الرياض - د. حسن عبدالله القحطان
تواجه الصناعات الغذائية السعودية تحديات كبيرة رغم وقوفها على أرضية صلبة، هي كون قيامها يخضع لدراسات الجدوى الفنية والاقتصادية التي ترعاها الدولة. وعلى هذه الصناعة أن تبحث عن حلول لبعض السلبيات التي صاحبت نشأته وهي كونها تعتمد في الغالب على خامات مستوردة عدا صناعة تعبئة التمور، وإلى حد ما، صناعة الألبان. كما أن عليها أن تستفيد من فائض السوق وأن تكون عنصر دعم ومساعدة للمزارعين من خلال المنفعة والمكاسب المتبادلة. إن الصناعة الغذائية تعتبر نتاج تقنية علوم الأغذية والتغذية والعلوم ذات العلاقة بعمليات التصنيع الغذائي. وتعد محلياً وإقليمياً وعالمياً من أكبر الصناعات وأهمها من حيث رأس المال المستثمر أو عدد المصانع، بل إنها من أسرع الصناعات نمواً وإتساعاً بسبب الزيادة المضطردة في عدد السكان وتغيير النمط الاستهلاكي الغذائي وتعددية رغبات المستهلكين واحتياجاتهم للمنتجات الغذائية المصنعة. ويرتبط التصنيع الغذائي بالإنتاج الزراعي ارتباطاً وثيقاً، فالإنتاج الزراعي مصدر المواد الخام الأساسية للصناعة الغذائية، وتؤثر كمية هذه المواد ونوعيتها وجودتها وأسعارها تلقائياً على المنتجات النهائية وعلاقتها بالمستهلك، بل إن سياسة التصنيع هي امتصاص فوائض الخامات النباتية والحيوانية السريعة التلف في الأسواق المحلية وتحويلها إلى صور متعددة تتوفر في مواسم غير مواسم إنتاجها، وتستهلك في أمكنة غير أمكنة إنتاجها أو تصنيعها، وتسمى عندئذ بالمنتجات الغذائية المصنعة ذات الخصائص الحفظية والتغذوية وفترة الصلاحية الأطول مقارنة بالمواد الخام المصنعة منها. إن التصنيع الغذائي مشروع استثماري يخضع لدراسات الجدوى الفنية والاقتصادية وترعاه الدولة لخفض الاعتماد على الواردات وتحقيق الاكتفاء الذاتي واستقرار الأسعار للسلع، خصوصاً تلك الضرورية في الهرم الغذائي للفرد، وتنويع مصادر الدخل الوطني من الناتج الزراعي المحلي، إلا أن قيام التصنيع لم يكن مشروطاً بتوفير المواد الخام المحلية. وما حققته الصناعة الغذائية السعودية خلال السنوات الماضية من تطور كان بالاعتماد جزئياً - إن لم يكن كلياً - على مواد خام مستوردة، فمساهمة الخامات الزراعية المحلية ما زالت محدودة للغاية؛ لأنها لا تتوفر بالكمية والنوعية الصالحة للتصنيع على مدى العام، كما أن الفوائض من الخضراوات والخضراوات الورقية وبعض الفواكه في الأسواق خلال مواسم الإنتاج، هي نتيجة لمشكلات تسويقية في المقام الأول، وليس قيام المصانع هو الحل العلمي لامتصاص هذه الفوائض، والأمل معقود في قيام شركة التسويق الزراعي (قيد الإنشاء)- إن قدر لها النجاح- بأن تساهم بشكل كبير في الموازنة بين العرض والطلب من خلال التدريج والتعبئة والتجهيز والتخزين والنقل والتوزيع للمنتجات الزراعية وبرمجة الإنتاج بالتنسيق مع المزارعين والشركات الزراعية ومساعدتهم بالمعلومات الفنية والإرشادية وإيجاد التكامل بين الإنتاج والتسويق. إن على الصناعة الغذائية أن تستفيد من بعض الخامات الزراعية الصالحة للاستهلاك المباشر دون التصنيع حتى ولو لم تكن بالكمية الكافية، من خلال إنشاء خطوط تصنيعية مبسطة، كتلك التي ستقوم بها شركة التسويق الزراعي، وخصوصاً خلال المواسم لإطالة الفترة التسويقية لهذه المنتجات الزراعية الطازجة أطول فترة ممكنة، تتعدى