المعارك التي تحتدم كل ليلة تقريبا بين الوالدين وأطفالهما حول الكلمتين البسيطتين الأطفال والنوم هي معارك تكاد لا تسلم منها أسرة من الأسر. وهذه الخصومة الليلية قد تثير أعصاب الأم والأب اللذان يخيل إليهما أن أطفالهما قد جاؤوا إلى الدنيا وفيهم الرغبة والاستعداد للسهر إلى ساعة متأخرة من الليل. والوالدين بحذرهما لو شعرا بالضيق من جراء هذا التضارب في الأشكال التي يتخذها الأطفال خلال الساعات القليلة التي تسبق موعد النوم فهما في ذلك يهمان في أن ينال الطفل كفايته من النوم حرصا على سلامته ونشاطه في اليوم التالي وثانيهما يهمهما أن يرتاحا ويسترخيا سويعات قبل النوم مخففين من صراخ أطفالهما ووقع أقدامهم الصغيرة التي لا تكل ولا تمل. ومع أن أشكال النوم قد تتنوع وتختلف باختلاف الأفراد إلاّ أنه قد تبين للعلماء بأن هناك أشكالا عامة محددة كامنة في فيزيولوجية النوم ثم انهم في كل يوم يحرزون تقدما جديدا في أبحاثهم التي ترمي إلى اكتشاف بعض أوجه التشابه والاختلاف بين أشكال النوم عند الأطفال وأشكاله عند الكبار.ولقد شبه أحد علماء النفس المراحل التي يجتازها الإنسان أثناء تنقله كل ليلة بين حالتي اليقطة والنوم بالمسكن ذي الأربع غرف التي يتخللها رواق يتنقل النائم عن طريقه بين تلك الغرف أما هذا الرواق فيمثل في مراحل النوم فترة حركة العين السريعة REM وهي فترة يقع فيها معظم ما يراه النائم من أحلام. إن الأطفال والكبار على حد سواء يكونون أثناء الفترة المبكرة من دورة النوم المسائية دائمي التنقل الخاطف بين تلك الغرف أو المراحل بدءا من أخف مراحل النوم أي المرحلة الأولى وانتهاء بالمرحلة الرابعة وهي مرحلة النوم العميق وتكون عضلات النائم أثناء هذه المرحلة مرتخية تماما أما نشاطه الدماغي فيكون بطيئا. وعندها يكون النائم في أبعد حالاته في عالم النوم حيث تشتد صعوبة إيقاظه من سباته ولكن إحدى مفارقات النوم هي أن الوالدين اللذين لا يستيقظان عادة حتى هزيم الرعد يستطيعان سماع بكاء رضيعهما وهذا التناقض ينم عن وجود الحقيقة التالية وهي أننا حتى أثناء النوم نظل دائمي التجاوب مع بيئتنا ونبقى على استعداد للانفعال مع إشارات الإنذار مثل التي يطلقها بكاء الطفل. وبعد أن يقضي النائم حوالي ساعة ونصف الساعة في فراشه أي بعد أن يجتاز المراحل الأربع كلها من النوم الخفيف إلى النوم العميق تبدأ فترات حركة العين السريعة تحدث بصورة رئيسية خلال الثلث الأول من الليل إذ إن حركة العين السريعة تحدث عند النائم كل تسعين إلى مائة دقيقة وتتكرر طوال الليل. وخلال فترة حركة العين السريعة أي خلال فترة الحلم تحدث إثارة قوية في الدماغ وهي علة حدوث الأحلام المرئية وفي نفس الوقت تتلقى الجملة العصبية الهيكلية أوامر بألا تتحرك لأن المناظر المرئية في تلك الحالة لا تعدو كونها أضغاث أحلام. ولو أتيح لنا أن نقيس النبضات الكهربائية المتولدة في الدماغ أثناء فترة نوم حركة العين السريعة لرأينا حدوث حركات مفاجئة هي نتاج تبدلات حادة سريعة ومع أن الجسم يكون مشلولا لمدة ساعتين أو نحو ذلك في كل ليلة أثناء فترات حركة النوم السريعة (بفضل الأوامر الصادرة إلى الجملة العصبية الهيكلية الوارد ذكرها) فإن الحدقتين تبديان تحت الجفنين المنسدلين حركات سريعة خاطفة وقد تنقبض الأصابع تقبضا يفسره بعضهم بأنه عنصر مرافق للمرئيات التي يحدثها مركز الإبصار في القشرة الدماغية. وتشير نتائج التجارب التي أجريت على أفراد محرومين من فترات حركة العين السريعة أي فترات الأحلام تشير إلى أن هذه المرحلة من مراحل النوم وكذلك الأحلام التي تحدث أثناءها ضرورية للسلامة العاطفية والجسمانية للأطفال والكبار. وهي ضرورية للأطفال بشكل خاص نظرا إلى أن النوم الذي تتخلله الأحلام يساعد على تمثل الذكريات الجديدة وتلقن المعلومات الإضافية واكتساب طرق مستحدثة لأداء الأعمال وهذه وظائف على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لكل طفل صغير وهذا قد تكون له علاقة بفترة النوم الطويلة التي يحتاج إليها الرضيع. ولا يقتصر الأمر على أن الأطفال الصغار ينامون اكثر من سواهم فحسب، بل أن فترات نوم حركة العين السريعة (الأحلام) لديهم تساوي أيضاً ضِعفَي تلك الفترات عند الكبار. ولم يقطع المختصون برأي جازم حول علة ذلك فالنقاش بشأنه ما يزال قائماً. ولو أن هناك نظرية قد تكون أقرب إلى الواقع من سواها، تقول إنه لما كان تفاعل الرضيع مع بيئته هو بهذا القدر من الندرة، فيعني ذلك أن نوم حركة العين السريعة ضروري للرضيع كمحرض داخلي يساعد على استخدام وتطور الجهاز المركزي للأعصاب مما يعوض الرضيع خسارته للمحرض الخارجي. وربما كان مما يدعم هذا الرأي هو ملاحظة ما يحدث للطفل الخديج. فهذا الطفل بسبب عدم اكتمال مدة الحمل الطبيعية به، يتطلب جسمه مزيداً من عوامل الاستثارة والتنبيه كي تكون عوناً له من أجل تطوره العصبي. وهكذا فإن فترة نوم «حركة العين السريعة» عند الطفل الخديج تكون أطول من فترات نوم الرضع المولودين بعد اكتمال المدة الطبيعية للحمل. وشيئاً فشيئاً وخلال فترة نمو الطفل، تتضاءل حاجته إلى نوم «حركة العين السريعة» حتى ينضج. وعندها تحتل هذه الفترة خمسة وعشرين بالمائة من دورة النوم. وهنالك سؤال يتعلق بنوم الطفل يثيره كل أب وكل أم بغض النظر عن سن طفلهما وهو طول المدة اللازمة لنوم الطفل. والمدى الذي يستطيع به الوالدان تكييف عادات نوم طفلهما بحيث لا تتضارب مع حاجاتهما. طالما سمعنا أن ثماني ساعات من النوم هي مدة كافية بالنسبة للشخص الكبير، والواقع أن المعدل هو سبع ساعات ونصف. ولكن معدل نوم الأطفال مختلف عن ذلك اختلافاً كبيراً. فالوليد الجديد قد ينام كل يوم ست عشرة ساعة أو اكثر. والمدى الفعلي لساعات نوم الرضيع هو بين اثنتي عشرة ساعة واثنتين وعشرين ساعة يومياً. وعندما يبلغ الطفل العام الأول من عمره تكون مدة نومه قد أصبحت تتراوح بين اثنتي عشر وثماني عشرة ساعة في اليوم. ولكن يستحيل على الوالدين أن يحددا العدد الصحيح لساعات نوم طفلهما وذلك راجع إلى الفروق في نسبة التطور بين طفل وآخر، وإلى التباين بين المدد التي يمكن اعتبارها طبيعية لهذا الطفل أو ذاك. ولكن ما يسعى إليه الوالدان خلال العام الأول من حياة طفلهما ربما كان إحداث تغيير عام في شكل نومه. ومن الملاحظ أن التبدل الرئيسي الذي يطرأ على الطفل عند بلوغه العام الأول من عمره ليس عدد ساعات نومه، وإنما أسلوب نومه وكذلك تبدل إيقاعات النوم واليقظة لديه. فعندما يقل عمر الرضيع عن شهر واحد، فإنه قد يكون مستعداً للنوم المتواصل ثلاثاً أو أربع ساعات دفعة واحدة. وتتخلل فترات النوم لحظات من اليقظة. ومن بلوغ الرضيع شهره الخامس إلى السادس تأخذ تلك الفترات في الاختلاط ببعضها. وفي الأشهر التي تلي ذلك من عمر الطفل تأخذ فترات النوم في الانتقال شيئاً فشيئاً إلى ساعات الليل، وانتقال فترات اليقظة، إلى ساعات النهار (تتخللها فترات من النوم القليل) بحيث يصبح مجموع الساعات التي ينامها الطفل ذو العام الواحد من عمره في النهار ثلاثاً أو أربع ساعات. أما في الليل فإن الطفل ينام بين إحدى عشرة واثنتي عشرة ساعة. وهنا تتباين الحاجة إلى النوم تبعاً لتباين مقدار تطور الطفل واختلاف البيئة التي يعيش فيها. ولا تتطور عادة النوم عند كثير من الأطفال تطوراً يجعلهم ينامون الليل بطوله، قبل أن يبلغوا من العمر ما بين عام ونصف وعامين. ففي هذه السن يختفي معظم ما يسمى «مشاكل النوم» والمشكلة على كل حال كامنة في طبيعة توقعات الآباء والأمهات إذ أن كثيراً من هؤلاء يتوقعون ألا تتجاوز فترة ازعاج الطفل لهم إلى حد إيقاظهم من النوم ليلاً، يتوقعون ألا تتجاوز هذه الفترة ستة إلى تسعة أشهر. فهذه التوقعات غير الواقعية عند الوالدين هي لب المشكلة. وهنالك أسئلة يطرحها كثير من الآباء والأمهات حول موضوع قيلولة الطفل أو فترات نومه اليسيرة. وهم يتساءلون عن طول فترات القيلولة وعن السن التي ينبغي أن ينصرف الطفل فيها عن هذه العادة. وللجواب على مثل هذه الأسئلة يقول بعض الاختصاصيين أن فترات القيلولة أو لحظات النوم الخاطفة هي جزء أساسي لا غنى عنه لعملية تطور النوم عند الطفل. وتبدل هذه الفترات يعتبر التبدل الرئيسي الذي يطرأ على الطفل حتى سن الخامسة. وقد دلت إحدى الدراسات على أنه حتى السنة الثانية من العمر يهجر ثمانية بالمائة من الأطفال عادة القيلولة تماماً. وحتى العام الثالث تكون نسبة من يهجرون هذه العادة اثني عشرة بالمائة. وحتى السنة الرابعة ترتفع النسبة إلى 36%، حتى إذا ما بلغ الأطفال الخامسة من أعمارهم يكون 95% منهن قد تركوا هذه العادة. ويدعو أحد المختصين الآباء والأمهات إلى الامتناع من إرغام الطفل على القيلولة أو تحديد مدة استمرارها. فالقيلولة