إخراج زكاة الفطر مالا

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

 شرع الله تعالى زكاة الفطر طُهْرَةً للصائم من اللغو والرفث، وإغناءً للمساكين عن السؤال في يوم العيد الذي يفرح المسلمون بقدومه؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم عن الطواف هذا اليوم"([1]).
    وزكاة الفطر هي: صدقة تجب بالإفطار من رمضان بمقدار محدد على كل نفس من المسلمين، يخرجها العائل عن نفسه وعن من تلزمه نفقته. قال الإمام ابن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أنَّ صدقة الفطر فرض" ([2]).
    وزكاة الفطر تخرج للفقراء والمساكين وكذلك باقي الأصناف الثمانية التي ذكرهم الله تعالى في آية مصارف الزكاة، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:60].
    وفي هذا البحث نستعرض آراء العلماء فيما تخرج منه زكاة الفطر، وهل يصح إخراجها قيمة أم لا؟

 (مذاهب العلماء فيما تُخرج منه زكاة الفطر، وبيان ما يُجزئ وما لا يجزئ)
 1- مذهب الجمهور:
    ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّ زكاةَ الفطر صاعٌ من طعامٍ، وأنه لا يجوز دفع القيمة ولا تجزئ؛ لأنه لم يرد نص بذلك.
    فيرى المالكية أنَّ صدقةَ الفطر صاعٌ عن كل شخص، والصاع: أربعة أمداد، والمُدُّ: حفنة ملء اليدين المتوسطتين، وهي واجبة وجوبًا ثابتًا بالسنة؛ لخبر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين" ([3])، وإذا وجبت صدقة الفطر على المكلَّف ولم يقدر على إخراج الصاع كله بل على جزئه أخرجه على ظاهر المذهب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ([4]).
    ويُخْرِجها المكلف من غالب قوت أهل البلد الذي هو أحد الأصناف التسعة التالية: القمح، الشعير، الزبيب، السُّلْت، التمر، الأرز، الدُّخْن، الذرة، الأَقِط ([5])، ولا يجزئ إخراجها من غير غالب قوت البلد إلا إذا كان أفضل، كما لو غلب اقتيات الشعير فأخرج قمحًا، كما لا يجوز إخراجها من غير هذه الأصناف التسعة كالفول والعدس إلا إذا اقتاته الناس وتركوا الأصناف التسعة المذكورة. وإذا أراد المكلف أن يُخْرِج صدقته من اللحم اعتبر الشبع في الإخراج؛ فمثلا إذا كان الصاع من القمح يُشْبِع اثنين لو خُبِزَ، فيجب أن يخرج من اللحم ما يُشْبِع اثنين ([6]).
    وقال الإمام مالك في المدونة: "ولا يُجْزِئ الرجل أن يعطي مكان زكاة الفطر عَرَضًا من العروض, قال: وليس كذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم" ([7]).
     وذهب الشافعية إلى أنَّ فطرة الواحد صاعٌ؛ لحديث ابن عمر : "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين"، وخبر أبي سعيد: "كنا نخرج زكاة الفطرة ; إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام , أو صاعًا من تمر , أو صاعًا من شعير , أو صاعًا من زبيب , أو صاعًا من أَقِط , فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت" ([8]).
    وجنس الصاع الواجب القوت المُعَشَّر، أي: الذي يجب فيه العُشر أو نصفه; لأن النص قد ورد في بعض المُعَشَّرات كالبر والشعير والتمر والزبيب, وقيس الباقي عليه بجامع الاقتيات, وفي مذهب الشافعي القديم أنه لا يجزئ العدس والحمص; لأنهما أدمان، وكذا الأَقِط في الأظهر؛ لثبوته في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه - الذي  مرَّ ([9]).
    قال الإمام النووي في المنهاج: "الواجب الحَبُّ"، وعَلَّقَ على هذا القول الشيخ الخطيب الشربيني فقال: "حيث تَعَيَّن فلا تجزئ القيمة اتفاقًا, ولا الخبز ولا الدقيق ولا السَّويق ونحو ذلك" ([10]).
