الشعر الكثيف يفسد العقل

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : أوزجان يشار | المصدر : www.balagh.com

قال جدي لأبي وهو يمسك بيد مقبض عصاه العاجي و بيد أخري طرف شاربة الطويل.. الولد شعرة طويل و الجو حار وشعرة كثيف يابس مثل رأسك وهذا يجعله أكثر عناداً منك.. خذه إلى الحلاق.. قال أبي بصوت هادىء لا وقت لدي يا باشا و أنت أكثر العارفين بمشاغلي. . رد جدي وعيناه تسبحان بعيداً في أركان المكان ويده مازلت تعبث بشاربة الرمادي.. مشاغلك..مشاغلك.. أنت لا تتوقف عن حججك البليدة هذه.. عندما كنت في عمرك, لم يكن عملي يمنعني من أخذك إلى الحلاق.. حاضر سأحل موضوع الحلاق اليوم, قالها أبي في عجلة من أمرة و كأنة لا يريد الدخول في مناظرة لا يحمد عقباها مع جدي.. ثم قال (يا محروس اذهب و احضر الأسطى بركة الحلاق غداً بعد الظهر ودعة يحلق شعر منير في الحديقة الخلفية) ثم وضع يده على رأسي و كأنة يلومني على ما تعرض له من تقريع مبطن و غير مبطن قائلاً (خلاص لا نريد أن نغضب الباشا يا ولد يا قنفذ أنت و قهقه ضاحكاً و هو يغادر المكان).
وضع محروس مرايا كبيرة ذات إطار خشبي ثقيل و لا أعرف كيف نقلها من الصالة الكبيرة ووضعها تحت شجرة الكافور العملاقة في حديقة منزلنا الخلفية و أمام المرايا وضع كرسي مصنوع من الفولاذ أحضرة من الطاولة تاركاً باقي الكراسي في وضعية متقنة و كأن الطاولة لم ينقصها شيء.. أجلسني الأسطى بركة على لوح من الخشب يمتد من مسند الكرسي اليمين الى مسند الكرسي الشمال و ربط عنقي بفوطة بيضاء حتى يسقط عليها الشعر الكثيف, و كان يتفنن كل مرة في عقد الرباط المحكم حول عنقي الصغير. مرة يقول لي "هذه عقدة الأرنب" ثم يقرصني بالماكينة, و مرة اخرى يقول لي "هذه عقدة العصفور" ثم يقرصني مرة أخرى بالماكينة اللعينة.. و يبدأ في الثرثرة .. أنتم صغارا لا تعرفون معاني الأشياء.. هذا الحلاق المتعجرف يريد أن يسخر مني! كم أود أن أقول له "أنا أفهم أحسن منك, و أحسن من الذين خلفوك" أنا الذي تسلقت سور القلعة مع حمادة ابن عم فتحي المراكبي و قتلنا الحية السوداء. اتدري؟" يبتسم إلي في المرآة و يقرصني و هو يثرثر.. أين البنت فتحية ؟ لماذا لم تحضر الشاي؟.. أن أسمها ليست البنت فتحية.. أن أسمها آنسة فتحية.. مال الأسطى بركة و همس في أذني "أتدري ما حدث في حينا؟. يقولون أن الحاجة أم فتحية خرجت في الفجرية ماشية لسوق المنشية شافت حية سوداء جنية" .
قفزت من فوق لوح الخشب, و لم احل عقدة الرباط و رحت اصيح في جدي" جدي..جدي.. الأسطى بركة يقول أن أم فتحية شافت الحية السوداء الجنية". أخرج جدي غليونة و أشعلة, ثم أخذ يسقي النباتات المتسلقة و قطف منها وردة بيضاء قدمها لي و قال: أنت ولد شجاع و لكن الشعر الكثيف فوق رأسك افسد عقلك تماماً.. لا يوجد شيء أسمه حية سوداء جنية...هناك فقط وردة بيضاء.
تطلعت إلى المرايا, رأيت الشمس تغرب و تموجات الضوء الاحمر للأفق تنعكس على صفحاتها في تراقص و تكسر يتوهج. رأيت شكلي الجديد بلا شعر كثيف".
صرخت قائلاً "أسطى بركة .. اسطى بركة .."نحن الصغار نفهم أحسن منك".