كالمشي من حيث إنها عادة تنشأ تنشئة ولا تفرض بالإكراه. لذلك يجب أن يترك الطفل وشأنه حتى إذا أغفى أثناء النهار كان إغفاؤه تلقائياً. وسعي الوالدين إما لفرض القيلولة على الطفل أو إرغامه على الاستيقاظ منها ليس إلاّ من قبيل خلق المعارك بينهما وبين الطبيعة ذاتها. وإذا ما أرغم الطفل على القيلولة نهاراً فإن على الوالدين أن يتوقعا كثرة استيقاظه ليلاً لذلك ينبغي للوالدين أن يراعيا أحكام الأشكال التطورية للنوم عند الطفل وان يشجعاها بدلاً من أن يكافحاها. إن من الأسباب التي تسبغ أهمية كبيرة على قيلولة الطفل الصغير، أن الطفل يحتاج إلى قسط كاف من النوم كي يظل سليماً نشيطاً. والحقيقة هي أن نقص النوم يؤثر علينا جميعاً تأثيراً سيئاً. ويزداد ذلك وضوحاً عند الأطفال. فإذا لم يحصل الطفل على كفايته من النوم عاد إلى أشكال سلوكه المبكر عند إحساسه بالتعب وقد اتضح ذلك بالدليل والبرهان. إذ كلما ازداد إحساس الطفل بالتعب والإرهاق قلت قدرته على التحكم بمنعكساته. لذلك قد يعمد إلى ضرب أخيه أو أخته أو الإلحاح في التقدم بطلباته. إن السؤال حول علة ذلك هو سؤال لا يخلو من تعقيد ولكن الظاهر هو أن النوم على المستويين النفسي والكيميائي، ولا سيما النوم المصحوب بالأحلام فيه قوة ترميمية لأقسام الدماغ التي تؤثر على سلوك الإنسان. وهنالك كثير من الآباء والأمهات الذين يظلون يصارعون أطفالهم بشأن موضوع النوم سنوات طويلة، وفي بعض الأحيان تبدأ هذه المعارك والطفل ما يزال رضيعاً. لذلك ينصح بعض المختصين الآباء والامهات بألاّ يحولوا النوم إلى مشكلة كبيرة، وألاّ يجعلوا النوم ميدان صراع بين الطفل وذويه، وأن يحاولوا فهم موضوع التطور. فهناك مراحل في حياة الطفل ينفر فيها من قضية الابتعاد عن والديه لحظة. ونوم مثل هذا الطفل قد يكون معناه عزلة في غرفة مجاورة تبعده عن أمه وأبيه. لذلك يجب على الوالدين ألا يلجئا إلى القسوة. ولا يعتقد بعض المربين بصحة النظرية التي تدعو الأم أو الأب إلى ترك الطفل يصرخ نصف ساعة ولمدة خمس ليال متواليات يمل بعدها وينام ثم تنتهي خصومات النوم إلى الأبد. فإذا كان الطفل نشيطاً متوثباً لا تبدو عليه علامات التعب ذات ليلة. فلا بأس من السماح له بالسهر فيها قليلاً. كذلك إذا لاحظ الوالدان بأن طفلهما يعاني من مشكلة قوية تدفعه إلى الخوف من مفارقتهما فلا بأس من إبقائه معهما ومشاركته اللعب والحديث والقراءة إلاّ أن يغلبه الكرى. وإذا أفاق الطفل الصغير ليلاً كان لابد من الإسراع إلى مهده وتهدئته. إن القضية الأساسية هنا هي مقدار الإزعاج الذي يسببه سلوك الطفل لوالديه. وليس هنالك دليل يثبت أن الطفل الذي يقل نومه عن ثماني ساعات أو عشر أو اثنتي عشرة ساعة في اليوم، يعاني مشكلة ما. ولكن هنالك من جهة ثانية دليل على أن الحاجة إلى النوم تختلف بين طفل وآخر، وعلى أن الأطفال بوجه عام ينالون ما يكفيهم من النوم