     ويرى الحنابلة أنَّ الواجب في زكاة الفطر صاعُ بُرٍّ أربعة أمداد بصاعه صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة, أو صاعٌ من تمر أو زبيب أو شعير أو أَقِط؛ لحديث أبي سعيد الخدري: "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام, أو صاعًا من شعير, أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب , أو صاعًا من أَقِط" متفق عليه، ويجزئ دقيق بُرٍّ و دقيق شعير وسويقهما, وهو ما يحمص ثم يطحن بوزن حبه نصًا; لتفرق الأجزاء بالطحن. واحتج أحمد على إجزاء الدقيق بزيادة تفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد: "أو صاعًا من دقيق" قيل لابن عيينة: "إن أحدًا لا يذكره فيه, قال بل هو فيه" رواه الدارقطني. ولا يجزئ خبز؛ لخروجه عن الكيل والادخار, وكذا بكصمات وهريسة. ويجزئ مع عدم ذلك أي: الأصناف الخمسة ما يقوم مقامه من حَبٍّ يُقْتَات. ومن تمر مكيل يقتات كدُخْنٍ وذرة وعدس وأرز وتين يابس ونحوها; لأنه أشبه بالمنصوص عليه, فكان أولى والأفضل إخراج تمر مطلقًا. نصًا؛ لفعل ابن عمر. قال نافع: "كان ابن عمر يعطي التمر, إلا عامًا واحدًا أعوز التمر, فأعطى الشعير" رواه أحمد والبخاري وقال له أبو مجلز: "إن الله تعالى قد أوسع والبر أفضل فقال: إن أصحابي سلكوا طريقًا فأنا أحب أن أسلكه. رواه أحمد, واحتج به, وظاهره: أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر; ولأنه قوت وحلاوة, وأقرب تناولا, وأقل كلفة، فزبيب؛ لأن فيه قوتًا وحلاوة وقلة كلفة, فهو أشبه بالتمر من البر فبر؛ لأن القياس تقديمه على الكل, لكن ترك اقتداء بالصحابة في التمر وما  شاركه في المعنى, وهو الزبيب فأنفع في اقتيات ودفع حاجة فقير. وإن استوت في نفع فشعير, فدقيقهما أي: دقيق بر, فدقيق شعير فسويقهما كذلك فأقط. والأفضل أن لا ينقص معطى من فطرة عن مُدِّ بر أي ربع صاع أو نصف صاع من غيره أي البر كتمر وشعير؛ ليغنيه عن السؤال ذلك اليوم ([11]).
    وفي الإقناع وشرحه للبهوتي من كتبهم: "(ولا يجزئ غير هذه الأصناف الخمسة, مع قدرته على تحصيلها)؛ للأخبار المتقدمة (ولا) إخراج (القيمة)؛ لأن ذلك غير المنصوص عليه"، وفيه أيضًا: "قال أبو داود قيل لأحمد: أعطي دراهم في صدقة الفطر؟ فقال: أخاف أن لا يجزئ, خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم" ([12]).

2- مذهب الحنفية:
    يرى الحنفية أنَّ الواجبَ في صدقة الفطر نصفُ صاعٍ من بُرٍّ أو دقيقه أو سويقه أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير، أما صفته فهو أن وجوب المنصوص عليه من حيث إنه مال متقوم على الإطلاق لا من حيث إنه عين، فيجوز أن يعطي عن جميع ذلك القيمة دراهم , أو دنانير , أو فلوسًا , أو عروضًا , أو ما شاء  ([13]).
