الإبادة الثقافية والعرقية

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

- مصطلح الإبادة الجماعية، والذي يعني حالات القتل المخطط والمتعمد لجماعة بشرية جزئيًّا أو كليًّا ظهر عام 1944م لدى الأستاذ الجامعي البولندي اليهودي الديانة رفائيل لمكن Raphael Lemkin لوصف أفعال النازي والتي لم تقتصر على اليهود بحسب كلامه، بل امتدت إلى إبادة بعض مجتمعات أوربا الشرقية، ثم شاع المصطلح بعد ذلك والتفت الناس إلى هذا المصطلح وتكلموا عنه ووصفوا به مجموعة من أحداث التاريخ، ولقد نعى القرآن على فعل فرعون في محاولته لإبادة بني إسرائيل واعتبرها جريمة شنعاء قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِى الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ}(1). وهناك تدمير وليام النورماندي للشعب الإنجليزي من 1066 حتى 1072م، وما فعله التتار من فظائع، وما فعله الأمريكان مع الهنود الحمر، والمستعمرون الإنجليز مع سكان أستراليا الأصليين وسكان تسمانيا، والألمان في جنوب غرب إفريقيا سنة 1904م حتى 1907م وما فعله الصرب في البوسنة والهرسك.
2- ولقد نجحت جهود (لمكن) طوال خمس سنوات بتجميعه توقيعات من دول مختلفة إلى نقل هذا الأمر إلى الساحة الدولية وبالتحديد عندما قامت الأمم المتحدة إلى إعلان قانون يحرم فعل الإبادة الجماعية باعتباره جريمة دولية. وتم طرح القانون في 21 يناير من عام 1951م إلا أنه لم يقابل بحماس كبير من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، حيث لم يوافق عليه فقط سوى فرنسا والصين، ثم انضمت إليهما روسيا (الاتحاد السوفيتي) في عام 1954م ثم تبعتها بريطانيا العظمى عام 1970م، وأخيرًا الولايات المتحدة الأمريكية عام 1988م، والتي ربما تكون مقتنعة بالإبادة الجماعية والعنصرية وتلويث البيئة حيث نراها دائما معارضة لهذا. وهو الأمر الذي أدى إلى تأخر تطبيق هذا القانون إلى التسعينيات من القرن العشرين عندما بدأ بالفعل في الدخول إلى حيز الوجود بعدما ظل مجرد حبر على ورق لمدة تصل إلى أربعة عقود كاملة، قد تضمنت مادة القانون خمسة أفعال تم وصفهم بهذا المصطلح ومن ثم تجريمهم باعتبارهم جريمة دولية وهم كالآتي:
‌أ- قتل أعضاء أي جماعة بشرية.
‌ب- التسبب بأضرار جسدية خطيرة أو عقلية لأي عضو من أعضاء هذه الجماعة.
‌ج- الإضرار المتعمد بالظروف الحياتية لأي جماعة بشرية والذي يؤدي بالضرورة إلى فنائها.
‌د- فرض قوانين وقياسات صارمة على أي جماعة بشرية يمنعها من التناسل والتكاثر.
هـ- نقل أطفال أي جماعة إلى جماعات أخرى.
3- أما الإبادة العرقية فقد ذكرها (لمكن) في مقاله المشهور (قوات المحور تحكم أوربا المحتلة) المنشور عام 1944م والذي قام فيه بتركيب المصطلح من أصول إغريقية ولاتينية مثلما فعل مع مصطلح الإبادة الجماعية، حيث يتألف المصطلح من الكلمة الإغريقية Ethnos والتي تعني (أمة) Nation والمقطع اللاتيني Cide والذي يعني (قتل) وقد قام (لمكن) بتقديم هذا المصطلح في هامش نفس الصفحة التي استخدم فيها مصطلح الإبادة الجماعية، حيث أكد أن أفعال النازي الإجرامية من الممكن أيضا وصفها بهذا المصطلح.
    وعلى الرغم أن المصطلحين (الإبادة الجماعية) و(الإبادة العرقية) تم تقديمهما معا في آن واحد خلال الأربعينيات من القرن العشرين لوصف الأفعال السادية للنازي ضد اليهود، إلا أن مصطلح الإبادة العرقية لم ينل نفس الحظ من الشهرة مثل مصطلح الإبادة الجماعية. وفي السنوات التالية لإعلان الأمم المتحدة مشروع القانون الدولي لتجريم الإبادة الجماعية واعتبارها جريمة دولية، بدأت الغالبية العظمى من علماء الاجتماع في استخدام المصطلح كأحد الفروع الثانوية لمصطلح الإبادة الجماعية والذي يقتصر فقط على وصف فعل إبادة جماعية بشرية لأسباب خاصة بالعرق فقط.

الإبادة الثقافية :
    غير أن مفهوم هذا المصطلح لم يقتصر على هذا المعنى فقط ولكن امتد ليشمل العديد من المعاني، فهو يشير كذلك إلى أي أفعال إجرامية تجاه عرق معين حتى وإن لم تؤدِ إلى إبادته بصورة كاملة، فيشير إلى الأضرار طويلة المدى مثل تقليل مواليد عرق ما، ومحاولات منع انتقال ثقافة مجتمع ما إلى أجياله القادمة، ومن ثم تفقد هذه الأجيال أي علاقة مع أجدادها، بل ويشير كذلك إلى محاولة البعض إزالة تاريخ عرق ما من صفحات التاريخ البشري كل ما يتعلق بهم من معلومات. وتؤكد المصادر أن هذا المصطلح أكثر استخداما من قبل الأقليات المضطهدة من مصطلح الإبادة الجماعية.
    ويتشابه هذا المصطلح كذلك مع مصطلح الإبادة الثقافية Culturecide بل ويتم استبدالهما مع بعضهما البعض دون الإخلال بالمعنى المراد. إلا أن كلا منهما يقع تحت النطاق المصطلحي للإبادة الجماعية، ومن ثَمَّ يمكن استخدام الإبادة الجماعية ليحل محل أي منهما دون الإضرار بالمعنى، ولكن علماء الاجتماع يؤكدون أن أهمية هذا المصطلح تكمن في قدرته على وصف الأعمال الإجرامية من قبل بعض الحكومات والتي تكون بمعدل قليل من العنف والوضوح لا يتناسب مع مصطلح الإبادة الجماعية، وأكد بعضهم الآخر أن هذا المصطلح يعد صورة أكثر اعتدالا من مصطلح الإبادة الجماعية والذي عادة ما يصاحبه مشاعر مخيفة وبشعة عند استخدامه.



الهوامش:
-----------------------
(1)
الآية 4 من سورة القصص.



المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .