الرياض-عبد المنعم السيد إبراه
استقبلت الأوساط المالية والتجارية في جميع أنحاء العالم القرن الحادي والعشرين بشيء من الحذر والتفاؤل نظرا للتغيرات التي فرضت نفسها ومثلت تحديا للنظم التشريعية القائمة. ويأتي في مقدمة هذه التغيرات ادخال واستخدام الحاسب الآلي في الاسواق المالية والتجارية حيث تتجه الشركات العالمية في التجارة الدولية, بشكل متزايد, نحو الاستفادة من الحاسبات الآلية وغيرها من الاجهزة الالكترونية لأداء العديد من الوظائف في مجال العمل التجاري مثل حفظ المعلومات ومتابعة الانتاج والمخزون ومراقبة النواحي المالية. واصبح استخدام الحاسب الآلي في معالجة البيانات امرا مستقرا في كل ارجاء العالم, لكن القواعد القانونية المبنية على استخدام الرسائل الورقية في توثيق المعاملات التجارية الدولية والمحلية وكذلك في الدوائر الادارية في مرحلة ما قبل استخدام المعالم الآلية للبيانات قد تشكل عقبة أمام استخدام المعالجة الآلية للبيانات من حيث أنها تسبب بلبلة قانونية او تحول دون استخدام المعالجة الآلية للبيانات استخداما فعالا. وبما ان التغلب على هذه المشاكل يتطلب وضع قواعد قانونية تتصل على وجه التحديد بالقيمة القانونية لسجلات الحاسب الآلي وتعالج موضوع اشتراط الكتابة والتوثيق والشروط العامة وسندات الشحن الا ان استخدام البيانات المخزونة في الحاسب الآلي على نطاق عالمي كادلة في الدعاوى القضائية وخاصة اشتراط الكتابة والتوقيع على المستندات واشتراط ان تكون المستندات ورقية قد أثار العديد من الصعوبات والمشاكل القانونية. وعبارة "التجارة الالكترونية" هي عبارة رنانة شائعة الاستخدام لا ينحصر معناها بوضوح في عناصر معينة ولكن لديها قدرة على الارتباط مع العديد من المجالات والقضايا المهمة في وقتنا الحالي. وقد جرت عدة محاولات لوضع تعريف لمفهوم التجارة الالكترونية لكن تلك المحاولات لم تصل الى وضع تعريف محدد حتى الآن. وعرفت اللجنة الاقتصادية في الأمم منظمة الأمم المتحدة التجارة الالكترونية بأنها بث البيانات التجارية من حاسب آلي إلى حاسب آخر في قالب شكلي وقياسي. اما رابطة المحامين الامريكيين فعرفتها بانها الطريقة التي ترسل بها البيانات التجارية الكترونيا , بين حاسب آلي وآخر في اشكال موحدة قياسيا (مثل أوامر الشراء والفواتير واشعارات الشحن واشعارات التحويل النقدي) بديلا عن المستندات الورقية التقليدية.. وبصفة تقنية وغير ملتبسة . وبالرجوع الى أسس وقوانين اللجنة البحرية الدولية نجد انها قد اعتمدت على التعاريف السابقة. وأول خطوة يمكن القيام بها من أجل تقنين التجارة الإلكترونية، في العالم العربي، تتم عبر استعراض الانظمة القائمة والعمل على تعديلها وفقا لمتطلبات التجارة الالكترونية وذلك: × باعادة النظر في الانظمة التي تعوق استخدام السجلات الالكترونية كأدلة في الدعاوى القضائية, بغية ازالة ما يحول دون قبولها من عقبات لا مبرر لها, والتأكد من ان هذه القواعد تتفق والتطورات في مجال التجارة الالكترونية, وتوفير الوسائل الملائمة لتمكين المحاكم من تقييم مصداقية البيانات الواردة في تلك السجلات. × اعادة النظر في المتطلبات القانونية بحيث تلزم كافة الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية بإدخال كل ما يتعلق بالمستندات القانونية الخاصة بها الكترونيا. × الحفظ الإلكتروني للتواقيع. أما الخطوة الثانية فتتعلق بالاستعانة بما قامت به لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي(الاونسترال) وهي تمثل اهم مصدر يمكن الرجوع اليه والاستفادة من القوانين النموذجية والاتفاقيات الدولية التي قامت باعدادها حتى الآن. وكانت اللجنة قد اعتمدت في عام 1992م القانون النموذجي للتحويلات الدائنة الدولية وهو قانون له قيمة بالغة فيا يخص تحويل الاموال بواسطة الحاسبات الالكترونية. اما القانون النموذجي الثاني (القانون النموذجي بشأن التجارة الالكترونية) الذي اعتمدته اللجنة عام 1996م فانه يركز اساسا على اعداد العقود بواسطة الحاسب الآلي. ويتمثل القانون الثالث الذي تبنته اللجنة في مشروع القواعد الموحدة الخاصة بالتوقيعات الالكترونية وهذا المشروع يجري إعداده في شكل اتفاقية دولية ينتظر أن يتم اعتمادها في صيف هذا العام. أما الخطوة الثالثة فتتمثل في الاستفادة من التجارب السابقة لبعض الدول. ولكي يتضح امامنا الطريق لمباشرة تقنين التجارة الالكترونية في الدول العربية على اسس صحيحة, علينا ان نقوم باستعراض بعض النظم القانونية في الدول التي اصبح لديها قواعد لتنظيم التجارة الالكترونية. والملاحظ ان بعض النظم القانونية تسمح لاطراف المنازعات التجارية بتقديم اي نوع من الادلة تكون له صلة بالنزاع, غير انه توجد بين تلك الانظمة القانونية تباينات بشأن الطريقة التي يتم بها قبول الادلة ذات الاساس الالكتروني, وتشترط نظم قانونية اخرى شهادة من خبير كشرط لتقديم الدليل, وفي بعض البلدان تختلف اجراءات الاعتراض على تقديم الادلة الالكترونية عن الاجراءات الخاصة بالاعتراض على الاشكال الاخرى من الادلة, وفي عدد غير قليل من البلدان, يترك للمحكمة, عندما ينشأ تساؤل عن دقة الدليل الالكتروني او قيمته, امر تقدير مدى امكانية التعويل على الدليل. ويمكن ان تتضمن العوامل التي ينبغي النظر فيها لدى اجراء هذا التقدير لنوعية الدليل ذي الأساس الالكتروني درجة الأمن في النظام الذي صدر عنه الدليل, وكيفية إدارة ذلك النظام وطريقة تنظيمه واذا كان يعمل بصورة سليمة, واية عوامل اخرى ذات صلة بموثوقية الدليل. وفي البلدان التي يوجد فيها هيكل قانوني اكثر احكاما ينظم قبول الادلة, ويعطى فيها للمحاكم قدرا اقل من حرية التقدير, تستبعد المصادر الثانوية عادة باعتبارها "شهادات سماع". وتتمثل الخطوة الرابعة في تحديد القيمة القانونية لسجلات الحاسب الآلي. والمعروف أن قواعد الاستعمال العام, في كثير من البلدان, توجب ان تكون المعاملات التجارية وكذلك انواع اخرى من المعاملات, خطية, او تنص على انه لا يمكن اثبات تلك المعاملات, في حالة حدوث نزاع, الا بواسطة محرر خطي. والقيمة القانونية لسجل المعاملة المحفوظة في حاسبة آلية, او في شريط ممغنط او في غيره من اجهزة ذاكرة الحاسبة الالكترونية, مشكوك فيها في هذه البلدان. وعلاوة على ذلك, فان السجلات الورقية الاساس الصادرة من الحاسبة الالكترونية قد تكون قيمتها القانونية موضع ارتياب, اذ قد تتواجد نفس الشكوك فيما يتعلق بدقة البيانات. ولذلك قام عدد من البلدان, نتيجة للحاجة الى التلاؤم مع انتشار استخدام الحاسبة الالكترونية في الاغراض التجارية والدارية بتغيير التشريعات ذات الصلة حتى يمكن استخدام الحاسبة الآلية في هذه الظروف, وقبول الاستشهاد بالسجلات المحفوظة في الحاسبات الالكترونية او في اجهزة ذاكرة الحاسبة الالكترونية كأدلة عند الوفاء بمعايير معينة. وبسبب الاختلافات الموجودة في المعايير المستخدمة للبت في القيمة القانونية لهذه السجلات, وكذلك وجود دول لم تعط حتى الآن لسجلات الحاسبة الالكترونية اية قيمة قانونية, توجد مشاكل خطيرة في استخدام هذه السجلات التي حفظت في دولة ما, كأدلة في نزاع ينشأ في دولة اخرى. وعلاوة على ذلك, فان كثيرا من القوانين الصادرة لتسهيل المقبولية القانونية لسجلات الحاسبة الالكترونية لم تأخذ في الاعتبار بشكل جدي المشاكل التي قد تنشأ عندما يكون السجل قد اعد في حاسبة الكترونية لمنشأة