الرياض - د.حسن عبدالله القحطان
التقنية بصورها المختلفة أداة فاعلة في توسيع القاعدة الإنتاجية إذا ما تم التفاعل المنشود بينها وبين الإنسان. ويتطلب هذا التفاعل دراسة مستفيضة وفهماً تاماً لتلك التقنية قبل توظيفها. ولقد ساعد النمو المطرد في التقنية الغذائية على اتساع التصنيع الغذائي سواء من الناحية الكمية أو النوعية وخصوصاً في مجال تطوير المنتجات الجديدة. فعملية التطوير والبحث «R&D» تمثل روح التجديد والاستمرارية للمصنع أو المنشأة وتنعكس إيجابياتها على المصنع نفسه وعلى تلبية احتياجات ورغبات المستهلك. وسوف نتناول تحت هذا العنوان ثلاثة أجزاء رئيسة تتعلق جميعها بمراحل عملية البحث والتطوير المتعددة والتفاعلات بينها بشكل متسلسل حسب مرئيات العاملين من خلال خبراتهم الميدانية في مجال الصناعة الغذائية. تهتم عملية البحث والتطوير « R&D » بتطوير وتحسين المنتجات الحالية وإنتاج منتجات غذائية جديدة تكفل بقاء الشركة أو المصنع الغذائي في السوق وتحافظ على حجم مبيعاتها في ظل المنافسة الحادة إلا أن عملية البحث والتطوير تعتبر مخاطرة اقتصادية عظيمة لا تستطيع الكثير من الشركات والمصانع الغذائية تحملها نظراً لارتفاع احتمالات الفشل حتى وإن كانت في مرحلتها النهائية ولابد من جعلها مثالية قدر الإمكان وبأقل تكلفة. ويقول بعض العاملين في شركة غذائية عالمية إن أكثر من 400 مليون دولار تم صرفها لإنتاج منتجات جديدة في السوق خلال ربع قرن. تناولت هذه المصروفات تكاليف بحثية ومعملية وتكاليف تسويقية «أبحاث تسويقية، دعاية وإعلان» وأن أكثر من 75% من هذه المنتجات لم يكتب لها النجاح وذهبت خسارة ولكن المنتجات الناجحة رغم قلتها أثبتت وجودها في السوق وعملت على تغطية التكاليف بل وعادت بأرباح على الشركة. أقسام مستقلة إن قسم أو إدارة البحث والتطوير في الشركات الغذائية العالمية جزء مستقل ترتبط به جميع الأقسام الأخرى مثل قسم المبيعات وقسم ضبط الجودة وقسم الإنتاج. وقد تلجأ بعض الشركات أو المصانع الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى ضم قسم البحث والتطوير وقسم الجودة في قسم واحد حيث يختص الأول بإجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بتطوير المنتجات وتحسين خواصها المختلفة أو العمل على تطوير منتجات جديدة. فيما يختص الثاني بالمراقبة المستمرة للإنتاج اليومي. ويشرف على عملية التطوير والبحث فريق البحث والتطوير الذي يتكون من عدة مجموعات متخصصة «مجموعة التسويق، مجموعة التصييغ والتصنيع، مجموعة التغليف، مجموعة التقييم الحسي، مجموعة التحليل، مجموعة التحكم في الجودة والخواص الميكروبيولوجية» ولكل منها مهام ومسؤوليات محددة داخل المجموعة نفسها أو علاقتها بالمجموعات الأخرى. ولكن ماذا عن الصناعة الغذائية السعودية؟ لقد أدت كثرة التركيز على عنصر المنافسة التسويقية لصالح الربح السريع واستعجال النجاح وعدم الاستفادة من نتائج الأبحاث المنشورة وخبرات الكفاءات الأكاديمية السعودية إلى قلة الاهتمام بالجوانب البحثية والتطويرية. كما أن الحلقة قد تكون مفقودة بين المستهلك السعودي وكثير من الشركات الغذائية السعودية التي لا تهتم كثيراً بالاستماع إلى آراء واهتمامات المستهلك كما أنها لم تضع احتمالات التغيرات الاستهلاكية المستقبلية موضع الاعتبار وخصوصاً فيما يتعلق بالوعي الغذائي لدى المستهلك وما ينتج عنه من كثرة التساؤلات حول المواد المضافة للأغذية وزيادة الطلب على منتجات معينة كتلك المرتفعة في نسبة الألياف والمنخفضة في نسبة السكر والسعرات والصوديوم وغيرها بالإضافة إلى التغيرات الكبيرة في إحصائيات السكان وطبيعة تغير الأسرة وخروج المرأة إلى العمل. مراحل متسلسلة تمر عملية تطوير المنتجات الغذائية الجديدة بالعديد من الخطوات أو المراحل المتسلسلة والمرتبة ونتائج النشاطات المرتبطة بكل خطوة تحدد الانتقال إلى الخطوة اللاحقة أو عدم الاستمرارية، وتتضمن هذه الخطوات ما يلي: - التخطيط ووضع الأهداف وجمع الأفكار وتصنيفها. - تصنيع النماذج الأولية للمنتج الغذائي في المعمل. - تصنيع الصيغ المثالية على مستوى المصنع التجريبي. -تصنيع الصيغ المثالية على مستوى