قلة فقط من بلدان العالم اعتمدت إلزامية الفحص الطبي قبل الزواج، من بينها لبنان، إذ إن هناك العشرات من البلدان التي لم تستطع تأمين أبسط وسائل الوقاية الصحية لمواطنيها . في ضوء ذلك يكتسب المرسوم الحكومي المشرع بالقانون الصادر بتاريخ 18 مايو 1994، والمتعلق بإلزامية الفحص الطبي قبل الزواج لكل مواطن لبناني، أهمية بالغة من أجل الحصول على نسل سليم معافي خال من الأمراض والعاهات، وخاصة تلك الأمراض التي تشكل خطرا على حياة الجيل الجديد مثل مرض الإيدز والسفلس وسواها .
وهكذا نرى أن الفحص الطبي الإلزامي قبل الزواج كفيل بتأمين طريق معبدة لزواج سعيد أمام العروسين .
الهدف الرئيسي من هذا الفحص إخضاع العروسين للكشف الطبي العام والشامل " سريري ومخبري " للتاكد من سلامة البنية التناسلية لديهما، والتحقق من خلوهما من الأمراض السارية والمعدية، ومن الأمراض الزهرية والتناسلية، التي، في حال وجودها، قد تضر بصحة أحد الشريكين وتهدد حياته وحياة نسله بالخطر ( مرض السفلس مثلا ) . . . والأمراض العقلية والأمراض الوراثية . . .
يتضمن فحص القلب والشرايين والغدد والأعصاب، وفحص أعضائه التناسلية الداخلية والخارجية بدقة، وكذلك يجري استجوابه للكشف عن عجز جنسي قد يكون عنده، أو أمراض زهرية أصيب بها في السابق أو في الحاضر، ويفحص سائله المنوي في المختبر للتثبت من قدرته على الإنجاب . هذا الفحص مهم للغاية، لما يترتب عليه من آثار على العروس، وإنني أصر على وجوب إعلامها بنتيجة هذا الفحص، خاصة إذا كانت سلبية . فإذا كان شريكها عاقرا أو غير منجب، عليها حينذاك اتخاذ القرار المناسب، إما قبول الشراكة معه أو رفضها، انطلاقا من قناعتها وإرادتها.
فكم من امرأة فوجئت بعقم شريكها بعد ارتباطهما الزوجي بعدة سنوات، فاستسلمت على مضض للأمر الواقع وأصبحت طوال حياتها، فريسة الظلم والتعاسة والشقاء، وقد كان في وسعها تفادي هذا " الأمر الواقع " بالكشف الطبي الإلزامي على شريكها قبل الزواج.
فحص العروس، عمليا قبل الزواج، أصعب من فحص العريس، لأن الفتيات في هذا العمر يسيطر عليهن الخجل ويرفضن عادة الخضوع للكشف الطبي والتعري أمام الطبيب، إذا، كيف يمكن إقناع العروس أو الفتاة المراهقة بوجوب إجراء هذا الفحص؟
إن امتناع العروس عن الخضوع للكشف الطبي أمام الطبيب ظاهرة طبيعية في بلادنا، لأنها تعكس حالة الخوف والقلق والكبت التي تعيشها الفتاة في فترة المراهقة . وكثيرا ما يصادف أطباء أمراض النساء ، مثل هذا الموقف مما يضطرني، أحيانا، لاستخدام كافة الوسائل الطبية والنفسية من أجل كسب ثقة الفتاة وإقناعها بقبول الفحص الذي يكون إجراؤه أحيانا ضروريا للغاية، كدراسة حالة العقم والإنجاب، أو وضع غشاء البكارة ومدى صلابته وسلامته، أو الكشف عن أمراض التهابية . . . الخ.
كثيرات من الفتيات يعرفن بعض المعلومات الجنسية والصحية، ولكن تأكد لي أن هذه المعلومات غالبا ما تكون مغلوطة ومحرفة، ولذلك تهاب الفتاة كل ما له علاقة بالجنس وبأعضائها التناسلية، فيتنابها الهلع والخوف والارتباك عندما تسمع بالطيب النسائي وبوجوب فحص أعضائها التناسلية، لذلك يجب إقناع الفتاة بأنها أصبحت سيدة صغيرة وناضجة، وأن الطبيب مهتم بإجراء الفحوص للتأكد من صحة هذا النضوج واكتماله . ومن جملة هذه الفحوص فحص النهدين والكشف على الأعضاء التناسلية الخارجية دون المساس بغشاء البكارة، وهذه ناحية مهمة من شأنها أن تطمئن العروس أو الفتاة المراهقة . وتسأل العروس عن انتظام دورتها الشهرية وآلام الطمث وإمكانية معالجتها قبل الزواج . وخلال الكشف الطبي يسدي الطبيب النصائح الجنسية والعلمية الضرورية لتطبيقها خلال عملية الزواج إذا كان هناك من ضرورة.