ما ونقل الى الحاسبة الالكترونية التابعة لمنشأة اخرى عبر وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية او عن طريق تسليم جهاز ذاكرة الحاسبة الالكترونية تسليما ماديا وحفظه في الحاسبة الالكترونية الثانية. وتتعلق الخطوة الخامسة بمراجعة القواعد الخاصة بعبء الاثبات: فالمبدأ الذي يحكم موضوع من يقع عليه عبء الاثبات هو ان "البينة على المدعي واليمن على من انكر" وهذا المبدأ لم يعرف في القوانين الغربية الا منذ وقت ليس بالبعيد وكان للشريعة الاسلامية السمحة فضل السبق في ارساء هذا المبدأ: قال الله سبحانه وتعالى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم , سورة البقرة الآية 111, والمدعي متمن, فيحتاج الى الحجة, قال عز من قائل ولهم ما يدعون سورة ياسين الآية 57, اي يتمنون: تقول العرب: ادع على ما شئت, أي: تمن, وقيل في قوله سبحانه وتعالى في قصة داود عليه السلام وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب سورة ص الآية 20, فصل الخطاب في رأي بعض المفسرين: هو البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه, وقيل: هو ان يفصل بين الحق والباطل (يرجي مراجعة تفسير القرآن العظيم لابن كثيرالجزء 4 ص 33). والسؤال الذي يحتاج الى جواب مدروس هو هل يمكن تطبيق هذه القاعدة عند نظر المنازعات المتعلقة بالتجارة الالكترونية؟ وهل تطبيق هذه القاعدة سيحقق التكافؤ بين الاطراف ام انه سيكون من الملائم ومنعا للظلم, إلقاء عبء الاثبات على عاتق الطرف الذي يتحكم في شبكة الحاسب الآلي؟ واذا لم يكن ذلك ممكنا فهل باستطاعتنا وضع قائمة بالعوامل التي قد تكون ذات اهمية في تحديد الجهة التي يقع عليها عبء الاثبات, ام اننا نترك عبء الاثبات للشروط التعاقدية التي تنظم العلاقة الاصلية والافتراضات التي نشأ عن تلك الشروط؟ وعلى سبيل المثال, اذا كانت القضية المطروحة امام القضاء هي النظر فيما اذا كان امر الدفع مأذونا به وكان الطرفان اتفقا على تدابير امنية معينة تطبق على الرسائل الالكترونية المعنية, فسون يفترض ان الامر صحيح وساري المفعول ومأذون به في الواقع. ان قبول وثائق الحاسب الآلي وغيرها من اشكال الادلة ذات الاساس الالكتروني كان ولا يزال موضع دراسة من قبل العديد من الدول, وبإمكان الدول العربية الاستفادة من نتائج هذه الدراسات, نذكر على سبيل المثال الدراسة التي قامت بإجرائها الحكومة الفرنسية بشأن قانون الاثبات والكيفية التي ينبغي تعديله بها بغية ايجاد علاقات قانونية لاورقية. وفي نهاية عام 1990م نشرت صحيفةOBSER VATOIRE JURIDIQUE DES TECHNOLOGIES نتيجة هذه الدراسة في تقرير بعنوان SOCIETE SANS PAPIER (مجتمع بلا ورق) يشار اليه فيما بعد بتقرير صحيفة (OJTI) ولا يقتصر نطاق تقرير صحيفة(OJTI) على الجوانب المتعلقة بالقانون التجاري او على المسائل المتعلقة بالتبادل الالكتروني للبيانات, بل يشمل ايضا المسائل والاهتمامات التي يتسم بها النقل الالكتروني للرسائل من حيث انطباقه على معاملات المستهلكين. ومع انه يستند الى دراسة القواعد المماثلة في نظام قانوني واحد فقط. فإن بعض استنتاجاته العامة جديرة بأن تذكر. ويعد تقرير صحيفة(OJTI) محاولة مفيدة من جانب احدى الحكومات لايضاح التغيرات التي ينبغي اجراؤها في قواعد الاثبات بغية مراعاة التطورات المقبلة في مجال الالكترونيات, وفي هذا الشأن يمكن مقارنة هذه الدراسة بدراسة مماثلة بعض الشيء تم اجراؤها في بلدان. ويزيل تقرير(OJTI) في استنتاجاته القلق الواسع الانتشار من ان التبادل الالكتروني للبيانات ربما كان يتطور داخل فراغ تشريعي فيما يتعلق بقواعد الاثبات, ويلاحظ انه بالرغم من انه لا يوجد الا عدد قليل جدا من القواعد التشريعية الموضوعة خصيصا لمعالجة موضوع الاثبات في سياق التبادل الالكتروني للبيانات, فقد عولجت بصورة غير مباشرة مسألة القيمة الاستدلالية لرسائل التبادل الالكتروني للبيانات في القواعد العامة المتعلقة بالاثبات والتي ادخل على بعضها تعديلات طفيفة مراعاة لبعض الاهتمامات المقترنة بالتبادل الالكتروني للبيانات. وفيما يتعلق بالسوابق القضائية يلاحظ تقرير صحيفة (OJTI) ان عددا ضئيلا من القضايا قد رفع امام المحاكم. وتجدر الاشارة الى ان استنتاجا مماثلا ورد في تقرير رابطة المحامين الامريكيين عن الممارسات التجارية الالكترونية. ولعل السبب في عدم وجود سوابق قضائية يكمن في كون التبادل الالكتروني للبيانات يستخدم بصورة رئيسية الآن, بين اطراف التعامل التجاري الذين تقوم بينهم علاقة طال امدها. ويمكن في سياق كهذا ان ينظر الى التقاضي على انه وسيلة مكلفة لفض المنازعات. ويؤكد تقرير رابطة المحامين الامريكيين كذلك على ان مستعملي التبادل التجاري للبيانات يرون ان التقاضي والحلول القانونية التي يمكن توقعها من المحاكم امور لا سبيل الى التكهن بها. ولذلك فإن الاطراف في علاقات التبادل الالكتروني للبيانات يؤثرون اللجوء الى الحلول التعاقدية والتحكيم في حل منازعاتهم المحتملة. وفيما يتعلق باتفاقات الاتصال المحدودة التي يمكن ابرامها بين الاطراف يلاحظ تقرير صحيفة(OJTI) انه على الرغم من ان كثيرا من هذه الاتفاقيات قد وضع في فرنسا, فإنه لا يوجد دليل على ان اطارا تعاقديا بعينه سوف يحظى بالقبول دون غيره. والسبب البديهي لتنوع الانماط التعاقدية هو ان مثل هذه الاتفاقيات تتم بشأن علاقة قانونية محدودة تتلاءم مع الاحتياجات المتباينة للفئات الذين تنطبق عليهم هذه الاتفاقيات. ومع ان تقرير صحيفة(OJTI) لا ينصح بعدم استخدام هذه الاتفاقيات, الا انه يعرب عن القلق ازاء احتمال نشوء تناقضات بين مختلف الحالات القانونية نتيجة لاختلاف الاتفاقيات. وثمة مصدر قلق رئيس آخر ورد ذكره في تقرير صحيفة (OJTI) مؤداه ان اتفاقات الاتصال ينبغي ان لا تعدل توازن القوى بين الاطراف غير المتساوية في الاهمية الاقتصادية بشكل يلحق الضرر بالطرف الاضعف. ومرة اخرى يمكن الملاحظة بأن قلقا مماثلا كان قد ابدي في تقرير رابطة المحامين الامريكيين, وان تأثيره كان قويا من صياغة اتفاقية تلك الرابطة. وبالنسبة للتوصيات التي يراد ادخالها على قواعد الاثبات في القانون الفرنسي كانت اول توصية لتقرير صحيفة(OJTI) هي عدم محاولة اجراء تغيير في التشريع الى ان يعرف المزيد عن الشروط التي بموجبها ستكون الرسائل والسجلات الالكترونية المعدة بهدف اعطائها قيمة استدلالية مقبولة في المحاكم كبينة بمقتضى التشريع الحالي. ومن المقترح ايضا الا تجرى التغييرات التشريعية قبل ان يعرف المزيد عن قرارات السياسة العامة المرتقبة. وهناك اقتراح آخر يقضي بعدم اجراء اية تغييرات فيما يتعلق بالمبادئ القانونية الاساسية المتعلقة بالبينة. ويرى انه ينبغي اعادة تأكيد هذه المبادئ الاساسية مع التركيز بشكل خاص على مسؤولية الطرف الذي يخضع النظام لسيطرته. والخطوة السادسة هي الاستعانة بخبرة القضاء، فدور القضاء يمثل جانبا مهما في اعداد القوانين الخاصة بالتجارة الالكترونية. وتتمثل الخطوة السابعة في اعادة النظر في القواعد الخاصة بتكوين العقود. عرف صاحب مرشد الحيران العقد في المادة 262 بأنه عبارة عن ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الآخر على وجه يظهر اثره في المعقود عليه اي ان فقهاء الشريعة الاسلامية ينظرون الى النتائج الاخيرة للعقد, ويتخطون النتائج الاولى لانعقاد العقد. وبموجب مبدأ حرية التعاقد, الموجود