الفترة الموسمية، وإذا كانت هذه المواد الخام المحلية صالحة للتصنيع فلا يستوجب الأمر إنشاء مصانع أغذية مستقلة ذات استثمارات ضخمة، بل يمكن إضافة خطوط تصنيع فرعية إلى المصانع القائمة وتشغيلها مؤقتاً، والتوسع في التخزين المبرد لاستيعاب أكبر كمية من المواد الخام الزراعية أثناء المواسم. إن الصناعة الغذائية تدرك تمام الإدراك أن اختلاف جودة المنتجات المصنعة الناتجة من اختلاف جودة المادة الخام يلحق ضرراً بسمعة الشركة، أو المصنع الغذائي ويسبب فقد ثقة المستهلك ،لأن الجودة هي تثبيت خصائص معينة في المنتجات تحوز رضاء المستهلكين ورغبتهم، ولكن عليها في الوقت نفسه أن تعي خطورة الاعتماد الكلي على الخامات الزراعية المستوردة وضرورة مد يد التعاون إلى المزارعين والشركات الزراعية في تنظيم كمية الإنتاج ونوعيته حسب متطلبات التصنيع، وقد يتعدى ذلك إلى المشاركة الفعلية في تكاليف مدخلات الإنتاج والإشراف الفني والإداري. إن تحقيق تكامل قطاعي الإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي يستوجب معالجة مشكلات المزارعين الناتجة عن تفاقم المشكلات التسويقية المتعلقة بالبيع والشراء وانخفاض الأسعار وعدم تطبيق الرزنامة الزراعية والنقل والتداول وانعدام التخزين المبرد، ومحدودية مكان السوق وتوزيعه الجغرافي الضيق، وطبيعة منتجاتهم الموسمية السريعة الفساد، والموجهة للاستهلاك الطازج الفوري، وقصور معرفتهم بحاجة الصناعة الغذائية. كل هذه العوامل مجتمعة تلحق بالمزارعين خسائر جسيمة، وهم الذين يبذلون المال والجهد والوقت في الإنتاج، في حين أصبحت الربحية بيد الوسيط أو تاجر التجزئة الذي قد لا يتجاوز جهده دقائق معدودة من الشراء وحتى البيع للمستهلك بأسعار مرتفعة. وكذلك حال الشركات المساهمة المنتجة بالزراعة المكشوفة أو داخل البيوت المحمية فإنها تواجه مشكلات الإنتاج المتعلقة بالظروف المناخية، وملوحة التربة والمياه وارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج من بذور وأسمدة ووقاية وعمالة وتعبئة ومصاريف عمومية وإدارية، وإهلاكات ونقل وتسويق وتخزين، والذي ينعكس على أسعار المنتجات الزراعية المحلية مقارنة بالمستوردة. لقد أحسنت وزارة الزراعة والمياه صنعاً ببدء تطبيق هذه الرزنامة الزراعية التي ستؤدي إلى تقارب العرض والطلب، وتحسين الأسعار وتشجيع استمرارية النشاط الزراعي، ولكن لابد من المزارع الواعي والشركة الزراعية القادرة على توظيف كل الجهود للاستفادة من تطبيق الرزنامة، وفي مقدمتها عملية التسويق ووضع آلية مستقبلية للتعاون مع شركات التسويق المتخصصة. إن الصناعة الغذائية وهي تراقب المواد الخام المحلية بحاجة إلى تقويم واقعهم الحالي، ومحاولة الوقوف على احتياجات المستهلك ورغباته، وعمل الدراسات التسويقية للتعرف على احتياجاته وتحويلها إلى معايير للإنتاج، وتوطين التقنية الحديثة بدلاً من الاعتماد على المشاركة الأجنبية المؤقتة والمواد الخام المستوردة، واستقطاب الكفاءات الوطنية المؤهلة وتشجيعها على الإبداع والابتكار وتدريب الكوادر البشرية وتطوير أدائها والاهتمام بالبحث والتطوير نحو الاستفادة من المواد الخام المحلية لضمان الاستمرارية، وتحقيق التحسين المستمر والحد من ارتفاع التكاليف على المدى الطويل. نشر في مجلة (عالم الغذاء) عدد (5) بتاريخ ( نوفمبر 1998م -رجب1419هـ )