الانسان الذي يعيش الفراغ تمر عليه الايام وهو يقضيها بالنوم أو مشاهدة التلفزيون, أو أن يجلس على قارعة الطريق مع اصدقائه ولا شيء اخر. لا يملك ما يعمل ولا يفكر بشيء. قد لا يشعر في الوهلة الاولى بخطورة الفراغ, بل ومن الممكن ان يعتبر نفسه محظوظاً لأنه فارغ ولا يتحمل اية مسؤوليات إلا انه مع مرور الزمن, وهو يعيش هذا الروتين, فان حياته اليومية تمر عليه دون أن يشعر بها, لأنه لم يتذوق حلاوة التعب والعمل. عندها سوف تنقلب عليه الحياة جحيماً, الى متى سأبقى على هذه الحالة؟ وكيف أتخلص منها؟.. لا أدري. فتمر عليه الثواني وكأنها ساعات, وتمر عليه الليالي والايام وكأنها قرون, يشعر بثقلها ويتضجر منها. حينها يبدأ القلق والضجر يدبان في نفسه, فيصير انساناً لا يدري ماذا يفعل كالذي يعيش في ظلام دامس لا يعرف الى اين يتجه كالغريق وسط الامواج يبحث عن وسيلة للنجاة. ولهذا السبب نرى توجه الكثيرين وخاصة في البلاد الغربية للانتحار نتيجة للفراغ الذي يقض مضاجعهم وينهك قواهم, فقد قالت دراسة قام بها أحد معاهد الاحصاء في امريكا أن مصانع الادوية تنتج كل عام 13 مليار قرص مهدئ للاعصاب, وهذه الكمية تكفي لأن يحصل كل امريكي على 72 حبة في السنة, واكدت الدراسة انه خلال عام واحد حدثت ثلاثة الاف حالة انتحار!! ويعزون كثرة الاقبال عليها الى صعوبة المعيشة وكثرة الهموم. ان وزن الوقت ليس بدقائقه ولا بساعاته ولا بثوانيه, وإنما وزنه ينبع من شعور الفرد بأهميته, حينها سوف يكون لكل ثانية ثقلاً ووزناً, أما إذا لم يشعر الفرد بأهميته فان قرناً من الزمان لا يعدو وقتاً. يقول أحد الكتاب "ان الزمن نهر قديم ويروي في أربع وعشرون ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب, والحقل الذي يعمل به, ولكن هذه الساعات التي تصبح تاريخاً هنا وهناك, قد تصير عدماً إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها". ولذلك شبه الامام علي (ع) الفرصة بالغنيمة لا بد للانسان ان ينتظرها ويستغلها افضل استغلال: (اغتنموا الفرص فانها تمر تمر مر السحاب). ويقول ايضاً: "ما مضى فات وما يأتي فأين قم واغتنم الفرصة بين العدمين". فيجب علينا اغتنام كل فرصة نملكها, فاليوم الذي نعيشه يذهب الى غير رجعة. اذا لم نستغله, فكل صباح يمر على الانسان يخاطبه ويقول: "يا ابن ادم أنا يوم جديد, وغداً عليك شهيد, فافعل في خيراً وقل في خيراً أشهد لك به يوم القيامة, فانك لن تراني بعده أبداً". وحينما يقرر الانسان استغلال وقته والتخلص من الفراغ لابد له أن يضع في عين الاعتبار فيم يقضي وقته, فليس كل ما يقضي به الفرد وقته صحيح. عليه أن يستغله بتلاوة القران أو بقراءة كتاب مفيد. أو بهداية صديق.. الخ. وبذلك يستطيع الانيان أن يملأ وقته عملاً مفيداً فيطرد القلق عن نفسه. "وإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب". لأن الفراغ هو وكر القلق ولا يزول القلق إلا بتحطيم هذا الوكر