في معظم الانظمة القانونية, يجوز للطرفين ان يبرما العقود بأية وسيلة يتفقان عليها. واذا كان الشكل المختار لتكوين العقد لا يوفر اي اثبات مادي على الارادة المشتركة للطرفين في التعاقد, فإن قابلية العقد للتنفيذ يمكن ان تتأثر, اما صحة العقد فلا تتأثر. وبما ان العقد يعد مبرما بواسطة الحاسب الآلي في الوقت والمكان اللذين تصبح فيهما رسالة التبادل الالكتروني للبيانات, التي تشكل قبول الايجاب, متوفرة في نظام المعلومات الخاص بالمستلم, مالم يتفق على غير ذلك, فإن هناك عددا من العناصر الاساسية يجب اخذها في الاعتبار عند وضع اي تشريع للتجارة الالكترونية. 1ـ الايجاب والقبول: يعد الايجاب والقبول من اهم الصعوبات التي تعترض تكوين العقود بالوسائل الالكترونية في سياق التجارة الالكترونية, وكذلك وقت ومكان تكوين العقد والشروط العامة لصحة التعاقد. وسيلاحظ ان المشكلة الرئيسية فيما يتعلق بالشروط العامة للبيع تتمثل في معرفة مدى امكانية المطالبة بنفاذها ضد الطرف المتعاقد الآخر. والمحاكم في معظم البلدان هي التي تنظر فيما اذا كان من المعقول الاستدلال من السياق على ما اذا كان الطرف المطلوب نفاذ الشروط العامة ضده قد تسنت له فرصة الاطلاع على مضمونها, او ما اذا كان يمكن التسليم بأن هذا الطرف قد وافق صراحة او ضمنا على عدم الاعتراض على تطبيقها كليا او جزئيا . ونظرا لاهمية الايجاب والقبول في تكوين العقود بواسطة الحاسب الآلي فإن انعدام التحكم المباشر من جانب صاحبي الجهازين قد يؤدي الى احتمال ارسال وتكوين عقد لا يعبر عن النية الحقيقية لواحد او اكثر من الاطراف عند تكوين العقد, لأن الحواسيب لا تتمتع بالاعتراف القانوني بها باعتبارها"اشخاصا " ومن ثم لا يمكن ان تعبر تعبيرا صحيحا عن الموافقة على الدخول في علاقة ملزمة قانونا . غير ان الشخص الذي يكون له التحكم النهائي"او الذي يعتبر ان له التحكم النهائي" في تشغيل النظام الحاسوبي يمكن ان يعتبر قد وافق على جميع الرسائل التي يرسلها ذلك الحاسوب. 2 ـ زمان ومكان تلقى رسالة البيانات: لطرفي العقد مصلحة عملية في ان يعرفا اين يتكون العقد ومتى. ذلك انه عندما يتكون العقد يصبح الطرفان مرتبطين بالالتزامات القانونية التي اتفقا عليها ويمكن ان يبدأ العقد عندئذ بإحداث مفعوله. وفي منظم قانونية مختلفة, قد يكون لوقت تكوين العقد اثر حاسم في تقرير مسائل معينة يذكر منها اللحظة التي يسقط عندها حق مقدم العرض في سحب عرضه وحق المعروض عليه في سحب قبوله, وما اذا كانت التشريعات التي دخلت حيز النفاذ اثناء المفاوضات منطبقة على العقد, ووقت انتقال ملكية البضائع وانتقال تبعة هلاكها او تلفها في حالة بيع بضائع معينة, والسعر, حيثما ينبغي تحديده وفقا للسعر السائد في السوق وقت تكوين العقد. كما قد يكون لمكان تكوين العقد في بعض البلدان اهميته في تقرير الاعراف والممارسات السارية المفعول, وفي تقرير المحكمة المختصة في حالة التقاضي, والاحكام الواجبة التطبيق من القانون الدولي الخاص. اذا تحديد "مفهوم الوصول" أي دخول رسالة البيانات في الحاسب الآلي للمتلقي "المرسل اليه" والمراحل المختلفة والصعوبات التي تصادف ارسال وتلقي رسائل البيانات والتي تشمل مراحل الارسال, التلقي, الدخول في الحاسب الآلي, التسجيل, الترجمة, استرجاع المرسل اليه للرسالة وقراءتها والاحاطة بمحتوياتها, تعد من أهم القواعد القانونية لتنظيم التجارة الالكترونية. أما الصعوبات في تحديد ذلك فان اهمها ان ذاكرة الحاسب الآلي للمتلقي قد تكون ممتلئة الأمر الذي يحول دون دخول وتسجيل الرسالة او انقطاع التيار الكهربائي او نقص الورق في جهاز الفاكس وأخيرا صعوبة تحديد مكان تلقي الرسالة. 