المذهب البلشفى .

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : الشيخ محمد بخيت المطيعي | المصدر : www.dar-alifta.org

 سأل الشريف السيد حسن بما صورته - فى طريقة جماعة البلشفية التى فشت فى هذا الزمان وعم ضررها . وحاصل طريقتهم أنهم يدعون إلى الفوضى والفساد وإنكار الديانات وإباحة المحرمات ، وعدم التقيد بعقيدة دينية ، وإلى الاعتداء على مال الغير ، وينكرون حق الأشخاص فيما يملكون ويعتقدون أنه يسوغ لكل واحد أن يغتصب ماشاء ممن يشاء ويستبيحون سفك الدماء وينكرون حقوق الزوجية بين كل زوجين ، كما ينكرون نسبة الأولاد إلى آبائهم ، بل يجعلونهم منتسبين إلى حكومتهم ويهدمون سياج المعيشة العائلية ، ولا يفرقون بين حلال وحرام ، وكل امرأة تحل لكل واحد منهم ولو لم يكن بينها وبينه عقد زواج . ويستبيحون دم كل امرأة تصون عرضها عن واحد منهم ، وكثيرا ما يجبرون النساء على انتهاك حرماتهن إذا كن غير متزوجات ، وعلى تلويث شرفهن وشرف أزواجهن وأولادهن إذا كن متزوجات وذوات أولاد . وبالجملة فهم قائلون بإباحة كل شىء حرمته الشرائع الإلهية . أفيدونا تؤجروا أثابكم اللّه .
 
