يكثر الحديث عن الآخر وعن علاقتنا به ، فما هو موقف الفكر الإسلامى من الآخر ؟ والجواب : أنه انعقد في دولة الكويت مؤتمر «نحن والآخر» تحت رعاية سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر الصباح، نظمته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت في الفترة من 6: 8/3/2006، وركز المؤتمر على ما الذي يجب أن نفعله نحن قبال الآخر، وذلك بعد أن نفهم ما الذي يريده الآخر منا، وما الذي نريده من الآخر، والتركيز هنا على واجباتنا نحن لقوله صلى الله عليه وسلم : «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول»(1). كما أنه عالج أيضا "نحن" أي: العلاقة فيما بين المسلمين بعضهم مع بعض، وحضر المؤتمر نحو ثلاثمائة من العلماء والمفكرين والباحثين من كافة أركان الأرض، ومن جميع الدول من المسلمين وغير المسلمين، من السنة والشيعة، وخرج بتوصيات أولها: تكوين لجنة متابعة لتنفيذ قرارات المؤتمر. ولقد تشكلت فعلا وكانت أهم التوصيات هي البدء في بث فضائية باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية تبين صحيح الإسلام، واتفق المجتمعون جميعًا على أنهم سيكونون وراء هذه القناة بجهودهم وعلمهم وخبرتهم، وأنه قد آن الأوان لأن تبدأ هذه القناة الفضائية فورًا. ولقد قابل رؤساء الوفود سمو أمير البلاد صباح الأحمد الصباح الذي وافق على هذا المشروع من خلال دولة الكويت، وهذه القناة لازال المسلمون يتشوفون إليها ويطالبون بها خاصة في السنوات العشر الأخيرة. 1- إن هذه القناة يجب أن تقوم ببيان صحيح الإسلام، ولا تشغل نفسها بالردود ولا بالهجوم على الآخر، ويجب أن تبث باللغة العربية من أجل وحدة الداخل حتى تنصهر كل المذاهب الإسلامية والتيارات العاملة في بوتقة واحدة، وتكون وتحديات العصر كشيء واحد، بمطالب موحدة مع احتفاظ كل بمذهبه ومشربه، فإن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وهذه الوحدة الفكرية الثقافية مع بقاء التعدد لم تحدث بعد وإن كانت في غاية الأهمية. ونحن نتذكر ما كتبه الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله تعالى - حول دستور الوحدة الثقافية عند المسلمين، والذي دعا فيه إلى ما شعر به في هذا الشأن وكذلك باللغة الإنجليزية - وهي اللغة الأكثر انتشارًا في العالم الآن - من أجل خطاب عقل الآخر الذي يشتمل على الشرق والغرب، وإن كانت علاقتنا بالشرق علاقة بين متماثلين بخلاف علاقتنا مع الغرب الذي يرى في كثير من الأحيان أنه الحضارة الواحدة، أو من أن الحياة بنيت أساسًا على الصراع ولا تسير إلا به، أو يتبنى نظرية صدام الحضارات التي لابد فيها من غالب ومغلوب، أو لابد فيها من استعمار وهيمنة، وأن المكون العقلي لهذا التيار لن يتخلى عن هذا، وهو مخالف لجل الأديان في العالم، والتي ترى أن الأصل هو الوفاق لا الشقاق، وأن الصراع أمر حادث لكنه عارض، لا ندعو إليه في مبادئنا، بل نتعامل معه كحقيقة واقعة وليس كهدف مراد. 2- ينبغي أن تكون هذه القناة قناة حضارة تشتمل على الجانب الإخباري، وعلى الجانب العلمي، وعلى الجانب الوثائقي، وعلى الجانب التعليمي، وعلى الجانب الفكري، وعلى دراسة التاريخ، بالإضافة إلى دراسة السياسة والجغرافيا والاقتصاد من جهة نظر المسلمين، مع تطعيمها ببرامج الثقافة الدينية، ولا تكون قناة مختصة بالشأن الديني فقط؛ من تلاوة القرآن وشرح الأحاديث وبيان أحكام الفقه الموروث ونحو ذلك، فالهدف الذي ترمي إليه ليس هو حمل الناس على الإسلام، بل بيان صحيحه حتى يفهموا من هم المسلمون، وما هو الإسلام، فيكفوا شرهم عنا، ويمدوا أيديهم إلينا لبناء الحضارة والتعاون في المشترك، مع ترك المهاترات، والقدح في المصالح، وحب الاستعلاء في الأرض. فهناك فرق بين هذه القناة وبين كثير من القنوات العاملة التي تؤدي خدمة الدين للمسلمين - وهو أمر جليل في ذاته - ولكننا نهدف هنا إلى شيء آخر، وهو أن نجد للمسلمين قدما يضعونها في طريق مسيرة الحضارة الإنسانية في العصر الحديث. 3- ينبغي أن نحشد لهذه القناة كل الإمكانيات، ويجب عمل وقف يضمن استمرارها واتساعها وتلبية الاحتياجات المتزايدة كل يوم بشأنها، ووضع نظام دقيق يجعل الدفع ذاتيًّا، ويجب أن يشارك في هذه القناة الجهات الحكومية، وغير الحكومية، ورجال الأعمال، والمختصون، والمهتمون حتى تكون محضنًا لبناء الكوادر الإعلامية التي تخدم الإسلام كحضارة، وتخدم الإسلام كدين، وتخدم المسلمين كأمة لها تاريخها ولها واقعها، ونأمل من وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت أن يكون عنوان مؤتمرها القادم حول هذه الفضائية يقدم فيها الباحثون والخبراء والمختصون بحوثهم وخبراتهم وآراءهم فيها حتى إذا ما ولدت ولدت قوية، وحتى إذا ما استمرت استمرت باستراتيجية واضحة، تسير من نجاح إلى نجاح. 4- ولقد قامت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت في عهد وزيرها الأستاذ الدكتور عبدالله معتوق المعتوق بعمل أمانة لمشروع الوسطية، وجعلت عليه أمينًا عامًّا المفكر الإسلامي والعالم الكبير أ.د عصام البشير وزير الأوقاف السابق بدولة السودان، وهذه الوسطية - كمنهج حياة وكفكر ديني - هي التي ينبغي أن تشيع في الفكر الإسلامي الآن، وهي التي من خلالها صدر بيان عمان الذي اعترف بالمذاهب الإسلامية كلها، والذي كان بيانه الافتتاحي من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والذي تأكد وتأيد في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة في شعبان الماضي سنة 1426هـ، والذي وقعه أكثر من مائتي عالم ومرجع من مراجع الفقه الإسلامي في العالم. وهذه الوسطية هي التي ينبغي أن تكون استراتيجية هذه الفضائية. 5- ولعلنا بذلك - إن وفقنا الله - نكون مندرجين تحت قوله تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج78].
الهوامش: ----------------------- (1) هذا حديث مشهور أصله في الصحيحين؛ البخاري في كتاب «النفقات» باب «وجوب النفقة على الأهل والعيال» حديث (5355) من حديث أبي هريرة بلفظ: «أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول»، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة» حديث (997) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما بلفظ: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك».
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .