**إن أموال الاستثمار وأموال التوفير تتحرك كالسوائل ولكن بشكل معاكس، فهي تنساب من المنخفض ربحا إلى الأعلى ربحا، فمستوى الربح هو الذي يوجه حركة الأموال، وهذا القانون يقضي بأن يكون مستوى الأرباح دائما متقارب جدا بين الشركات والأعمال، وهذا شبه واقع في عالم الاقتصاد. ونسمع ونقرأ أحيانا عن مساهمات مالية أو مشاريع تقدم للراغبين أرباحا كبيرة ومغرية، وتصل في كثير من الأحيان إلى مستوى أعلى مما تقدمه المشاريع التجارية الأخرى، ويقدم على هذه المشاريع ذات الأرباح المغرية صغار المستثمرين، وأحيانا كبارهم، لما فيها من إغراء غير معقول، فنجد أن الإعلان أو المشروع يتعهد بصافي أرباح تزيد عن 15-25% سنويا مع ضمان كامل لرأس المال، مع تطمينات أخرى كثيرة كأن يكون تحت إشراف شركة عالمية، أو أن القائمين بالمشروع هم من كبار رجال الأعمال، وأن مشاركتهم والعمل معهم هي أرباح إضافية للمساهمين أو المشاركين.. أو أن المشروع يقدم خدماته في عدة قارات أو مدن .. فهل هذه الإعلانات أو العروض والمشاريع صادقة فيما تعد به؟ قامت دراسة حول هذه الشركات الكبيرة التي ظهرت فجأة ولمعت ثم اختفت، أو انهارت انهيارا أثر على المئات من المستثمرين، وافقدهم أموالهم واستثماراتهم التي كانوا يطمعون في رؤيتها تتضاعف، فإذا بها تختفي. الطبيعة الإنسانية هي السر!! تقول الدراسة: إن القائمين على هذه المشاريع يعتمدون على نظرية في علم النفس والاقتصاد، وهي أن المال وحب تملكه غريزة موجودة عند كل الناس، لذا فإن الإعلان عن وجود وسيلة لتنمية المال القليل ليصبح كثيرا وبسرعة وبأمان، هي عوامل تشد صاحب المال إلى الالتفات إليها، والتفكير فيها، وهذا بذاته يكفي لإقناعه بأن هناك فرصة عظيمة لتنمية ماله بسرعة أفضل من حاله الحالي، لذا فإن الرحيل إلى هذه الوسيلة هي مغامرة أفضل من مغامرته الحالية القليلة العائد (في ظنه أن كليهما مغامرة). ظهور موسمي!! في هذه الدراسة الاقتصادية الشيقة، وجد الباحثون أن شركات جمع الأموال تظهر عندما تكون السوق المالية سيئة والأرباح منخفضة، فتأتي في الوقت المناسب الذي يكون صاحب المال يبحث عن وسيلة أفضل لتنمية ماله بدلا من القنوات المالية المتوفرة، والتي لا تعطي العائد المشجع له على الاستمرار فيها، فعندما تقدم مثل هذه العروض فإنها تلقى القبول النفسي لدى المستثمر الغاضب، خاصة إذا صاحبها إعلان مميز وحملة تشجيع على المشاركة، مع تطمين على سلامة الشركة والمال. أعمال مشبوهة: وتظهر الدراسة أيضا أن أكثر من 90% من هذه الشركات أو المشاريع مشاريع غير نظيفة ماليا أو غير نظيفة تجاريا، فهي غالبا ما تكون تعمل مستفيدة من وجود خلل في نظام معين، أو تعمل على الاستفادة من ثغرة مؤقتة، غالبا ما تقفل سريعا، مما يبرر فشلها، ويبرر الاعتذار عن عدم عودة المال لأصحابه، لأن المشروع من أساسه كان قائما على الاحتيال أو الاستفادة من ثغرات نظامية أو قانونية، أو قائما على علاقات شخصية تتهاوى حال انكشاف أمرها أو حدوث أي تغير في الأفراد. وتقول الدراسة إن اكثر هذه الشركات والمشاريع انتهت إلى نهايات سيئة إما بتجريم أصحابها أو هروبهم بأموال المساهمين والمشاركين. المغامرة لها ثمن !! النظرية تقول كلما كبر الربح كلما كبر الخطر على ضياع المال. والمغامرة لها ثمن، فقد يكون هذا الثمن ربحا إضافيا ومكاسب كبيرة، وقد يكون ضياع المال واندثاره.. وهذه نظرية اقتصادية حقيقة، وهي تمثل الواقع، فإن بعض المؤسسات المالية تحقق أرباحا كبيرة، وقد تكون هذه الأرباح شرعية، ولكنه الأموال مرت في قنوات ومسالك خطرة كانت ستؤدي إلى ضياعها. فمن المعروف ان الإقراض للشركات يتم وفق قدرتها المالية على السداد وموقفها المالي بشكل عام، وعندما تكون الشركة في حالة مهزوزة، فان إقراضها يعتبر مغامرة، لذا فإن المقرض يطلب تعويضا عن مغامرته أرباحا أكبر، وهذا يزيد في سوء الوضع لدي الجهة المقترضة، وقد يؤدي إلى إفلاسها أيضا وضياع القرض إذا لم يتحقق الوفاء بالربح الكبير. بل إن أكثر المؤسسات المالية والتي تحقق أرباحا غير عادية مقارنة بمستوى السوق، غالبا ما تكون تعمل في هذه الحقول الملغومة، والتي تحقق الأرباح الكبيرة. النصيحة الصادقة!! لذا فإن النصيحة التي يرددها جميع الخبراء الاقتصاديين بأن إغراء الأرباح الكبيرة يجب أن يكون علامة تحذير وليس علامة تشجيع للمشاركة، وينصحون أصحاب الأموال القليلة بعدم الدخول في هذه المشاريع لما فيها من مغامرة قد تودي بكل مدخراتهم، وإن كانت هناك رغبة ملحة فإن المشاركة يجب أن تكون ببعض المال لا بجميعه.. ويجب ترك هذه المغامرات للقادرين على تحمل نتائجها السلبية فيما لو حدثت، وهي كثيرا ما تحدث. ***