ويتضمن فحص العروس أيضا التدقيق في القلب والشرايين والرئتين وقياس ضغط الدم وفقر الدم.
تجرى للشريكين فحوص مخبرية للبول والدم، وخاصة فئة الدم ونوعيته.
والمعروف أن تعارض دم الأب مع دم الأم ( سلبي - إيجابي ) قد يسبب إجهاضات متكررة في المستقبل وموت الأجنة قبل الولادة، ولحسن الحظ أنه اكتشف لقاح خاص لهذه الحالة تحقن به الزوجة بعد الولادة مباشرة . ولا بد كذلك من سؤال العروسين عن الأمراض المتوارثة في عائلة كل منهما، وعن مدى القربى العائلية بين العروسين، وأسئلة أخرى غيرها لدراسة مدى تأثير ذلك على الإنجاب وإمكان تفادي إنجاب أطفال مرضى أو معوقين.
اختلف العلماء حول حكم الفحص الطبي قبل الزواج، فأوجبه بعضهم ، وكرهه آخرون، وتوسطت طائفة فاستحبته دون وجوب ولعل هذا هو الأنسب.
وفي دراسة أعدها الدكتور عبد الرشيد قاسم من علماء المملكة العربية السعودية- نشرت بموقع الإسلام اليوم- جاء فيها:
مع تطور الهندسة الوراثية وانتشار الإيدز قامت دعوة قوية لإلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج وتقديم الاستشارة الوراثية اللازمة للزوجين ، وأخذت بعض الدول العربية مثل سوريا وتونس والمغرب والإمارات والسعودية ...الخ بهذه الإجراءات ودعت إليه ، بل إن البعض جعلها أمراً لازماً .فهناك أمراض وراثية تنتشر في بعض المجتمعات وحامل الجين المعطوب لا يكون مريضاً بالضرورة إنما يحمل المرض وتعاني ذريته ( أو بعض ذريته ) إذا تزوج من امرأة تحمل الجين المعطوب ذاته ، فهناك احتمال أن يصاب ربع الذرية بهذا المرض الوراثي حسب قانون مندل .
وبما أن عدد حاملي هذه الصفة الوراثية المعينة كثيرون في المجتمع فإن احتمال ظهور المرض كبير ، خاصة عند حدوث زواج الأقارب كابن العم وابنة العم وابن الخال وابنة الخال .
هل يجوز للدولة أن تلزم كل من يتقدم للزواج بإجراء الفحص الطبي وتجعله شرطاً لإتمام الزواج ؟ أم هو اختياري فقط ؟
اختلف العلماء والباحثون المعاصرون في هذه المسألة ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي :
القول الأول : يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت أنه لائق طبياً وممن قال به:محمد الزحيلي( من علماء سوريا ) وحمداتي شبيهنا ماء العينين ( من علماء المغرب وعضو مجمع الفقه الإسلامي، ومحمد عثمان شبير(أستاذ الفقه في كلية الشريعة- الجامعة الأردنية).
القول الثاني: لا يجوز إجبار أي شــخص لإجراء الاخـتـبار الوراثي يجوز تشـــجيع الناس ونشـــر الوعي بالوســــائل المختلــفة بأهمــية الاخــتـبار الوراثي وممن قال به: عبـد العـزيــز بن باز، وعبد الكريم زيدان ( أستاذ الشريعة الإسلامية بالجامعات العراقية واليمنية ) ومحمد رأفت عثمان( عميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف ) .
ويدخل في إطار الكشف الصحي الإلزامي معاينات في علم الوراثة إذا أمكن إجراؤها، وهو علم حديث للغاية للتأكد سلفا من صحة النسل وسلامته . فالأخصائي يمكنه إرشاد العروسين، بنسبة عالية من الدقة، وعبر فحوصات عن الأمراض الوراثية، ما إذا كانا قادرين على إنجاب ذرية سليمة .
فمرض ( المنغوليزم )، عند الأطفال مثلا، وهو نقص عقلي وجسدي يأتي بالوراثة، يمكن تفادية بإجراء الفحوص الوراثية عند ذوي القربى أو غيرهم، كما يمكن اكتشاف سبب موت الأجنة قبل ولادتهم .
وفي هذا السياق، يقترح العلماء حصر إعطاء الشهادات الصحية قبل الزواج بأخصائي الأمراض الداخلية وأخصائي الأمراض النسائية والتناسلية لأنهما على اتصال مباشر بقضايا النسل والجنس والعقم والوراثة، على أن تدون نتيجة الفحوص على مستندات خاصة رسمية تسلم نسخة منها للشريكين وتحفظ نسخة ثانية في سجلات الطبيب الخاصة قيد الطلب .