الـجـــواب
فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي

      نقول إن هذه الطريقة قديمة ، وأنها ملة رجل منافق من الفرس من أهل فيسا يقال له زرادست ابتدعها فى المجوسية فتابعه الناس على بدعته تلك وفاق أمره فيها ، وكان ممن دعا العامة إليها رجل من أهل نزرية يقال له مزدق ابن بإمداز وكان مما أمر به الناس وزينه لهم وحثهم عليه التساوى فى أموالهم وأهلهم ، وذكر لهم أن ذلك من البر الذى يرضاه اللّه ويثيب عليه أحسن الثواب ، وأنه إن لم يكن الذى أمرهم به وحثهم عليه من الدين فهو مكرمة فى الفعال ورضا فى التفاوض ، وحض بذلك سفلة الناس على ملتهم واختلط له أجناس اللؤماء بعناصر الكرماء ، وسهل سبيل الغصب للغاصبين والظلم للظالمين والعهر والزنا للعهار والزناة حتى يقضوا نهمتهم ويصلوا إلى النساء الكرائم اللائى لم يكونوا يطمعون فيهن وشمل الناس بلاء عظيم لم يكن لهم عهد بمثله . وكان ذلك فى مدة ملك قباذ ابن فيروز ابن يزدرج من ملوك الفرس . ولما مضى على ملكة عشر سنين اجتمع عظماء دولته ورؤساء ديانته على إزالته عن ملكه فأزالوه عنه وحبسوه لمتابعته مزدق المذكور مع أصحاب له قالوا إن اللّه إنما جعل الأرزاق فى الأرض ليقتسمها العباد جميعا بينهم بالسوية ، ولكن الناس تظالموا فيها وجعلوا منهم فقراء ومنهم أغنياء وأنهم يأخذون من مال الأغنياء للفقراء ويردون من المكثرين على المقلين وأن من كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة فليس هو بأولى به من غيره . فانتهز السفلة حينذاك هذه الفرصة واغتنموها وكاتفوا مزدق المذكور وأصحابه وشايعوهم وعاونوهم على ذلك فابتلى الناس بهم وقوى أمرهم . حتى كانوا يدخلون على الرجل فى داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله ولا يستطيع الامتناع منهم . وحملوا قباز على تزيين ذلك وتحسينه وتوعدوه بخلعه إن لم يفعل ما يريدون . فلم يلبثوا إلا قليلا حتى صار الناس لا يعرف الرجل منهم ولده ، ولا الولد أباه ولازوجته ، ولا أحدا من أقاربه ولا يعرف له رحما محرما ولا غير محرم ، بل صاروا كالبهائم وصار الرجل منهم لا يملك شيئا مما كان بيده وجعلوا قباز فى كل مكان لا يصل إليه أحد سواهم وقالوا له إنك قد أثمت وعصيت بسبب أعمالك فيما مضى ولا يخلصك ويطهرك مما علمت إلا إباحة نسائك وراودوه على أن يدفع إليهم نفسه فيذبحوه ويجعلوه قربانا للنار . وكان من أنصار قباز رجل يقال له زرمهر فلما رأى زرمهر المذكور ما صنع أولئك القوم خرج بمن شايعه من الأشراف باذلا نفسه فقتل من أصحاب مزدق خلقا كثيرين وأعاد قباز إلى ملكه فأخذ أصحاب مزدق المذكور بعد ذلك يحرشون قباز على زرمهر حتى قتله ، وكان قباز من خيار ملوك الفرس حتى حمله مزدق المذكور على ما حمله عليه مما تقدم ، فانتشرت الفوضى فى أطراف البلاد وأواسطها وفسدت الثغور واستمر الأمر كذلك إلى أن انتقل الملك إلى كسرى أنو شروان ابن قباز المذكور فنهى الناس عن أن يسيروا بشىء مما ابتدعه زرادشت ومزدق وأبطل بدعتهما وقتل خلقا كثيرا ممن ثبتوا على تلك البدعة ولم ينتهوا عما نهاهم عنه منها ، حتى استأصل تلك الطائقة وثبت المجوسية ملتهم التى كانوا لا يزالون عليها . وقد جاء الإسلام فقضى على تلك الطريقة الفاسدة ، وأنزل اللّه كتابه العزيز على رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، فأمر فيه الناس كافة بكل خير ونهاهم عن كل شر ، وأمرهم بالاعتقاد بالعقائد الصحيحة فى حقه تعالى بوصفه بكل كمال يليق بشأن الألوهية وتنزيهه عن كل نقص تتعالى عنه صفة الربوبية ، وكذلك فى حق الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام ، فأمر باعتقاد عصمتهم عن المعاصى وتنزيههم عن كل نقص يخل بمنصب الرسالة وشرع العقود الناقلة للملك من بيع وهبة ووصية وغير ذلك . وبين المواريث ونصيب كل وارث مما يرثه عن مورثه وبين فى كتابه العزيز أنه هو سبحانه الذى تولى بنفسه قسمة المعيشة بين الخلائق فقال تعالى { نحن قسمنا بينهم معيشتهم } الزخرف 32 ، وقال تعالى { اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } العنكبوت 62 ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة . وقد خطب النبى صلى اللّه عليه وسلم فى حجة الوداع التى انتقل بعدها ليسير من دار الفناء إلى دار البقاء ، فقال عليه الصلاة والسلام ( إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد اللّه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه ، وأحثكم على طاعة اللّه، وأستفتح بالذى هو خير . أما بعد أيها الناس اسمعوا منى أبين لكم ، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا . أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا . ألا هل بلغت اللّهم اشهد . فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى الذى ائتمنه عليها وإن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب ، وإن دماء الجاهلية موضوع ، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيع ابن الحرث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ، والعمد قود . وشبه العمد ما قتل بالعصا أو الحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية . أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى أرضكم هذه ، ولكنه قد رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم . أيها الناس إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ماحرم اللّه . وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السماوات والأرض وإن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا فى كتاب اللّه يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب الذى بين جمادى وشعبان ألا هل بلغت اللّهم اشهد . أيها الناس إن لسنائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق . لكم عليهن ألا يوطئن فراشكم غيركم ، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشة . فإن فعلن فإن اللّه قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن فى المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح . فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . وإنما النساء عندكم عوان ( أسرى أو كالاسرى ) لا يملكن لأنفسهن شيئا ، أخذتموهن بأمانة اللّه واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه ، فاتقوا اللّه فى النساء واستوصوا بهن خيرا . الأهل بلغت اللهم اشهد . أيها الناس إنما المؤمنون إخوه ، فلا يحل لامرىء مال أخيه إلا عن طيب نفس منه . ألا هل بلغت اللّهم اشهد . فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض ، وإنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده كتاب اللّه وأهل بيتى ألا هل بلغت اللّهم اشهد . أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، أكرمكم عند اللّه أتقاكم ، وليس لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى ، ألا بلغت اللّه اشهد قالوا نعم . قال فليبلغ الشاهد منكم الغائب . أيها الناس إن اللّه قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، ولا يجوز لوارث وصية فى أكثر من الثلث . والولد للفراش وللعاهر الحجر ، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا . والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ) . ومن ذلك كله يعلم أن طريقة جماعة البلشفية طريقة تهدم الشرائع السماوية ، وعلى الأخص الشريعة الإسلامية رأسا على عقب فهى تأمر بما نهى اللّه سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم فهى تأمر بسفك الدماء والاعتداء على مال الغير والخيانة والكذب وهنك الأعراض ، وتجعل الناس فوضى فى جميع معاملاتهم فى أموالهم ونسائهم وأولادهم ومواريثهم ، حتى يصيروا كالبهائم بل هم أضل سبيلا . وقد نهى اللّه عن كل ما ذكر فهم كفار ريقتهم تفضى إلى هدم كيان الاجتماع الإنسانى ، وإلى انحلال نظام العمران وإنكار الأديان ، وتنذر العالم أجمع وتهددهم بالويل والثبور ، وتحرض الطبقات السافلة حتى تثير حربا عوانا على كل نظام قوامه العقل والأدب والفضيلة - فعلى كل مسلم صادق أن يحذر منهم ويتباعد كل البعد عن ضلالاتهم وعقائدهم الفاسدة وأعمالهم الكاسدة ، فإنهم بلا شك ولا ريب كفار ، لا يعتقدون شريعة من الشرائع الإلهية ، ولا يعتقدون دينا سماويا ولا يعرفون نظاما . وبالجملة فكسرى أنو شروان الذى هو مجوسى يعبد النار لم يرض طريقة هؤلاء الجماعة ، لأنها مضادة للعدل والنظام فكيف بأهل الإسلام الذين أمرهم اللّه على لسان نبيه بقوله تعالى { إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون } النحل 90