تحدثنا في الحلقة السابقة عن الخطأ الذي يقع فيه معظم القادة ألا وهو الوقوع في شرك القيادة الهرمية الاستبدادية، وبينا علامات القائد الهرمي، ولماذا يقع معظم القادة في أسر هذا النموذج، ثم شرعنا في الكلام عن البديل الأمثل للقيادة الهرمية، ألا وهو نموذج القيادة الخادمة والذي عرفنا أنه يتوافق مع النموذج القيادي النبوي الفذ، من خلال ضرب الأمثلة على ذلك من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ونكمل اليوم إن شاء الله تعالى الكلام على هذا النموذج.

مقارنة بين الاتجاهين:

عرفنا في الحلقة السابقة أن القيادة الخادمة هي التي يقوم فيها القائد بمشاركة مرءوسيه في الرأي والعمل، ومحاولة مساعدتهم على إنجاز أعمالهم بكفاءة واقتدار وعدم اللجوء إلى الأوامر الصارمة مباشرة إلا للضرورة القصوى، والاعتماد على التحفيز والتشجيع، والعمل بما يصلح من آراء المرءوسين، ونعقد الآن مقارنة سريعة بين الاتجاه الهرمي والاتجاه الخادم في القيادة نبين فيها الأسس النفسية التي قام عليها كل من الاتجاهين.

 الإدارة بالمشاركة:

وفيها يقدم القائد لمجموع المرءوسين المعلومات الخاصة بالعمل قبل الانتقال إليه، وقد يعد البعض ذلك أكثر إرباكًا واستهلاكًا للوقت ولكنه يحفز الناس ويلهمهم، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه لليمن، فقال: 'إنك تأتي قومًا أهل كتاب, فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله...' الحديث.

فلم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم الأمر مجردًا، وإنما أعطاه المعلومات التي تبين له طبيعة مهمته، ولذا تم اختيار هذا التسلسل من الأوامر.

ـ نمط التيسير:

ينظر القائد إلى دوره كميسر للأمور مما يمكن من يعمل تحت قيادته أن ينجحوا، أنت هناك لتمكن الآخرين من أداء العمل بكفاءة.

ـ القيادة الشورية:

والتي يسميها كتاب الإدارة, بالقيادة الديمقراطية, وفيها يكون القائد هيئة قيادية تعمل كفريق موحد يعمل وفقًا للنمط الشوري، القائم على تبادل الآراء والوصول إلى رأي جماعي، مما يمكن المجموعة القائدة من أداء دور حيوي في طبيعة وتوجيه مؤسستهم, وهو المبدأ الذي أوجبه الإسلام على القائد المسلم قبل أن ينشأ علم الإدارة الحديث بأكثر من ألف وأربعمائة عام، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر} [آل عمران: 159]، وقال أيضًا واصفًا جماعة المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} [الشورى: 38]، وكم هي المرات التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: 'أشيروا عليّ أيها الناس'. بل ويتبع صلى الله عليه وسلم مشورة الشباب في غزوة أحد لمّا رأوا الخروج إلى المشركين مع أنه كان يرى التحصن بالمدينة، وهو الرأي الصواب الذي أثبتت الأحداث صحته، ولكن هكذا يصنع القادة وتربى الأجيال القيادية في ظل هذا الدين العظيم.

 الخصائص التنظيمية المسطحة:

فلتنظر أيها القائد إلى نفسك في مستوى من يعملون معك أو كمن يتولى المسئولية ولكن ليس على قمة هرم عملاق، وإنما في أسفل هرم مقلوب، وهو الذي كان يعبر عنه عظماء القادة في الأمثال من أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لمّا قال كل منهما في بداية خلافته: 'لقد وُليت عليكم ولست بخيركم، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم'. 'إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني'. وكلك عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس رضي الله عنه لمّا قال: 'وأيم الله إنما أنا رجل من المسلمين، غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً'.

مستويات القيادة الخمسة:

لماذا يتبع الناس أناسًا آخرين؟

إن الإجابة على هذا السؤال توضح لنا أن القيادة الخادمة هي أرقى أنواع القيادات؛ لأنها تجعل اتباع المرءوسين لقائدهم نابعًا من تقديرهم واحترامهم لشخصه لا لأنه فرض عليهم من الخارج، يوضح لنا الدكتور جون مكسويل ذلك في هذا النموذج: مستويات القيادة الخمسة.

1ـ المركز 'اللقب' الحقوق:

تبعك الناس لأنهم مجبرون على ذلك، لن يتعدى نفوذك مسميات وظيفتك، كلما أطلت البقاء في هذا المستوى كثر عدد الذين يريدون ترك المؤسسة، وضعفت الروح المعنوية، يبدأ الناس في تحجيمك ووضع حواجز من حولك، لن تستطيع البقاء هنا أكثر من عامين.

2ـ الإذن 'العلاقات':

يتبعك الناس لأنهم يريدون ذلك، بسبب علاقتك الشخصية بهم، وكسبك لقلوبهم وعواطفهم، وهنا يتعدى نفوذك سلطتك الرسمية، وهذا المستوى يجعل من العمل متعة. تحذير: البقاء مدة أطول من اللازم في هذا المستوى دون الارتقاء لأعلى يجعل الذين لديهم حوافز قوية للعمل يصبحون قلقين.

3ـ الإنتاج. النتائج:

يتبعك الناس لأجل ما عملته للمؤسسة، وهذا هو المستوى الذي يجعل معظم الناس يشعرون بالنجاح الذي تحققه، إنهم يحبونك، ويحبون ما تفعله، يمكن حل المشكلات بأقل جهد ممكن بسبب قوة الدفع 'لا تجعل قوة الدفع تتوقف وذلك بمواصلة الإنتاج'.

4ـ تطوير البشر 'تفريخ القادة':

يتبعك الناس لأجل ما عملته شخصيًا لهم تحدث هنا تنمية طويلة المدى للعمل، التزامك بتطوير القيادات سوف يضمن نموًا مطردًا للمؤسسة وللبشر، افعل كل ما في مقدورك لتحقيق ذلك والاحتفاظ بهذا المستوى.

5ـ الشخصية 'الاحترام':

يتبعك الناس بسبب شخصيتك وما تمثله من ثقل، وهذا المستوى مدخر للقادة الذين أفنوا سنوات عمرهم في تنمية الناس والمؤسسات قليلون من يحققونها، وهم الذين يصنعون التاريخ ويحركون الأحداث.

اكشاف القيادات:

إذا أردت أن تصنف نفسك أو أحد أتباعك ممن ترشحهم للقيادة، وتعرف هل أنت قائد هرمي أم قائد خادم؟ فإليك هذه المقارنة الكاشفة:

 1ـ لا تتعسف في استخدام السلطة بل كن خادمًا للجميع.

2ـ لا وجود لصف ثانٍ يرثى له، بل امنح الناس الفرصة والحرية لإظهار مواهبهم.

3ـ لا تغلق أبواب الاستماع للآخرين، بل ركزّ على احتياجاتهم.

4ـ لا تكن مستبدًا ولكن أشرك الآخرين معك في تصريف الأمور.

5ـ لا توتر، بل استرخاء مع الحزم.

6ـ لا تركيز للسلطة في يدك وحدك، بل استخدم التفويض الذكي الفعّال.

والآن أيها القائد المسلم أرجو أن ألقاك في الحلقة القادمة إن شاء الله، وقد تخلصت من هذا الخطأ الشائع، أا وهو الوقوع في شرك القيادة الهرمية، وحذيت حذو النبي صلى الله عليه وسلم في نموذجه القيادي الفذ، وإلى أن ألقاك على خير مع الخطأ الثاني الشائع من أخطاء القيادات أسأل الله أن يجعلني وإياك من أئمة المتقين.

أهم المراجع:

1ـ القيادة المؤثرة                 جمال ماضي

2ـ صناعة القائد                   د/طارق سويدان ـ أ/ فيصل باشراحيل

3ـ الرحيق المختوم                المباركفوري

4ـ أكثر عشرة أخطاء للقادة.