إن شريعة الإسلام مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد؛ فلقد جاءت لتحفظ على الناس أنفسهم، وعقولهم، ودينهم، وأعراضهم، وأموالهم، فهذه الأمور الخمسة هي مقاصد الشرع الكليّة، أو الضروريات المراعاة في كل ملة. وحفظ النَّفس من أهم هذه المقاصد بل هو أوَّلها؛ فقد نهى الشرع الإنسان عن إلحاق الضرر بنفسه بأي شكل من الأشكال، وأمره باتخاذ كل الوسائل التي تحافظ على ذاته وحياته وصحته، وتمنع عنها الأذى والضرر، فأمره بالبُعد عن المحرَّمات والمفسدات والمهلكات، وأرشده للتداوي عند المرض باتخاذ كل سبل العلاج والشفاء. ومن الوسائل الطبية المستحدثة التي ثبت جدواها العلاجية والتي تحقق هذا المقصد: "نقلُ وزراعة الأعضاء البشرية". والمقصود بالعضو هو: أيُّ جزء من الإنسان، بما يعم الأنسجة والخلايا والدماء. وعملية زراعة العضو تبدأ بأخذ العضو المراد زراعته من صاحبه الأصلي (المنقول منه)، ثم استئصال نظيره إن لزم الاستئصال؛ لإحلال العضو الجديد محله، ثم وضع العضو المنقول في موضعه المهيأ له في جسد الشخص المنقول إليه. وقد قمنا بتفصيل الكلام فيما يتعلق بهذه المسألة من الناحية الشرعية، في أربعة أبواب كما يلي: الباب الأول: في نقل الأعضاء من آدمي حيّ وزراعتها في آدمي مثله. الباب الثاني: في نقل الأعضاء من الآدمي الميت وزراعتها في الحي. الباب الثالث: في بيان أدلة المانعين ومناقشتها. الباب الرابع: في مسائل متفرقة. الباب الأول في نقل الأعضاء من آدمي حيّ وزراعتها في آدمي مثله الفصل الأول في نقل العضو من مكان في الجسدإلى مكان آخر في الجسد نفسه الصورة الأولى من صور نقل الأعضاء من إنسان حيّ إلى إنسان حيّ، هي نقل عضو من جسد الإنسان إلى ذات الجسد في موضع آخر. ولا تخلو الحاجة الداعية إليه من أن تكون إما ضرورية، أو حاجية، أو تحسينية. فالذي يقع في رتبة الضرورات هو ما تعلق بحفظ أحد المقاصد الشرعية الخمسة، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال. والذي يقع في رتبة الحاجيات هو: ما يفتقر إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي غالبًا إلى الحرج والمشقة اللاحقة بالمكلف بفوت المطلوب، والتحسيني هو: كل ما قصر عن رتبة الضرورات أو الحاجيات. ومن أمثلة الحاجة الداعية التي تصل إلى مرتبة الضروريات: ما يجري في جراحات القلب والأوعية الدموية، حيث يحتاج الطبيب إلى استخدام طعم وريدي أو شرياني ([1]) لعلاج انسداد أو تمزق في الشرايين أو الأوردة، ويكون إنقاذ المريض من الهلاك بسبب هذا الانسداد أو التمزق متوقفًا على زرع هذا الطعم المأخوذ من جسم المصاب نفسه ([2]). ومن أمثلة الحاجة الداعية التي تصل إلى مرتبة الحاجيات: ما يجري في جراحة الجلد المحترق، حيث يحتاج الطبيب إلى أخذ قطعة سليمة من جلد المصاب نفسه وزرعها بدلا من الجزء المصاب. ومن أمثلة الحاجة الداعية التي هي من قبيل التحسينيات: ما يحدث في عمليات زراعة الشعر التي تعتمد على نقل الشعر من منطقة مشعرة إلى منطقة صلعاء، فتؤخذ شريحة جلدية من مؤخرة فروة الرأس بعدها يتم غلق الجرح تماماً بحيث لا يكون هناك أثر مكانه، ثم يتم تقطيع هذه الشريحة إلى شعيرات رفيعة يتم وضعها على أبر خاصة، وزرعها فى المناطق الصلعاء. والحالتان الأوليان جائزتان طالما غلب على ظن الطبيب أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها. والحكم بجواز هاتين الصورتين مبني على القياس؛ لأنه إذا جاز قطع العضو وبتره لإنقاذ النفس ودفع الضرر عنها، فلأن يجوز أخذ جزء منه ونقله لموضع آخر لإنقاذ النفس أو دفع الضرر الحاجي فيها أولى وأحرى. ووجه ذلك: أن الأصل جازت فيه الإزالة والبتر للعضو دون استبقاء له طلبًا لإنقاذ النفس ودفع الضرر عنها، والفرع يزال فيه جزء من العضو مع استبقاء العضو والجزء المزال في موضع آخر، إضافة إلى أن الموضع المنقول قد يتعوض ويتجدد كما في صورة أخذ الجلد السليم لترقيع المحترق، فيكون هنا أولى بالاعتبار والحكم بالجواز من الأصل. وهذا النوع من الجراحة يعتبر مخرَّجًا على قول الفقهاء بجواز بتر الأعضاء المحتاج لبترها ([3]). أما الحالة الثالثة الخاصة بالجراحة التحسينية فيختلف الحكم فيها باختلاف صورها، فمتى ما كان ثم احتياج لها، ورجحت المصالح الحاصلة بها على المفاسد، وانتفى العبث بإجرائها كان القول بالجواز وجيهًا، والله أعلم. الفصل الثاني في نقل العضو من جسد إلى جسد آخر الصورة الثانية من صور نقل الأعضاء من الحيّ إلى الحيّ، هي نقل العضو من جسد إنسان إلى جسد إنسان آخر، والعضو المراد نقله إما أن يكون عضوًا فرديًّا، بمعنى أن لا بديل له يقوم بوظيفته، أو يكون على خلاف ذلك، وهذا العضو إما أن يكون قد بذل نظير عوض بالبيع، أو تم بذله على وجه الهبة والتبرع، وفيما يلي تفصيل الكلام في ذلك. المبحث الأول في نقل الأعضاء الفردية الأعضاء الفردية هي الأعضاء التي لا يوجد لها بديل يقوم بوظيفتها ويؤدي نقلها إلى وفاة صاحبها، كالقلب أو الكبد مثلا، فهذه الأعضاء يحرم على الإنسان بذلها لغيره أو أخذها من غيره من الناس سواء كان ذلك على وجه البيع أو على وجه الهبة والتبرع، وكذلك يحرم على الطبيب الإعانة على نقلها وزرعها؛ وذلك لما يترتب عليه من موت الشخص المنقول منه، وقد قال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقال تعالى أيضًا: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة :2]. فالآية الأولى دلت على حرمة تعاطي الإنسان ما يوجب هلاكه، والآية الثانية دلت على حرمة قتل الإنسان نفسه، والتبرع بأحد الأعضاء الفردية المذكورة مفض إلي هلاك النفس وقتلها، فكان محرمًا، وإذا ثبت التحريم في التصرف بالهبة فلأن يحرم في التصرف بالبيع أولى؛ فالبيه والهبة يشتركان في ترتب التمليك عليهما والبيع يزيد على الهبة بوجود الثمن في المقابل. أما الآية الثالثة فيؤخذ منها تحريم مشاركة الطبيب في إجراء عملية النقل أو الزرع؛ لأنه يكون بهذا معينًا على معصية وإثم، والتعاون على الإثم منهي عنه بنص الآية. ومن القواعد الشرعية المقررة أن الضرر لا يزال بالضرر ([4])، فلا يجوز أن نزيل الضرر عن صاحب العضو التالف، بأن نتلف على إنسان آخر عضوه ونفوته عليه، وليست مهجة الأول بأولى في الحفاظ عليها من مهجة الثاني وحياته، والله تعالى أعلم. المبحث الثاني في نقل الأعضاء غير الفردية الأعضاء غير الفردية، هي التي يوجد لها بديل يقوم بوظيفتها، ولا يؤدي نقلها إلى الوفاة غالبًا، ويتحقق ذلك في الأعضاء الشفعية كالكلية أو المتجددة كالجلد والدم، وبذل هذه الأعضاء يتصور أن يكون عن طريق البيع أو عن طريق الهبة، وفيما يلي تفصيل ذلك. المطلب الأول في نقل الأعضاء غير الفرديةبيعًا لا يجوز التصرف في الإنسان المكرم عند الله، ببيعه، أو بيع أي عضو منه، ولا ينفذ ذلك البيع، بل هو باطل. ودليل التحريم ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره" ([5]). فهذا الحديث دال على حرمة بيع الحر -ونقل ابن المنذر الإجماع عليه ([6])- وكذلك على حرمة بيع أجزائه؛ أما بيع ذات الحر فحرمته ثابتة بمنطوق الحديث، وأما بيع أجزائه فلأن سبب الحرمة في الحديث هو الحرية، والقاعدة أن تعليق الحكم بالمشتق مُؤذِنٌ بعليّة ما منه أصل الاشتقاق، وكل جزء من أجزاء الآدمي الحر يثبت له أيضًا حكم الحرية الثابت للذات ككل، بدليل العبد الذي يشترك في ملكه اثنان إذا اعتق أحدهما نصيبه، صار ذلك العبد مُبَعَّضًا، يعني أن بعضه رقيق، وبعضه حر، فدل ذلك على أن الحرية تتبعض، وأنها تثبت لكل جزء جزء من الإنسان. أما كون البيع باطلا؛ فلأن ذات الحر أو أعضاءه ليست محلا قابلا للتعاقد، فمن شروط صحة عقد البيع -بالإجماع- أن يكون محله قابلا للتعاقد، وذلك بأن يكون: مالا متقومًا مملوكًا يجوز الانتفاع به. والأدمي ليس بمال متقوم فلا يجوز بيعه، ولا بيع شيء من أعضائه، وبيان ذلك: أن المال مخلوق لإقامة مصالحنا به, أما الآدمي فقد خلق مالكًا للمال، وبين كونه مالا وبين كونه مالكًا للمال منافاة، وإليه أشار الله تعالى في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: 29]. ومما يشهد لهذا في فروع الفقه، ما جاء في مذهب الحنفية من قولهم بحرمة بيع لبن الآدمية معللين ذلك بأنه ليس مالا متقومًا ([7]). فإن منع مانع قولنا بعدم مالية الآدمي بأن الشرع يلزم المعتدي بالدية، وهذا يدل أن لجسم الإنسان قيمة مالية يضمنها متلفه. فجوابه: أن الأصل في الضمان في الفقه الإسلامي، هو المثلية الكاملة، وذلك يتمثل في القصاص، أما الدية فليست بمثل، قال السرخسي: "لأن المماثلة بين الشيئين تعرف صورة أو معنى , ولا مماثلة بين المال , والآدمي صورة , ولا معنى" اهـ ([8])، فالدية إذ تجب في الخطأ، وفي العمد بعد سقوط القصاص، إنما تجب صيانة للدم عن الهدر واحترامًا للإنسان ([9])، والله تعالى أعلم. المطلب الثاني في نقل الأعضاء غير الفرديةهبة يجوز شرعًا نقل وزرع الأعضاء غير الفردية من الآدمي الحي إلى مثله عن طريق الهبة والتبرع مع مراعاة الضوابط الآتية: 1- قيام حالة الضرورة أو الحاجة الشرعية التي يكون فيها الزرع هو الوسيلة المتعينة للعلاج، وتقدير التعين مرده إلى الأطباء. 2- موافقة المنقول منه مع كونه بالغًا عاقلا مختارًا. 3- أن يكون هذا النقل محققًا لمصلحة مؤكدة للمنقول إليه من الوجهة الطبية، ويمنع عنه ضررًا مؤكدًا يحل به إذا استمر حاله دون نقل. 4- ألا يؤدى نقل العضو إلى ضرر محقق بالمنقول منه يضر به كليًّا أو جزئيًّا، أو يؤثر عليه سلبًا في الحال أو في المآل بطريق مؤكد من الناحية الطبية؛ لأن مصلحة المنقول إليه ليست بأولى شرعًا من مصلحة المنقول منه؛ والضرر لا يزال بالضرر، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ويكفى في ذلك المصلحة الغالبة الراجحة. والضرر القليل المحتمل عادة وعرفًا وشرعًا لا يمنع هذا الجواز في الترخيص إذا تم العلم به مسبقًا وأمكن تحمله أو الوقاية منه ماديًا ومعنويًا بالنسبة للمنقول منه، والذي يحدد ذلك هم أهل الخبرة الطبية العدول. 5- صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الضوابط وإعطائه لذوي الشأن من الطرفين -المنقول منه العضو والمنقول إليه- قبل إجراء العملية الطبية، على أن تكون هذه اللجنة متخصصة ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول وليس لأحد منهم مصلحة في عملية النقل. 6- يشترط ألا يكون العضو المنقول مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال. أما دليل القول بجواز أخذ العضو من الغير على الوجه الذي قررناه فهو قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْـمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[البقرة: 173]، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[المائدة: 3]، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: 118، 119]، ووجه الدلالة من هذه الآيات الكريمة أنها اتفقت على استثناء حالة الضرورة من التحريم المنصوص عليه فيها، والإنسان المريض إذا احتاج إلى نقل العضو فإنه سيكون في حكم المضطر؛ لأن حياته مهددة بالموت كما في حالة الفشل الكلوي، وتلف القلب ونحوهما من الأعضاء المهمة في جسد الإنسان. فإذا كان الأمر كذلك فإنه يدخل في عموم الاستثناء المذكور فيباح نقل ذلك العضو إليه ([10]). وأما دليل جواز بذل الإنسان عضوه لمن احتاجه فقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾[المائدة: 32]، فالآية تشمل إنقاذ من تهلكة، ويدخل فيه من تبرع لأخيه بعضو من أعضائه لكي ينقذه من الهلاك ([11])، لأنه يصدق عليه حينئذ أنه أحيى نفس أخيه. وكذلك فقد مدح الله تعالى من آثر أخاه على نفسه بطعام أو شراب أو مال؛ فقال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }[الحشر: 9]، فإذا كان ذلك في هذه الأمور اليسيرة، فمن آثر أخاه بعضوه أو جزئه لكي ينقذه من الهلاك المحقق لا شك أنه أولى وأحرى بالمدح والثناء، ومن ثم يعتبر فعله مشروعًا ممدوحًا ([12]). وقواعد الشرع الكلية لا تأبى ذلك؛ فما قررناه من الجواز يتفق مع قاعدة الضرر يزال، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة إذا ضاق الأمر اتسع([13])؛ فالشخص المريض متضرر بتلف العضو المصاب أو عدمه، كما أن مقامه يعتبر مقام اضطرار، وفيه ضيق ومشقة؛ إذ يصل به الحال إلى درجة خوف الهلاك والموت كما في حالة الفشل الكلوي مثلا ([14]). وقد أجاز الشرع التداوي بلبس الحرير لمن به حكة، وأجاز التداوي باستعمال الذهب لمن احتاج إليه، فيقاس التداوي بنقل الأعضاء الآدمية على ذلك بجامع وجود الحاجة الداعية إلى ذلك في كلٍّ ([15]). وذلك هو ما يقتضيه ميزان الترجيح بين المفاسد؛ حيث يزال الضرر الأشد بالضرر الأخف، ويختار أهون الشرين ([16])، وإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما ([17]). ففي مسألتنا هذه قد وقع التعارض بين مفسدة أخذ العضو الحي وحصول بعض الألم له، وبين مفسدة هلاك الحي المتبرع له، ولا شك أن مفسدة هلاك الحي المتبرع له المريض أعظم من المفسدة الواقعة على الشخص المتبرع الحي، فتقدم حينئذٍ؛ لأنها أعظم ضررًا وأشد خطرًا ([18]). الباب الثاني في نقل الأعضاء من الآدمي الميت وزراعتها في الحي الصورة الثانية من صور نقل الأعضاء هي أن يكون المنقول منه آدميٌ ميت، والمنقول إليه حي، فلا يجوز بذل عضو الميت المراد نقله نظير عوض بالبيع؛ لأن البيع فرع الملك، وجسد الميت ليس ملكًا لأحد حتى يجوز بيعه. أما بذل عضو الميت على وجه الإذن، فهو مشروط بقيام حالة الضرورة أو الحاجة الشرعيتين بحيث يسوغ الانتقال من أصل الحظر والمنع إلى الإجازة استثناء؛ دفعًا لأعظم الضررين ودرئًا لأكبر المفسدتين، فكرامة أجزاء الميت لا تمنع من انتفاع الحي بها؛ تقديمًا للأهم على المهم، والضرورات تبيح المحظورات، وقد قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام: 145]. والإذن يتصور صدوره من الميت قبل وفاته بأن يوصي بذلك، أو يصدر من أهله وأوليائه بعد موته، وليس اعتبار وصية المتوفى أو إذن أوليائه إلا مسألة تنظيمية، فمدار جواز الاستفادة بأعضاء الميت هو قيام حالة الضرورة الشرعية المبيحة للمحظور، ولكن حتى لا يترك الأمر بلا ضابط أو رابط ويخضع لتحكمات بعض الأطباء، قلنا بلزوم وجود الوصية قبل الوفاة أو إذن الأولياء بعد الوفاة من باب السياسة الشرعية بما يحقق المصالح ويدفع المفاسد. وجاء في فروع الفقه القديم ما يؤيد القول بالجواز منه كلامهم في باب الجنائز عن شق بطن من ماتت حاملا وجنينها حي يضطرب في بطنها، وما إذا مات الجنين في بطن أمه، وهي ما زالت حية، وعن شق بطن الميت لاستخراج ما كان قد ابتلعه من مال قبل وفاته. وفى هذا يقول فقهاء الحنفية: " حامل ماتت وولدها حي يضطرب، شق بطنها من الجانب الأيسر، ويخرج ولدها، ولو بالعكس - بأن مات الولد في بطن أمه وهى حية - وخيف على الأم قطع وأخرج، ولو بلع مال غيره - أي ليس مملوكًا له - ومات - وليس في تركته ما يضمنه - هل يشق ؟ قولان: والأولى نعم؛ لأنه وإن كان حرمة الآدمي أعلى من صيانة المال لكنه أزال احترامه بتعديه" ([19]). وفى فقه المالكية أنه يشق بطن الميت لاستخراج المال الذي ابتلعه حيًا، سواء كان المال له أو لغيره، ولا يشق لإخراج جنين وإن كانت حياته مرجوة. ففي مختصر خليل وشرحه للشيخ عليش: " (وبُقِر) بضم الموحدة, وكسر القاف أي شق بطن الميت (عن مال) ابتلعه في حياته ومات, وهو في بطنه سواء كان له أو لغيره. و(لا) تبقر بطن ميتة عن (جنين) حي رجي لإخراجه; لأن سلامته مشكوكة فلا تنتهك حرمتها له والمال محقق الخروج " ([20]). وفى فقه الشافعية أنه إن ماتت امرأة وفى جوفها جنين حي، شق بطنها؛ لأنه استبقاء حي بإتلاف جزء من الميت، فأشبه إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت، وهذا إذا رجي حياة الجنين بعد إخراجه، أما إذا لم ترج حياته، فلا تشق بطنها ولكن لا تدفن حتى يموت. ففي حاشية البجيرمي على شرح المنهج: " وحَرُم نبش القبر قبل البلاء - بكسر الباء مع القصر وبفتحها مع المد - عند أهل الخبرة بتلك الأرض بعد دفنه لنقل وغيره إلا لضرورة كدفن بلا طهر، وكما لو دفنت امرأة حامل بجنين ترجى حياته بأن يكون له ستة أشهر فأكثر، فيشق جوفها ويخرج؛ إذ شقه لازم قبل دفنها أيضًا، فإن لم ترج حياته فلا، لكن يترك دفنها إلى موته ثم تدفن، وما قيل من أنه يوضع على بطنها شيء ليموت غلط فاحش فليحذر" ([21]). وعن ابتلاع الميت المال قالوا: إن بلع الميت جوهرة لغيره، وطالب بها صاحبها، شق جوفه وردت الجوهرة، إلا إذا ضمنها أحد الورثة، وإن كانت الجوهرة له فلا يشق؛ لأنه استهلكها في حياته، فلم يتعلق بها حق الورثة. ففي حاشية الجمل على شرح المنهج: " ولو بلع مالا لنفسه ومات لم ينبش؛ لاستهلاكه له حال حياته، أو مال غيره وطلبه مالكه نبش وشق جوفه وأخرج منه ورد لصاحبه, ولو ضمنه الورثة كما نقله في المجموع عن إطلاق الأصحاب رادًا به على ما في العدة من أن الورثة إذا ضمنوا لم يشق، ويؤيده ما اقتضاه كلامها من أنه يشق حيث لا ضمان وله تركة، أي أنه إذا شق جوفه مع وجود التركة فكذلك يشق مع ضمان الورثة، والمعتمد ما في العدة، فمتى ضمنه أحد من الورثة أو غيرهم حرم نبشه وشق جوفه؛ لقيام بدله مقامه، وصونًا للميت من انتهاك حرمته، ويجاب عما في المجموع بأنه لا تأييد; لأن الضمان أثبت من التركة بدليل أنها معرضة للتلف بخلاف مـا فـي الذمة الحاصل بالضمان " ([22]). ويقول فقه الحنابلة: إن الميت إذا كان قد بلع مالا حال حياته، فإن كان مملوكًا له لم يشق؛ لأنه استهلكه في حياته إذا كان يسيرًا، وإن كثرت قيمته شق بطنه واستخرج المال حفظًا له من الضياع ولنفع الورثة الذين تعلق بهم حقهم بمرضه، وإن كان المال لغيره وابتلعه بإذن مالكه فهو كحكم ماله، لأن صاحبه أذن في إتلافه، وإن بلعه غصبا ففيه وجهان أحدهما لا يشق بطنه ويغرم من تركته، والثاني يشق إن كان كثيرا لأنه فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بإبراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم. ففي الإقناع وشرحه للبهوتي: " (وإن وقع في القبر ما له قيمة عرفًا, أو رماه ربه فيه نبش) القبر (وأخذ) ذلك منه لما روي " أن المغيرة بن شعبة وضع خاتمه في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: خاتمي فدخل وأخذه وكان يقول: أنا أقربكم عهدًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحمد: إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش أهـ؛ ولتعلق حق ربه بعينه , مع عدم الضرر في أخذه. (أو بلع مال غيره بغير إذنه وتبقى ماليته, كخاتم, طلبه ربه لم ينبش وغرم ذلك من تركته) صونًا لحرمته مع عدم الضرر (فإن تعذر الغرم) أي: المال الذي بلعه الميت (لعدم تركة ونحوه نبش) القبر (وشق جوفه, وأخذ المال) فدفع لربه (إن لم يبذل له قيمته) أي: إن لم يتبرع وارث أو غيره ببذل قيمة الكفن أو المال لربه وإلا فلا ينبش لما سبق (وإن بلعه) أي: مال الغير (بإذن ربه أخذ إذا بلي) الميت, لأن مالكه هو المسلط له على ماله بالإذن له. (ولا يعرض له) أي: للميت (قبله) أي: قبل أن يبلى لما تقدم (ولا يضمنه) أي: المال الذي بلعه بإذن ربه فلا طلب لربه على تركته لأنه الذي سلطه عليه. (وإن بلع مال نفسه, لم ينبش قبل أن يبلى) لأن ذلك استهلاك لمال نفسه في حياته أشبه ما لو أتلفه (إلا أن يكون عليه دين) فينبش ويشق جوفه فيخرج ويوفي دينه , لما في ذلك من المبادرة إلى تبرئة ذمته من الدين " ([23]). فخلاصة ما تقدم: أن المذهبين الحنفي والشافعي يجيزان شق بطن الميت سواء لاستخراج جنين حي أو لاستخراج مال، وأن المذهبين المالكي والحنبلي يجيزان الشق في المال دون الجنين. فإذا كان الفقهاء - رحمهم الله – قد نصوا على جواز شق بطن الميت لاستخراج جوهرة الغير إذا ابتلعها الميت، فلأن يجوز نقل أعضاء الميت أولى وأحرى لمكان إنقاذ النفس المحرمة التي هي أعظم حرمة من المال ([24]). ومما اسْتُشهد به أيضًا من أقوال الفقهاء: أن مذهب بعض أهل العلم - رحمهم الله - من الفقهاء قالوا بجواز أكل لحم إنسان ميت اضطرارًا. قال الإمام النووي في المجموع: " ويجوز له - أي للمضطر - قتل الحربي والمرتد وأكلهما بلا خلاف، وأما الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة ففيهم وجهان: أصحهما وبه قطع إمام الحرمين والمصنف والجمهور: يجوز, قال الإمام: لأنا إنما منعنا من قتل هؤلاء تفويضًا إلى السلطان لئلا يفتات عليه, وهذا العذر لا يوجب التحريم عند تحقق ضرورة المضطر، وأما إذا وجد المضطر من له عليه قصاص فله قتله قصاصًا وأكله سواء حضره السلطان أم لا, لما ذكرناه في المسألة قبلها، صرح به البغوي وآخرون، أما إذا لم يجد المضطر إلا آدميًا ميتًا معصومًا ففيه طريقان: أصحهما وأشهرهما: يجوز, وبه قطع المصنف والجمهور، والثاني فيه وجهان حكاهما البغوي الصحيح الجواز , لأن حرمة الحي آكد والثاني لا؛ لوجوب صيانته, وليس بشيء" ([25]). ومعلوم أن الشخص المريض قد بلغ حالة الاضطرار كما في مرض الفشل الكلوي، ومرض القلب الذي يهدد صاحبه بالموت، وقد نص هؤلاء الفقهاء على جواز أكل المضطر للحم الميت غير المعصوم والمعصوم مع أن الأكل يوجب استنفاذ الأعضاء، فلأن يجوز النقل والتبرع الموجب لبقائها ودوامها أولى وأحرى،وحرمة الحي أولى من حرمة الميت في الأصل فكذلك في مسألتنا هذه ([26]). يقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق في فتواه المتعلقة بهذا الشأن: " وتخريجًا على ذلك وبناءً عليه: يجوز شق بطن الإنسان الميت وأخذ عضو منه أو جزء من عضو لنقله إلى جسم إنسان حي آخر يغلب على ظن الطبيب استفادة هذا الأخير بالجزء المنقول إليه، رعاية للمصلحة الراجحة التي ارتآها الفقهاء القائلون بشق بطن التي ماتت حاملا والجنين يتحرك في أحشائها وترجى حياته بعد إخراجه، وإعمالا لقاعدة الضرورات تبيح المحضورات، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، التي سندها الكتاب الكريم والسنة الشريفة، فإن من تطبيقاتها كما تقدم جواز الأكل من الإنسان ميت عند الضرورة صونًا لحياة الحي من الموت جوعًا، المقدمة على صون كرامة الميت إعمالا لقاعدتي اختيار أهون الشرين وإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما، وإذا جاز الأكل من جسم الآدمي الميت ضرورة جاز أخذ بعضه نقلا لإنسان آخر حي صونًا لحياته متى رجحت فائدته وحاجته للجزء المنقول إليه " ([27]). والخلاصة أن الترخيص في نقل العضو البشرى من الآدمي الميت إلى الآدمي الحي لابد فيه من مراعاة الضوابط الآتية: 1- أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتًا شرعيًا؛ وذلك بالمفارقة التامة للحياة، بأن تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفًا تامًّا تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى بشهادة أهل الخبرة العدول الذين يخوَّل إليهم التعرف على حدوث الموت، بحيث يسمح بدفنه، وتكون هذه الشهادة مكتوبة وموقعة منهم. 2- قيام حالة الضرورة أو الحاجة الشرعيتين، بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور مستمر، ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية ويحقق له المصلحة الضرورية التي لا بديل عنها إلا نقل عضو من إنسان آخر. 3- أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية وبدون إكراه مادي أو معنوي وعالمًا بأنه يوصى بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، أو أذن أولياؤه في ذلك. 4- ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال كالأعضاء التناسلية وغيرها وذلك كما هو الحال في نقل العضو من حي إلى حي تمامًا. 5- أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخص له بذلك مباشرة بدون أي مقابل مادي بين أطراف النقل، ويستوي في ذلك الغني والفقير، وبحيث توضع الضوابط التي تساوي بينهم في أداء الخدمة الطبية ولا يتقدم أحدهما على الآخر إلاّ بمقتضى الضرورة الطبية فقط التي يترتب عليها الإنقاذ من الضرر المحقـق أو الموت والهلاك الحالّ. الباب الثالث في بيان أدلة المانعين ومناقشتها ذهب جماعة من العلماء المعاصرين إلى القول بمنع نقل الأعضاء مطلقًا سواء كان النقل من الحي أو الميت، واستدلوا على رأيهم بمجموعة من الأدلة من الكتاب والسنة والعقل والقواعد الفقهية، وعضدوه بأقوال الفقهاء المتقدمين. الدليل الأول: قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }[البقرة: 195]، مع قوله تعالى أيضًا: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }[النساء: 29]، قال المانعون: فإن الله تعالى قد نهانا في هاتين الآيتين أن نلقي بأنفسنا في مواطن التهلكة، ونهى أن يقتل الإنسان نفسه أو أن يقتل غيره. وإقدام الشخص على التبرع بجزء من جسده هو في الواقع سعي لإهلاك نفسه في سبيل إحياء غيره، وذلك ليس مطلوبًا منه، ولفظ التهلكة في الآية لفظ عام يشمل كل ما يؤدي إليها، وقطع العضو من نفسه الموجب لإزالة منفعته فرد من أفراد ما يؤدي إلى الهلاك، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على حد ما ذكره علماء الأصول، والنهي في الآية الثانية عام، فهو يتناول جميع الأسباب التي تؤدي إلى المنهي عنه، وهو قتل النفس، ومن هذه الأسباب المنهي عنها أن يبرم شخص اتفاقًا مع آخر ليتبرع الأول بجزء من جسده للآخر ([28]). ويُناقش ذلك من وجوه: الوجه الأول: لا نسلم الاحتجاج بهما؛ لأننا نشترط في جواز النقل أن لا تكون حياة المتبرع مهددة بالهلاك، وإطلاق القول بأن التبرع في حال الحياة يؤدي إلى الهلاك لايقبل إلا بشهادة أهل الخبرة من الأطباء، وهم لا يقولون بهذا على الإطلاق، فخرجتا بذلك عن موضع النزاع. الوجه الثاني: سلمنا صحة الاستدلال بهما، لكن نقول إنهما أخص من الدعوى؛ لأنهما مختصتان بحال الحياة، وأما بعد الموت فلا تشملانه. الوجه الثالث: قلب الاستدلال بهما، ووجه ذلك: أن الشخص إذا امتنع من قبول تبرع الغير بالعضو الذي تتوقف عليه نجاته - بإذن الله تعالى - على نقله إليه يعتبر ملقيًا بنفسه إلى الهلاك، فيحرم عليه الامتناع من هذا الوجه، ومن ثم تكون موافقته مشروعة وواجبة عليه ([29]). الدليل الثاني: استدلوا أيضًا بأن الشيطان قد قال كما حكاه عنه القرآن الكريم: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ }[النساء: 119]، فتشمل هذه الآية نقل الأعضاء لأنه داخل في عموم تغيير خلق الله، كنقل عين أو كلوة أو قلب من شخص لآخر، وتشمل أيضًا خصاء العبيد الذي كان يفعله الخلفاء بعبيدهم ليدخلوا على نسائهم. كل هذا تغيير لخلق الله تشمله الآية الكريمة. ونزولها في فقء عين الأنعام، وشق آذنها، لا يجعلها خاصة بذلك؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وهذه قاعدة أصولية معلومة ([30]). ونوقش هذا الدليل بمنع الأخذ بظاهر الآية; لأنّ كثيرًا من الأشياء المتيقّنة الجواز هي عبارة عن تغيير في خلق الله، مثل الختان وقص الأظفار والشعر، وتغيير مجرى المياه وإزالة الجبال وشق الطرق وما إلى ذلك من أمور كثيرة نقطع بجوازها وهي في الحقيقة تغيير لخلق الله تعالى ([31]). إذن فنقل الأعضاء خارج عن هذه الآية؛ لأنه مبني على وجود الضرورة والحاجة الداعية إلى فعله، والآية إنما يقصد منها ما كان على وجه العبث دون وجود ضرورة أو حاجة داعية. الدليل الثالث: استدلوا كذلك بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[الإسراء: 70]، ووجه الدلالة: أن الآية الكريمة دلت على تكريم الله للآدمي وهذا التكريم شامل لحال حياته وما بعد مماته، وانتزاع العضو منه مخالف لذلك التكريم سواء في حال الحياة أو بعد الموت ([32]). ويُناقش ذلك بأن الأطباء يحافظون على حياة الشخص المتبرع – إذا كان حيًّا -محافظة شديدة، وليس في عملية النقل هذه أدنى مخالفة لذلك التكريم المذكور في الآية. بل إن في نقل العضو تكريمًا حسًّا ومعنى، أما كونه تكريمًا حسيًا؛ لأن ذلك العضو بدل أن يصير إلى التراب والبلى – بالنسبة للشخص الميت أو الحي باعتبار ما سيصير إليه - يبقي في جسد آدمي يستعين به على طاعة الله ومرضاته. وأما كونه تكريمًا معنويًّا؛ لما فيه من الأجر والثواب للمتبرع لكونه فَرَّج به كُربة عن أخيه المسلم. هذا ما إذا كان النقل من مسلم، أما بالنسبة للنقل من الكافر فإنه ليس من الجنس الذي قصد الشرع تكريمه، بل إن إهانته مقصودة شرعًا، والتمثيل بجثته إنما يحرم على وجه لا تدعو إليه حاجة، أما لو وجدت الحاجة فإنه لا حرج فيه كما هو الحال هنا، مع عدم التسليم بأن في عملية النقل تمثيل؛ إذ إن التمثيل إنما يكون بتعدٍّ بعد قهر، وهذا غير حاصل في نقل الأعضاء. الدليل الرابع: ما روي عن جابر رضي الله عنه أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو الدوسي، وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك ؟ فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم وليديه فاغفر" ([33])، فهذا الحديث قد أفاد أنه من تصرف في عضو منه بتبرع أو غيره، فإنه يُبعث يوم القيامة ناقصًا منه ذلك العضو عقوبة له؛ لأن قوله: " لن نصلح منك ما أفسدت " لا يتعلق بقتل النفس وإنما يتعلق بجرح براجمه وتقطيعهما ([34])، وكذلك من تبرع بعين بعث أعور، ومن تبرع بقلب أو كلوة فلا يرد له ذلك العضو ([35]). ويُناقش الاستدلال بهذا الحديث بمنع دلالته على ما ذكر لأنه ليس فيه إثبات أن من فوّت على نفسه عضوًا من الأعضاء يبعث ناقصًا بل فيه حكاية منام قُصّ على النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لصاحبه الذي قد رؤي له، والله أعلم. الدليل الخامس: واستدلوا أيضًا بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عُرَيِّسًا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله ؟ فقال: " لعن الله الواصلة والمستوصلة " ([36])، ووجه الدلالة: أن الحديث دل على حرمة انتفاع المرأة بشعر غيرها وهو جزء من ذلك الغير فيعتبر أصلا في المنع من الانتفاع بأجزاء الآدمي ولو كان ذلك الانتفاع غير ضار بالمأخوذ منه ([37]). يقول السيد عبد الله بن الصديق الغماري: " شكت المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرض بنتها، وطلبت منه أن يأذن لها في ذلك، فدل على شيئين: 1. أن العلاج بنقل عضو، لا يجوز بل وفاعله يلعن. 2. أن من أصيب بداء فقد بسببه شعرًا أو عضو لا يجوز له أن يكمله من شخص آخر. وعلة ذلك: أنه تغيير لخلق الله، وتدليس، وفيه مثلة وهي محرمة، وتصرف الإنسان فيما لا يملك، ومناف لكرامة الآدمي" ([38]). ويُناقش ذلك بصفة عامة من وجهين: الوجه الأول: أن وصل الشعر يعتبر مصلحة كمالية بخلاف الأعضاء التي تعتبر من المصالح الضرورية والحاجية، فيحرم الأول ويجوز الثاني لمكان الحاجة الداعية إليه. الوجه الثاني: أن وصل الشعر المذكور في الحديث مفض إلى مفسدة الإضرار بالغير، وهو غش المرأة لزوجها كما هو واضح من سياق الحديث بخلاف نقل الأعضاء المشتمل على درء المفاسد ودفعها. أما قول الشيخ الغماري إن العلاج بنقل الأعضاء تترتب عليه لعنة فاعله، فلايسلم، وذلك لأمرين: أولهما: أن المتقرر في الأصول أن القياس يجري في الأحكام، كقياس النبيذ على الخمر في الحرمة، أما اللعن والغضب ونحوهما فلا قياس فيه؛ لأن الشارع وحده هو الذي يعلم المستحق لذلك، فالشارع لعن النامصة ولم يلعن الزانية، مع أن الزنا أقبح من النمص، فقياس نقل العضو على النمص والوصل والوشم مردود. الثاني: أنه تقرر في الأصول أن تعليق الحكم على مشتق يؤذن بعلية أصل الاشتقاق، والشارع حين لعن النامصة والواشمة ووصفهما بتغيير خلق الله، دل على أن علة ذلك هي النمص والوشم، فلا يصح أن يقال إن نقل العضو كالنمص والوشم، وفاعله ملعون. الدليل السادس: ما روي من أحاديث النهي عن المثلة، ومنها حديث بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا... الحديث" ([39])، ووجه الدلالة: أن الحديث دل على حرمة التمثيل، وأن التمثيل لا يختص تحريمه بالحيوان، وبتغيير خلقة الإنسان على وجه العبث والانتقام، بل هو شامل لقطع أي جزء أو عضو من الآدمي أو الحيوان أو جرحه حيًا أو ميتًا لغير مرض ([40]). ونوقش ذلك بأن المثلة تتحقق عند التعدي، وما نحن فيه انتفى فيه التعدّي ؛ فقد إنسان بطوع اختياره وإرادته وطلب من الطبيب نقل عضو من أعضائه إلى أخيه أو صديقه، فلا يُسَلَّم بأن نقل العضو هنا فيه مثلة ([41]). وعلى فرض التسليم بأن نقل العضو فيه مثلة، فجوابه: أن مفسدة التمثيل معارضة لمفسدة هلاك المريض المحتاج للعضو، فوجب اعتبار المفسدة العليا وهي مفسدة هلاك المريض، ومن ثم لم يلتفت إلى ما هو دونها للقاعدة الشرعية: إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما. ثم إنه إذا سقط اعتبار مفسدة التمثيل في التشريح لمكان المصلحة الراجحة فلأن يسقط اعتبارها في نقل الأعضاء أولى وأحرى. الدليل السابع: واستدلوا أيضًا بما روي من احترام الإسلام للميت، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كسر عظم الميت ككسره حي "، ورواه الدارقطني بزيادة " في الإثم " ([42])، ووجه الدلالة: أفاد الحديث أن الحي يحرم كسر عظمه أو قطع أي جزء منه، وكذا الميت لأي سبب إلا الحي لسبب إذن الشارع فيه ([43]). وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" ([44])، يقول السيد عبد الله الغماري: "هذا غاية ما يكون في احترام الميت، ومنع أي عمل يؤذيه أو يهين كرامته، فكيف يتجرأ بعض المفتين على تجويز انتزاع جزء منه بدون دليل ؟!" ([45]). ويُناقش ذلك بأن الظاهر أن معناه: أن للميت حرمة وكرامة كحرمة الحي، فلا يعتدى على جسمه بكسر عظم أو غير هذا مما فيه ابتذال له لغير ضرورة أو مصلحة راجحة. وهذا المعنى ظاهر ما ذكره المحدثون في بيان سبب الحديث من أن الحفار الذي كان يحفر القبر أراد كسر عظم إنسان دون أن تكون هناك مصلحة في ذلك. وبهذا المفهوم يتفق الحديث مع مقاصد الإسلام المبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد ([46]). ويُناقش أيضًا من وجهين آخرين كما يلي: الوجه الأول: على القول بالجواز مطلقًا: أن التشبيه في كسر العظم للميت بعظم الحي في أصل الحرمة، لا في مقدارها، بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص، ففي الاعتداء على الميت الإثم والتعزير ولا قصاص ولا دية، واختلافهما في وجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت. الوجه الثاني: على القول بجواز النقل من الكافر فقط: هذا الحديث مقيد بالمؤمن كما ورد ذلك صريحًا في الرواية الأخرى، ثم إن الكافر غير معصوم الدم حيًا ولا ميتًا "إلا الذمي والمستأمن" فيجوز التصرف بأعضائه ولو كان متأذيًا بذلك. الدليل السابع: واستدلوا أيضًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" ([47])، ووجه الدلالة: أن قطع العضو من شخص للتبرع به لآخر فيه إضرار من الناحية الشرعية والجسدية بالشخص المقطوع منه، أما من الناحية الشرعية فقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام "، وأما من الناحية الجسدية فلا شك أنه فيه تنقيص للخلقة السوية الأصلية. وفي ذلك إضرار وأي إضرار، فيكون داخلا في عموم النهي، ويحرم فعله ([48]). ويُناقش ذلك بأن الحرمة ترتفع في هذه الحالة؛ وذلك لأن دليل الحرمة وهو الإضرار بأنْ يَنْقُص الإنسان عضوًا من أعضائه هو في صورة ما إذا كان التنقيص لا يلازمه أمر آخر مهم يعدّ معه التنقيص غير محرم، كالذي نحن فيه، وهذا يتّضح من ملاحظة صورة ما إذا كان إنجاء الغريق متوقفًا على أضرار الغير بإتلاف زرعه، ففي هذه الحالة لا يكون الإتلاف محرمًا حيث يُقدّم إنقاذ الغريق على حرمة إتلاف زرع الغير، فما نحن فيه كذلك، فإذا كان هناك شخص يعاني من توقف كليتيه، وأراد آخر أن يتبرّع له بإحدى كليتيه لينقذه من الموت ففي هذه الحالة ترتفع الحرمة ([49])، وإن كنا لا نسلم بأن عملية النقل إتلاف محض للشخص المنقول منه؛ وذلك لأن الأطباء لا يقومون بمهمة النقل من شخص يؤدي نقل عضوه إلى هلاكه، ونحن لا نجيز النقل في هذه الحالات، وعلى هذا فإن الحديث يعتبر خارجًا عن محل النزاع. الدليل الثامن: واستدلوا أيضًا بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا …" ([50])، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع أساس الترتيب في القسمة فأرشد إلى أن يبدأ بنفسه، ثم زوجته وأولاده، ثم ذي القرابة، فلا يجب أن يؤثر أحدًا على نفسه. فإذا كان هذا في النفقات فمن باب أولى ألا يتلف الشخص نفسه لإحياء غيره مهما كانت الضرورة إلى ذلك، ونحن مأمورون باتباع المنصوص عليه شرعًا ([51]). ويُناقش ذلك بأن الله تعالى قد امتدح من آثر أخاه على نفسه بطعام أو شراب أو مال، فإذا كان ذلك في هذه الأمور اليسيرة، فكيف بمن آثر أخاه بعضو أو جزئه لكي ينقذه من الهلاك المحقق لا شك أنه أولى وأحرى بالمدح والثناء، ومن ثم فإن فعله هذا وإن لم يكن واجبًا كما يقول المانعون إلا أنه يعتبر جائزًا ومشروعًا، بل هو من باب الإيثار المرغب فيه. وأما استدلالهم بالحديث بأن الشخص مأمور بأن لا يتلف نفسه لإحياء غيره مهما كانت الضرورة، فيُناقش بأننا لا نسلم بأن الشخص المتبرع سيعرض نفسه للإتلاف في حال تبرعه كما مر. بل إنه يمكن أن يجاب عنه بقلب الاستدلال به: وذلك بأن يقال إن الإنسان إذا أراد التبرع بالعضو يبدأ بنفسه، فإن كان في تبرعه إضرار به لم يتبرع، وأما إن لم يكن فيه ضرر فإنه لا يشمله الحديث مطلقًا. الدليل التاسع: واستدلوا بأن أعضاء الإنسان ليست ملكًا له، بل هي ملك لله، خلقها الله تعالى له؛ لينتفع بها، فلا يملك التصرف فيها بهبة أو بيع أو تبرع، ويشترط لصحة التصرف في الشيء أن يكون الإنسان مالكًا له أو مفوضًا في ذلك من قبل مالكه الحقيقي. لذلك حرم الله تعالى الانتحار، وتوعد المنتحر بالخلود في النار؛ لأنه عمد إلى شيء مملوك لله وغير مملوك له فتصرف فيه بما حرمه الله، فكان متعديًا ظالمًا. يُناقش ذلك بأنه كلام غير محرر، وليس عليه دليل مسلَّم، فإن الذي لا يملكه الإنسان هو حياته وروحه، فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس في التهلكة إلا للضرورة القصوى وهى الجهاد والدفاع عن النفس فقد أمر به الإسلام، أما الإنسان من حيث أجزاؤه المادية فهو مالكها، له أن يتصرف فيها بما لا يضره ضررًا لا يحتمل. إذن فالإنسان مأذون له بالتصرف في جسده بما فيه الخير، لذلك الجسد في الدنيا والآخرة، والإذن بنقل الأعضاء فيه خير للآذن في الآخرة من جهة الثواب الذي سيتبعه، لما اشتمل عليه ذلك الإذن من تفريج كربة المسلم، والإحسان إليه. مع ملاحظة أن حالة الضرورة تبيح المحظور كما قررناه سابقًا، بما يشمل الانتفاع بجسد الميت أيضًا ([52]). الدليل العاشر: قالوا: إن درء المفاسد مقصود شرعًا، وفي التبرع مفاسد عظيمة تربو على مصالحه، إذ فيه إبطال لمنافع أعضاء الجسم المنقولة، مما قد يؤدي إلى الهلاك، أو على الأقل إلى التقاعس عن أداء العبادات والواجبات وترك بعض المأمورات باختياره ([53]). ويُناقش ذلك بأن النقل يشترط لجوازه أن لا يؤدي إلى هلاك الشخص المنقول منه، وأن لا يترتب عليه ضرر بليغ به، وهذا يقبل بشهادة الطبيب الثقة، فإذا جزم طبيب ذو خبرة بأن نقل عضو من إنسان إلى آخر لمقصود العلاج، وأن هذا لا يضر بالمأخوذ منه أصلا؛ إذ الضرر لا يزال بالضرر، ويفيد المنقول إليه، جاز هذا شرعًا ([54])، وبذلك يكون الدليل خارجًا عن موضع النزاع. الدليل الحادي عشر: قالوا: إن حرمة المال أقل من حرمة النفس، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوقي كرائم الناس، فمن باب أولى وأحرى أن تتقى أعضاؤهم ([55]). ويُناقش ذلك بأن كرائم الأموال تقبل بإذن مالكيها فكذلك نقل الأعضاء. الدليل الثاني عشر: قالوا: لا يجوز استقطاع الأعضاء الآدمية كما لا يجوز استقطاع الأبضاع بجامع كون كل منهما من أعضاء الجسد ([56]). ويُناقش ذلك بأن استقطاع الأبضاع مبني على حرمة المشاركة فيها؛ لكونها مفضية إلى مفسدة الزنا، وهذه العلة غير متحققة في نقل الأعضاء، ومن ثم فإن القياس يعتبر قياسًا مع الفارق. الدليل الثالث عشر: قالوا إن القول بجواز نقل الأعضاء يتصادم مع قواعد الشرع التي تنص على أن الضرر لا يزال بالضرر، و أن الضرر لا يزال بمثله، وفي مسألتنا يزال الضرر عن الشخص المنقول إليه بضرر آخر يلحق الشخص المتبرع ([57]). ويُناقش ذلك بأن هذه القاعدة لا ترد على القول بالجواز؛ لأن من شرطه أن لا يؤدي إلى هلاك الشخص المنقول منه العضو، أو الإضرار. الدليل الرابع عشر: واستدلوا أيضًا بأن القاعدة: أن ما جاز بيعه جازت هبته، وما لا فلا ([58])؛ فالمجوزين لنقل الأعضاء يوافقون على أن الأعضاء الآدمية لا يجوز بيعها، وقد دلت القاعدة على أن ما لا يجوز بيعه لا يجوز هبته، إذًا فلا يجوز التبرع بالأعضاء الآدمية لا من حي لمثله في حال الحياة ولا بعد الممات ([59]). ويُناقش ذلك بأن هذه القاعدة أكثرية، وقد استثنى فقهاء الشافعية منها بعض المسائل: كالجارية المرهونة إذا استولدها الراهن أو أعتقها وهو معسر، فإنه يجوز بيعها للضرورة، ولا تجوز هبتها لا من المرتهن ولا من غيره ([60]). ففي هذه الصورة جاز البيع لداعي الضرورة ولم تجز الهبة؛ وذلك لأن البيع هو الذي يزيل الإعسار هنا، بخلاف الهبة، مع أن في كل منهما تمليكًا، إلا أن في البيع تمليك وزيادة، وهي العوض الذي يزيل الإعسار. وفي مسألة نقل الأعضاء التي معنا فإن هناك ضرورة أو حاجة داعية تُنـَزَّل منزلة الضرورة، والذي يحقق دفع هذه الضرورة أو الحاجة هو الهبة دون البيع، فتعينت. إذن فلكل قاعدة مستثنيات، وعلى هذا فإنه تستثنى مهمة النقل من هذه القاعدة لمكان الحاجة والضرورة الداعية إليها، وهي ضرورة إنقاذ النفس ودفع مشقة الأسقام عنها. أقوال الفقهاء التي استشهدوا بها: استشهد القائلون بالمنع لما يؤيد مذهبهم بمجموعة من أقوال الفقهاء ([61]) حاصلها حرمة الانتفاع بأجزاء المعصوم لكرامته، وليس له أن يقطع حال الاضطرار من أعضائه للغير، كما لا يصح أن يقطع من نفسه فيأكل، وليس للغير أن يفعل به ذلك؛ لأن هذا ليس مما يباح بالإباحة ولا يعتبر رضاه ولا ينفذ إسقاطه. والميت لا يجوز به ذلك؛ لأنه يتأذى مما يتأذى منه الحي، فما فيه تشويه واعتداءٌ على كرامته لا يجوز، ولأنه مأمورٌ بمواراته. قال ابن عابدين من فقهاء الحنفية: "وإن قال له آخر اقطع يدي وكلها لا يحل؛ لأن لحم الإنسان لا يباح في الاضطرار لكرامته" ([62]). وفي شرح مختصر خليل للمواق من كتب المالكية: "(وللضرورة ما يسـد غير آدمي) قال الباجي: لا يجوز للمضطر أكل لحم ابن آدم الميت وإن خاف الموت" ([63]). وفي المنهاج وشرحه للخطيب الشربيني من كتب الشافعية: "(ويحرم) جزمًا على شخص (قطعه) أي بعض نفسه (لغيره) من المضطرين; لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل. تنبيه هذا إذا لم يكن ذلك الغير نبيًا , وإلا لم يحرم بل يجب (و) يحرم على مضطر أيضا أن يقطع لنفسه قطعة (من) حيوان (معصوم , والله أعلـم) لما مر" ([64]). وفي الإقناع وشرحه للبهوتي من كتب الحنابلة: "(ويحرم من الحيوانات الآدمي) لدخوله في عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } [المائدة: 3] ولمفهوم حديث: أحل لنا ميتتان ودمان ([65])" اهـ ([66]). وفيه أيضًا: "(وإن لم يجد) المضطر (شيئًا) مباحًا ولا محرمًا (لم يبح له أكل بعض أعضائه)؛ لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم " وفيـه كذلك: " (فإن لم يجد) المضطر (إلا آدميًا محقون الدم لم يبح قتله ولا إتلاف عضو منه مسلمًا كان) المحقـون (أو كافرًا) ذميًا أو مستأمنًا؛ لأن المعصوم الحي مثل المضطر، فلا يجوز له إبقاء نفسه بإتلاف مثله" اهـ ([67]). وعند تأمل أقوال الفقهاء السابقة نجد أنها تضمنت ما يلي: 1- تعليل تحريم الانتفاع بأجزاء الآدمي بكونه موجبًا لانتهاك حرمته. ويُناقش ذلك بما تقدم عند مناقشة استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}. 2- عدم جواز قطع شيء من الجسد للمضطر ليأكله، كما لا يجوز أن يقطع من نفسه فيأكل. ويُناقش ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن هذا لا يشمل ما بعد الموت -بالنسبة للقطع من الغير-؛ لعدم وجود المفسدة المترتبة على القطع حال الحياة. الوجه الثاني: أن هذا الاستدلال معارض بما نصوا عليه من جواز قطع البعض من أجل استبقاء الكل كما في قطع اليد المتآكلة والسلعة ([68]) ونحوها من الآفات. فقولهم بجواز القطع على هذا الوجه يدل على اعتبارهم للحكم بجواز القطع لإنقاذ النفس وهذا موجب بعينه في مهمة نقل الأعضاء. 3- تعليل عدم جواز الانتفاع أو القطع أو فعل ما أشبه هذا بالميت بأنه يتأذى مما يتأذى منه الحي، لما مر من تحريم كسر عظامه. ويُناقش ذلك بما تقدم من مناقشة الحديث الوارد في ذلك. وبناءً على ذلك: فإن نقل الأعضاء من الحي أو من الميت بالهبة دون البيع جائز شرعاً إذا توافرت فيه شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوِّلـه إلى قطع غيار تباع وتشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على البر والتقوى وتخفيف الآم البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان وقرر أهل الخبرة من الأطباء الثقات أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخذ ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أو المآل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك كله في الضوابط الشرعية لعملية نقل الأعضاء، والله أعلم. الباب الرابع في مسائل متفرقة الفصل الأول في حكم نقل وزراعة الأعضاء التناسلية يتكون الجهاز التناسلي للرجل من القضيب و الخصيتين وغدة البروستاتا والحويصلات المنوية. والمشتهر هو نقل وزرع الخصية. ووظيفة الخصيتين هي إفراز الهرمونات اللازمة لتكوين باقي الأعضاء الخاصة بالجهاز التناسلي للذكر. وكذلك تقوم بإفراز هرمون الرجولة منذ المراحل الأولى من الحمل؛ وذلك لتخليق باقي أعضاء الجهاز التناسلي للذكر، كما أنها تقوم بتكوين الحيوانات المنوية عند بلوغ الرجل سن البلوغ من الخلايا الأولية الموجودة في الخصية والتي تحمل الصفات الوراثية التي ورثتها تلك الخلايا الأولية من والدي حامل هذه الخصية، فالخصية تقوم بدور المصنع الذي ينتج الحيوانات المنوية بواسطة تأثير الهرمونات على المواد الأولية (الخلية الأولية التي تنتج الحيوان المنوي الناضج) الموجود في الخصية. فإذا ما تم نقل هذه الخصية إلى شخص آخر فإننا بذلك ننقل المصنع بآلاته ومعداته والمواد الأولية التي يحتويها إلى مكان آخر، ولا يكون دور المنقول إليه سوى تشغيل المصنع فقط، أي لن يكون له دور في نقل المورثات التي يحملها أولاده، بل سوف يساعد على نقل الصبغيات الوراثية التي ورثها الشخص المنقول منه هذه الخصية إلى ذرية الشخص المنقول له الخصية. فكأننا بهذا قد قمنا بإخصاب بويضة زوجة الرجل المنقولة له الخصية بحيوان منوي لرجل آخر المنقولة منه الخصية، فإذا ما تم زرع الخصية بين الرجال فإننا نساعد على خلط الأنساب. أما الجهاز التناسلي للمرأة فينقسم إلى داخلي وخارجي، ويتكوّن الداخلي من مبيضين أحدهما على اليمين والآخر على اليسار من قناة فالوب (القناة الرحمية) والرحم والمهبل، المبيضان متصلان بالرحم بواسطة وتر سميك على ناحية اليمين واليسار وهما عبارة عن أكياس تحتوي على عدد محدد من البويضات عند الولادة، أي عدد البويضات داخل المبيض تكون قد تم تكوينها قبل ولادة الأنثى من بطن أُمّها، فإذا ما قمنا ونقلنا المبيض من أنثى إلى أنثى أخرى فإننا بهذا قد نقلناه بما يحويه من بويضات تحمل الصفات الوراثية التي ورثتها الأنثى المنقول منها المبيض من والديها إلى أنثى أخرى والتي تم نقل المبيض لها، وفي هذا شبهة اختلاط الأنساب. وأما الأعضاء التناسلية الأخرى كالقضيب والرحم والأنبوبة والمهبل فهي كسائر أعضاء الجسد مثل القلب والكلية والكبد في عدم التأثير من الناحية الوراثية ([69]). وبناء على ما سبق فالذي يظهر أنه لا يجوز نقل الأعضاء التناسلية التي تؤدي إلى اختلاط الأنساب. الفصل الثاني في حكم نقل الدم لا خلاف بين أهل العلم في نجاسة الدم المسفوح، وحرمة الانتفاع به؛ ولك لقول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[البقرة: 173]، قال القرطبي: "اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس لا يؤكل ولا ينتفع به" ([70]). ولكن في بعض الأحوال تكون عملية نقل الدم متعينة محتاجًا إليها لعلاج المرضى المصابين بنزيف دموي سواء في العمليات الجراحية أو الحوادث، فإن لم تجر لهم العملية المذكورة كانت حياتهم مهددة بالانتهاء، وهنا يكون التبرع بالدم ونقل الدم جائزًا لا حرج فيه، ودليل ذلك: أولا: أن حالة الضرورة مستثناة من التحريم المنصوص عليه، في الآيات كقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: 119]. فالإنسان المريض إذا احتاج إلى نقل الدم فإنه سيكون في حكم المضطر؛ لأن حياته مهددة بالموت، فالدم وإن كان نجسًا، ولا يجوز الانتفاع به، إلا أنه يجوز الانتفاع به في حالة الضرورة والاضطرار. ثانيًا: أن الإحياء في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: 32] عام يشمل كل إنقاذ من تهلكة، ولا شك أن المتبرع بدمه لأخيه؛ إنما فعل ذلك لكي ينقذه من الهلاك. ثالثًا: أن في إجازة نقل الدم تيسيرًا على العباد ورحمة بالمصابين، وتخفيفًا للألم، وكل ذلك موافق لمقصود الشرع، بخلاف تحريم نقله، فإن فيه حرجًا ومشقة، الأمر الذي ينافي ما دلت عليه نصوص الشريعة؛ قد قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[المائدة:6]. رابعًا: أن نقل الدم في الحالات التي أشرنا إليها وأمثالها، يعتبر داخلًا في عموم الأمر بالتداوي الذي جاءت به السنة النبوية المطهرة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "تداووا عباد الله فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم" ([71]). خامسًا: أنه من قواعد الشريعة الإسلامية أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الضرر يزال، وأن المشقة تجلب التيسير، وهذا كله يقضي بجواز نقل الدم بالتبرع، لمكان الضرورة أو الحاجة. سادسًا: ما نص عليه بعض الفقهاء من السلف والخلف من جواز التداوي بالدم؛ من ذلك ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: "سمعت عطاء يسأله إنسان نُعت له أن يشترط على كبده فيشرب ذلك الدم من وجع كان به، فرخص له فيه. فقال له ابن جريج: حرمه الله تعالى، قال: ضرورة، فقال ابن جريج له: إنه لو يعلم أن في ذلك شفاء، ولكن لا يعلم، وذكرت له ألبان الأتن عند ذلك، فرخص فيه أن يشرب دواء" ([72]). فقد نقل العلامة ابن عابدين الحنفي في رد المحتار عن بعض كتب الحنفية أنه يجوز للعليل شرب البول، والدم، والميتة للتداوي، إذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاءه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه ([73]). وبناءً على ما سبق كله فإن نقل الدم والتبرع به للغير يعتبر من الأمور المستحسنة شرعًا؛ لما فيه من إنقاذ للنفس المحرمة من الهلاك، وذلك مع مراعاة الشروط التالية: 1. أن يكون المريض محتاجًا إليه بشهادة الأطباء العدول. 2. أن يتعذر البديل الذي يسعفه. 3. أن لا يترتب على ذلك ضرر بالمتبرع. 4. أن يُقتصر على القدر الذي يحقق دفع الضرورة التي تقدر بقدرها ([74]). أما بيع الدم فلا خلاف بين أهل العلم في حرمته، فقد ذكر الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع، في كتاب البيوع: أنهم أجمعوا على تحريم ما حرم الله من الميتة والدم والخنزير ([75])؛ لذلك فإنه لا يجوز بيع الدم لما يلي: أولا: أن الله سبحانه وتعالى حرم الدم، وأكد على هذا بإضافة التحريم إلى عينه، فدل ذلك على أن التحريم عام شامل لسائر وجوه الانتفاع به بأي وجه من الوجوه، وبيعه انتفاع به، فيكون حرامًا. ثانيًا: ما جاء في صحيح البخاري من النهي عن ثمن الدم بنص خاص، فعن عون بن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى عبدًا حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت، فسألته فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ونهى عن الواشمة والموشومة وآكل الربا وموكله ولعن المصور ([76]). قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "واختلف في المراد به -أي بثمن الدم-، فقيل: أجرة الحجامة، وقيل: هو على ظاهره، والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرام إجماعًا، أعني بيع الدم وأخذ ثمنه" ([77]). ثالثًا: ما روي في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال: "لعن الله اليهود" ثلاثًا. إن الله تعالى حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" ([78]). وفي هذا الحديث أمران: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهود بيع ما حرم الله، فصح أنه إذا حرم الشرع شيئًا حرم بيعه وأكل ثمنه، إلا أن يأتي نص بتخصيص شيء من ذلك فيتوقف عنده. ثانيهما: أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالتصريح به في الشطر الثاني من الحديث بقوله "إن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه"، وقد نص الإمام النووي على صحة هذا الحديث في أكثر من موضع في كتابه المجموع ([79]). فدل هذا على حرمة ثمن الدم. رابعًا: أن الأصل في المبيع أن يكون طاهرًا، يجوز الانتفاع به، والدم نجس؛ لذلك نهي عن ثمنه. فإن لم يجد المضطر إلى نقل الدم من يتبرع له، ووجد من يعطيه بعوض، جاز له أن أن يبذل المال للحصول عليه؛ لأنه مضطر أبيح له المحرم وهو الدم، فتُباح له وسيلة الحصول عليه وهي الشراء من باب أولى، والذي يأخذ المال هو الآثم وحده. قال صاحب مغني المحتاج: "وكما يحرم أخذ الأجرة على المحرم يحرم إعطاؤها إلا لضرورة، كفك الأسير, وإعطاء الشاعر لئلا يهجوه, والظالم ليدفع ظلمه, والحاكم ليحكم بالحق, فلا يحرم الإعطاء عليها " ([80]). وكذلك يجوز للباذل دمه أن يأخذ مالا، لا على وجه المعاوضة إنما نظير رفع اليد عن الاختصاص، والله أعلم. الفصل الثالث فيما يتعلق بموت الدماغ (الموت الإكلينيكي) حقيقة الموت والوفاة شرعًا: مفارقة الروح للبدن. وخروج الروح إنما يعرف بالعلامات الحسية للموت. وقد ذكر الفقهاء في كتبهم بعض العلامات التي يُعلم بها تحقق الموت، قال الإمام ابن قدامة في المغني: " وإن اشتبه أمر الميت, اعتبر بظهور أمارات الموت, من استرخاء رجليه, وانفصال كفيه, وميل أنفه, وامتداد جلدة وجهه, وانخساف صدغيه " ([81])، وزاد الإمام النووي: " وأن تتقلص خصياه مع تدلي الجلدة, فإذا ظهر هذا علم موته " ([82]). وعليه فإن الوفاة الشرعية لا تتحقق إلا بمفارقة الروح للبدن، وبظهور أمارات الموت التي يُعلم بها تحقق الوفاة، ولا يكفي مجرد الشك أو غلبة الظن. أما حقيقة الموت الدماغي طبيًا: فهو توقفٌ في وظائف الدماغ توقفًا لا رجعة فيه. ثم اختلف أهل الاختصاص الطبي فيما بينهم في تحديد هذا التوقف على رأيين: الرأي الأول: أن موت الدماغ هو توقف جميع وظائف الدماغ (المخ، والمخيخ، وجذع الدماغ) توقفًا نهائيًا لا رجعة فيه. وهذا رأي المدرسة الأمريكية. الرأي الثاني: أن موت الدماغ هو: توقف وظائف جذع الدماغ فقط توقفًا نهائيًا لا رجعة فيه. وهذا رأي المدرسة البريطانية. والصحيح شرعًا أن موت الدماغ ليس نهاية للحياة الإنسانية، بل يعتبر الميت دماغيًا من الأحياء؛ فموت الدماغ لا يعني خروج الروح، والأصل بقاء الروح، واليقين لا يزول بالشك، واليقين في هذه الحالة المختلف فيها هو حياة المريض، والشك في هل هو ميت لأن دماغه ميت، أم حي لأن قلبه ينبض؟ فوجب علينا استصحاب اليقين الموجب للحكم بحياته، حتى نجد يقينًا مثله يوجب علينا الحكم بموته. ثم إن أوصاف الميت دماغيًا تدل في ظاهرها على بقاء الحياة؛ فالقلب ينبض، والدورة الدموية تعمل وعامة أعضاء البدن سوى الدماغ تقوم بوظائفها؛ كالكبد، والكلى، والبنكرياس، والجهاز الهضمي، والنخاع الشوكي وغير ذلك، ولذلك فإنه يتبول، ويتغوط، ويتعرق، وحرارة جسمه ربما تكون مستقرة كحرارة الحي السوي، وربما تكون مضطربة، أو منخفضة. وهو مع ذلك فإنه قد يصاب بالرعشة، وقد يصاب بخفقان القلب، أو بارتفاع الضغط أو بانخفاضه، وقد يتحرك حركة يسيرة كحركة أطراف اليدين أو القدمين. وقد يتحرك حركة كبيرة كرفع إحدى اليدين، أو إحدى القدمين، أو رفع اليدين مع العاتقين إلى الأعلى، وهي الحركة المسماة بـ "حركة لازارس". وتظهر هذه الحركات غالبًا عند رفع المنفسة أو عند الضغط على بعض أعضاء الميت، أو عند فتح صدره وبطنه لاستئصال أعضائه، أو عند قطع الأوعية الكبيرة عند استئصال أعضائه. و عند عملية استئصال أعضائه فإن طبيب التخدير يحقنه بدواء مشلل أو مرخ للعضلات، ويبقى طبيب التخدير في مكان مراقبة المريض في نبضه، وضغطه وغير ذلك؛ فإذا انخفض ضغطه حقنه بدواء يرفع الضغط؛ فيستجيب بدن الميت دماغياً إلى الحال المطلوب. فظاهر مَنْ هذه حاله أنه من أهل الحياة ([83]). إذن فيشترط لجواز النقل من الميت - كما مر - أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتًا شرعيًا؛ وذلك بالمفارقة التامة للحياة، وأما النقل من ميت الدماغ، فإنه يحرم؛ لأنه يكون بمثابة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. الفصل الرابع في نقل الخلايا الجذعية الخلايا الجذعية هي خلايا غير متحيزة ولا متخصصة لها القدرة على الانقسام والتكاثر لتعطي أنواعًا مختلفة من الخلايا المتخصصة وتُكوِّن أنسجة الجسم المختلفة، وتظل هذه الخلايا على هذه الهيئة إلى أن تتلقى مؤشرات خاصة تدفعها للتطور إلى خلايا متحيزة. وقد تمكن العلماء حديثًا من التعرف على هذه الخلايا وعزلها وتنميتها؛ بهدف استخدامها في علاج بعض الأمراض. وهذه الخلايا يمكن الحصول عليها عن طريق الجنين وهو في مرحلة الكرة الجرثومية، أو الجنين السِّقط في أي مرحلة من مراحل الحمل، أو عن طريق المشيمة أو الحبل السُّري، أو عن طريق الأطفال أو البالغين، أو عن طريق الاستنساخ بأخذ خلايا من الكتلة الخلوية الداخلية. والحصول على هذه الخلايا وتنميتها واستخدامها؛ بهدف العلاج، أو لإجراء الأبحاث العلمية المباحة إن لم يلحق ضررًا بمن أخذت منه فهو جائز شرعًا، في حال أن يتم الحصول عليها من الشخص البالغ بإذنه، كما يجوز أيضًا أخذه من المشيمة أو الحبل السري، أو في حالة الجنين الذي تم إجهاضه تلقائيًّا أو بسبب شرعي إن أذن الوالدان، وكذلك في حالة اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب إذا وجدت وتبرع بها الوالدان. ولا يجوز الحصول على الخلايا الجذعية بسلوك طريق محرم لذلك، كالإجهاض المتعمد للجنين دون سبب شرعي، أو بإجراء تلقيح متعمد بين بويضة امرأة وحيوان منوي من أجنبي عنها، أو بأخذها من طفل ولو بإذن وليه؛ لأن الولي ليس له أن يتصرف فيما يخص من هو تحت ولايته إلا بما فيه النفع المحض له. ([84]). الفصل الخامس في حكم نقل عضو من حيوان إلى آدمي فرض المسألة يقوم على الانتفاع من الحيوان من سنه أو عظمه أو بسائر أعضاء الحيوان كالقلب والكبد والكلى وغير ذلك، والانتفاع بالسن والعظم ونحوهما ممكن وواقع بالفعل، وأما نقل الأعضاء الحيوية كالقلب والكبد فإنه وإن لم يكتب له النجاح حتى الآن إلا أنه متصور وقد ينجح مستقبلا. وينبغي في هذا المقام أن نفرق بين صورتين: الأولى: الانتفاع بأعضاء الحيوان الطاهر، وهو مأكول اللحم المذكى، فلا مانع من التداوي بأجزائه؛ لعموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي، والندب إليه. ويعتبر التداوي بأعضاء الحيوان على هذا الضرب مباحًا كالتداوي بسائر المباحات؛ بجامع طهارة الكل، ولأنه كما جاز الانتفاع بأجزائه مع إتلافها بالأكل وكسر العظام فلأن يجوز الانتفاع بها بغرسها وبقائها أولى وأحرى ([85]). هذه المسألة أثارها الفقهاء قديمًا، فذكروا من صورها: أنه إذا كسر عظم الإنسان فينبغي جبره بعظم طاهر، وإنه لا يجوز جبره بعظم نجس إلا عند الضرورة، كما إذا لم يوجد سواه، وأنه يجوز رد استبدال السن الساقطة بسن حيوان مذكى. ففي بدائع الصنائع للكاساني من كتب الحنفية: "ولو سقط سنه يكره أن يأخذ سن ميت فيشدها مكانها بالإجماع، وكذا يكره