يتميز السوق التجاري بوجود بضائع وخدمات مماثلة، فهناك سوبر ماركت في كل شارع رئيسي تقريبا في المدن الكبيرة، وقد توجد عشر مطاعم في ركن واحد من الشارع، وهناك مكاتب سياحية تزيد على المائة في مدينة واحدة، فلماذا هذا الازدحام والتنافس في تقديم خدمة واحدة؟؟ وفي الواقع لم تنشأ هذه المنافسة لمجرد المنافسة فقط، بل لوجود حاجة إلى خدمة خاصة، فقد يكون هناك محطتا بنزين متقابلتان على شارع واحد، ولكن الهدف هو خدمة السائق من طريق قدومه، فإن الدوران في الشوارع قد يسبب الحوادث، لذا فان وجود محطتي البنزين على طرفي الشارع لا يعتبر منافسة، ولكن كل واحدة منهما تقدم خدماتها لفئة معينة من الزبائن من حيث جهة حركتهم وتنقلهم. لا مبرر للمصارعة! المصارعة في المنافسة لا تتوافق مع الأعمال التجارية الصغيرة، فإن الانصراف إلى متابعة أخبار المنافس والعمل على التغلب عليه أمر يأخذ الكثير من الجهد والمال الذي عادة لا تتحمله ميزانية الأعمال التجارية الصغيرة، ويتم ذلك عادة في ميادين الشركات الكبيرة ذات الفروع العالمية، حيث إن الاستثمارات كبيرة، والنجاح والبقاء هو أمر ضروري، والتخلف عن المنافس قد يقضي على الشركة الكبيرة مما يضر بأموال المستثمرين، ويعتبر من تقصير الإدارة في مهماتها. من التاريخ نستفيد إن متابعة الكثير من الشركات والأعمال التجارية التي اختفت يعطي درسا مفيدا عن شر المنافسة وخطرها، فإن ترقب ومتابعة أعمال الشركات المنافسة هو سبب الفشل، بينما كان النجاح حليفا للشركات التي وضعت لها خطا معينا من الأعمال، وسعت إلى البقاء معه وعدم النظر للمنافسة والتوسع قبل الأوان. وفي السجلات التاريخية قصة سلسلة من المطاعم السريعة التي رغبت في الانتشار السريع، ورغبت في قفل الباب أمام المنافسين لها فاشترت أراضي تمثل نقاط التقاطع الرئيسية على الطرق الهامة، وهذا التصرف كلفها الكثير من المال، وحجز الأموال في استثمارات معطلة، وأدى هذا التصرف المستعجل إلى القضاء على هذه السلسة من المطاعم السريعة التي ألقت بكل اهتمامها للمنافسة والصراع مع المنافسين. فالعمل من أجل الانتشار والتوسع وتجاوز المنافسين الصغار أو القضاء عليهم يؤدي إلى نمو غير طبيعي، وهذا بذاته تشوه في دنيا الأعمال، كما هو تشوه في الطبيعة. وقد أجمعت الدراسات التي أجريت على شركات الإنترنت العديدة والتي بلغت المئات، ثم اختفت من السوق، على أن العامل المشترك بينها في الفشل هو التوسع والانتشار من غير مبرر لذلك وفي زمن قصير جدا. النجاح حليف المثابرة إن جميع الأعمال التجارية تبحث عن النجاح، وليس النجاح موقوفا على تدمير أو القضاء على المنافس، بل إن النجاح هو نتيجة المثابرة والتركيز على العمل والاستمرار فيه، وفي قصة سباق الأرنب والسلحفاة، عبرة وحكمة، حيث إن السلحفاة البطيئة وصلت إلى النهاية على الرغم من عدم وجود مقارنة بين سرعتها وسرعة الأرنب. إلا أن المشي المتزن والمستمر أوصل السلحفاة إلى خط النهاية، بينما بقي الأرنب يقفز هنا وهناك بين الأشجار وبين الطرقات وهو مطمئن إلى أن سرعته تضمن له النجاح والفوز، ولكن ذلك لم يحصل. وجود المنافسة ضرورة وتعمل الحكومات على حماية التصنيع المحلي أو الإنتاج المحلي، ولكن في نفس الوقت تشجع على المنافسة الداخلية، لأن فوائد المنافسة عديدة وصحية وضرورية لنجاح الأعمال والتنوع في الخدمات. إن المنافسة في التجارة هي جزء من تكوينها، بل إن فقدان المنافسة يعتبر ظاهرة اقتصادية سيئة، فهذا يعني الاحتكار، والاحتكار يؤدي غالبا إلى الغلاء والى سوء الخدمات، فعدم وجود المنافس يساعد على التراخي وعدم الاهتمام. لذا فإن المنافسة ظاهرة ضرورية وصحية لكل المجتمعات، وفي المجال التجاري تؤدي المنافسة إلى تصحيح المسار للكثير من الأعمال والأسعار أيضا. النجاح مع المنافس!! إن النجاح ليس في التغلب على الآخرين وإلغاء المنافس وإخراجه من السوق، بل إن نجاح العمل ذاته مع وجود المنافسين هو نجاح مضاعف، ويجب أن يشعر صاحبه بالفخر لبقائه وسط المنافسة، فهذا دليل على وجود سوق خاص به، ودليل على وجود من يفضلونه عن الآخرين بالرغم من وجودهم. كما أن المنافسة بذاتها قد تكون دافعا للنجاح، بحيث يبحث التاجر عن الجودة وعن الإتقان وعن التميز بالخدمة، فهذه العوامل جميعها تساعد على البقاء والنجاح في ظل منافسة حامية. وسيزداد النجاح عندما تكون المنافسة ليست مبنية على إخراج الآخرين من السوق، بل لتقديم الأفضل أو الجديد أو الأقل تكلفة. وكما يقال فإن كثيرا من الاختراعات والتحسينات في المواد والخدمات الجديدة كانت نتيجة المنافسة والبحث عن التميز عن الآخرين. ***