عن السؤال الأول : إن الله سبحانه وتعالى دعا إلى العمل وكسب الرزق فقال فى القرآن الكريم { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } الجمعة 10 ، وأمر بالإنفاق من طيب الكسب فقال { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } البقرة 267 ، ونهى عن أكل المال بالباطل فقال { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } البقرة 188 ، وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، ومن أكل الأموال بالباطل الربا . وقد نهى الله عنه فى آيات كثيرة منها قوله سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون } آل عمران 130 ، وقال تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } البقرة 275 ، وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } البقرة 278 ، 279 .
قال أبو بكر الجصاص الحنفى فى كتابه ( ج 1 ص 551 وما بعدها ط . المطبعة البهية بالقاهرة سنة 1347 هجرية ) أحكام القرآن فى تفسير قول الله سبحانه : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس } . ( أصل الربا فى اللغة هو الزيادة، وهو فى الشرع يقع على التفاضل وعلى النسيئة فيكون كل من ربا الزيادة وربا النسيئة محرما ، ولا خلاف فى هذا بين فقهاء مذاهب الأئمة الأربعة ، باعتبار أن آيات تحريم الربا فى سورة البقرة هى آخر مانزل فى شأنه من القرآن ، كما روى ذلك عن عمر وابن عباس، وسعيد بن جبير رضى الله عنهم ( الدر المنثور فى التفسير بالمأثور السيوطى ج1 ص 365 وعلى هامشه التفسير المنسوب لابن عباس ) . وجاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة ومصدقة . من هذا ما روى عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو أستزاد فقد أربى )( رواه البخارى وأحمد - كتاب نيل ألأوطار ج 5 - ص 190 ) .
لما كان ذلك : فإذا كانت نقود العمال التى تستبقيها الشركات لديهما مودعة فى البنوك للاستثمار بفائدة مقدرة مقدما زمنا ومقدارا ، كأن تكون بواقع كذا فى المائة سنويا ، كانت هذه الفائدة داخلة فى نطاق ربا الزيادة المحرم شرعا ، لأن ربا الزيادة فى عرف الفقهاء : هو زيادة مال فى معارضة مال بمال دون مقابل، وإيداع الأموال لدى البنوك بفائدة محددة مقدما زمنا ومقدارا من باب القرض بفائدة ، أما إذا كانت هذه الأموال مودعة من الشركة فى البنوك للاستثمار العادى، دون تحديد لقدر الفائدة وزمنها كانت مباحة ، لأنها تدخل فى نطاق الاستثمار المشروع ، وعندئذ يطيب للعامل الانتفاع بهذا العائد من أمواله المدخرة والمستثمرة بطريق مشروع فى الإسلام . عن السؤال الثانى : جرى فقه أئمة المسلمين على أنه لا يجرىء فى الأضحية إلا الأنعام، وهى الإبل والبقر والغنم ، لقوله تعالى { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج 28 ، وأقل ما يجزىء من هذه الأنواع فى الأضحية الجذع من الضأن، والثنية من المعز وغيرها . لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تذبحوا إلا مسنة، إلا إن تعسر عليكم ، فاذبحوا جذعة من الضأن ) وروى عن على رضى الله عنه قال : ( ولا يجوز فى الضحايا إلا الثنى من المعز والجذعة من الضأن ) وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : ( لا تضحوا بالجذع من المعز والإبل والبقر ) والثنى من البقر والمعز ما كان لها سنتان ودخلت فى الثالثة، ومن الإبل ما كان لها خمس سنوات ودخلت فى السادسة ، وقد جزم الثقات من أهل اللغة بأن الجذع من الضأن والماعز والظباء والبقر ما أتم عاما كاملا ودخل فى الثانى من أعوامه فلا يزال جذعا حتى يتم عامين ويدخل فى الثالث فيكون ثنيا وتحديد سن الأضحية توقيفى، بمعنى أنه ثابت بالسنة الصحيحة أن الجذع من الضأن كاف تجوز به الأضحية ، أما من غيره فلا تجزىء وليست الحكمة فى هذا - والله أعلم - كثرة اللحم مع تلك السن أو قلته مع هذه ، وإنما الحكمة كما نقل بعض الفقهاء أن الجذع من الضأن يلقح أنثاه ، ولا يلقح الجذع من غير الضأن أنثاه ( المجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى الشافعى ج 8 ص 392 - 394 - مع فتح العزيز للرافعى ج 3 ص 238 وما بعدها