3 ـ شرط الكتابة: يقول الله سبحانه وتعالى : يا أيها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه سورة البقرة الآية 282 وقوله: "فاكتبوه" أمر منه تعالى بالكتابة للتوثيق والحفظ, والأمر هنا أمر ارشاد لا أمر ايجاب. وقال ابوسعيد والشعبي والربيع بن انس وغيرهم: كان ذلك واجبا, ثم نسخ بقوله تعالى فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن امانته . يرجى مراجعة "تيسير العلي القدير لاختصار تفسير بن كثير" المجلد الأول ص 241. إذا : القرآن الكريم ارشدنا الى الكتابة لكي (لا نرتاب) في علاقتنا التعاقدية مع بعضنا البعض وحدد في نفس الوقت (وظيفة) الكتابة في التعامل بين الأفراد منذ 1421هـ سنة. واذا نظرنا الى كثير من القواعد القانونية التي تشترط ان تتم المعاملة بمحرر خطي او ان يستدل به نجد انها تقبل البرقية او الرسالة المبرقة (التلكس) باعتبارها محررا خطيا. ومن المفترض ان تقبل هذه القواعد القانونية ايضا بالورقة المطبوعة المستخرجة من الحاسبة الالكترونية باعتبارها محددا خطيا. وفي كثير من الحالات يقوم أحد الطرفين بادخال البيانات من تلك البيانات من أجل نقلها الى الطرف الآخر الذي يقوم بعدئذ باعادة ادخال البيانات الى الحاسبة الالكترونية الخاصة به وبصورة عامة نلاحظ ان اشتراط الكتابة في العقود بموجب القانون الوطني يمكن ان يكون له واحد من الآثار الثلاثة التالية: في الحالة الأولى, تلزم الكتابة كشرط لصحة الاجراء القانوني الذي تتناوله, وبالتالي فان انتفاء الكتابة يترتب عليه بطلان ذلك الاجراء القانوني. وفي حالة ثانية, تلزم الكتابة بموجب القانون لأغراض الاثبات, فأي عقد من هذا النوع يبرمه الطرفان يمكن ان يكون صحيحا دون لزوم الكتابة, غير ان قابلية نفاذ العقد تظل مقيدة بقاعدة تتطلب اثبات وجود العقد ومحتوياته كتابة في حال التقاضي, وقد تكون لهذه القاعدة بعض الاستثناءات. وفي حالة ثالثة تلزم الكتبة بغية التوصل الى بعض النتائج القانونية المحددة التي تتجاوز مجرد اثبات العقد. وقد بذلت عدة محاولات لتعريف مصطلح الكتابة لكن هذه المحاولات قد اشارت الى طريقة الفعل على الواسطة لا الاشارة الى طبيعة الواسطة نفسها ومثال ذلك انه بموجب قانون التفسير لعام 1978م في المملكة المتحدة نجد ان مصطلح الكتابة يشمل الضرب على الآلة الكاتبة, والطباعة والتصوير الفوتوغرافي واستنساخ الكلمات في صور مرئية. وهو تقريبا نفس التعريف الذي ورد في البند 1 ـ 201 (46) من المدونة التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا نلاحظ انه كلما استخدم التشريع تعبير "الكتابة" بدون تعريف, يكون المشروع قد توقع اصلا ان تكون الكتابة على الورق أو على واسطة مادية أخرى تسمح بقراءة الكلمات مباشرة من جانب البشر. 4 ـ اشتراط وجود الأصل: تمثلت القاعدة العامة للاثبات في وجوب تقديم الوثائق والسجلات الأخرى الى المحكمة في شكلها الأصلي للتأكد من ان البيانات المقدمة الى المحكمة هي نفس البيانات الأصلية, بيد انه في السنوات الأخيرة, أدى التوفير الكبير الذي يمكن تحقيقه بتخزين صور بالميكروفيلم أو بسجلات الحاسبة الالكترونية للوثائق الورقية الأصلية واتلاف الأصول, الى ان تسمح كثير من الدول باستخدامها كدليل محل الأصل. ومن الممكن تحويل البيانات من الوثيقة الورقية الأصلية الى الحاسبة الالكترونية بطرق مختلفة, فيمكن تخزين صورة من الوثيقة في شكل عددي واستنساخها فيما بعد في شكل مرئي عند الحاجة اليها. بيد ان تسجيل البيانات الجوهرية فقط المثبتة في الوثيقة يعد أقل تكلفة. وفي هذه الحالة الأخيرة, لا يكون الشكل المرئي للوثيقة, عند انتاجه, هو نفس شكلها الاصلي, ولذلك يمكن ان تسجل ايضا, في بعض