    قال الإمام السرخسي: "فإن أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا; لأن المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة, وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز, وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو بكر الأعمش رحمه الله تعالى يقول: أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة; لأنه أقرب إلى امتثال الأمر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه, وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول: أداء القيمة أفضل; لأنه أقرب إلى منفعة الفقير فإنه يشتري به للحال ما يحتاج إليه, والتنصيص على الحنطة والشعير كان; لأن البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فأما في ديارنا البياعات تجرى بالنقود, وهي أعز الأموال فالأداء منها أفضل" ([14]).
    وهذا أيضًا هو مذهب جماعة من التابعين، كما أنه قول طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، منهم: الحسن البصري حيث روي عنه أنه قال: "لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر" ([15])، وأبو إسحاق السبيعي، فعن زهير قال: سمعت أبا إسحاق يقول: "أدركتهم وهم يعطون في صدقة الفطر الدراهم بقيمة الطعام" ([16])، وعمر بن عبد العزيز، فعن وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: "نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم" ([17])، وهو مذهب الثوري، وبه قال إسحاق ابن راهوية، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة ([18])، وقريبًا من مذهب إسحاق وأبي ثور ذهب الشيخ تقي الدين بن تيمية، فقال: "إن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه"([19])، فَفُهِمَ منه: أن دفع القيمة للحاجة والمصلحة ليس ممنوعًا منه، هذا عنده في عموم الزكوات، فتدخل فيه زكاة الفطر أيضًا. كما أن القول بإجزاء إخراج القيمة في زكاة الفطر رواية مُخَرَّجة عن الإمام أحمد – نَصَّ عليها المرداوي في الإنصاف - ([20]).
    والذي نختاره للفتوى هو جواز إخراج زكاة الفطر مالا مطلقًا، وهذا هو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها، كما أنه مذهب جماعة من التابعين كما مر.
    وممن قوَّى هـذا الأمر ونصره من المتأخرين العلامة أحمد بن الصديق الغماري الذي ألف رسالته المشهورة المهمة والمفيدة في هذا الباب، والتي أسماها: (تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال) ذكر فيها اثنين وثلاثين دليلا ووجهًا لمشروعية إخراج زكاة الفطر مالا، وممن قوَّى هذا الأمر ونصره أيضًا من المتأخرين الشيخ مصطفى الزرقا، وله بحث مطوَّلٌ نصر فيه القول بجواز إخراج المال في صدقة الفطر.
    وفيما يلي عرض لأهم الأدلة والأوجه التي اسْتُدل بها على جواز إخراج زكاة الفطر مالا؛ حيث إن المقام لا يتسع لذكر كافة الأدلة والأوجه ([21]):
    أولها: أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: 103]، والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة وأطلق على ما يقتنى من الأعيان مجازاً، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص زكاة الفطر والمنصوص عليه، إنما هو للتيسير ورفع الحرج لا لتقييد الواجب وحصر المقصود فيه؛ لأن أصل البادية تعز فيهم النقود.
     ثانيها: إن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة في عصره وبعد عصره؛ فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ لأهل اليمن: ائتوني بعَرَض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أَهوَن عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
    قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب العرض في الزكاة): (وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة) ([22]).
    قال الحافظ في الفتح: "( قوله: باب العرض في الزكاة ) أي جواز أخذ العرض وهو بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمة والمراد به ما عدا النقدين قال ابن رشيد وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك: (قوله وقال طاوس قال معاذ لأهل اليمن ...) هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده؛ لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب، وقد روينا أثر طاوس المذكور في كتاب الخراج ليحيى بن آدم من رواية بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار فَرَّقَهُما كلاهما عن طاوس" ([23]).
    وقال الإمام الشافعي: "وطاوس عالم بأمر معاذ, وإن كان لم يلقه على كثرة من لقي ممن أدرك معاذًا من أهل اليمن فيما علمت" ([24]).
    وفعل معاذ مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك دالٌّ على جوازه ومشروعيته.
    ومن ذلك أيضًا: ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حيث قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن عطاء أن عمر كان يأخذ العروض في الصدقة من الوَرِق وغيرها ([25]).