أن يعيد تلك السن الساقطة مكانها عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله، ولكن يأخذ سن شاة ذكية فيشدها مكانها، وقال أبو يوسف رحمه الله لا بأس بسنه ويكره سن غيره" ([86]). وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير من كتب المالكية: " إذا سقطت السن جاز ردها وربطها بشريط من ذهب أو من فضة وإنما جاز ردها؛ لأن ميتة الآدمي طاهرة، وكذا يجوز أن يرد بدلها سنًا من حيوان مذكى، وأما من ميتة فقولان: الجواز والمنع، وعلى الثاني فيجب قلعها في كل صلاة ما لم يتعذر عليه قلعها وإلا فلا " ([87]). وفي المجموع للنووي: " إذا انكسر عظمه فينبغي أن يجبره بعظم طاهر, قال أصحابنا: ولا يجوز أن يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه, فإن جبره بنجس نظر - إن كان محتاجا إلى الجبر ولم يجد طاهرا يقوم مقامه فهو معذور, وإن لم يحتج إليه ووجد طاهرًا يقوم مقامه أثم ووجب نزعه إن لم يخف منه تلف نفسه ولا تلف عضو، وإن خاف من النزع هلاك النفس , أو عضو أو فوات منفعة عضو لم يجب النزع على الصحيح من الوجهين " ([88]). قال ابن قدامة الحنبلي: "وإن جبر عظمه بعظم فجبر ثم مات لم ينزع إن كان طاهرًا، وإن كان نجسًا فأمكن إزالته من غير مثله أزيل؛ لأنه نجاسة مقدور على إزالتها من غير مضرة" ([89]). الثانية: الانتفاع بأعضاء الحيوان النجس، وهو ميتة مأكول اللحم، أو غير مأكول اللحم ذُكِّي أو لم يُذك، والأصل في هذا الضرب التحريم؛ لمكان النجاسة التي يوجب وضعها في البدن بطلان الصلاة وغيرها من العبادات التي تشترط لها الطهارة، لكن يبقى النظر في حالات الضرورة... هل يجوز فيها النقل أم لا؟ والمتأمل لنصوص الفقهاء يجد أنها دالة على أن الأصل تحريم الانتفاع والتداوي بالنجس، بل ينبغي أن يعتمد في ذلك على ما هو طاهر، فإن لم يجد، ولجأ إلى التداوي بالنجس فلا بد فيه من تحقق شرطان: الأول: الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلتها، وتقدر بقدرها، إلى التداوي بهذا النجس، ويتحقق هذا بشهادة الأطباء المختصين. الثاني: ألا يوجد ما يقوم مقامه من عضو طاهر، أو غيره (90). لذلك فإن القول بجواز التداوي والانتفاع بهذا الضرب إنما هو على خلاف الأصل ولا بد له من تحقق الشرطان السابقان. فقد نقل العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته رد المحتار على الدر المختار عن خزانة الفتاوى في مفسدات الصلاة: كُسِرَ عظمه فوُصِّل بعظم كلب ولا ينـزع إلا بضرر جازت الصلاة (91). وفي الإقناع وشرحه للبهوتي من كتب الحنابلة: "( وإن خاط جرحه, أو جبر ساقه ونحوه) كذراعه (بنجس من عظم أو خيط, فجبر وصح) الجرح أو العظم (لم تلزمه إزالته) أي: الخيط أو العظم النجس (إن خاف الضرر) من مرض أو غيره (كما لو خاف التلف) أي: تلف عضوه, أو نفسه؛ لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب" (92). وكذلك يُنظر نقل الإمام النووي المذكور آنفًا، والله تعالى أعلم. الفصل السادس في حكم إعادة الأعضاء المقطوعة حدًّا أو قصاصًا إذا قطعت يد شخصٍ إما حدًا أو قصاصًا.. فهل يجوز له إعادتها شرعًا؟ قبل البدء في المسألة من الناحية الشرعية لابد من توضيحها من الناحية الطبية: تقوم هذه المهمة على تهيئة الطرفين الذين يراد وصلهما - طرف العضو المبتور ومكانه - ثم يقوم الطبيب الجراح بتوصيل الأوعية الدموية وخياطة الأعصاب والأوتار. وليس كل الأعضاء المبتورة يمكن إعادتها إلى موضعها بل ذلك مختص بأعضاء معينة وشروط لابد من توفرها في ذلك العضو المبتور من أهمها: عدم تلوثه بصورة تمنع من إعادته، وعدم وجود فاصل زمني طويل؛ لأن ذلك يحول دون نجاح عملية الوصل التي تحتاج إلى أن يكون الموضع غضًا طريًا بالإضافة إلى قرب عهده بحادث البتر. والذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- هو القول بمنع إعادة العضو الذي قطع حدًا أو قصاصًا؛ لما يلي: أولا: أن الله تعالى قال في شأن الزاني والزانية: {وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }[النور: 2]، فدل ذلك على حرمة الرأفة بالمعتدي لحدود الله تعالى، والجاني بالسرقة أو على غيره بقطع عضو منه متعدٍّ لمحارم الله وحدوده، فلا تشرع الرأفة به بإعادة ما أبين منه بعد إقامة حد الله عليه. ثانيًا: أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[المائدة: 38]، فدلّ ذلك على أن الجزاء لا يتم إلا بالقطع، والنكال لا يتم إلا برؤية اليد المقطوعة. ثم إن هذا الحكم بالقطع يوجب فصلها عن البدن على التأبيد، وفي إعادتها مخالفة لحكم الشرع فلا يجوز ردها. ثالثًا: أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}[النحل: 126]، وقال سبحانه أيضًا: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة: 45]، وإعادة العضو الذي أبين بالقصاص تؤدي إلى عدم المماثلة (93). رابعًا: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أُتي بسارق قد سرق شملة، فقالوا: يا رسول الله إن هذا سرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخاله سرق، فقال السارق: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فاقطعوا ثم احسموه ثم إيتوني به، فقطع ثم أتي به، فقال: تب إلى الله، فقال: تبت إلى الله، فقال: تاب الله عليك (94). والحسم كي موضع القطع بالنار؛ لينقطع الدم، لأن منافذ الدم تنسد به، لأنه ربما استرسل الدم فيؤدي إلى التلف، وظاهر الحديث يقتضي وجوب الحسم؛ لكونه أمرًا ولا صارف له عن معناه الحقيقي الذي هو الوجوب. ووجه دلالة الحديث على تحريم رد الكف إلى موضعها، أن الشارع أمر بالقطع وأمر بالحسم علاجًا له، ولم يذكر غيره، وهو في مقام بيان الحكم، وما يلزم عنه، فدل على تحريم رد الكف المقطوعة؛ لأن القاعدة المقررة في الأصول: أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر (95). خامسًا: ما روي عن عبد الرحمن بن محيريز، قال: سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في العنق للسارق، أمن السنة هو؟ قال، أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه (96). فتعليق اليد في عنق السارق تحقيق للنكال الذي ذكره الله تعالى في آية السرقة، فيعتبر من تمام العقوبة، ورد الكف إلى موضعها يمنع تحقيق النكال المطلوب شرعًا، فلا يجوز فعله (97). سادسًا: حديث المخزومية التي سرقت وأهمَّ قريشًا شأنها واستشفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فلم يقبل استشفاعهم وأمر بقطعها (98). ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنه كان يمكن أن يقطع يدها، ثم يدعو الله أن يرد إليها كفها، فيجمع بين إقامة الحد، وتحقيق رغبة قريش، ولم يفعل، فدلَّ ذلك على أنه لا سبيل إلى رد الكف المقطوعة، مع أنه صلى الله عليه وسلم رد عين قتادة بعد أن سالت عن حدقتها في الجهاد، فكانت أحسن عينيه وأصحهما. والسر في ذلك أن من تلف منه عضو بسب غير محرم جاز له رده بعلاج، ومن تلف منه عضو بسبب حد، لم يجز له أن يرده، ولا يجوز لغيره أن يسعى في رده (99). سابعًا: القول بإعادة العضو المقطوع حدًّا أو قصاصًا مفوت للحكمة من إيجاب الحد والقصاص، وهي الردع والزجر، فبقاء العضو مقطوع فيه تذكير للجاني بالعقوبة، فيرتدع عن تكرارها، وذلك بخلاف ما إذا علم بأن العضو الذي قطع منه سيعاد كما كان، فإن هذا يهوِّن عليه العقوبة، ويشجعه وأمثاله من أهل الإجرام على فعل الجرائم وارتكابها. والله تعالى أعلى وأعلم. كتبه: مصطفى عبد الكريم مراد (الباحث بقسم الأبحاث الشرعية) 24/ 4/ 2007م راجعه: أحمد ممدوح سعد (رئيس قسم الأبحاث الشرعية) الهوامش: ----------------------------------- ([1]) الطعم الوريدي هو ما يستخدم لتقوية وتدعيم الأجزاء المتهتكة من الأوردة أو الشرايين، فقد يحتاج الطبيب إلى أخذ أوردة أو شرايين سليمة ليقوي بها الأوردة والشرايين التالفة. ومثل ذلك أيضًا مايستخدم من الجلد لعلاج الأجزاء المحترقة والمتهتكة منه. ([2]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 335 . ([3]) ينظر: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 335، 336 . ([4]) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 86. ([5]) صحيح البخاري (2114). ([6]) الإجماع لابن المنذر ص 90. ([7]) المبسوط للسرخسي 15/125. ([8]) المبسوط للسرخسي 26/63. ([9]) الأحكام الشرعية للأعمال الطبية للدكتور/ أحمد شرف الدين ص 96. ([10]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 372، 373، بتصرف. ([11]) من الفتوى التي أصدرتها لجنة الإفتاء التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر بتاريخ 6 من ربيع الأول عام 1392هـ (20 إبريل 1972م) حول "نقل الدم وزرع الأعضاء". مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – الرياض. العدد 22 ص 47. ([12]) الأحكام الشرعية للأعمال الطبية للدكتور أحمد شرف الدين ص 135، أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 376. ([13]) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 83، 84. ([14]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 376، 377. ([15]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 374، بتصرف. ([16]) درر الحكام 1/ 40، 41. ([17]) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 87. ([18]) مقال: نقل الأعضاء من إنسان لآخر للشيخ جاد الحق – نُشر بمجلة الأزهر الجزء التاسع السنة الخامسة والخمسون عدد رمضان عام 1403هـ الموافق يونيه 1983م، وشفاء التباريح لليعقوبي ص 21، وبحث: نقل دم أو عضو أو جزئه من إنسان إلى آخر - للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – منشور بمجلة البحوث الإسلامية عدد 22 ص 41. ([19]) حاشية ابن عابدين ( رد المحتار على الدر المختار ) 2/238، 239، بتصرف. ([20]) منح الجليل شرح مختصر خليل 1/530: 532، بتصرف. ([21]) التجريد لنفع العبيد 1/498، 499، بتصرف. ([22]) فتوحات الوهاب بشرح منهج الطلاب 2/212، بتصرف. ([23]) كشاف القناع عن متن الإقناع 2/ 145، 146، بتصرف. ([24]) أحكام الجراحة للشنقيطي ص 374، 375. ([25]) المجموع 9/ 46، 47. ([26]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 379: 381. ([27]) الفتاوي الإسلامية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية المجلد العاشر ص 3702 وما بعدها بتاريخ 5 / 12 / 979ام. ([28]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 358، 359. ([29]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 381، 382. ([30]) تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام ص 14. ([31]) بحوث في الفقه المعاصر للشيخ حسن الجواهري 2/341. ([32]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 359، 360 . ([33]) صحيح مسلم (116)، والمشاقص: جمع مِشْقَصُ بكسر الميم، وهو سَهْمٌ فِيهِ نَصْلٌ عَرِيضٌ . المصباح المنيـر مادة: (ش ق ص)، والبراجم رءوس السُّلَامَيَاتِ من ظهر الكَفِّ إذا قَبَضَ الشَّخْصُ كَفَّهُ نَشَزَتْ وَارْتَفَعَتْ . المرجع السابق مادة: (ب ر ج م)، وَشَخَبَ شَخْبًا دَرَّ وَسَالَ . المرجع السابق مادة: (ش خ ب)، ومعنى (فاجتووا المدينة) أي كرهوا المقام بها؛ لعدم موافقتها لهم. ([34]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 360، 361 . ([35]) تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام ص 20. ([36]) صحيح مسلم (2122)، و عُرَيِّسًا بضم العين وفتح الراء وكسر الياء المشددة: تصغير عروس، والحَصِبَةُ وِزَانُ كَلِمَةٍ وَإِسْكَانُ الصَّادِ لُغَةٌ بَثْرٌ يَخْرُجُ بِالْجَسَدِ وَيُقَالُ هِيَ الْجُدَرِيُّ . المصباح المنير مادة: (ح ص ب)، وتمرق شعرها: سقط . ([37]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 361 . ([38]) تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام ص 15، 16 . ([39]) صحيح مسلم (1731 ). ([40]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 361، 362 . ([41]) بحوث في الفقه المعاصر للجواهري 2/ 347. ([42]) سنن أبي داود ( 3207 )، وسنن ابن ماجه (1616 )، مسند أحمد ( 6/105 )، وسنن الدارقطني ( 3/188 ). ([43]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 362 . ([44]) صحيح مسلم (971 ). ([45]) تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام ص 18 . ([46]) الفتاوي الإسلامية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية المجلد العاشر ص 3702 وما بعدها. من فتوى فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بتاريخ 5 / 12 / 1979م، والبيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف 3/64 نقلا عنها. ([47]) سنن ابن ماجه (2341 )، ومسند أحمد ( 1/313 ) . ([48]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 362، 363. والحديث في صحيح البخاري ( 1654 ) . ([49]) بحوث في الفقه المعاصر للشيخ حسن الجواهري 2/338، 339، بتصرف . ([50]) صحيح مسلم ( 997 ) . ([51]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 363 . ([52]) ينظر: أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 362، 363، تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام للشيخ الغماري ص4، 5، 12، 13، الإنسان لا يملك جسده .. فكيف يتبرع بأجزائه أو يبيعها ؟ مقال للشيخ الشعراوي نُشر في جريدة اللواء الإسلامـي الأسبوعية العدد ( 226 ) الخميس 27 من جمادى الآخرة 1407هـ الموافق 26 فبراير 1987م، ومجلة العالم الأسبوعية السنة التاسعة العدد ( 469 ) السبت 14 من شعبان 1413 هـ الموافق 6 شباط ( فبراير ) 1993م ص33 . من فتاوى لجنة الفتوى بالأزهر الخاصة بهذا الشأن - فضيلة الشيخ عطية صقر سنة 1997م . ([53]) أحكام الجراحة الطبية والآثار للشنقيطي ص 364 . ([54]) الفتاوي الإسلامية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية المجلد العاشر ص 3702 وما بعدها بتصرف. من فتوى فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بتاريخ 5 / 12 / 1979م. ([55]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 364، والحديث بالأمر بتوقي كرائم الناس في الصحيحين: البخاري في عدة مواضع منهـا ( 1389)، ومسلم (19) . والكرائم جمع كريمة، يقال: ناقة كريمة أي غزيرة اللبن، والمراد نفائس الأموال من أي صنف كان، وقيل له نفيس لأن نفس صاحبه تتعلق به وأصل الكريمةكثيرة الخير، وقيل للمال النفيس كريم لكثرة منفعته. (فتح الباري 3/ 322) ([56]) أحكام الجراحة للشنقيطي ص 364، ويشهد لحكم الأصل قاعدة: الأصل في الأبضاع التحريم . الأشباه والنظائر للسيوطي ص 61 . ([57]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 365. ([58]) القاعدة في الأشباه والنظائر للسيوطي ص 469، والمنثور في القواعد الفقهية للزركشي 3/138. ([59]) أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 365. ([60]) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشربيني - مع حاشية البجيرمي- 3/261، بتصرف . ([61]) ذكرها الدكتور السكري في كتابه: نقل وزراعة الأعضاء الآدمية ص124: 131، والشيخ السنبهلي في كتابه: قضايا فقهية معاصرة ص 62، 63 – بواسطة: أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص 366: 370. ([62]) حاشية ابن عابدين 6/338 . ([63]) التاج والإكليل 4/ 352، 353. ([64]) مغني المحتاج 6/164. ([65]) الحديث في سنن ابن ماجه ( 3314). ([66]) كشاف القناع 6/ 189. ([67]) كشاف القناع 6/ 198، 199. ([68]) السِّلْعَةُ: خراج كهيئة الغدة تتحرك بالتحريك، قال الأطباء: هي ورم غليظ غير ملتزق باللحم يتحرك عند تحريكه، وله غلاف، وتقبل التزايد؛ لأنها خارجة عن اللحم، ولهذا قال الفقهاء يجوز قطعها عند الأمن. المصباح المنيـر مادة: (س ل ع). ([69]) ندوة: رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشرية. التي عقدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة - الندوة الفقهية الطبية السادسة من سلسلة ندواتها حول "الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة" سنة 1989م. ص 445 وما بعدها - بواسطة: الفقه والمسائل الطبية للمحسني من ص 232 : 235، بتصرف. وقد استدل الدكتور الشنقيطي على عدم جواز نقل الأعضاء التناسلية التي تؤدي إلى نقل الصفات الوراثية الخاصة بالشخص المنقولة منه إلى المنقولة إليه بأن المعتبر قوله في هذه المسائل من الناحية الطبية هم أهل الاختصاص والمعرفة من الأطباء، وقد شهدوا بأن نقل الخصيتين يوجب انتقال الصفات الوراثية الموجودة في الشخص المنقولة منه إلى أبناء الشخص المنقولة إليه، وهذه شبهة موجبة للتحريم. (أحكام الجراحة الطبية ص395). ([70]) الجامع لأحكام القرآن 2/210 . ([71]) راجع المرجع السابق، والحديث المذكور رواه الترمذي (1961)، وابن ماجه (3427)، وقال الترمذي: حسن صحيح. ([72]) مصنف عبد الرزاق 9/256 . وقوله: "يشترط على كبده" أي: يستخرج دمًا من جسده فوق موضع الكبد بمشرط أو غيره. ([73]) رد المحتار على الدر المختار 5/228، 6/389 . ([74]) أحكام الجراحة الطبية للدكتور الشنقيطي ص 583 بتصرف . ([75]) الإجماع صـ90 . ([76]) صحيح البخاري (1980) . ([77]) فتح الباري 4/427 . ([78]) سنن أبي داود (3488) . ([79]) المجموع شرح المهذب 9/273، 275، 284. ([80]) مغني المحتاج 3/ 449، وانظر: روضة الطالبين 5/194، 195. ([81]) المغني 2/ 1495. والصدغ هو ما بين لحظ العين إلى أصل الأذن والجمع أصداغ مثل قفل وأقفال.(المصباح المنير مادة (ص د غ). ([82]) المجموع 5/ 110. ([83]) يراجع لذلك: أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي ليوسف الأحمد. (رسالة دكتوراه بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض)، أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور الشنقيطي ص347. ([84]) ينظر: تعريف بالخلايا الجذرية للدكتور محمد زهير القاوي، و تطبيقات الخلايا الجذرية للدكتور سـمير عباس. ضمن حلقة نقاش: بحوث الخلايا الجذرية ... نواحي أخلاقية. والتي نظمتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مع اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية الطبية بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 18رجب سنة 1423هـ. ([85]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 339. ([86]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 5/132 . ([87]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/63 . ([88]) المجموع للنووي 3/145، 146 بتصرف . ([89]) المغني 2/211 . ([90]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 402، بتصرف. ([91]) حاشية ابن عابدين 1/330. ([92]) كشاف القناع عن متن الإقناع 1/292. ([93]) أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 416، 417 . ([94]) المستدرك على الصحيحين للحاكم 4/422، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وسنن الدار قطني 3/102، والشَّمْلَةُ كساء يُشْتَمَل به ( مختار الصحاح [مادة: ش م ل]، والفائق في غريب الحديث للزمخشري 1/71 ) . ([95]) تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام. للشيخ عبد الله بن الصديق الغماري ص25، 26. ([96]) سنن أبي داود (4411)، وسنن الترمذي (1447)، وقـال: هذا حديث حسـن غريب، وسـنن النسـائي (4983)، وسنن ابن ماجه (2587)، مسند أحمد (6/19). ([97]) تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام للشيخ عبد الله بن الصديق الغماري ص 26، أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للدكتور محمد المختار الشنقيطي ص 418 . ([98]) الحديث متفق عليه، صحيح البخاري (3288) ، وصحيح مسلم (1688) . ([99]) تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام. للشيخ عبد الله بن الصديق الغماري ص 26، 27.