الرياض- د. يوسف الزا
أخذ العالم منذ النصف الأخير من القرن العشرين يتشكل في اتجاهات لم تكن معهودة في القرنين الماضيين من الألفية الماضية، فبعد أن كانت الدعوة إلى القوميات والوطنيات والدولة ذات التاريخ أو العرق أو الجنس أو اللغة أو الثقافة الجزئية المحدودة أخذت الدعوات الجديدة تتخطى ذلك إلى التكتلات الإقليمية أو الجغرافية أو ذات التراث والفكر والعقيدة والثقافة الأوسع شمولاً لتنصهر من خلالها القوميات الصغيرة في كتل اتحادية يجمع بينها أسس تجانس مشتركة سياسية واجتماعية وتراثية وفكرية ودينية واقتصادية ذات اتجاه موسع واحد، وذلك كالاتحاد الأوروبي الذي أصبح يتمخض في محصلته النهائية إلى دولة واحدة تنتهى فيها الفواصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، هذا في غرب العالم الإسلامي وشماله...والتوقعات أن يستمر ايضا اتجاه دول شرق آسيا نحو التكتل والاتحاد لتصبح كتلة قوية في شرق العالم الإسلامي وشماله. ولاشك أننا ندرك أن قارة أمريكا الشمالية بأكملها قاب قوسين أو أدنى من تشكيل اتحاد كامل يمكن أن يشكل مع الاتحاد الأوروبي كتلة غربية مهولة من حيث القوة الاقتصادية والتقنية العسكرية، يقابلها من الناحية الأخرى كتلة شرقية مهولة يمكن أن تتشكل قريباً تضم الاعداد الرهيبة من السكان الصينيين واليابانيين والكوريين ذوي الفكر والثقافة والتاريخ والاقتصاد والتراث الواحد، والذين يتمتعون بمعدلات نمو اقتصادية غير عادية.... أين نحن؟ لا شك أن هذه الصورة تبدو شديدة الظلام والسواد بالنسبة لما يمكن أن تنشئه من أخطار تحدق بالعالم الإسلامي الذي يعاني تخلفا وتفككًا وتحللاً وتشرذماً لا يحسد عليه. وما يمكن أن ينادي به المفكرون والمصلحون والعلماء وأهل الغيرة الدينية والرأي والثقافة في العالم الإسلامي هو أن تعلق مجموعات من هؤلاء الجرس لحركة تكامل تبتدئ ثقافية، أو تدعو مؤتمر القمة الإسلامي أو البنك الإسلامي للتنمية أو غيرها من المؤسسات نحو وضع خطط طويلة المدى يبدأ في تطبيقها عبر فترات زمنية طويلة كما فعلت أوروبا. لكن الذي يبدو ممكنا في أوروبا وشرق آسيا، قد لا يكون ممكناً في العالم الإسلامي، لأن هذا العالم تعود، أولاً، شعوبه إلى أجناس متعددة الثقافات والقوميات والجذور التاريخية، وتمتد عبر مناطق مختلفة التضاريس والجغرافيا والأعراق.....والسبب الأكثر تأثيراً في اختلاف الطبيعة في العالم الإسلامي عن الكتلة الشرقية أو الغربية أن العامل الناجح في توحيد هذا العالم لم يكن في أي فترة تاريخية إلا العامل الإسلامي الديني الذي يبينه الله تعالى بقوله (وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم". من يدق الجرس ولقد قدمت دراسات ليست بالقليلة عن تكامل العالم الإسلامي، وما كان ينقصها إلا أن تتبناها إحدى الجهات أو المؤسسات التنفيذية أو التخطيطية على مستوى العالم الإسلامي وتعمل على تطويرها أو الدعوة إلى مبادئها، ومن الدارسات التي يمكن الإشارة إليها على سبيل الإيجاز كتاب "صيغة مقترحة للتكامل الاقتصادي بين بلدان العالم الإسلامي: اختيارات وبدائل" للدكتور عبد العليم خضر 1403هـ والذي بين في مقدمته ضرورة التكامل للعالم الإسلامي، فهم يشكلون ربع سكان العالم، لكنهم لا يساهمون إلا بـ5.5% من إنتاج العالم مع تناقص نمو الإنتاج الزراعي قياساً إلى نمو السكان، ما يشكل خطراً على الأمن الغذائي في هذا العالم، ويجعله معرضاً للتلاعب بقضاياه الحيوية استغلالاً لحاجاته المتزايدة إلى الخبز اليومي. ومن الدراسات المهمة أيضاً ما أعده المعهد الإسلامي للبحوث و التدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بعنوان The Theory of Economic Integration And Its Relevance To Oic Members Countries للدكتور A. Kadir D. Satiroglu. وقد عرض الباحث ست مراحل للتكامل تمتد من مرحلة الاتحاد الجمركي حتى مرحلة الاتحاد الكامل، وكذلك أوضح الكتاب عوامل تحقيق التكامل والآثار المحتملة على رفاهية المجتمع والعالم الإسلامي. تكامل نقدي وفي هذا السبيل تمت كتابات أكثر تخصصاً، تتناول حقلاً معيناً يكون جانباً من جوانب التكامل، ومن ذلك حقل التكامل النقدي والذي قدمتُ فيه بحثاُ متواضعاً بعنوان " نحو نموذج قياسي إسلامي للطلب على النقود؛ حالات دول الخليج وبعض الدول العربية والإسلامية المختارة" والذي أعد نموذجاً قياسياً إسلامياً واقعياً للطلب على النقود، ثم تم تطبيقه على مجموعات من الدول في العالم العربي والإسلامي، واستخدم في هذا البحث معدل عائد المشاركة في الربح مقارناً بسعر الفائدة، وقد أظهر البحث أهمية كبيرة لدور عائد المشاركة في معدل الربح داخل النموذج مع أولوية كبيرة أيضاً للتكامل، وذلك لما تظهره من فعالية عندما يطبق النموذج على مجموعات الدول العربية الإسلامية مقارنة مع الحالات الفردية لكل دولة. وبعد المؤثرات الدولية التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001 ومع تفاعل قضية فلسطين مع التحديات اليهودية والصهيونية واتجاه العالم نحو الراديكالية والتطرف الديني وما يسمى باليمين المسيحي المتطرف يبدو منطقياً أن تزداد اتجاهات شعوب العالم الإسلامي وقواه نحو المناداة بجهود جادة للبدء في عمليات التكامل لمواجهة الخطر الغربي المسيحي اليهودي. وفي هذا السبيل هناك الكثير من الكتابات التي أخذت تظهر على صفحات الويب مثل (العولمة في المنظور الإسلامي – نحو وحدة الأمة موقع aslamna.com) وعلى مستوى أقل فإن الاتحادات الإقليمية كاتحاد الخليج العربي بدأت تسرع خطواتها أكثر مما كان مخططاً لها، وبدأ يظهر تلاحم أكبر بين الجماهير وبينها وبين قياداتها، بل برزت بعض القيادات التي بدأت تدعو إلى التكامل، وأخذت تنادي بالبدء بالتكامل على شكل ثنائي، ومن ذلك ما نادى به رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد في مقالة تم نشرها قبل أسابيع وذلك لمواجهة المخاطر المحدقة بالعالم الإسلامي .