ومواهب الجليل مع التاج والأكليل شرح مختصر خليل والمغنى لابن قدامة الحنبلى مع الشرح الكبير ج 11 ص 99 وما بعدها والروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 3 و 143 والفتح الربانى لترتيب مسند الامام أحمد مع شرح بلوغ الأمانى ج 11 ص 71 وما بعدها باب السن الذى يجزىء فى الأضحية والاختبار شرح المختار فى الفقه الحنفى ج 1 ص 171، وكتاب جواهر الكلام فى شرح شرائع الإسلام لقاضى محمد حسن باقر فى أحكام الهدى والأضحية من كتاب الحج ، وهو الذى نقل بعض الآثار التى تشير إلى أن تحديد سن الأضحية توقيفى، وأن ذلك مراعى فيه من التلقيح فى كل نوع سن الأنعام ) . لما كان ذلك : لم تجزىء الأضحية من البقر المسئول عنه مادام سنه منذ ولادته عشرة أشهر، ولابد لجوازه أضحية مشروعة أن يكون له عامان ودخل فى الثالث على ما تقدم بيانه لأن الاعتبار لبلوغ سن التلقيح لا لكثرة اللحم . وعن السؤال الثالث : اتفق الفقهاء بوجه عام على أن الحجاج يجمعون بعرفات بين الظهر والعصر فى وقت الظهر، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة فى وقت العشاء هذا ثابت بالإجماع، ولا يجوز جمع صلاة الصبح إلى غيرها، ولاصلاة المغرب إلى العصر بالإجماع كذلك . أما فى غير هذا - فقد اختلفت كلمة الفقهاء بما موجزة : فى فقه مذهب الامام أبى حنيفة : لا يجوز الجمع بين صلاتين فى وقت واحد، لا فى السفر ولا فى الحضر . وللجمع فى عرفات شروط موضحة فى كتب فقه هذا المذهب . وفى فقه مذهب الإمام مالك : أن السفر والمرض والمطر والطين مع الظلمة فى آخر الشهر ووجود الحاج بعرفة وبالمزدلفة، كل أولئك أسباب للجمع فيما أجيز الجمع فيه . أى فيما عدا صلاة الصبح ، فلا تجمع إلى غيرها وصلاة المغرب، فلا تجمع إلى العصر، والمقصود بالمطر، الغزير الذى يحمل أواسط الناس على تغطية الرؤوس ، أو وجد وحل كبير ، يتعذر معه على أواسط الناس السير فيه بالحذاء ، فى هذه الحالة يجوز جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم محافظة على صلاة العشاء فى جماعة من غير مشقة ، وهو خلاف الأولى ، وجوازه على هذا الوجه عند المالكية خاص بالمسجد ولا يمتد الجواز إلى المصلى فى غير الجماعة، وفى غير المسجد . وفى فقه مذهب الإمام الشافعى : يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر بشروط السفر ، ويجوز جمعها جمع تقديم فقط بسبب نزول المطر للمقيم غير المسافر ، بشرط أن يكون المطر بحيث يبل أعلى الثوب أو أسفل النعل ، ومثل المطرالثلج والبرد الذائبان ومن الشروط التى شرطها فقهاء المذهب فى هذه الحالة أن يكون المطر ونحوه موجودا عند تكبيرة الإحرام . وفى فقه مذهب الإمام أحمد : يسن الجمع بين الظهر والعصر تقديما للحاج بعرفات ، والمغرب والعشاء تأخيرا بالمزدلفة . وقد قال ابن قدامة الحنبلى فى المغنى : إن جملة القول فى الجمع بين الصلاتين فى السفر فى وقت إحداهما جائز فى قول أكثر أهل العلم ، وفى موضع آخر قال : ويجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء ، وكذلك بسبب البرد والثلج والوحل والريح الشديدة الباردة ، ويشترط لجمع التقديم استمرار العذر المبيح للجمع إلى فراغ وقت الثانية، ولجمع التأخير بقاء العذر المبيح للجمع من حين نية الجمع وقت الإحرام للدخول فى الاولى الى دخول وقت الثانية . أما عن الحديث المشار إليه فى السؤال . فقد قال ابن قدامة إنه لا يجوز الجمع لغير من ذكرنا ( يعنى أصحاب الأعذار ومنها المطر ) وقال ابن شبرمة يجوز إذا كانت حاجة أو شىء ما لم يتخذه عادة . لحديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر . فقيل لابن عباس - لم فعل ذلك . قال : أراد ألا يحرج أمته . ثم قال ابن قدامة : ولنا عموم أخبار التوقيت وحديث ابن عباس حملناه على حالة المرض ، ويجوز أن يتناول من عليه مشقة كالمرضع والشيخ الضعيف ، وأشباههما ممن عليه مشقة فى ترك الجمع ، ويحتمل أنه صلى الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها ، فإن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال عمرو : قلت لجابر : أبا الشعثاء : أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء . قال : وأنا أظن ذلك. وبهذا القول يظهر أن التأويل وارد على الحديث الذى أشار إليه السؤال وأنه لا يعمل به بإطلاق . هذا : وفى أقوال فقهاء مذاهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد السعة لهذا العذر الوارد فى السؤال وغيره مع الشروط التى اشترطوها لكل عذر والأقوال فى جملتها تسرى على تلك الحالة الموصوفة فى السؤال ، وإن كنت أميل إلى القول بأن الأولى مراعاة المواقيت لكل صلاة، أخذا بعموم الأدلة وعلى المسلم أن يتحرى وقت العبادة ولو أصابته بعض المشقة ، إلا إذا كانت مشقة معجزة ، فعندئذ تكون الرخصة . عن السؤال الرابع : الإجماع منعقد منذ عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن قيام شهر رمضان مرغوب فيه أكثر من سواه من الأشهر . لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخارى عن أبى هريرة أما التراويح التى جمع الناس عليها عمر بن الخطاب، فهى سنة مؤكدة فى قول فقهاء المذاهب عدا مالك وقد اختلف الفقهاء فى المختار من عدد ركعاتها، فقال الأئمة أبو حنيفة ومالك فى أحد قوليه والشافعى وأحمد وداود هى عشرون ركعة سوى الوتر وروى عن مالك أنه كان يستحسن ستا وثلاثين ركعة ، والوتر ثلاث . وسبب اختلاف الفقهاء فى عدد الركعات ، اختلاف الرواية فى ذلك ، وقد روى عن أبى حنيفة فى هذا قوله ( الاختيار شرح المختار ج 1 ص 67 ) التراويح سنة مؤكدة ولم يتخرصه ( جاء فى القاموس تخرصه ، افترى عليه ) عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولقد سن عمر ( يعنى عشرين ركعة للتراويح عدا ركعات الوتر الثلاث ) هذا والصحابة متوافرون، وما رد عليه واحد منهم ووافقوه وأمروا بذلك وعند مالك التراويح مندوبه ندبا أكيدا لكل مصلى من الرجال والنساء . هذا ويسن إقامتها فى جماعة سنة كفاية، لو تركها أهل مسجد أثموا ، وإن تخلف عن الجماعة أفراد وصلوا فى منازلهم لم يكونوا مسيئين والجماعة مندوبة فيها عند الإمام مالك . أما حديث عائشة الذى رواه البخارى والمشار إليه فى السؤال ، فليس نصا فى عدد ركعات صلاة التراويح ، وإلا لما احتج الإمام أبو حنيفة على أنها عشرون ركعة بما سنه عمر ، ولما خفى عن عمر أيضا والصحابة متوافرون موافقون على ما سن للناس . لما كان ذلك : كان ما سنة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أولى وأحق بالأتباع . هذا : والتخفيف فى الصلاة . لاسيما فى الجماعة مطلوب لحديث معاذ المشهور فى هذا الموضع، لكن ليس معنى التخفيف أن لا يحسن الإمام القراءة ولا أن يتمها ، بل يتحرى أقل ما تجوز به صلاة الجماعة مع الاطمئنان والخشوع ، الذى هو الفرض الأصلى فى الصلاة ، ومن شقت عليه الجماعة فلينفرد ، لكن لا يخلو مسجد من الجماعة فى التراويح . عن السؤال الخامس : أوقات الصلوات بدءا ونهاية حددتها أحاديث المواقيت بعلامات طبيعية هذه العلامات هى الأساس فى تحديد هذه الأوقات الآن بالدقائق والساعات حسابيا . ووقت المغرب يبدأ من غروب الشمس ، وينتهى بمغيب الشفق الأحمر الذى يظهر فى الأفق الغربى بعد غروب الشمس ، وهذا قول الأئمة مالك والشافعى وأحمد وأبى يوسف ومحمد صاحبى الأمام أبى حنيفة، أما الأمام أبو حنيفة فقال إن وقت العشاء يدخل بانتهاء وقت المغرب ، وهذا إنما ينتهى بدخول الظلمة والسواد فى الأفق بحيث لا يكون به بياض . وتختلف مدة وقت المغرب بدءا ونهاية حسابيا من بلد لآخر تبعا لاختلاف خطوط الطول والعرض وهذه حقيقة علمية لم تعد موضع جدل . لما كانت ذلك : كان لكل بلد موقته الحسابى، ولعل ما جاء فى الكتب التى قرأها السائل ، كان بيانا للوقت فى بلد المؤلف للكتاب ، ولا يصلح أن يكون وقتا لكل البلاد لما تقدم من اختلاف التوقيت الحسابى تبعا لموقع البلد على أرض الله، فالعلم الذى علمه الله الإنسان آية على امتداد أحكام الإسلام وشمولها لكل زمان ومكان . ولنقرأ قول الله سبحانه لرسول صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم فى مواقيت الصلاة { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } الإسراء 78 ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم .