قلما تخلو الحياة من حساد ومنافسين وخصوم , ولا شك في أن الشعور ببغض هؤلاء , والرغبة في الإنتقام منهم , يستبدان بصاحبهما إلى حد يجعل حياته كلها جحيما من العذاب والشقاء , فيفقد شهيته إلى الطعام , ويجافيه النوم , ويضطرب تفكيره , وتسوء علاقته بأقاربه واصدقائه وبكل من له اتصال بهم . لقد قام أحد الأخصائيين في الولايات المتحدة ببحث حالات مئات المصابين بارتفاع ضغط الدم , ومئات آخرين من المصابين بأمراض القلب , فوجد أن حوالي 99% من هؤلاء وهؤلاء قد جنوا على أنفسهم وألقوا بها بين براثن هذه الأمراض الفتاكة بالأندفاع في طرق الحقد والأنتقام , كما تبين أن عددا غير قليل من مرضى الحقد من هؤلاء قد انتهى بهم الأمر إلى أن خروا صرعى على أثر نوبة غضب شديدة , أو بالسكتة القلبية . ومن المؤكد – في الإسلام – أن الحل الناجح , والسياسة الصالحة لمعاملة الخصوم , لا تكمن في الإنتقام والرد ومزيد من التصعيد والتوتر , طالما أن الأمر لا يدور بين أعداء ولا في ساحة قتال وإنما هو بين أهل وأخوان وأصدقاء , وأبناء وطم ودين واحد . بل وأن الإنتقام , والرد المماثل سياسة غير محمودة حتى مع العدو في بعض الأحيان . ونحن لا نقول فقط : اذا أهانك أحد صغار النفوس , فاكتف بأن تمحو اسمه من اصدقائك وعملائك , وكم بعيدا عن شره ! وإنما نقول : حاول جهد أمكانك أن تقترب من خصومك , وتفتح لهم صدرك , وتدعهم يقتربون إليك , بل وحاول أن تجعلهم يتحولون من موقع العداوة إلى صف الأصدقاء . وهذا ما يقوله الأمام أمير المؤمنين علي (ع) : (إن إحسانك إلى من كادك من الأضداد والحساد لا غيظ عليهم من موقع إساءتك منهم , وهو داع إلى إصلاحهم). ويقول (ع) أيضا : (الإحسان إلى المسئ يستصلح العدو) . إذن فإن أفضل السياسات , وأنجح الطرق لمعاملة الخصم هي قاعدة (أحسن إلى من أساء إليك) كما قالها وعمل بها الرسول الأعظم (ص) , ومن هنا وبناء على هذه القاعدة السياسية العظيمة نقترح الطرائق التالية : • الطريقة الأولى : احترم الخصم واكرمه . يقول التاريخ عن معالي أخلاق الأمام علي بين الحسين السجاد (ع) أنه كان خارجا من المسجد , فالتقى به رجل من شانئيه (معارضيه) فقابل الأمام بالسب والشتم فثار في وجهه بعض موالي الأمام وأصحابه فنهرهم (ع) واقبل على الرجل بلطف قائلا : ( ما ستر عليك من أمرنا أكثر ..الك حاجة نعينك عليها ...) وبادر نحوه الامام (ع) فالقى عليه خميصة وأمر له بألف درهم , وطفق الرجل يقول : (أشهد انك من بني الرسل!). *الطريقة الثانية : أقترب من خصمك كلما ابتعد هو عنك. إن زيارة واحدة لخصمك كفيلة بأطفاء كل نار للعداوة والبغضاء في قلبه , وخصوصا اذا ما كنت تحمل –في زيارتك هذه – بعض الهدايا الرمزية , تعبيرا عن حبك وودك له . وليس لك إلا أن تجرب هذه الطريقة الآن فيما لو كان لك بعض من يخاصمك , وينصب العداء لك , وإذا لم تستطع التغلب على نفسك للقيام بالزيارة , لخجل أو لأي سبب آخر , فما عليك إلا أن ترفع سماعة الهاتف , لتسلم عليه وتسأل عن صحته , وتتحدث قليلا معه عن قضايا الساحة أو تتبادل معه الأخبار , وهذا أضعف الأيمان , وستجد المفعول السحري الكبير لهذا العمل , ولا تنسى أن تكرر ذلك لبعض المرات فأنه أجدى لأخماد النيران وترطيب الأجواء . *الطريقة الثالثة : لا ..للتصفية !!! ...نعم ...للحوار!! إن الطريقة السياسية والجسدية للمعارضة والمنافسين طريقة لا يلجأ إليها إلا العاجزون عن أثبات الدليل واظهار الحجة , وتبيان الحق وعادة الذين يتوسلون بالقوة والعنف لتصفية خصومهم هم أناس مستبدون لا يتورعون عن الدماء والحرمات , ولا يخشون يوم الحساب. بينما الإنسان المؤمن والمتقي العادل , لا يفكر بتصفية مناؤيه جسديا وسياسيا , بل ويفسح المجال لهم ويدعهم يقولون ويعملون بكل حرية وبلا أرهاب من قبله. *الطريقة الرابعة : أبحث عن الحل السلمي قبل أن يحتدم الصراع . بعض الخصوم يتحول من موقف المنافس إلى موقف العدو المسلح , ولا يكتفي بالكلام والأعلام ضدك , وإنما يقوم بحمل السلاح ويعلن الحرب في مواجهتك . وحينئذ يتبدل كل شئ , وينقلب الخيط الأبيض إلى خيط أحمر , ولا يكون الحوار إلا بالبندقية , لأن السلاح لا يعرف إلا لغة السلاح نفسه . وهنا يقول القرآن الكريم بصراحة : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). ويقول الإمام علي (ع) : ( ردوا الحجر من حيث جاء , فإن الشر لا يدفعه إلا الشر). ولكن قبل أن يحتدم الصراع , وقبل أن تقهقه أي بندقية أو يهدر صوت أي مدفع لابد أن تجاهد من أجل اقناع الخصم أو العدو إلى قبول الحل السلمي العادل والمشرف والرجوع عن غيه , فإن أبى ورفض أن يقاتل , فلا سبيل – حينئذ- إلا لمقاتلته ومنازلته