الحالات, اجزاء من الوثيقة ذات اهمية خاصة, مثل التوقيع. وبالرغم من ان تكنولوجيا نقل الوثائق الورقية الى سجلات الحاسبة الالكترونية تختلف عن التكنولوجيا المستخدمة في تصوير السجلات بالميكروفيلم للتخزين فان المشاكل القانونية تتشابه. فأولا, لا تسمح البيانات الملتقطة قبل نقلها الى الشكل الجديد اللازم للتخزين. وثانيا , من الممكن ان لا تكون محتويات السجل الورقي الأصلي قد التقطت ونقلت بدقة, الى سجل الحاسبة الالكترونية. وهذه مشكلة نادرة الحدوث عندما تكون البيانات ملتقطة آليا من سند ورقي تم طبعه أو نسخه في حروف مطبعية مصممة للالتقاط الآلي. وهي حادثة أكثر احتمالا اذا ادخلت البيانات في الحاسبة الالكترونية باعادة ضبط رموزها. وثالثا , يتعرض سجل الحاسبة الالكترونية الى تغييرات لاحقة مقصودة او غير مقصودة. ولكن هذه مشكلة شائعة في جميع سجلات الحاسبات الالكترونية, وعليه فان الوثيقة المرسلة الكترونيا على أية واسطة تعد اصلا له نفس القيمة كدليل اثبات كما لو كان على الورق بشرط استيفاء الشروط التالية: ان صفة الاصالة مضافة على الوثيقة من منشىء المعلومات; ان تكون الوثيقة موقعا عليها وان تكون مقبولة ضمنا او صراحة من خلال اقرار المرسلة اليه الوثيقة بتقبلها. 5 ـ شروط التوقيع: كثيرا ما توثق المستندات الورقية الأصل بتوقيع شخص مأذون. ورغم ان التوقيع يكون عادة بخط اليد الا انه يجوز في كثير من البلدان ان يتم التوقيع بواسطة ختم أو أية وسيلة أخرى آلية او الكترونية. وتتوفر تقنيات للتحقق من وصول الرسالة المنقولة عبر وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية, وكذلك التحقق من هوية مرسل هذه الرسالة او مصدر الشريط الممغنط او غيره من أجهزة ذاكرة الحاسبة الالكترونية. ويبدو ان هذه التقنيات توفر ضمانا لصحة الوثيقة يساوي على الأقل الضمان الذي يوفره التوقيع ومع ذلك فقد لا يقبل في جميع البلدان التوقيع بوسائل الكترونية على صحة رسالة الكترونية. وعلى الرغم من ان التوقيع بخط اليد او صورته المطابقة للأصل المستنسخة آليا, هو شكل مألوف ونافع في المستندات المتبادلة بين طرفين يعرف كل منهما الآخر, الا ان الشخص الذي يعول على المستندات كثيرا ما لا تتوافر لديه اسماء الاشخاص المخولين بالتوقيع ولا نماذج التوقيع للمقارنة. وحتى في حال توافر نموذج للتوقيع المعتمد لغرض المقارنة قد لا يستطيع سوى الخبير كشف التزوير المتقن. وحيثما تجري معالجة عدد كبير من المستندات, فانه نادرا ما تقارن التوقيعات الا في أهم الحالات. وقد استحدثت تقنيات شتى لتوثيق المستندات المرسلة الكترونيا. واذا اتبعت الاجراءات السليمة, لا يحتمل ان ينجح اشخاص غير مأذونين في استخدام بعض تقنيات التوثيق المستخدمة حاليا في نقل المستندات من حاسوب الى حاسوب آخر. وتوثق بعض تقنيات التشفير مصدر السند وتحقق سلامة محتوياته, ويبدو من المؤكد الى حد معقول انه حيثما استخدمت هذه التقنيات لا يستطيع طرف ثالث فك شفرات الرسائل اثناء فترة زمنية معينة, لكن الاعتراف القانوني الذي ستلقاه هذه الأساليب لا يزال موضع قدر كبير من التشكك, خصوصا في الدول التي يشترط فيها القانون التوقيع على مستند معين بخط اليد. وما دامت المحاكم لم تفسر القانون بما يتضمن اعتبار الشكل الإلكتروني للتوثيق بمثابة "توقيع" فانه من المحتمل الا يزول هذا التشكك الا بالتشريعات. ومن أهم المسائل التي يجدر أخذها في الاعتبار مسألة المدى الذي ينبغي لهذه التشريعات ان تذهب اليه ونذكر على سبيل المثال, وظيفة التوقيع الاساسية, النظير الوظيفي للتوقيع في العمليات العاجلة, المعيار القانوني للتوقيع الالكتروني, معيار الأمن عند تحديد معنى التوقيع, العناصر التي تؤثر على مقدار الثقة في صحة التوقيع, التفويض بالتوقيع. 