إمامة المرأة في الصلاة

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

الصلاة عبادة شرعها الله بكيفيتها وهيئتها ، لم يجتهد في رسمها أحد ، وجعل الله لها شروط صحة ، وجعل كون الإمام ذكرًا شرطًا لصحة صلاة الجماعة ، وليس حقًّا للرجل ، ولا انتقاصًا للمرأة ، بل هذا أمر تعبدي في المقام الأول .
واتفق المسلمون على تكريم المرأة ، ورأوا أن منعها من إمامة الرجال من باب التكريم لا من باب الإهانة والانتقاص ، ومن أوامر الإسلام لهذا الغرض أيضًا أن الله تعالى أمر النساء أن يقفن خلف صفوف الرجال ؛ لأن صلاة المسلمين قد اشتملت على السجود ، فكان ذلك من قبيل قول العرب : « إنما أخرك ليقدمك »، فتأخير النساء في صفوف الصلاة ليس نوعًا من أنواع الحط من كرامتهن ، بل ذلك إعلاء لشأنهن ، ومراعاة للأدب العالي ، وللحياء ، وللتعاون بين المؤمنين ذكورًا وإناثًا على الامتثال للأمر بغض البصر .
وفي الحقيقة فإن مسألة « إمامة المرأة للرجال في الصلاة » ينظر إليها من زاويتين :
الزاوية الأولى : هي زاوية الواقع العملي للمسلمين ، وتطبيقهم الفعلي على مر العصور والدهور ، والثانية : هي التراث الفقهي ، والواقع النظري المعتمد لديهم .
أما عن الواقع العملي : فقد رأينا المسلمين شرقًا وغربًا ، سلفًا وخلفًا قد أجمعوا فعليًّا على عدم تولي المرأة للأذان ، ولا توليها لإمامة جماعات الصلاة ، ولا توليها لإمامة الجمعة ، فلم يعرف تاريخ المسلمين خلال أربعة عشر قرنًا : أن امرأة خطبت الجمعة وأمت الرجال ، حتى في بعض العصور التي حكمتهم امرأة مثل « شجرة الدر » في مصر المملوكية ، لم تكن تخطب الجمعة ، أو تؤم الرجال .
وبخصوص الواقع النظري من خلال النظر في نصوص الشرع والتراث الفقهي للمسلمين ؛ فإننا نجد الفقهاء قد عرفوا الإمامة بأنها : ارتباط صلاة المصلي بمصلٍّ آخر بشروط بينها الشرع . فالإمام لم يصر إمامًا إلا إذا ربط المقتدي صلاته بصلاته ، وهذا الارتباط هو حقيقة الإمامة ، وهو غاية الاقتداء .
أما ما ورد في هذه المسألة من نصوص الشرع الشريف : فقد ورد حديثان ؛ الأول : حديث ورقة بنت عبد الله بن الحارث : « أن النبي ( صلي الله عليه وسلم ) جعل لها مؤذنًا يؤذن لها ، وأمرها أن تَؤم أهل دارها » (1) ، والثاني : حديث جابر بن عبد الله في روايته لخطبة من خطب النبي ( صلي الله عليه وسلم ) حيث قال : خطبنا رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) . . . إلى أن قال عنه ( صلي الله عليه وسلم ) : « ألا لا تؤمن امرأة رجلاً ، ولا يؤم أعرابي مهاجرًا ولا يؤم فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه » (2) .
وقد ضعف بعض الحفاظ الحديث الأول كالحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال فيه : « في إسناده عبد الرحمن بن خلاد ، وفيه جهالة » (3) ، أما الحديث الثاني فقد ضعفه أكثر الحفاظ، فهو أضعف من الأول ، وقد ذكر فيه الحافظ أن في إسناده عبد الله بن محمد العدوي ، وقال : اتهمه وكيع بوضع الحديث ، وشيخه علي بن زيد بن جدعان ضعيف . (4)
أما عن تراث المسلمين الفقهي في هذه المسألة - وهو ما يمثل فهمًا صحيحًا للأصول العامة للشريعة خاصَّة إذا ما كان هناك إجماع عليه - فقد أجمع أهل العلم من المذاهب الأربعة ، بل المذاهب الثمانية ، وفقهاء المدينة السبعة على منع إمامة المرأة في صلاة الفريضة ، وأن صلاة من صلى خلفها باطلة ، وشذ أبو ثور ، والمزني ، وابن جرير ، إلى صحة صلاة الرجال وراء المرأة في الفرائض (5) ، وإلى هذا القول الشاذ ذهب كذلك محيي الدين بن العربي من الظاهرية .
وأما في النوافل وصلاة التروايح فجمهور الأمة كذلك على المنع ، وخالف بعض الحنابلة وقالوا بجواز إمامة المرأة للرجال في النفل والتراويح ، ومن ذلك ما ذكره ابن مفلح عن إمامة المرأة في الصلاة ، فقال : « تصح في نفل ، وعنه : في التراويح ، وقيل : إن كانت أقرأ ، وقيل : قارئة دونهم ، وقيل : ذا رحم ، وقيل : أو عجوزًا ، وتقف خلفهم لأنه أستر ، وعنه : تقتدي بهم في غير القراءة ، فينوي الإمامة أحدهم ، واختار الأكثر الصحة في الجملة ، لخبر أم ورقة العام والخاص » (6) .
ولذا فنرى ونفتي بما أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا ، قولاً وعملاً ؛ لقوة الأدلة ، ولعمق النظر ، وإنما نقلنا ذلك القول الشاذ من التراث الفقهي ؛ لأمانة العلم وليس لجعله هو المعمول به ، والدعوة للعمل بهذا القول الشاذ فيه اتهام للأمة سلفًا وخلفًا ، ولا تجتمع أمة المسلمين على ضلالة أبدًا ، فالإجماع حجة ، وبه ضبطت المسائل الفقهية الواردة في النصوص الشرعية .
والحكمة من إبعاد المرأة في « مسألة إمامة الصلاة » ؛ حتى تنسجم مع أمر الإسلام بالعفة والعفاف ، وأمر غض البصر للمؤمنين والمؤمنات على حد سواء ، وأمر ستر العورة والمرأة ، وعورتها في كل بدنها إلا الوجه والكفين ؛ ولذلك كله أمر الله النساء أن يقفن خلف صفوف الرجال ؛ لأن صلاة المسلمين قد اشتملت على السجود الذي به قد يتحدد جسد المرأة ويتكشف .
أمَّا ما يحدث في العالم الآن مما نراه ويراه كل أحد ، من الخلط بين مسألتي إمامة الجماعة ومسألة خطبة الجمعة ، فالأخيرة لم يجزها أحد ، فهؤلاء المخلطون ممن ينتمون إلى مدرسة المنشقين ، وهي تشتمل على تيارات عدة : بعضها ينكر السنة والإجماع ، وبعضها يتلاعب بدلالات الألفاظ في لغة العرب ، وبعضها يدعو إلى إباحة الشذوذ الجنسي ، والزنا ، والخمر، وإلى الإجهاض ، وإلى تغيير أنصبة الميراث ، ونحو ذلك مما نراه يبرز كل قرن تقريبًا ، ثم يخبو ويسير المسلمون في طريقهم الذي أمرهم الله به حاملين رسالة سعادة الدارين للعالمين ؛ ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ) [الرعد :17] .
ولعل هذا العرض الموجز قد أوضح حكم الشرع في تلك المسألة ، والله تعالى أعلى وأعلم .

------------------------------
(1)رواه أحمد في المسند ( ج6 ص 405 ) وأبو داود في سننه ( ج1 ص 161 ) والبيهقي في سننه الكبرى ( ج3 ص 130 ) والدارقطني في سننه ( ج1 ص 403 ) والطبراني في الكبير ( ج25 ص 134 ) وابن خزيمة في صحيحه ( ج3 ص 89 ) ولفظ ابن خزيمة : " أن نبي الله ( صلي الله عليه وسلم ) كان يقول : " انطلقوا بنا نزور الشهيدة " وأذن لها أن يؤذن لها ، وأن تؤم أهل دارها في الفريضة ، وكانت قد جمعت القرآن " .
(2) رواه ابن ماجه في سننه ( ج1 ص 343 ) والبيهقي في سننه الكبرى ( ج3 ص 90 ) والطبراني في الأوسط ( ج2 ص 64 ) .
(3) التلخيص الحبير ( ج2 ص 26 ، 27 ) .
(4)  التلخيص الحبير ( ج2 ص 32 ) .
(5) راجع الموسوعة الفقهية حرف الذال ذكورة : ( ج 21 ص 266 ) .
(6) الفروع لابن ملفح : (ج2 ص 16 ) .