**اسم الكتاب :العولمة **اسم المؤلف : الدكتور عبد الكريم بكار **الناشر:دار الإعلام للنشر والتوزيع / الأردن طبعة أولى 2000م كلمة العولمة كلمة درجت على كل لسان، وأصبحت إحدى مفردات الصحف والنشرات والندوات في هذه السنوات العشر الماضية، ولاقت هذه الكلمة اهتمامات كل المفكرين في كل مجالات العلوم سواء العلمية أو الإنسانية. ولكن بداية ماذا تعنى هذه الكلمة، كثرت التعاريف، واختلفت وتنوعت، وكل يصبغها بصبغة فكره واتجاهه، فهناك من يراها الاستعمار الجديد، وهناك من يصفها بأنها فخ للعالم الثالث صنعه العالم الأول، وهناك من يرى فيها وسيلة ليكون العالم كله دولة ديمقراطية واحدة، وقد نسمع التحذير منها، ونقرأ أيضا عن ضرورة الاندماج فيها ومعها، ونظل في حيرة في تعريف هذه الكلمة التى لا تعرف أبا يمكن أن ننسبها اليه، ولكن الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه القيم "العولمة " حل لنا هذه الحيرة وقدم تعريفا فريدا وكافيا لإيضاح معنى هذه الكلمة في عقل القارئ فهو يقول عن العولمة في ص 103 : " العولمة ليست فكرا ولا تيارا ولا أزمة ولا اتجاها، إنها وضعية كونية جديدة تخترق كل مجالات الحياة، وتترك بصماتها على مختلف جوانب العيش والتعامل ؛ وما ذلك إلا لأنها نتائج لجملة من التطورات الكبرى التي حدثت على نحو جوهري في العالم الصناعي". من هذا التعريف الواضح يستمر المؤلف في تفسيراته المنطقية لظهور العولمة، فهو يرى أن التوسع والانتشار والرغبة في الملك والسلطة هي جزء من مركبات الإنسان، بل إنه يمكن لنا أن نقول نظريا إن الأديان السماوية الكبرى والمذاهب الأرضية كانت تسعى لعولمة الثقافات المختلفة بما تطلبه من تجديد ونسخ للقديم، ومن هنا نرى أن العولمة ليست بالشيء الجديد، ولكن الجديد هو وجود أمة واحدة أو مجتمع واحد يصبغ العالم بصبغته وهنا نظر للعولمة نظرة استنكارية أو نظرة مريبة. والولايات المتحدة الأمريكية هي الرائد الآن في صبغ العولمة بالصبغة التى تريدها، وهي تستطيع ذلك وتفعله في الواقع لأنها هي الأقوى صناعة وعلما ومالا وسلاحا، وعندما تجتمع مقومات القوة هذه عند أي بلد أو مجتمع فإنه سيتمكن من تغيير لون العولمة بما يريد، ولنا من شواهد التاريخ ما يؤيد ذلك، فقد كان الإمبراطورية الإسلامية هي التي تلون عولمة القرون الوسطى لأنها كانت هي القوة المنفردة في حقول المعرفة والمال والسلاح، ثم انتقلت هذه المقومات إلى أوروبا، ومنها الآن إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ويذكر المؤلف شيئا من علامات انفراد أمريكا بصبغ العولمة بصبغتها فالناتج القومي الأمريكي في عام 1997م بلغ 7100 مليار دولار ويقارنه بالناتج القومي المصري الذي بلغ في نفس السنة 46 مليار فقط. أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية على جيشها نحو 270 مليار دولار وهذا المبلغ يزيد عن ميزانية الدول العربية مجتمعة. وثقافيا نجد أن الإعلام الأمريكي بأفلامه ومسلسلاته يمثل أو يدخل في 75% من بث العالم التلفزيوني. وتستخدم اللغة الإنجليزية في 88% من مدخلات ومخرجات شبكة الإنترنت، وهي وسيلة الثقافة العصرية. ولكن السنن الطبيعية وبراهينها من التاريخ تقضي بأن عناصر القوة هذه ستنتقل من أمريكا إلى مكان آخر والى مجتمع آخر، أي ان العولمة ليست من إنتاج الولايات المتحدة ولكنها تتلون بلون الولايات المتحدة في زماننا الحاضر. وحيث إن الولايات المتحدة تلون الكون بمزاجها فإن هناك من لا يرتاح إلى هذا التلوين ولكنه لا يستطيع منعه، وهنا تكمن عيوب العولمة. وهذا الكتاب يشرح لنا ما هي العولمة وطبيعتها وتحدياتها والتعامل معها، فالمؤلف لا يخيفنا من العولمة بل ينظر إليها بأنها جزء من تاريخ البشرية والحكمة هي في التعامل معها وليس ضدها، فالتعامل معها يكسب المشترك مكانا في هذا العالم الذي لا يعترف إلا بمن يعمل ويشارك فيه. والدكتور بكار يقدم اثنتي عشرة توصية جميلة ومقدوراً عليها للمشاركة في هذا العرس الكوني، يبدؤها بنشر الوعي بالعو لمة ويقول : "إن أول خطوة على طريق التعامل مع العولمة يجب أن تتمثل في توعية الناس بطبيعة العولمة ؛ إذ أن هناك جهلا عظيما بهذه الظاهرة. ونظرا لتشتت ردود فعل المثقفين عليه وحيث تجد المحبذ والخائف والمهاجم والمتفائل والمتشائم، فان نوعا من الارتباك ساد صفوف الشباب حيال تنظيم موقف واضح من العولمة". فإذا توفر هذا الوعي يمكن أن نستفيد من توصيات الدكتور بخلق إطار مرجعي للتعامل معها ورفض الاستسلام، وتجذ ير الفروق الثقافية، وتجديد الثقافة والمساهمة الفعلية في التقدم التقني والعمل الإسلامي المشترك الذي يركز عليه الكاتب كثيرا ويرى أنه ممتد الآفاق واسع الخيارات حين تتوفر النية الحسنة، وذلك من خلال تفعيل المؤسسات الإسلامية القائمة حاليا، وتنسيق المواقف السياسية والثقافية في الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، وتنسيق السياسات التجارية بين الدول الإسلامية من أجل تحقيق تجمع ضاغط يضمن حماية المصالح الإسلامية عند الغير. واعتماد الإنماء التكاملي بين الدول الإسلامية. إنه كتاب قيم وقيمته الفعلية في وضوح الرؤية عند الكاتب وسلاسة وتتابع الأفكار مما يسهل على القارئ فهم العولمة وحسناتها وعيوبها فهما مستنيرا وواقعيا .