    وما رواه أيضًا عن وكيع عن أبي سنان عن عنترة: أن عليًّا كان يأخذ العروض في الجزية من أهل الأبر الأبر ومن أهل المال المال ومن أهل الحبال الحبال ([26]).
     ثالثها: إذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب - الرؤوس - أولى؛ وذلك لأن صدقة الفطر واجبة على الذكر والأنثى والحر والعبد والكبير والصغير والغني والفقير فلما كان الحال فيها كذلك اقتضت حكمة الشرع البالغة أمر الناس بإخراج الطعام ليتمكنوا جميعًا من أدائها بلا عسر ولا مشقة قد يؤديان إلى تركها؛ لأن النقود كانت نادرة الوجود في تلك الأزمان ببلاد العرب، فلو أمر بإعطاء النقود في الزكاة الواجبة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية، ولَتَعَسَّر أيضا على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق والطعام كحال أهل البادية وغيرها إلى اليوم، فالنقود نادرة في أيديهم بخلاف الطعام فإنَّه متيسر للجميع. فكان من أعظم المصالح وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسير إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده وإخراجه لكل الناس.
     رابعها: أن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها، مع تساويها في كفاية الحاجة فَدَلَّ ذلك على أنه اعتبر القيمة ولم يعتبر الأعيان؛ حيث أوجب من التمر والشعير صاعًا ومن البُر نصف صاع.
    وقد صحّح السيد أحمد بن الصديق المرويات التي ورد فيها نصف الصاع، بل وادّعى أن ورود نصف الصاع عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر متواتر مقطوع به.
    خامسها: أنه ورد عن الصحابة التصرف في القدر الواجب في الفطرة على سبيل الاجتهاد منهم. وهذا دليل على أنهم فهموا من النبي صلى الله عليه وسلم اعتبار القيمة ومراعاة المصلحة وعلى ذلك أدلة وآثار، منها: ما رواه الأئمة الستة عن أبي سعيد الخدري قال: (كنا نُخْرِج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك: صاعًا من طعام أو صاعًا من أَقِط أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب. فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمرًا، فكَلَّم الناس على المنبر، فكان فيما كَلَّم به الناس، أن قال: إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر. فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت) ([27]).
     سادسها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أغنوهم عن الطواف هذا اليوم"([28]).
وفي هذا الحديث استدلالات من عدة أوجه:
    منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح فيه بعلة وجوب الزكاة، وهي إغناء الفقراء يوم العيد.  وذلك بالمال أفضل من غيره؛ لأنه الأصل الذي يتوصل به إلى كل شيء من ضروريات الحياة. إلا أن الطعام في ذلك العصر كان أفضل، من جهة كونه صلى الله عليه وسلم أراد إغناء الفقراء في خصوص يوم العيد وكفايتهم همَّ الطواف والتعب في الحصول على القوت فيه؛ لأنه لم يكن وقتئذ بالأسواق دقيق ولا خبز ولا طعام مطبوخ بل ربما كان الحب يفقد من الأسواق، ولا يوجد إلا في وقت معلوم حين يَرِدُ به التجار من الخارج فربما صادف يوم العيد إقفال السوق، فلو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدراهم لفات المقصود من كفاية الفقير همَّ الطعام يوم العيد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالطعام ليكفوا مشقة البحث وهمَّ السؤال، أما وقتنا هذا فالحال فيه بخلاف ذلك فالطعام متيسر بالأسواق والدكاكين فكل ما يحتاجه الفقير يجدُه بلا مشقة متى كان المال بيده، بل إن القضية انعكست فانتقل التعب والمشقة إلى الانتفاع بالحب فكان إخراج المال أفضل من أجل هذا.
    ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قيَّد الإغناء بيوم العيد؛ ليعم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، ويتفرغ الجميع لذكر الله، وعبادته، وحمده، وشكره على ما أنعم به. وهذا المعنى لا يحصل اليوم بإخراج الحب الذي ليس هو طعام الفقراء، والناس كافة، ولا في إمكانهم الانتفاع به ذلك اليوم، حتى لو أرادوا اقتياته – على خلاف عادتهم -؛ لفقدان الأرْحاء من بيوتهم، ثم لو أرادوا بيعه لما تمكنوا منه، فلا يحصل مقصد الشارع من إغنائهم في هذا اليوم، وإنما يحصل مقصوده بإخراج المال الذي ينتفع الفقير في الحال، فكان إخراجه هو الأولى والأفضل.
    ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: "أغنوهم"، والغنى وجود ما يتوصل به الإنسان إلى حاجته. والحاجة كما تكون إلى الطعام تكون إلى اللباس وغيره من لوازم الحياة وإخراج المال يسد الخلل من جميع الوجوه، وهو الذي يتحقق به الغنى المقصود للشارع، فهو المتعيِّن والأفضل.
     سابعها: أنه صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طُعمة للمساكين كما ورد في الأحاديث، والحب ليس طعام الناس اليوم.
     ثامنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم عَيَّن الطعام؛ لندرته بالأسواق في تلك الأزمان وشدة احتياج الفقراء إليه لا إلى المال.
     تاسعها: أن الله تعالى قال: {لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: 92]، والمال هو المحبوب اليوم. فإن كثيرًا من الناس يهون عليهم إطعام الطعام ويصعب عليهم دفع المال للفقراء، والحال في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان بخلاف هذا؛ لذلك كله إخراج الطعام أفضل في حقهم، وإخراج المال في عصرنا أفضل؛ لأنه أحب إلينا.
     عاشرها: أن مراد الشارع بفرض هذه الزكاة يوم العيد، جلب السرور إلى الفقراء بوجود كفايتهم من الطعام حتى يعم السرور جميع المؤمنين، ولا ينفرد به الأغنياء.
    لذلك اشترط إخراجها قبل الصلاة فقال: "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" ؛ وذلك حتى يُتمكن من توزيعها قبل الصلاة، ويطمئن الفقير بوجود قوته في هذا اليوم، ولولا هذا المعنى لما شرط النبي صلى الله عليه وسلم إخراجها قبل الصلاة، وغاير بين حكمها قبل الصلاة وبعدها، بجعل الأولى فرضًا والثانية صدقة من الصدقات.
    والحكمة ما ذكرناه. وإلا فمن المعلوم أن انتفاع الفقير بالمد من الطعام قبل الصلاة مساوٍ له إذا أخذه بعدها بلا فارق !! وهذا القصد لا يحصل اليوم للفقراء بالحب؛ لأنه مع كونه غير طعام لهم فإنهم محتاجون إلى غيره مما يؤتدم به من لحم وإدام وخضر وغيرها، مما يشتد حزنهم من فقدانها يوم العيد؛ ولهذا نوَّع النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر فمنها الطعام المجرد كالبر والشعير ومنها ما هو طعام وحلواء كالتمر والزبيب، وفي عصرنا الحاضر لم تعد هناك حاجة لهذه الأصناف؛ لعدم استعمالها غالبًا، فإذا انتقلت الحاجة أو اختلفت جاز إخراج الطعام أو قيمته التي يُتَوصل بها إليه.
     حادي عشرها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحصر الواجب في المنصوص عليه، ويقل: لا يجوز لكم إخراج غيره. بل صرح بالعلة التي تشمل المال بالطريق الأولى. ولذلك أخرج الصحابة في حياته الزبيب، والسُّلت، والأَقِط، مع أنه لم يفرض إلا التمر، والشعير، والبر. فقبل منهم ولم يرده عليهم، فكان أعظم دليل على عدم الحصر في الأنواع المذكورة. وأن المراد ما صرح به في العلة، وهو: إغناء الفقراء يوم العيد. ولذلك أتى الصحابة بكل ما يُعَد غنًى في عصرهم، وإن لم ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم. والإغناء في عصرنا بالمال، فكان إخراجه هو الأولى والأفضل.
     ثاني عشرها: أنه لو لم يرد نَصٌّ بالتعليل، أو على فرض عدم صحته: فالعقل، وشواهد الحال، وأصول الشرع قاضية باعتباره. والمقرر في أصول الفقه، أنَّ الأصل في أحكام الشريعة المعقولية لا التعبد، سواء منها ما تعلق بالعبادات أو ما تعلق بالمعاملات؛ فالحكم إذا كان معقول المعنى، كان أقرب إلى الانقياد، وأدعى إلى القبول، فإن الانقياد إلى المعقول المألوف أقرب مما ليس كذلك، والنفوس إلى قبول الأحكام المطابقة للحكم والمصالح أميل وعن قبول التحكم الصرف والتعبد المحض أبعد، فكان أفضى إلى المقصود من شرع الحكم ([29]).
    قال ابن دقيق العيد: "متى دار الحكم بين كونه تعبُّداً أو معقول المعنى كان حمله على كونه معقول المعنى أولى ؛ لندرة التعبُّد بالنِّسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى" اهـ ([30]).
    وزكاة الفطر من أصلها هي معقولة المعنى، مثل زكاة الأموال التي هي تكليف مالي اجتماعي لمصلحة الفقراء، الذين يجب أن ينهَض بهم الأغنياء، فلا يكون المجتمع الإسلامي قسمين ولا وَسَط بينهما: قسمَ الأغنياء المَتخومين، وقسمَ الفُقراء المحرومين.
    فتشريع زكاة الفطر وزكاة الأموال معقول المعنى، ويجب عند الاشتباه النظر إلى ما هو أنفع للفقير، أو أيسر على المكلف، ولا يُقال إنه مثل عدد ركعات الصلوات توقيفٌ محضٌ لا دخل للعقل فيه، بل الفارق بينه وبين عدد الرَّكَعَات فارِق عَظيمٌ.
    ألا ترى أن تحديد المقادير في زكاة الفطر بإجماع المذاهب إنما هو تَحديد للحدِّ الأدنى الذي لا يصح أقلُّ منه، ولو زادَ المكلَّف فيه فأعْطَى أكثرَ منه فله فَضل ثَواب، بينما لو زادَ المصلِّي فِي ركعات فَريضة الصلاة لا يجوز له ولا يُقبل منه؟!
     ثالث عشرها: أن المنصوص عليه بيانٌ لقدر الواجب لا لعينه. إذ لو كان بيانًا لعين الواجب، لما خالفه الصحابة، والتابعون، والأئمة، والفقهاء، فذكروا من الأعيان ما لم يرد به نَصٌّ من الشارع. وإذا ثبت ذلك، جاز إخراج المال.
     رابع عشرها: أن إخراج المال في هذا العصر يجتمع فيه جلب مصلحة، ودفع مفسدة، فيُقَدَّم على إخراج الحب الذي فيه مصلحة مقرونة بمفسدة إضاعة المال، لأن الفقراء يبيعونه بأبخس الأثمان، فيضيع بسبب ذلك مال كثير بين مشتريه للزكاة، وبين بائعه الفقر. وكم من الفقراء من لا يجتمع له ما يكفيه للطحن والبيع، فيضيع ولا يحصل به انتفاع.
     خامس عشرها: أن مراعاة المصالح من أعظم أصول الشريعة. وعلل أحكامها التي ينبني عليها جميعًا، وحيثما دارت تدور معها. فالشريعة كلها مبنية على جلب المصالح ودرأ المفاسد. وعلى هذه القاعدة بنى العز بن عبد السلام قواعده الكبرى التي يجب على الفقيه والمفتي بناء الأحكام عليها.
