المرض النفسي أو المرض العقلي قد يصيب أي إنسان على وجه الأرض وليس هناك أي شخص مُحصّنا عن الإصابة بهذه الأمراض الصعبة. فالشخص العادي يمكن أن يُصاب بمرض نفسي أو عقلي بدءا من القلق البسيط وانتهاءً بمرض الفصُام الصعب. هذا المرض قد يُصيب أيضاً أشخاص لا أحد يتصوّر أنهم قد يُصابون بأمراض عقلية أو نفسية. فقد يُصاب الحُكاّم والأمراء والوزراء وكبار الفنانين والعلماء العظام. وتم عمل أفلام عن إصابة مثل هؤلاء الأشخاص عندما يُصابون بأمراض عقلية وكيف يُصبح الوضع صعباً، كما هو فيلم "جنون الملك جورج" الذي يصوّر كيف أصُيب الملك جورج بمرض عقلي وكيف كان الوضع متوتراً في القصر الملكي وكيف عجز الأطباء عن علاجه في القرن الثامن عشر، وكيف كانت تصرّفات الملك تُحرج الملكة والأسرة المالكة وأعضاء الحكومة وكيف أن رئيس الوزراء كان يُريد أن يعزل الملك عن العرش ولكن كانت هناك صعوبة في بروتوكولات العزل. ونستون تشرتشل، الذي يُعتبر أهم رئيس وزراء بريطاني في العصر الحديث والذي قاد بريطانيا إلى تجاوز أكثر المراحل حرجاً وخطورةً في العصر الحديث كان مريضا بمرض الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب، وكان يُسمي الاكتئاب بـ "الكلب الأسود"، كذلك فيلم "ساعات" والذي يصوّر حياة الروائية والأديبة فرجينا وولف وكيف كانت حياتها ومعاناتها مع المرض العقلي والذي جعلها تُنهي حياتها بأن تضع نفسها في كيسٍ وتضع معها في هذا الكيس أحجارا وتُلقي بنفسها في النهر لتلقى حتفها غرقاً في قاع النهر. نأتي الآن إلى الأطباء وإصابتهم بالأمراض النفسية والعقلية، وهذا كثيراً ما يصدم عائلة المريض الطبيب وعائلته. وقد أصدرت الجمعية الأمريكية كتاباً عن هذا الأمر؛ موضوع إصابة الأطباء بالأمراض النفسية والعقلية. قد يستغرب عامة الناس أن يُعاني الطبيب من مرضٍ نفسي أو عقلي، ولكن الأطباء مثلهم مثل من يعمل في أي مهنةٍ أخرى. فهم مُعرّضون للإصابة بالأمراض النفسية والعقلية، ولكن بحكم دراستهم للطب، فإن بعضهم يحاول أن يُخفي المرض النفسي الذي يُعاني منه، وقد يبدأ المرض مع الطبيب من سنوات الدراسة في كلية الطب ولكنه يُخفي ذلك عندما يتخرج ويطلب الترخيص في مزاولة مهنة الطب، لأنه لو ذكر أنه عانى من مرض نفسي مثل الاكتئاب أو حتى الإصابة بمرض ذهاني لفترةٍ وجيزة، فهذا قد يُعيق منحه ترخيصا بمزاولة مهنة الطب. لذلك فإن طلبة كلية الطب الذين يُصابون بأمراضٍ نفسية لا يُعلنون ذلك لمن يُريد توظيفهم، وربما كان هذا هو الحال في معُظم المهن، فالمرضى النفسيون يُعانون من تفرقة ووصمة سلبية تجعلهم يخفون ذلك عندما يتقدمون لأي وظيفة. ما يُساعد على إصابة الأطباء بأمراض نفسية خاصةً الاكتئاب والقلق هو أن مجتمع الأطباء تكون فيه المنافسة شديدة بين الأطباء، ورغبةً في التميّز مما يضع صغار الأطباء على وجه الخصوص تحت ضغوط نفسية شديدة. يروي أحد الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة الأمريكية بأن طبيبة مُقيمة في قسم الأطفال، تم تحويلها للطبيب النفسي بسبب أعراض اكتئابية. وعندما قابلها الطبيب كانت فعلاً تُعاني من إكتئاب حاد، فقد فقدت أي اهتمام بعملها، ومزاجها كان إكتئابياً، وفقدت بضع كيلوغرامات من وزنها بسبب فقدانها الشهية للطعام، وانعزلت اجتماعياً وأصبحت تُفكّر كثيراً بأن حياتها ليست ذات قيمة، وأنها طبيبة فاشلة. وعندما اتصل الطبيب النفسي الذي يُعالج طبيبة الامتياز بالاستشاري الذي تعمل معه الطبيبة امتدحها وقال بأنها من أفضل الأطباء والطبيبات المقيمات الذين عملوا معنا. لكنها قالت لطبيبها النفسي بعد أن أخبرها بما قاله الاستشاري الذي تعمل معه، فقالت لطبيبها النفسي : هل قال لك بأنها أفضل طبيبة؟ قال الطبيب النفسي المعالج، بأن الاستشاري الذي تعملين معه قال بأنك من أفض الأطباء والطبيبات الذين عملوا معه. عندئذ قالت : هل رأيت؟ لم يقل بأني أفضل طبيبة مقيمة، وهذا يعني أنني طبيبة فاشلة، فحاول الطبيب النفسي شرح الموضوع للطبيبة المقيمة المريضة لكنها كانت مُصرة على موقفها بأنها إذا لم تكن أفضل طبيبة فهذا معناه أنها طبيبة فاشلة. وهذا يُفسّر مقدار التنافس الشديد في مهنة الطب والذي كما قلنا يجعل الأطباء تحت ضغوط نفسية شديدة تقودهم للاكتئاب. هناك بعض الأطباء قد ينهارون نفسياً تحت الضغوط الشديدة، خاصةً إذا كان لديهم القابلية للإصابة بأمراض ذهانية. هناك بعض الأطباء الذين قد يصُابون بمرض الفُصام، وهو مرض عقلي صعب، ويؤثر على حياة الطبيب تأثيراً سلبياً بحيث يجعله لا يستطيع العمل كطبيب يمُارس مهنة الطب، وهذا في حد ذاته أمرٌ في غاية الصعوبة على الطبيب وأهله. لقد مرّ عليّ مريض بالفُصام وهو طبيب، وكان المرض قد بدأ معه منذ أن كان طالباً في كلية الطب واستطاع أن يتخرج مع تناول العلاج ولكن عندما بدأ ممارسة مهنة الطب انتكس، عادت إليه أعراض مرض الفُصام ألتي لاحظها عليه كل من يتعامل معه وتم تحويله لطبيب نفسي لفحصه وقررت لجنة طبية بأنه لا يستطيع العمل كطبيب ممارس، وتم نقله لعمل آخر غير مزاولة مهنة الطب. كانت صدمة كبيرة لأهل الطبيب المريض بالفُصام، وكانوا يُحاولون أن يجدوا أي وسيلةٍ لإعادة ابنهم لكي يواصل عمله كطبيب، ذهبوا به للمعُالجين الشعبيين، وللقراّء ولكن لم يتحسن. كانت نظرة الأهل ؛ هي الاستغراب : كيف أن أبنهم الذي أنهى دراسة الطب يُصاب بمرضٍ عضال مثل مرض الفُصام الذي منعه من مزاولة عمله كطبيب. حاول الأهل مع الأطباء النفسيين المعالجين بأن يُساعدوا الطبيب المريض حتى يُنهي شهادة التخصص، ولكن كان هناك إجماع من الأطباء النفسيين المعالجين بأن الطبيب يُعاني من مرض الفُصام وأعراضه واضحة من هلاوس وضلالات مما يُشكّل خطراً على حياة المرضى الذين لو تُركوا تحت رعايته،حتى وأن كان تحت إشراف طبيب استشاري. فالطبيب المقيم يستطيع كتابة أدوية أو تغيير بعض الأدوية لأنه هو المشرف المباشر على رعاية المرضى تحت إشراف الطبيب المُعالج (الاستشاري). لا يلجأون إلى العلاج كثيراً ما يُعاني الأطباء من ضغوط العمل التي تؤدي إلى الاكتئاب المرضي، ولكنهم في أكثر الأوقات لا يلجأون إلى العلاج لدى الأطباء النفسيين خشية أن يقود هذا إلى أن يُسجل في ملفاتهم الطبيبة، لذلك يلجأون إلى علاج أنفسهم عن طريق شراء الأدوية المضادة للاكتئاب من الصيدليات الخارجية ولا يراجعون أو يستشيرون أي طبيب نفسي خشية أن يؤثر ذلك على مستقبلهم العملي وعدم إستطاعتهم تجديد ترخيص مزاولة المهنة، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للأطباء في الدول المتقدمة، حيث يُصعب على الطبيب المريض بمرض نفسي مثل الفُصام أن يُمارس عمله كطبيب، وأتذّكر عندما كنت أتدّرب في بريطانيا دخل إلى المستشفى الذي أعمل فيه، طبيب كان للتو قد أنهى تدريبه ونجح في شهادة الزمالة في تخصص الباطنة، وتم تشخيص حالته على أنه يُعاني من مرض الفُصام وتم تنحيته عن العمل كطبيب وإنما باستطاعته أن يعمل في أي وظيفة إدارية لا علاقة لها بالإشراف على المرضى أو علاج المرضى. مادعاني لكتابة هذا الموضوع هو أن بعض الأطباء قد يكونون مرضى بمرضٍ نفسي يؤثر على تركيزهم مثلاً في إجراء العمليات الجراحية أو تشخيص وكتابة أدوية خاطئة للمرضى نتيجة هذه الأمراض النفسية أو العقلية التي لا تكون واضحة للمسؤولين فيتأثر سلباً علاج المرضى