الراعي والأسلاك الشائكة

الناقل : mahmoud | المصدر : www.balagh.com

إذا كان لابد من الخيار بين العنف والجبن فإنني أنصح بالعنف (..) ولكننني أعتقد أن انتفاء العنف أسمى بكثير منه.
غاندي
عندما كنت أخترق في أحد الأيام قرية صغيرة بالسيارة أوقفني دركي (ضابط) عند أحد المنعطفات بعد أن لامست بدون وعي مني الخط الأبيض المتصل في وسط الطريق , وكالبرق جعلتني رؤية الدركي أستيقظ من عدم الإنتباه ونشطت في داخلي ثورة قديمة ضد المسكوكات (السلطات العمياء التي تقوم بعملها بصورة عمياء) وانطلاقا من هذا الحكم المسبق بدأت أنتظر الخطاب الإداري : (إنك في حالة مخالفة للبند (س ص ع) من قانون السير , ومبلغ المخالفة هو ألف وخمسمائة فرنك , وهذا هو الواقع وعليك أن تدفع ولا خيار أمامك) أو الخطاب الذي يحمل تعاليم الأخلاق : (ألست مجنونا لتقود بهذه الصورة داخل المنطقة السكنية , إنك بدون وعي!) فأوقفت السيارة على جانب الطريق واقترب الدركي وحياني بأدب شديد : (سيدي إنني أجد قلق لأنني أحمل عبء أمن الطريق في القرية في ساعة خروج الأطفال من المدرسة وعندما أراك تمر فوق الخط الأبيض لا أستطيع أن أشعر إلا بالأطمئنان على أنك تعي الخطر على الأطفال الذين يمكن أن يقطعوا الطريق وهم غافلون , فما الذي تراه في ذلك؟).
وكدت أطلب منه أم يعيد ما قال فلم أكد أصدق أذني , فقد لاحظ هذا الدركي الواقع دون أن يحكم عليه ونقل إلي عاطفته ودلني على احتياجه بطلبه مني أن اخبره عن رد فعلي ! وكنت في منتهى الأندهاش من موقف هذا الرجل : فهو لم يكن في ذلك الموضع لكي يعاقب ويقاصص ويكره بل ليدل ويذكر بقيمه وباحتياجه للأمن , ولم يتصرف بالتهديد أو العقاب بل بتحميل المسؤولية , فأجبته بأنني في منتهى الإنزعاج من عدم انتباهي وأن أمن الناس , وخصوصا الأطفال , أحمله في قلبي وأن موقفه الواعي المسؤول يدعوني أن أكون أكثر وعيا عند قيادة السيارة , فتمنى لي طريقا طيبا وانطلقت يملأني الفرح