6 ـ المسؤولية: من المتوقع ان يتسبب انتشار ارسال المستندات من حاسبة الكترونية الى أخرى فيما بين المؤسسات الخاصة والعامة, في مشاكل تتعلق بالمسؤولية لا يسهل حلها بتطبيق القواعد التقليدية. وبعض مصادر الخطأ او التأخير في ارسال واستقبال الرسائل تختلف اختلافا واضحا عنها في حالة استخدام وسائل اخرى للاتصالات السلكية واللاسلكية. ورغم ما يبدو من اختلاف القواعد المختصة بالمسؤولية ايضا. فان معالم المشكلة غير واضحة, ولم يجر حتى الآن الا قليل من البحث في الموضوع. ومع ذلك فان القواعد الخاصة بالمسؤولية عن التقصير او الخطأ يجب ان تأخذ في الاعتبار الاتصال كأحد العناصر الرئيسية في تحديد مسؤولية الطرف الذي تقع عليه تبعة التقصير في الابلاغ بالعرض او قبوله او في غيرهما من الوسائل التي يقصد بها ان تكون ذات أثر قانوني, وما هو واجب المرسل في التأكد من اكتمال البيانات المرسلة او دقتها وما هو واجب المتلقي باخطار المرسل اذا كانت الرسالة غير مقروءة او غير واضحة وما هو الموقف عند ما يتراسل طرفا علاقة من خلال طرف ثالث, وهل يستطيع الطرفان الاتفاق على تحديد الجهة التي تقع عليها المسؤولية في حالة ارتكاب مقدم الخدمة مخالفة او تقصير. وفي الاطار التعاقدي هل يمكن ان تنحصر القواعد المنطبقة على متعهد الشبكة في القواعد التي يوافق عليها المتعهد نفسه والمدرجة في عقد الخدمة المبرم بين المتعهد وعملائه, ومن هو المسؤول عند ما تنشأ صعوبات اخرى وخاصة اذا مرت رسالة معينة عبر اكثر من شبكة واحدة. وعلى العموم هل يمكن ان يؤدي الاتفاق التعاقدي بشأن المسؤولية الى وضع غير متوازن أي هل يتحمل كل طرف المسؤولية عن أي ضرر مباشر ينشأ او ينتج عن أي إخلال متعمد بالاتفاق أو عن أي تقصير او تأخير أو خطأ في ارسال أية رسالة او تسلمها او العمل بموجبها, وهل يكون أي من الطرفين مسؤولا تجاه الآخر عن أي ضرر عرضي او تبعي ينشأ او ينتج عن أي اخلال او تقصير او تأخير او خطأ. وخلاصة القول ان المستند الورقي التقليدي مقبول كدليل بسبب خصائصه المادية, أما المستند الالكتروني فانه مختلف لأنه يتخذ شكل وسيط مغناطيسي يمكن تغيير محتواه في أي وقت. غير ان وسائل الاتصال الورقية ليست سوى وسائط لنقل المعلومات, ومن الممكن انشاء تقنيات تهيئ للتبادل الالكتروني للبيانات خصائص تجعله مكافئا للورق او متفوقا عليه, لا كوسيلة لنقل المعلومات فحسب. وهنالك الكثيرا من "العقبات" القانونية في سبيل استخدام التبادل الالكتروني للبيانات ليست عقبات حقيقية بل هي عادات راسخة منذ أمد طويل ويجب التخلص منها اذا أريد تحقيق أقصى استفادة ممكنة من استخدام التبادل الالكتروني للبيانات.. ومن أمثلة تلك العقبات: الفهم الخاطئ الشائع الذي مؤداه ان المعاملات التي تستخدم فيها الوثائق القابلة للتداول متمثلة في كتابات موقعة بخط اليد لا يمكن تبادلها بالتبادل الالكتروني للبيانات. ونلاحظ أيضا ان التبادل الالكتروني للبيانات يتطور داخل فراغ تشريعي بسبب عدم وجود التنظيم القانوني الخاص به نظرا لعدم وجود قوانين نافذة او سوابق قضائية او تقاليد قانونية تعترف بقيمته وتبعاته القانونية; مما يؤدي الى وجود فراغ قانوني خطير الشأن في هذا الصدد، كما أن المسائل القانونية للتبادل الالكتروني للبيانات ستكتسب أهمية متزايدة مع تطور استعمال التبادل الالكتروني للبيانات. ويمكن القول بان مؤتمر وزراء الصناعة والاتصالات في مجموعة الدول الصناعية الكبرى الذي عقد في بروكسل بتاريخ 25/2/1995م وما دار فيه من مناقشات حامية حول طريق المعلوماتية السريع, خير دليل على أهمية التبادل الالكتروني للبيانات .