الرياض- طارق عبد الرحمن*
هل تستطيع دول الغرب استراق السمع على الإنترنت؟ يتبادر هذا السؤال إلى ذهن الكثيرين من الذين يستخدمون هذه الشبكة العملاقة حتى البعيدين عنها، وهذا تفكير شائع ونابع في الأصل من معرفتهم لقدرة دول الغرب على التنصت على المكالمات الهاتفية الموجودة في العالم، ومراقبة البريد وتنقلاته من دولة إلى أخرى، لكن هل هذه الشبكة العالمية هي كشبكة الهاتف الدولية؟ وهل البريد الإلكتروني الذي يتبادله المستخدمون في شتى أنحاء العالم مثل البريد العادي؟ إن هذه الأسئلة وغيرها كثير يتم طرحها من حين إلى آخر حينما يتعلق الأمر بما يمكن أن تفعله التقنيات المتقدمة بكشف المستور الذي يتعلق بخصائص الناس ومفاصل حياتهم، خصوصًا بعد أن استطاعت بعض دول الغرب وضع «آذان» للتنصت على شبكة الاتصالات الهاتفية، استخدم بعضها للتنصت على حكام بعض الدول وتلقيها لرسائلهم قبل وصولها إلى هدفها. وطرأ تحول كبير مع الإنترنت في مجالات مراقبة المعلومات و«اختلاسها» من حيث كون الشبكة العالمية نفسها أصبحت فضاء مفتوحًا يصعب السيطرة عليه ومراقبته كما كان الحال عليه زمن وسائل الاتصالات التقليدية. وهكذا انقضت فترة زمنية وجدت القوة العظمى نفسها عاجزة عن السيطرة على اختراعها الكبير الذي لم يعد حكرًا عليها وفقدت السيطرة عليه، وأصبحت ملكيته مشاعًا بين العديد من الدول. وقد ساعد على الوصول لهذا الأمر كون الشبكة العالمية (Internet) تختلف في تركيبها عن شبكات الاتصال الأخرى، وتقنيتها التي تعتمد عليها متاحة وهي في متناول الجميع ولم تكن حكرًا على دول بعينها دون أخرى على غرار الشبكات الأخرى، وهذا ما أعطى مستخدميها مرونة أكثر في تطويع هذه الشبكة واستطاعوا تخطي حواجز الرقابة وآذانها التي تلاحقهم منذ زمن بعيد، إلا أن ما يجري حاليًا يفوق كل تصور، فالإصرار على استخدام تقنيات الاتصال الحديثة فيما ينفع دولا ويضر بأخرى على قدم وساق، والإشكالية هنا تتعلق بأن أي عملية اتصال تتكون من ثلاثة عناصر: مصدر ـ قناة ـ متلق، وكون المصدر والمتلقي على الشبكة العالمية يصعب تحديدهم أو الوصول إليهم لما لذلك من معايير يسهل تغييرها والتلاعب فيها في كل مرة يتم فيها الاتصال (بخلاف شبكة الهاتف العادية) لذلك تنحصر مهمة الآذان الكبيرة على متابعة عنصر «القناة» وهذا الأمر استمرار للعبة نفسها التي قامت عليها حرب الاستخبارات الخفية لزمن مضى حين كان العنوان الأبرز لهذه الحرب «الأحبار السرية» التي كانت تستخدمها الدول لإخفاء الرسائل المستقبلة والمرسلة وتشفيرها وبالمقابل إيجاد أحبار مضادة وشفرات عكسية للتغلب عليها، وهذه الوسائل لم تكن في متناول الجميع على عكس ما هو قائم حاليًا، حيث الأجهزة الإلكترونية والتقنيات الحديثة لا يخلو منها أي منزل تقريبًا. وتلعب الحواسيب الدور الأكبر في سرعة فك هذه الرسائل وتشفيرها حيث ازدادت قيمة «الثانية» اليوم المعادلة وقتيًا «يومًا» بالزمن، لذلك بادرت الدول الغربية إلى اتباع سياسة أخرى للسيطرة على هذه التقنية المتطورة باستمرار بما يخدم أهدافها، وبدأت في وضع العراقيل التي تعوق تصدير الحواسيب ذات السرعات العالية التي تلعب دورًا فعالاً في فك الرسائل وتشفيرها، وفي بعض الأحيان تم منع بعض الحواسيب الشخصية من الوصول إلى عدد من دول المنطقة العربية، والخشية هنا لا تتعلق بالحكومات بل في عامة الناس الذين من غير المسموح لهم الحصول على بطاقة عضوية الانتساب إلى هذا العالم التقني المتقدم، لأن هذا يعني أن ما اخترعته أمريكا ربما سيكون سلاحًا فعالاً تستخدمه دول العالم الثالث لمواجهة الغطرسة الأمريكية، وهذا ما يفسر واقع الشبكة العالمية كونها الوسيلة الأولى في الاتصال ما بين أعداء الولايات المتحدة في هذه الأيام!! * نقلا عن مجلة اتصال- العدد الأول