    فمن تأمل الأوامر، وجد الشارع أمر بها، لما فيها من المصالح الدنيوية أو الأخروية. ومن تأمل النواهي، وجده - كذلك - نهى عنها لما فيها من المفاسد الدنيوية أو الأخروية. وبحسب تأكد المصلحة وعظمها يكون الوجوب، والندب، والاستحباب. وبعظم المفسدة وشدتها يكون الحرام، والمكروه، وخلاف الأولى. إلا أن ذلك: منه ما هو ظاهر يشترك في إدراكه الخاص والعام؛ ومنه ما هو خفي لا يطلع عليه إلا ذو القدم الراسخ في الفهم والعلوم. فالكذب الذي هو من المحرمات التي توعد الشارع مرتكبها بالوعيد الشديد لـمَّا عارضت مفسدته مصلحة كبرى هي الإصلاح بين الناس أباحه الشرع. بل قد يصير الكذب واجبًا يُعاقب على تركه، كما إذا ترتب عليه حقن دم مسلم بريء.
    وهكذا تنبني أحكام الشريعة كلها على مراعاة المصالح، وتدور معها كيفما دارت، كما يعرف ذلك من تتبعه وأمعن النظر فيه.وإذا ثبت ذلك فالمصلحة قاضية بإخراج المال وتفضيله على الحبوب.
     سادس عشرها: أن الوقوف مع النص والتمسك بالظاهر فيما هو بَيِّن العلة، واضح الحكمة، قلبٌ للحقائق، وعكسٌ لمقاصد الشارع. فإن من يسمع قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا}[النساء: 10]، فيحملها على خصوص الأكل، ويتلفها، وينتفع بها في اللباس، والركوب، والمسكن، وغير ذلك، يكون مخالفًا للآية، داخلا في الوعيد بإجماع الأمة، بل والعقلاء، وإن تمسك بالظاهر ووقف مع النص! وكذلك من يسمع قول الله تعالى في حق الوالدين: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء: 23]، فيبصق في وجههما ويضربهما ويتمسك بنص التأفيف والانتهار، يكون عاقًّا داخلا في النهي والوعيد بلا خلاف بين العقلاء! فالتعويل على قصد المتكلم ومراده لا على الألفاظ؛ لأنها لم تقصد لنفسها، وإنما قصدت للمعاني والتوصل بها إلى معرفة المراد، فالعبرةُ بالمنفعة والمقاصد، لا بالوسائل والأسباب.

خلاصة البحث:
    والذي نَخْلُص إليه في نهاية البحث أن إخراج زكاة الفطر طعامًا هو الأصل المنصوص عليه في السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب المتبعة، إلا أن إخراجها بالقيمة أمر جائز ومُجْزِئ، وبه قال فقهاء الحنفية، وجماعة من التابعين، وطائفة من أهل العلم قديمًا وحديثًا، وهو أيضًا رواية مُخَرَّجة عن الإمام أحمد، بل إن الإمام الرملي الكبير من الشافعية قد أفتى في فتاويه بجواز تقليد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في إخراج بدل زكاة الفطر دراهم لمن سأله عن ذلك ([31]).
    ونحن نرى أن هذا المذهب القائل بجواز إخراج القيمة وإجزائها هو الأكثر تحقيقًا للمصالح فهو الأرجح في زماننا هذا.

والله تعالى أعلى وأعلم

 كتبه:

مصطفى عبد الكريم مراد (الباحث بقسم الأبحاث الشرعية) 

20/9/ 2007م

راجعه:

أحمد ممدوح سعد (رئيس قسم الأبحاث الشرعية)

الهوامش:
---------------------------------------------       
([1]) سنن الدار قطني 2/152، والسنن الكبرى للبيهقي 4/175، والطبقات الكبرى لابن سعد 1/248، ومعرفة علوم الحديث للحاكم 1/197، واللفظ لابن سعد .
([2]) الإشراف على مذاهب العلماء 3/61 .
([3]) متفق عليه: صحيح البخاري (1432)، وصحيح مسلم (984) .
