بقدر ما كان الرجل مهموما تبدو عليه ملامح الحيرة بدأ متفهما لانشغالي عنه بسماع القصص الكثيرة التي كان يحكيها لي البعض عن ذويهم . و عندما لم يجد مفرا أمامه آثر الانصراف على أن يأتي الي في اليوم التالي . وجاءني و جلس يقص حكايته أو على الأصح حكاية ابنته " ذات السبعة عشرة ربيعا و التي بدأت تتغير أحوالها فجأة و تتصرف تصرفات مريبة فتسرق النقود و الذهب من المنزل دون أن يعرف أحد أين تذهب بهما .و بعد أن فرغ الرجل من حكايته طلبت منه أن يحضر الفتاة فأتى بها . وجلست أقرأ عليها فوجدت أنها ممسوسة من الجان و نطق الجني على لسانها . فعرفت منه انه هو الذي يدفعها الى السرقة واخبرني انه ليس وحده فهناك جني آخر يسكن جسدها. و بعد مفاوضات و قراءات متكررة خرج الجني السـارق و لكنه لم يقل أين أخفى الذهب المسروق . وبعدها بدأ الجني الآخر يتكلم على لسان الفتاة و ظل يتفـاوض معي لمدة سنة كاملة. و خلال هذه الفترة كان يجهش بالبكاء كلما سمع سورة الصافات و يصمت في بقية الرقية. و مع ذلك فقد كان لا يتورع أحيانا عن عمل مقالب مع أهل الفتاة و مع الفتاة نفسها. اذ انه أحيانا كان يقص شعرها بالمقص و أحيانا يؤذي اخوانها وأخواتها وأحيانا يتكلم معهم في البيت وأحيانا يختفـي عنها ثلاثة أو أربعة أيام ثم يعود اليها ثانية .و كان والد الفتاة قد اشترى شريط الرقية و اخذ يسمعه لابنته مرة بعد مرة . وذات يوم و بعـد سمـاع الشريط قام الجني برمي الفتاة من فوق الدرج و لول عناية الله لماتت و مرة أخرى وأثناء سماع الشريط أخذها الجني و صعد بها فوق السطوح يريد أن يرميها في الشارع و لولا ارادة الله التي تدخلت فقيد لها والدها ليصعد وراءها و ينقذها في اللحظة الأخيرة لقضت الفتاة نحبها.و من المقالب الظريفة لهذا الجني انه كان يسرق النقود من المنزل و يشتري بها حلـوى يقوم بتوزيعها على أخوانها بالمنزل و كان يسرق الذهب أيضا و كنت أقوم بالضغط عليه فيعيده مرة ثانية. واستمر الحال على هذا المنوال عاما كاملا كما قلت الى أن أراد الله تعالى ـ و كنت أقرأ على الفتاة ـ أن يستسلم الجني و يعلن خروجه نهائيا من جسدها. و في اليوم الذي خرج فيه كان يرتجف ارتجافا شديدا أثنـاء القراءة و يبكـي بكاء حـارا ..والحمد لله أصبحت الفتاة تتصرف بصورة طبيعية كأي انسان عادي غير اني طلبت من والدهـا مراجعتـي بعـد اسبوع .. وعندماعاد بها بعد انقضاء الاسبوع قرأت عليها فلم أجد أثرا للجني الذي ذهب الـى غيـر رجعة باذن الله . و كان الفضل لله تعالى ثم لصبر والدها الذي احتمل معي لمدة عام تفرغ فيه لابنته تماما وهذا ما نرجوه من آباء المرضى الذين يجب ألا يضيقوا ذرعا بمثل هذه المشاكل ، ففي الصبر النجاة و الله المستعان.