - قليلاً - من حيث طريقة العرض وزيادة التفصيل . جاء فى سورة الحاقة : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصرٍ عاتية * سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حُسوماً فترى القوم فيها صرعَى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية ) (13). فإرسال الريح - هكذا - سبع ليال وثمانية أيام حسوماً مدعاة للعظة والاعتبار . ومثله : ( وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) (14) . (فأما عاد فاستكبروا فى الأرض بغير الحق وقالوا مَن أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً فى أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ) (15) . فقد بطرت " عاد " نعم ربها عليها . وغرها ما فيه من أسباب التمكين فى الأرض وقوة البطش أن تبارز ربها ومولى نعمها بالمعاصى ، فأهلكها الله بما لا قبل لها به . وفى كل موضع يذكر القرآن فيه قصة هؤلاء ، تأتى عباراته قوية هادرة واعظة زاجرة . . جاء فى موضع آخر : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التى لم يُخلق مثلها فى البلاد ) (16) وكانت عاقبتها خسراً وهلاكاً مع من طغى فى الأرض بغير الحق : ( فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد ) (17) . أما الموضع الأخير الذى ذكرت فيه هذه العبارة : ( فكيف كان عذابى ونذر ) فحين قص الله علينا قصة " ثمود " ، وقد جاءت فيها كذلك مهيئة لتلقى صورة العقاب بعد التشويق إليها عند السامع . ولفت نظره إليها : ( فكيف كان عذابى ونذر* إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ) (18). ومن هنا ندرك شدة اقتضاء المقام لهذا التكرار . فليست إحدى العبارات فى موضع بمغنية عن أختها فى الموضع الآخر . إنما هو اتساق عجيب تطلبه المقام من الناحيتين : الدينية والأدبية . من الناحية الدينية حيث تحمل المؤمنين على التذكر والاعتبار عقب كل قصة من هذه القصص ، ومن الناحية الأدبية لأن العبارة : ( فكيف كان عذابى ونذر ) تأتى عقب كل قصة - أيضاً - لافتة أنظار المشاهدين إلى " كنه " النهاية وختام أحداث القصة . وقد مهد القرآن لهذا التكرار حيث لم يأت إلا بعد خمس عشرة آية تنتهى كلها بفاصلة واحدة تتحد نهاياتها بحرف " الراء " مع التزام تحريك ما قبلها . وذلك هو نهج فواصل السورة كلها . وقد أشاع هذا النسق الشاجى نوعاً من الإحساس القوى بجو الإنذار . والسورة فوق كل هذا مكية النزول والموضوع . كما أن الطابع القصصى هو السائد فى هذه السورة . فبعد أن صور القرآن الكريم موقف أهل مكة من الدعوة الجديدة . وبَيَّن ضلال مسلكهم . وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على هدايتهم فى وقت هم فيه أشد ما يكونون إعراضاً عنه . لهذا اقتضى الموقف العام سوق عِبَر الماضين ليكون فى ذلك تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعه وزجر لمن عارضه وصد عنه . وما دام هذا هو طابع السورة فإن أسس التربية - خاصة تربية الأمم - تستدعى تأكيد الحقائق بكل وسيلة ومنها التكرار الذى لمسناه فى سورتنا هذه ؛ حتى لكأنه أصيل فيها وليس بمكرر . * * *
* تكرار آخر فى سورة " القمر " : وفى هذه السورة " القمر " مظهر آخر من مظاهر التكرار ، هو قوله تعالى : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) (19) . حيث ورد فى السورة أربع مرات ، وهذه دعوة صالحة للتأمل فيما يسوقه الله من قصص . وقد اشتملت هذه الآية : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) على خبر واستفهام ، والخبر تمهيد للاستفهام الذى فيها ولفت النظر إليه . * * *
* التكرار فى سورة " الرحمن " : أما التكرار الوارد فى " الرحمن " فى قوله تعالى : ( فبأى آلاء ربكما تكذبان ) حيث تكررت الآية فيها إحدى وثلاثين مرة فله أسبابه كذلك . ويمكن أن نسجل هذه الملاحظات : أولاً : إن هذا التكرار الوارد فى سورة " الرحمن " هو أكثر صور التكرار الوارد فى القرآن على الإطلاق . ثانياً : إنه - أى التكرار فى هذا الموضع - قد مُهِّدَ له تمهيداً رائعاً . حيث جاء بعد اثنتى عشرة آية متحدة الفواصل . وقد تكررت فى هذا التمهيد كلمة " الميزان " ثلاث مرات متتابعة دونما نبو أو ملل : ( والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا فى الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) (20). وهذا التمهيد قد أشاع - كذلك - لحناً صوتيًّا عذباً كان بمثابة مقدمة طبيعية لتلائم صور التكرار ولتألفها النفس وتأنس بها فلا تهجم عليها هجوماً ؛ لأن القرآن قد راعى فى فواصل المقدمة التمهيدية ما انبنت عليه فواصل الآية المكررة . ثالثاً : إن الطابع الغالب على هذه السورة هو طابع تعداد النعم على الثَّقَلين : الإنس والجن ، وبعد كل نعمة أو نِعَم يعددها الله تأتى هذه العبارة : ( فبأى آلاء ربكما تكذبان ) . وعلى هذا الأساس يمكن بيسر فهم عِلّة التكرار الذى حفلت