([4]) متفق عليه: صحيح البخاري (6858)، وصحيح مسلم (1337)، واللفظ للبخاري .
([5]) السُّلْت: قيل: ضرب من الشعير ليس له قشر. قاله الجوهري، وقال ابن فارس: ضرب منه رقيق القشر صِغَار الحب، وقال الأزهري: حبٌّ بين الحنطة والشعير ولا قشر له كقشر الشعير، فهو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته. أهـ المصباح المنير للفيومي مادة (س ل ت)، وَالدُّخْنُ: نبات عشبي من النجيليات حبه صغير أملس كحب السمسم ينبت بريًّا ومزروعًا.أهـ المعجم الوسيط مادة (د خ ن)، والأَقِطُ: لَبَنٌ مُجَففٌ يَابِسٌ مُسْتَحْجِر يُطْبَخُ به. أهـ النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الجزري 1/141 . 
([6]) يُنظر: شرح مختصر خليل للخرشي 2/228 وما بعدها، والشرح الصغير للشيخ الدردير مع حاشية الصاوي عليه 1/675 وما بعدها .
([7]) المدونة 1/392 0
([8]) متفق عليه: البخاري (1437)، ومسلم (985)، واللفظ له .
([9]) مغني المحتاج 2/111، والأَدَم من الإدام وهو ما يؤتدم به مع الخبز مائعًا كان أو جامدًا ، والأُدْمُ بالضم ما يؤكل بالخبز أَيَّ شيء كان. أهـ المصباح المنير للفيومي، ولسان العرب لابن منظور مادة (أ د م)
([10]) المرجع السابق 2/119 0
([11]) شرح منتهى الإرادات للبهوتي 1/442: 444 بتصرف .
([12]) كشاف القناع عن متن الإقناع 2/254 ، 2/195 بالترتيب وبتصرف .
([13]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 1/308، بدائع الصنائع للكاساني 2/72 .
([14]) المبسوط 3/107، 108
([15]) مصنف ابن أبي شيبة 2/398 .
([16]) المرجع السابق بالتخريج نفسه .
([17]) المرجع السابق بالتخريج نفسه .
([18]) المجموع شرح المهذب للنووي 6/112 بتصرف، ويُراجع الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر 3/80 .
([19]) مجموع الفتاوى 25/82 .
([20]) يُراجع: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 3/182 .
([21]) هذا الأوجه التي سنذكرها معظمها مستقاة من البحثين المشار إليهما، وبصفة خاصة بحث العلامة أحمد بن الصديق الغماري .
([22]) صحيح البخاري 2/525 ، ونحوه في السنن الكبرى للبيهقي 4/113 . ومعنى (عرض): كل ما عدا النقود. و(خميص): ثوب صغير مربع ذو خطوط. و(لبيس) أي: ملبوس أو كل ما يلبس .
([23]) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/312 بتصرف ، ويُنظر الخراج ليحيى بن آدم القرشي صـ 169 رقمي: 525، 526، وفَرَّقَهُما: أي ذكر كلَّ واحدٍ منهما على حدة .
([24]) الأم 2/9 .
([25]) مصنف ابن أبي شيبة 2/404 .
([26]) المرجع السابق بالتخريج نفسه .
([27]) البخاري (1437)، ومسلم (985)، وأبو داود (1616)، والترمذي (673)، والنسائي (2513)، وابن ماجه (1829)، واللفظ لمسلم .
([28]) الطبقات الكبرى لابن سعد 1/248، وسنن الدار قطني 2/152، ومعرفة علوم الحديث للحاكم 1/197، والسنن الكبرى للبيهقي 4/175، واللفظ لابن سعد .
([29]) المحصول للرازي 5/427، الإحكام للآمدي 3/279، شرح الكوكب المنير 4/172، 173، القواعد للمقري 1/296.
([30]) إحكام الأحكام 1/ 75,
([31]) فتاوى الرملي 2/55، 56 .