التصنيع التجاري. - متابعة دورة حياة المنتج الجديد في السوق. إن تسلسل الخطوات الأساسية لتطوير المنتجات الغذائية الجديدة قد لا يكون موحداً لدى الكثير من الشركات والمصانع الغذائية ولكن أسس هذه الخطوات من تخطيط وإدارة اقتصادية وفنية وبحوث تسويقية وفنية تتشابه إلى حد كبير، فلكل شركة أو مصنع طريقة معينة تسمى عادةً «السرية في التصنيع» تخص الشركة وحدها. قد لا تتوفر لدى الشركات الصغيرة أو بعض المتوسطة التجهيزات اللازمة والخبرة الفنية المتخصصة فتلجأ إلى التعاقد مع شركات متخصصة في مجال البحث والتطوير. مرحلة التخطيط ووضع الأهداف تبدأ الإدارة العليا في تقدير المصادر الداخلية والنزعات الخارجية قبل وضع الأهداف حيث تقوم جميع المستويات الإدارية في قسم البحث والتطوير بإعداد قائمة جرد تتضمن الأيدي العاملة، المهارات الفنية الخاصة، التقنية الفريدة والميزانية المتاحة. ثم يقوم المخططون بوضع أهداف مشتركة لتوظيف الإمكانات المتاحة توظيفاً سليماً. إن الفهم الواضح للأهداف يساعد على استمرارية سير عملية التطوير. فالأقسام الوظيفية في الشركة لابد أن تفهم أهدافها الانفرادية كما أن التفاعل الجيد بين هذه الأقسام لتنفيذ أهداف الشركة يعتبر مفتاح المنتجات الجديدة الناجحة. وتشمل أهداف عملية التطوير والبحث ما يلي: - زيادة الربح والتي لا تستطيع المنتجات الحالية تحقيقها. - المحافظة على حجم المبيعات وزمن التقديم في السوق. - التنويع في المنتجات لتلبية رغبات أكبر قاعدة ممكنة من المستهلكين. - توسيع المبيعات إلى مناطق جغرافية جديدة أو الدخول في أسواق جديدة. - الاستفادة من السعة الإنتاجية المعطلة. - تمويل تقنية جديدة مستحدثة. - إجراءات دفاعية أو هجومية ضد منافسين معينين. - تحسين جودة المنتجات الحالية. - أخرى «توافر طاقة، خفض العمالة... إلخ». تحتاج الأهداف الواسعة والتي حددت في مرحلة التخطيط إلى أن تترجم إلى أهداف محددة لكل قسم بل وإلى أهداف محددة لكل فرد. فالخطة الاستراتيجية لكل قسم هي خطة العمل أو كيفية تحقيق الشركة للأهداف الموحدة، فالخطة تحدد السلطات، المسؤوليات للمديرين، المقرات العملية لإنتاج المنتجات والخدمات وتخصيص الموارد «التجهيزات، المعدات، العدد، المواهب». تقوم الإدارة الأوسطية في الشركة أو المنشأة بإعداد مسودة الخطة الاستراتيجية. هذه الإدارة تتبع وحدة العمل الاستراتيجية التي تحددها الإدارة العليا. وهذه الوحدة مكونة من المديرين الذين يخدمون الأقسام المختلفة في الشركة وهم الذين يقومون بتقدير الأيدي العاملة والاحتياجات المالية لتحقيق الأهداف الموحدة للشركة، وتحديد عدد المشاريع التي يستطيع العاملون الحاليون والميزانية الحالية استيعابها. ثم تقوم الإدارة العليا والإدارة الأوسطية بمقارنة المصادر المتاحة والأهداف الموحدة أو المشتركة وتحديد مدى الحاجة إلى تعديل مجال الأهداف والموارد المتاحة. كما يقوم كل من الفنيين والتقنيين بتقديم النصح للإدارة الأوسطية حول الجدوى التطبيقية الفنية وتوقيت الانتهاء من المشاريع المختارة، كما يلعبون دوراً رئيساً في الخطوات اللاحقة وقبل عملية التصنيع مثل تصنيف المفاهيم واختيار الأنسب. وتحدد الخطة الاستراتيجية ما يلي: - أصناف الأغذية التي تحوز على اهتمام أكبر من عامة الناس. - الحجم الأدنى والمقبول من المبيعات. - برنامج هجر المنتج إذا لم تتحقق الأهداف. - الحد الأدنى المقبول للفائدة، العائدة على الاستثمار وفتراته. - عدد المنتجات الجديدة التي يمكن تطويرها في وقت واحد. - التوقيت الزمني لتطوير المنتج الجديد وفترات تقديم المنتجات الجديدة لو كان هناك أكثر من منتج واحد. ومن خلال الخطة الاستراتيجية تتطور خطة التشغيل من يوم لآخر ويشمل هذا التطور المبيعات السنوية، الأهداف المكتسبة، خطط تسويقية لكل منتج، مصروفات استهلاكية، ميزانية سنوية، جداول زمنية...إلخ. إن عملية التخطيط السنوية تعطي الإدارة العليا والأوسطية الفرصة لإعادة تخصيص المصادر وتوجيهها إلى مجالات تدر أرباحاً. وعند الانتهاء من إعداد الخطة الاستراتيجية فإن عملية التطوير تبدأ في الحال. نشر في مجلة (عالم الغذاء) عدد (12) بتاريخ (صفر 1420هـ - يونية 1999م)