به سورة الرحمن أنه تذكير وتقرير لنعمه . وأنها من الظهور بمكان فلا يمكن إنكارها أو التكذيب بها . " فتكرار الفاصلة فى الرحمن . . يفيد تعداد النِّعَم والفصل بين كل نعمة وأخرى لأن الله سبحانه عدَّد فى السورة نعماءه وذكَّرعباده بآلائه . ونبههم على قدرها وقدرته عليها ولطفه فيها . وجعلها فاصلة بين كل نعمة لتعرف موضع ما أسداه إليهم منها . ثم فيها إلى ذلك معنى التبكيت والتقريع والتوبيخ ؛ لأن تعداد النِّعم والآلاء من الرحمن تبكيت لمن أنكرها كما يبكت منكر أيادى المنعَم عليه من الناس بتعديدها " (21) . ولقائل أن يسأل : إن هذه الفاصلة قد تكررت بعدما هو ليس بنعمة من وعيد وتهديد . فكيف يستقيم التوجيه إذن بعد هذه الآيات ؟ ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * فبأى آلاء ربكما تكذبان ) (22) . ( يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصى والأقدام * فبأى آلاء ربكما تكذبان ) (23). ( هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن * فبأى آلاء ربكما تكذبان ) (24). وظاهر هذه الآيات بلاء وانتقام وليس بنعم . والجواب : ولكن المتأمل يدرك أن فى الإنذار والوعيد وبيان مآل الضالين عصمة للإنسان من الوقوع فيما وقعوا فيه فيكون مصيره مصيرهم . ومن هذا الاعتبار يتبين أن هذه المواضع مندرجة تحت النعم ، لأن النعمة نوعان : إيصال الخير . ودفع الشر. والسورة اشتملت على كلا النوعين فلذلك كررت الفاصلة . * * *
* التكرار فى سورة " المرسلات " : بقى التكرار الوارد فى سورة " المرسلات" . وقد صنع ما صنع فى نظيريه فى " القمر " و " الرحمن " من التقديم له بتمهيد . . وله - مثلهما - هدف عام اقتضاه . بيد أن التمهيد يختلف عما سبق فى " القمر و " الرحمن " . فقد رأينا فيهما اتحاد الفاصلة فى الحروف الأخيرة مع التزام نهج معين فيما قبله . أما هنا فإن الأمر يختلف . فقد اشتمل التمهيد على مجموعتين من الآيات : أولاهما : لها فاصلة تختلف عن ثانيتهما وهى : [ والمرسلات عرفا * فالعاصفات عصفاً * والناشرات نشراً * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكراً * عذراً أو نذراً ] (25) . وختمت هذه المجموعة بقفلة هى سر الجمال كله : [ إنما توعدون لواقع ](26) . ما قبلها مقسم به . وهى جواب القسم . والمقسم به متعدد كأجزاء الشرط إذا بدئت بها السور . وهى ـ كما تقدم ـ خصائص تعبيرية آسرة . وبجواب القسم تنتهى هذه المجموعة ـ ثم تبدأ المجموعة الثانية وهى : [ فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت * لأى يوم أجلت * ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين ] (27) . وهذه المجموعة تتكون من : أولاً : شرط يتكرر أربع مرات محذوف الجواب . وكله حديث عن أهوال القيامة ومقدمات البعث . ثانياً : استفهام يعتبر مدخلاً لحقيقة هامة تقودنا إلى الهدف المنشود . وهو التوصل إلى مصير المكذبين يوم الدين . ثالثاً : جواب هذا الاستفهام الذى اشتمل على كلمة : " يوم الفصل " وكانت هذه الكلمة الشعاع الذى قادنا إلى الساحة الكبرى : ساحة القضاء العادل والقصاص الحكيم : [ لأى يوم أجلت * ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين ] . فانظر إلى هذا التمهيد الحكيم الذى مهد القرآن به لهذه العبارة . حتى لكأنها هى المقصودة . ثم تكررت هذه الآية : ( ويل يومئذ للمكذبين ) عشر مرات بعد هذه المرة وهى فى كل مواضعها تتلو مشهداً من مشاهد القيامة . وصورة من صور الحشر . أو مشاهد القدرة الإلهية . * * *
سبب عام : أما السبب العام الذى اقتضى هذا التكرار فإن الآية أعقبت ما من شأنه أن يكون أكبر داع من دواعى الإيمان والتصديق . بحيث يكون الخارج عن هذا السلوك والمكذب به صائراً ـ لا محالة ـ إلى الويل ، والعذاب الأليم . فويل للمكذبين بيوم الفصل . وويل للمكذبين بهلاك المجرمين . . وويل للمكذبين بقدرة الله وتقديره أرزاق الخلق . وعلى هذا المنهج يمضى التكرار فى السورة كلها .
الهوامش: -------------------- (1) النحل: 110. (2) النحل: 119. (3) ديوان الحماسة: 2/105 ولم ينسب لقائل معين . (4) المثل السائر (ج3 ص7) تحقيق د/ بدوى طبانة ود/ الحوفى . (5) النمل: 5. (6) الرعد: 5. (7) انظر كتابنا : خصائص التعبير فى القرآن الكريم وسماته البلاغية ( مبحث الفواصل ) - مكتبة وهبة بالقاهرة . (8) وردت 31 مرة . (9) وردت 4 مرات . (10) وردت 10 مرات . (11) القمر : 15 . (12) القمر : 18 - 21 . (13) الحاقة : 6 - 8 . (14) الذاريات : 41 - 42 . (15) فصلت : 15 - 16 . (16) الفجر : 6 - 8 . (17) الفجر : 13 - 14 . (18) القمر : 30 - 31 . (19) القمر : 17 ، 22 ، 32 ، 40 . (20) الرحمن : 7 - 9 . (21) خزانة الأدب للحموى : ص 144 - 145 . (22) الرحمن : 35 - 36 . (23) الرحمن : 41 - 42 . (24) الرحمن : 43 - 45 . (25) المرسلات : 1 - 6 . (26) المرسلات : 7 . (27) المرسلات : 8 - 15 .